ازمة لبنانالاحدثالصورة الكبيرة

سنة على اغتيال المدينة (١) د. عدنان منصور يكتب: من ٤ آب إلى ٤ آب، تخاذل سلطة وعجز قضاء

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

الإنفجار الرهيب الذي حصل في مرفأ بيروت ،نتيجة احتراق أكثر من 2000 طن من مادة نيترات الأمونيوم، والذي زلزل لبنان يوم ٤ آب 2020، وصنف على انه رابع اقوى انفجار شهده العالم في تاريخه القديم والحديث. هذا الإنفجار الكارثة أودى بحياة أكثر من مائتي انسان،وإصابة ستماية جريح، بالإضافة الى تدمير كامل او جزئي لٱلاف الشقق السكنية والمباني والمؤسسات والشركات.

زلزال أدى الى فاجعة إنسانية، وكارثة اقتصادية، واجتماعية، ومعيشية، على مختلف الصعد، لمئات الٱلاف من المواطنين، لا زالوا يعانون من تداعيات الإنفجار ونتائجه.

بعد عام من الإنفجار المدمر، يحق لذوي الضحايا، والجرحى، والنازحين عن منازلهم، والمتضررين الذين قطعت ارزاقهم، كما يحق أيضا لكل مواطن لبناني غيور على شعبه ووطنه، أن يتساءل ويسأل: ما الذي تحقق من الوعود التي أعطيت للبنانيين من قبل الجهات الرسمية اللبنانية العليا، لملاحقة المتسببين بالكارثة، والمتقاعسين عن اداء واجباتهم ، والمسؤولين المهملين، المخلين بواجباتهم الوظيفية، وعدم استخدام صلاحياتهم القانونية لتلافي هذه الكارثة!!

بعد عام من الإنفجار المدمر، يبدو أن الدولة بأجهزتها المختلفة تدور حول نفسها. لأنه تبين للبنانيين، ان جهات متعددة، مرتبطة بعمل المرفأ من جوانب متعددة، قانونية وعملانية ولوجستية مختلفة، بشكل مباشر او غير مباشر، وبصلاحيات متباينة ، منها صلاحيات واسعة ومنها صلاحيات محدودة. الا ان هذه الجهات جميعها تخضع لمؤسسات دستورية ولسلطة القانون.

وما دامت الأجهزة متنوعة ومتعددة الأهواء والإنتماءات السياسية، والحزبية، والدينية والطائفية والمناطقية، نجد ان ارتباطاتها بمراجعها العليا ، يجعل التحقيق القضائي، والجنائي، والامني، والمالي ، يواجه صعوبة الاداء السليم، واتخاذ القرار الحاسم، وتنفيذه مباشرة على الأرض. وهذا نتبجة للخلافات السياسية، والتباينات، والتجاذبات، والإعتبارات، وتاثيرات القوى السياسية من هنا وهناك. هذا،ما جعل الأمور والتحقيقات فيما بعد ،تشهد مزايدات الأطراف، وسجالاتها، ومناكفاتها، وتقاذفها الاتهامات المتبادلة، ورفع المسؤوليات عنها. هذا السلوك عرقل التقدم في التحقيقات الجارية، وشوه من صورتها وشفافيتها ، بسبب الضغوط ،والنفوذ، ووضع الخطوط الحمر التي يرفعها هذا أو ذاك في وجهها.

للأسف الشديد لم نتصرف في لبنان بعد هذه الكارثة الفظيعة ، التي طالت بالصميم الشعب اللبناني واقتصاده،ومجتمعه، وممتلكاته، وعمله، واستقراره ، مثل ما يتصرف المسؤولون في دول العالم الذين يحترمون انفسهم، ويحترمون شعوبهم، عندما يواجهون كارثة ما، ولو بحدها الادنى، ناجمة عن تعمد، أو اهمال او تقصير، وحتى دون ذلك، نجدهم على الفور يقدمون استقالتهم من مناصبهم، ويعربون عن اسفهم واعتذارهم لدولتهم وشعبهم عما جرى ، وايضا_ وهو الأهم_ لإفساح المجال أمام القضاء ليقوم بدوره بكل فعالية وجدارة،
ونزاهة ،دون التأثير عليه أو عرقلة لعمله، او ممارسة التهديد أو الابتزاز من اي جهة كانت .

هل يعقل حصول هذا الإنفجار الزلزال المهول في مرفأ بيروت ،دون ان يرف جفن مسؤول فيه، وتكون عنده شجاعة الرجال كي يقدم استقالته على الفور ليترك القضاء يأخذ مجراه الطبيعي.؟! بل على العكس ، وجدنا الجميع يتنصلون بشكل معيب ومريب من المسؤولية، حيث أن كل طرف رمى حمله على الطرف الٱخر، وكأنه يصدر قرارا يبرئ نفسه مسبقا من كل مسؤولية ، حتى يخال المرء أن كائنات فضائية تسببت بالكارثة وهي المسؤولة عنها!!

هل يعقل أمام هذه المأساة الفاجعة، وبعد سنة، ان ندور في حلقة مفرغة، كون الخطوط الحمر التي تحيط بهذا المسؤول او ذاك، ترفع في وجه القضاء،بذريعة تسييس القضية، واللجوء الى النكايات، وعدم الصلاحيات، والتقيد بالحصانات والإلتزام بها؟! هل فعلا نريد تحقيقا شفافا، نزيها، عادلا، لا يشوبه شائبة ،كي يوصلنا الى معرفة مخزني مادة النيترات، والمستفيدين منها، وأيضا المتسببين ، والمقصرين، والفاسدين، والمستهترين، والمتواطئين، والعابثين بأرواح الناس والبلاد ، وحتى لا نظل ندور في حلقة مفرغة ؟! كيف يمكن تحقيق العدالة ،وملاحقة المسؤولين عما حصل يوم الرابع من ٱب 2020، ولم يرفع حتى هذه اللحظة، الزعماء السياسيون أيديهم عن القضاء، وأن يتركوا القضاة بعيدا عن نفوذ وتأثير السياسيين ، وما يريدونه منهم؟!

هل يعقل ان يستدعي قاض مسؤولا ما للتحقيق، فيرد على القضاء بالرفض بذرائع واهية، تتعارض كليا مع جوهر الدستور ومنطق القانون؟!

عندما يواجه لبنان زلزالا مدمرا بهذا الحجم ، ثم يلجأ القضاء لاستدعاء من يجب استدعاءه لأخذ إفادته، والتحقيق معه، فلماذا ينبري البعض في المنظومة السياسية الحاكمة للتصدي للقضاء ، رافضين ذلك ، بذريعة ان الأمر من اختصاص المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ! وهل يتصور عاقل في لبنان أن هذه المنظومة السياسية المسؤولة عما حل بلبنان من انهيار اقتصادي ومالي ونقدي ومعيشي، ستسهل محاكمة الرؤساء أو الوزراء دون قيد أو شرط كي تأخذ العدالة طريقها الصحيح ؟! وهل هناك من ملف قضائي حساس، أقل أهمية وحساسية بكثير، من ملف الإنفجار الهائل في المرفأ، استطاع القضاء السير به حتى النهاية دون ان يكون للسلطة السياسية اليد الطولى في حرفه عن مساره، وطي صفحته؟! ولماذا الاصرار على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء؟! الأمن سيكون حصاة الذي يجب تحصينه من الملاحقة والعقاب ؟! وهل سيرضى كل فريق سياسي تسهيل مهمة المجلس الأعلى لمحاكمة وزير محسوب عليه، قد يترتب عن المحاكمة إدانة وحكما بحقه، وتحميله المسؤولية حيال ما حصل لجهة انفجار المرفأ ، أم أنه سيجد في هذا المجلس وتركيبته، وٱلية عمله ، ما يجمد ويبعد أي مساءلة او تحقيق مع رئيس او وزير أو مسؤول رفيع !!! عندها لن تكون مهمة المجلس لمحاكمة كبار المسؤولين، وإنما خشبة خلاص لهم لابعادهم عن اي تحقيق او محاكمة تجري بحقهم!

هل يحصل هذا في الدول التي تحترم نفسها، ويحترم المسؤولون فيها القضاء والقانون؟! وهل نحن على كوكب ٱخر ، لا علاقة لنا بهذا العالم كي نريد أن نروض القضاء ونطوع القانون لإبعاده عن محاكمة مسؤولين في ادارات المرفأ، مستهترين، فاسدين ،مهملين، كانوا السبب الرئيس في حدوث كارثة الإنفجار؟!

كيف يمكن لأقطاب السلطة الذين اعربوا عن عواطفهم الحساسة حيال الضحايا والجرحى وذويهم ، وتنافسوا فيما بينهم، منذ اللحظة الأولى للإنفجار، على إظهار عواطفهم الجياشة ، ونخوتهم واصرارهم على إجراء التحقيقات العاجلة، لمحاسبة المتسببين بالكارثة ، وتقاعسهم عن واجباتهم ، ومحاكمتهم ، ثم الدخول بعد ذلك في بازار المهاترات، والإتهامات ووضع الشروط والشروط المضادة، واللجوء الى الإجتهادات ، والتمسك بالقوانين ورفع لواء الدستور ، والحصانات، والإختصاصات، والغوص في متاهات التحقيقات ، وإطالة أمدها التي لا ندري متى ستنتهي.!

بعد مرور عام على وعد من وعد، بإنهاء التحقيق خلال أربعة أيام ، لكشف ملابسات الكارثة، وتوضيح الحقيقة الكاملة حولها، وإصدار نتيجة التحقيق، ولا زلنا على قارعة الإنتظار ،لا نعرف الى متى ، وإلى أين سيؤدي بنا الإنتظار!

هل يجرؤ أحد في الدول التي تحترم نفسها ويحترم المسؤولون انفسهم، ويحترمون شعوبهم ، على عدم المثول أمام القضاء إذا ما دعي اليه للتحقيق معه في مسألة ما ، أيا كان موقعه و مهما علا شأنه؟!
وهل فعلا أن المنظومة السياسية حيث أذرع أخطبوطها متشعبة في مرافق المرفأ ، وفروعه ومشتقاته من خلال الازلام ، والمحازبين، والمحسوبين، والمنتفعين، والمنضوين تحت لوائها ،على استعداد للذهاب الى نهاية الطريق؟! وهل لديها النية الكاملة لإتاحة الفرصة أمام القضاء العادل كي يأخذ مجراه، دون الالتفاف عليه وتقييده وتكبيله وشل حركته؟! وهل ستسمح المنظومة السياسية ايضا للقضاء، أن يكشف دون قيد أو شرط عن كل ما يحيط بملابسات الإنفجار الكارثة من قريب او بعيد ، وبكل ما يتعلق بالمسؤولين عنه، أيا كان المتورطون في الاهمال بنسب متفاوتة !!! أكان هذا الإهمال متعمدا لغايات. وأهداف بعيدة مجهولة لنا، أو كان نتيجة تقاعس وإهمال المسؤولين، والإخلال بواجباتهم الوظيفية ؟!

بعد عام من الكارثة، يريد اللبنانيون الحقيقة كاملة ، ويريدون إنزال اشد العقوبات بحق من تسبب بسقوط مئات الضحايا والجرحى، وتدمير جزء كبير من العاصمة، وشل اقتصادها.

بعد عام من الٱنفجار يتساءل اللبنانيون، عن مدى الإنجازات التي حققتها السلطة حيال المنكوبين ، وما قامت به لإزالة ٱثار الدمار، وعما اذا كانت هذه الإنجازات على مستوى المسؤولية الوطنية !

إن الدولة اللبنانية على المحك اليوم، ومطلوب منها، أن تلبي مطالب الجرحى وذوي الضحايا شهداء الوطن، وان تبذل قصارى جهدها لإغاثة المنكوبين والمهجرين،والعمل على مساعدتهم للعودة السريعة الى بيوتهم .

لا يمكن لذوي الضحايا والجرحى والمهجرين والمنكوبين القبول پأي شكل من الاشكال، سياسات التسويف أو المماطلة، أو المراوغة، او رهان السلطة على مرور الوقت ،وعلى النسيان .إنها قضية بحجم وطن وشعب ، لا يمكن السكوت عنها، او التراخي بشأنها .

لذلك يجب ان تكشف الحقيقة كاملة عبر القضاء الحر وباسرع وقت ، مهما كانت مؤلمة، لأخذ الدروس والعبر منها، وسوق المدانين الى العدالة، وتطبيق الحكم العادل بحقهم، على ما إرتكبته أياديهم السوداء، وما سببته من موت ودمار وخراب وتهجير ، وضرر معنوي ومادي فادح بحق البلاد والعباد.

بعد عام من الكارثة، يصرخ أهالي الضحايا ، ويصرخ معهم المتضررون ، وكل اللبنانيين في وجه المنظومة السياسية الحاكمة، ليقولوا لها بصوت عال: نريد الحقيقة ولا غيرها ، اليوم قبل الغد ،ونريد من العدالة محاكمة المتورطين، والمتخاذلين، والمسؤولين، والمقصرين، والمهملين والمسببين بالكارثة التي أدمت الوطن والشعب على السواء !

اللبنانيون بعد عام من الفاجعة المدمرة يقولون للمنظومة السياسية الحاكمة ،كفى تباطؤا، وكفى تواطؤا، وإعلان خطوط حمر، واللجوء الى اللف والدوران، والمراوغة والتمييع في ملف كارثة العصر !

في وجه أقطاب المنظومة السياسية الحاكمة، يرفع الشعب صوته ليقول لهم: لا تسيسوا ملف الإنفجار ، ولا تسيسوا التحقيقات، ولا تسيسوا قرار قاض يدعو مسؤولا ما للإدلاء بإفادته، بعد أن سيستم كل شيئ ، ولم تتركوا نافذة مفتوحة كي تطل منها العدالة ، وتصدر حكمها باسم الشعب على كل من لوث يده في ملف إنفجار المرفا. ألإنفجار الكارثة سيظل يشكل وصمة عار في جبين كل مسؤول متقاعس، مهمل، فاسد، فاشل، كان السبب في حدوثه ، والذي سيترك ٱثاره السلبية المعنوية والمادية على لبنان وشعبه لسنوات طويلة.

 

د. عدنان منصور، سياسي ووزير لبناني سابق للخارجية والمغتربين

د. عدنان منصور دبلوماسي وسياسي لبناني، كان وزيراً للخارجية والمغتربين بين 2011 وحتى 2014. التحق بالسلك الدبلوماسي عام 1974، وعمل في دوائر "وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية" في مديرية الشؤون السياسية والقنصلية ومديرية الشؤون الاقتصادية ومديرية الشؤون الادارية والمالية حتى عام 1978، ثم عُين قائماً بأعمال السفارة وقنصلاً في الخرطوم في السودان بين 1977 و1981، ثم أصبح مستشاراً للسفارة في أثينا في اليونان حتى عام 1984. بعدها عُين قنصلاً عاماً للبنان في ملبورن في أستراليا بين 1984 و1985، وقنصلاً عاماً للبنان في الإسنكدرية في مصر بين 1985 و1990، وسفيراً للبنان فوق العادة في زائير بين 1990 و1994، وسفيراً فوق العادة لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية بين 1995 و2007، بعدها سفيراً في بروكسل واللوكسمبورغ ولدى الاتحاد الأوروبي بين 2007 و2010. حاصل على وسام الكوموندور من الحكومة اليونيانية، ووسام الليوبارد من زائير، وبراءة الشرف والاستحقاق اللبناني العالمي من "الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم". حاصل على دكتوراه في العلوم السياسية، وماجستير في النظرية السياسية، وبكالوريوس في العلوم السياسية والإدارية من "الجامعة اليسوعية" في لبنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى