نظرة جديدة على الوثائق الإسرائيلية (1) كتب مجدي منصور
لعل حرب أكتوبر(تشرين)1973من الأحداث الهامة التي تحتاج إلى تجلية وايضاح. ولقد قررت منذ فترة العودة لتلك اللحظة ولذلك المشهد المهيب لدراسته وأخذ الدرس واستلهام العبر منه ، ولعل الأمة بأسرها اليوم بحاجة للوقوف بتأني وتؤده على ماضيها القريب الذى هو جزء من حاضرها اليوم واستخلاص عظاته.
ولعل ما صدر عن الجانب المصري من شهادات في هذا الشأن لم يقدم الكثير في ايضاح الحقائق وكشف الملابسات والاجابة عن التساؤلات المطروحة ، ولعل الناظر لكافة مذكرات القادة العسكريين المصريين مثل (سعد الدين الشاذلي ، و محمد عبد الغنى الجمسي و غيرهم) سيكتشف شيء في غاية الغرابة.
وهو أن مصر لم تكن تُحارب بجيش واحد بل بعدة جيوش ، فكل قائد ممن كتب له شهادته وروايته ورؤيته ووجهة نظره ، ومن أثر ذلك كله تفرعت الاتجاهات ، وتضاربت الروايات وتشاحنت الآراء وابتعدت المواقف وزادت الأسئلة وقلت الأجوبة مما سبب حيرة حقيقية مختلطة بلوعة آلم في عقول الشباب تحديداً.
ولعل تلك هي المعركة الحقيقية معركة «الوعى» التي يجب أن نخوضها بكل شجاعة وبسالة واجتهاد حتى تنجلي «الغمة» عن «عقل» الآمة الشريدة الحائرة البائسة.
لقد كانت حرب أكتوبر بمثابة لحظة زمنية اختلفت وتبدلت و تغيرت عندها الأفكار والأحداث والأشخاص من النقيض للنقيض.
ولعلني بتلك الملاحظة أمهد للقول بأن عالم البشر اليوم كما هو في كل يوم وخصوصاً وسط الصراعات الكبرى ليس فيه أنبياء يتلقون الوحىولا قديسين أوامرهم غالبة ، ولكن البشر هم البشر يجرى عليهم ما يجرى على كل البشر من نوازع الخير والشر ، والحب والكراهية ،والظلم والعدل ، والقناعة والطمع إلى ما في آخر اللغة من ترادفات.
ولعل مرجعي اليوم في النظر على حرب أكتوبر 1973 هو تقرير لجنة أجرنات الإسرائيلية وهى اللجنة التي أنشأتها الحكومة الإسرائيليةبقيادة (شمعون أجرنات) فور توقف الحرب من أجل معرفة القصور الذى شاب أداء كل من القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية في تلك الحرب ، ولقد أعُطيت تلك اللجنة كل الصلاحيات ومُكنت من الاطلاع على كل الملفات حتى السرية جداً منها ، بما فيها تقارير أجهزة المخابرات (العامة “الموساد” والحربية “أمان”) ، ثم إنها استجوبت الجميع ، الوزراء السياسيين (مائير، وديان، ايبان، جاليلىوغيرهم)، والجنرالات العسكريين (شارون ، زعيرا ، بيليد ، تالواليعازر ، بارليف وغيرهم).
ولقد ظل تقرير تلك اللجنة من يومها 1974 وحتى وقت قريب في طي الكتمان وممنوع نشره حتى سمحت الحكومة الإسرائيلية بنشر أجزاء منه بعد مراجعة الرقيب العسكري ، الذى قام بحذف الكثير من الفقرات تراوحت من سطر وحتى عدة صفحات ، ولكن عالم جليل د. إبراهيم البحراوي استطاع تكوين فريق عمل واستطاع تجميع التقرير وترجمته ونشره من خلال المركز القومي للترجمة وقد نشروا حتى الآن أربع أجزاء ، وكان آخر ما نُشر هي شهادة الجنرال دافيد العازر (رئيس هيئة الأركان وقتها) وشهادة الجنرال إيلي زعيرا (رئيس المخابرات العسكرية “أمان”) وهي ما أعتمد عليه في الحديث اليوم وهى تمتد على مدار (580) صفحة.
وقبل الدخول إلى ساحة العتبات المقدسة للموضوع أورد بعض الملاحظات:
• إن أحد الدروس التي استفادها العدو الصهيوني من تقرير (أجرنات) هو إنشاء أكثر من مركز لتقديم و إعداد التقديرات حول احتمالات الحرب بعد أن كان متروكاً للمخابرات العسكرية (أمان) وحدها حتى حرب أكتوبر والتي أثبتت فشلها في تلك الحرب نتيجة خطة الخداع الاستراتيجي المصرية والسورية.
• أنهم بالإضافة الى ذلك أسسوا وحدة تقديرات عكسية أسموها (هفخا مستبرا) أي “العكس هو الصحيح” ، ووظيفتها تلقى التقديرات التي استقرت عليها المخابرات العسكرية (أمان)والمخابرات العامة (الموساد) ومركز التقديرات في وزارة الخارجية ودراسة البدائل العسكرية لها لاستقصاء أي موقف من جميع احتمالاته المتناقضة للاستقرار عللا التقدير الأقرب للصواب.
• يجب التنبيه أن محور الأسئلة من لجنة التحقيق لكل القيادات السياسية والعسكرية يتمحور في محورين –
الأول: المعلومات التي توافرت لدى كل مسئول في يوم 13/9/1973 عندما أسقطت إسرائيل الطائرات السورية ، حول تحركات العدو ونواياه لشن الحرب ، وكذلك التقديرات والقرارات التي اتخذت في هذا الشأن.
أما الثاني: هو استعدادات الجيش الإسرائيلي والخطوات التي اتخذت في هذا الشأن من يوم 13/9/1973 وحتى يوم 6 أكتوبر 73 بوجه عام ، بخلاف الاستعداد طبقا للخطط الحربية التي كانت لدى الجيش الإسرائيلي.
• أنه لا يوجد مسئول سياسي أو عسكري (في كل ما اطلعت عليه حتى الان من شهادات) إلا وسألته اللجنة عن (عميل تسيفكا) إشارة الى «أشرف مروان» ، وكيف استقبلت وتعاملت القيادة السياسية والعسكرية مع تحذيره (أي مروان) الذى أرسله للمخابرات العامة (الموساد) قبل بداية الحرب بيوم تقريباً يحذرهم فيه من قيام مصر وسوريا بشن الحرب. وقد أفردت لتلك النقطة جزءً منفصلاً.
• لقد احترت في طريقة تناول شهادة زعيرا ، لأن التقرير بأسلوب الاستجواب أي سؤال و جواب ، ووجدت أن ذلك الاسلوب قد يكون غير مريح للقارئ ، ولهذا فضلت أن أستخدم أسلوب البانوراما أي الوقوف عند لقطات محددة وتسليط اكبر كم ممكن من الضوء عليها ، علها تظهر وتبين للناظرين بدون عدسات لاصقة أو مكبرة!
(1) قبل الدخول لشهادة الجنرالات .. مشاهد من بداية الحرب في القيادة الإسرائيلية.
سرى للغاية
محضر المشاورات بمكتب رئيسة الوزراء
تل أبيب، عيد الغفران6/10/1973 م ، الساعة 8:05 (سجل الاجتماع إيلي مزراحى)
شارك في الاجتماع : رئيسة الوزراء جولدا مائير ، ووزير الدفاع موشى ديان ، ورئيس الأركان الفريق دافيد إليعازر ، ورئيس المخابرات العسكرية اللواء إلياهو زعيرا ، ومساعد وزير الدفاع الفريق تسفى تسور ، والوزير يسرائيل جاليلى (وبعد ذلك انضم الوزير يجال آلون).
وزير الدفاع ديان يتحدث عن عدة أمور منها: إجلاء الأطفال من هضبة الجولان اليوم ، ومن جنوب سيناء ، ومن ابو رديس. من الممكن أن يقع هجوم على شرم الشيخ أو أبو رديس.
رئيسة الوزراء مائير: أقترح البدء في إجلاء الأطفال من الجولان من الآن ، وليس عشية العملية ، حتى نحرم السوريين من هذه المتعة.
وزير الدفاع ديان: بالنسبة للولايات المتحدة لقد أعلنوا حتى الآن أنهم لا يرون أن هناك تأهباً للحرب، بل إنهم لا يعرفون تفسيرا لترحيل عائلات الروس ، ويجب اجراء مناظرة مخابراتية معهم هنا وفى أمريكا من خلال مندوبنا هناك.
رئيسة الوزراء مائير: يجب أن يحدث اتصالاً معهم في ذلك الشأن لتوحيد الرؤى .
وزير الدفاع ديان: بالنسبة إلى الأردن، المعلوم حتى الأن أن هناك تبادلاً مكثفاً للبرقيات المشفرة بينهم وبين مصر وسوريا. سوريا ومصر لن تتركا الأردن. برقيات مشفرة (حذفت كلمتان بمعرفة الرقابة العسكرية الإسرائيلية). وأنا أقترح حالياً عدم توجيه تحذير للملك . بالنسبة إلينا كقيادة ، لو بدأت الرادارات الأردنية في العمل سنقصفها. سيطلب المصريون منهم تغطية راداريه. محطات الرادار السابقة لا تعمل ، ولو بدأت في العمل سنقضى عليها. القضية إذن هي: هل نحذره (أي الملك حسين) أم لا؟ ، أنا لم أتطرق إلى موضوع: ما الذى يمكن أن تقوم به الأردن ضدنا؟ الأمر المُلج هو الرادار.
رئيسة الوزراء: هل سنعرف ذلك؟
رئيس المخابرات العسكرية إلياهو زعيرا: سنعرف.
وزير الدفاع ديان: لو بدأ الرادار في العمل سنقضى عليه خلال ساعتين، قد يواجه الملك حسين ضغطاً شديداً من جانب المصريين في موضوع الرادار. المصريون في حاجة شديدة إليه خاصة بالنسبة إلى رامات (قاعدة رامات دافيد الجوية تقع في جنوب مدينة حيفا).
خلاف بين وزير الدفاع ديان و رئيس الأركان إليعازر حول التعبئة العامة والضربة الوقائية.
ويضيف ديان: هناك أمران أشد جدية (1) توجيه ضربة وقائية و(2) استدعاء الاحتياط. وبالنسبة إلى الضربة الوقائية نحنُ لا نستطيع أساساً أن نسمخ لأنفسنا بالقيام بها هذه المرة. لو هاجمت مصر فقطسيمكننا من ضرب السوريين أيضاَ.
ويكمل ديان حديثه قائلا: بالنسبة إلى استدعاء الاحتياط ، فإن رئيس الأركان سوف يشرح بعد ذلك التفاصيل عن القوات. توجد في سيناء300 دبابة ، و180 دبابة في هضبة الجولان ، دادو(تدليل دافيد إليعازر رئيس الأركان) يريد تعبئة عامة. وهنا لدى تحفظ :إنني أقترح استدعاء كل احتياطي سلاح الطيران ، وفرقة مدرعة في الجولان وأخرى في سيناء ، يجب أن نتأهب لكن لا داعى للتأهب على الجبهة الأردنية.
رئيس الأركان دافيد إليعازر: لقد قرأت برقية عميل تسيفكا (لقب التدليل لتسفى زامير رئيس الموساد آنذاك) وهو هنا يقصد برقية(أشرف مروان). ويكمل إليعازر: البرقية محل ثقة (كان مروان أرسل برقية لإسرائيل يحذرهم من قيام مصر وسوريا بشن الحرب ضد إسرائيل). لو هاجموا خلال عشر ساعات فنحنُ متأهبون لأقصى درجة في الجيش النظامي، ولكننا لم نستدعى أي احتياط. تتكون القوة الضاربة للجيش من 25% قوات نظامية و 75% قوات احتياطية.
ونتيجة لهذا يجب زيادة حجم القوات فوراً. نحن في حاجة ل 24 ساعة على الأقل من أجل استدعاء الاحتياط. أما بالنسبة للأثار الدولية السياسية التي ستترتب على ذلك ، فلا فارق إذا استدعينا 70 أو 200 ألف رجل بالفعل قد يكون لذلك تأثيراً ، حيث سيدرك العرب أنهم فقدوا ميزة المفاجأة. من جانب آخر ، هذه التعبئة سوف تُديننا ، سيقولون إننا أعلنا التعبئة كي نشن حرباً ، لكن لو كان من الأفضل لنا أن يقولوا إننا من بدأ الحرب مقابل أن نحقق النصر ، فليقولوا ما يقولون ، لذلك أنا أؤيد التعبئة العامة. هذا بالنسبة للتعبئة.
أما بالنسبة للضربة الوقائية : فهذه الضربة تُمثل بالطبع ميزة هائلة ، فهي ستُنقذ حياة الكثيرين. إذا قررنا دخول الحرب ستكون مهمتنا في مرحلتها الأولى وقف تقدم العدو ، وعندي يقين أننا سننجح فيها ، ثم ننتقل بعد ذلك إلى الهجوم.
ويمضى النقاش على هذا المنوال في سجال بين ديان وإليعازر حتى تتدخل رئيسة الوزراء جولدا مائير سائلةً: ما قدرتنا الذاتية على معرفة ما يجرى؟
رئيس المخابرات العسكرية إلياهو زعيرا: نحن على علم بما يحدث ،فهم في وضع يمكنهم من شن هجوم في أي لحظة ، حيث إن قوات المقدمة جاهزة للدفاع والهجوم ، وتوجد حالياً دلالات على أنها فيوضع الهجوم.
إشارة عن دور أشرف مروان!
الوزير جاليلى: يقول عميل تسيفكا إنه يمكن إجهاض الحرب عن طريق تسريب معلومات عنها ، ويقترح عميل تسيفكا أن نجرب ذلك. يمكن أن نعلن التفاصيل التي لدينا.
جولدا مائير تُقر حلاً وسط بين وزير الدفاع ديان و رئيس الأركان إليعازر
جولدا مائير: فلتعمل إذن على مراحل (1) نعلن التعبئة بلا تردد ، وبناء على نتائج الحوار مع الأمريكيين سنتوسع فيها. (2) توجيه ضربة وقائية أمر واقع ، ولكن الوضع اليوم مختلف عن عام 1967 ، هذه المرة يبدو العالم في أسوأ صور الخسة، فلن يصدقونا.
انهيار ديان!
سرى للغاية
جلسة مشاورات بمكتب رئيسة الوزراء
يوم 7/10/1973 م (الساعة 14:50) سجل الجلسة: إيلي مزراحى.
المشاركون: رئيسة الوزراء جولدا مائير ، ونائب رئيس الوزراء يجال آلون ، والوزير يسرائيل جاليلى ، ووزير الدفاع موشى ديان ، ووكيل أول وزارة الخارجية إفراهام كيدرون ، والسيد موردخاي جازيت ، والعميد ى رفيف ، والعميد يسرائيل ليور ، والعقيد أ. براون.
وزير الدفاع موشى ديان: أود أن أقص على مسامعكم كيف أرى الوضع والأمور التي سأذكرها تحظى بالتوافق من قِبل رئيس الهيئة العامة للأركان، وسأحاول أن أصف كيف نرى الوضع وماذا أقترح.
الجبهة الشمالية (سوريا)
كنت في الجبهة الشمالية ، وأنا للتو عائد من الجبهة الجنوبية. أقترح فيما يخص الجبهة الشمالية ، وآمل في أننا رغم كل ذلك سيمكننا إرساء خط، وبذل أقصى جهد ، فأنا لست متشائماً. ليس مستحيلاً أن نُرسى خط لصد السوريين. أقترح الا ننسحب من هضبة الجولان . أقترح أن نرسى خطاً ، ثم بعد ذلك نعززه ، الوضع الآن ليس جيداً لكنى آمل في أن نستطيع الثبات ، هناك مواقع محاصرة ، وهناك كثير من الأسرى ، وسيكون هناك المزيد من القتلى والأسرى ، ونحن لا نعلم ماذا سيكون مصير الأسرى.
الجبهة الجنوبية (مصر)
في الجبهة الجنوبية، أقترح أن نرسى خطاً على ممر متلا ، سنتخلى عن خط القناة، ونتثبت عند خط المضايق على بعد ثلاثين أو عدة كيلو مترات من القناة. أقترح أن نُصدر أمراً الليلة بإخلاء المواقع التي لا أمل في الوصول إليها. حصن بودابست لا يقع في منطقة مفتوحة، لذلك لا أنصح بالانسحاب منه ، أما الأماكن التي يمكن اخلاؤها فسنخليها ، والأماكن التي يستحيل اخلاؤها سنبقى المصابين ، ومن يمكنه الوصول فليصل ، وإذا قرروا الاستسلام فليستسلموا. ينبغي أن نبلغهم : بأننا لا يمكننا الوصول إليكم ، حاولوا كسر الحصار أو استسلموا.
هناك أربعة أو خمسة مواقع على هذا النحو ، وهناك مئات من الدبابات المصرية أصبحت موجودة في الضفة الشرقية ، ينبغي لنا أن نُخلى ذلك الخط دون أمل في الرجوع إليه ، بل الانسحاب إلى خط المضايق. الحرب ستستمر، خط ممر متلا له مزايا ، لكن له أيضاً عيوب ، أما خط القناة فلا أمل فيه.
في منطقة خليج السويس ليست لنا الأن أي دبابة في الشمال. هناك 40 دبابة في شرم الشيخ، ولا ينبغي تفريق تلك الدبابات ، ينبغيالاستعداد نفسياً وبدنياً ، نحن سنخلى كل خط خليج السويس ، لا ينبغي الإخلاء الأن ، ولكن عندما تتجمع 100 دبابة مصرية ، فإنها ستبدأ في التوجه جنوباً وعندها يجب أن نخليه. علينا كذلك أن نجرى تخطيطاً جاداً للاحتفاظ الدائم بشرم الشيخ ، وينبغي أن نبحث إخلاء مدينة النفط.
أنا على يقين من أن الأردن ستشارك في هذه الحرب ، ولا يمكننا أن نترك أنفسنا دون أن نستعد. ينبغي إجراء الحد الأدنى من الاستعدادات، ويجب يحث ماذا سيكون الاحتياط، ويجب تجهيز قوة لإحباط أي محاولة أردنية لاقتحام الضفة الغربية.
ديان يعترف بفشل توقعاته!
والآن فيما يخص موازين القوى ، فليس هذا هو الوقت المناسب لمحاسبة النفس. إنني لم أقدر جيداً قوة العدو ، ولا قدرته القتالية ، بينما بالغت في تمجيد قواتنا وقدرتها على الصمود ، إن العرب يقاتلون بشكل أفضل بكثير من ذي قبل ، لديهم الكثير من الأسلحة ، وهم يصيبون دباباتنا بأسلحة خاصة ، أما الصواريخ فتشكل مظلة منيعة لا يمكن لسلاحنا الجوي سحقها ، ونسبة نجاح اصابة تلك الصواريخ تبلغ 70% .
في الجبهة المصرية لدينا 800 دبابة ، وللمصريين 2000 دبابة ، وللسوريين في الجولان 1500 دبابة ، ولنا 500 دبابة. في الجو: لنا 250 طائرة ، وللمصريين 600 ، وللسوريين 250، ولديهم الحماية المتمثلة في الصواريخ وهذا الأمر ليس في صالحنا.
المشكلة المستقبلية تكمن في أمرين ، الا وهما:
1) أن العرب لن يوقفوا الحرب ، وإذا أوقفوها وواقفوا على وقف اطلاق النار ، فإنهم قد يستأنفونها من جديد، وحينئذٍ ستكون الحرب على ارض دولة إسرائيل ، وإذا انسحبنا من هضبة الجولان ، فلن يًجدى ذلك نفعاً.
2) هناك مشكلات في العتاد ، يجب أن نلجأ للأمريكيين.
في هذه اللحظة لا ينبغي لنا أن نأمل في إمكان شن هجوم مضاد، وإذا تمكنا من ذلك سننفذ ، لكن الوضع الأن يحتم علينا وجوب الحفاظ على أرض إسرائيل . تلك هي رؤيتي الصادقة ، وهكذا أرى الأمر.
الوزير يجال آلون: لماذا لا نقوم بغارات وقصف في العمق؟
وزير الدفاع ديان: وماذا في ذلك؟ لا اعتقد أن هذا ذو اهمية. لنفترض أننا سنقصف دمشق ، أنا لا أظن أن تنسحب أي دبابة من الجبهة ، إنهم لن يصابوا بالشلل. فهذا لن يعرقل من الناحية اللوجيستية (حذفت خمس كلمات بمعرفة الرقابة العسكرية).
«نمر من ورق» .. مائير وديان يتباريان في الاعتراف بحقيقة موقفهم!
رئيسة الوزراء مائير: إذا حللنا الوضع جيداً ، وفى ضوء قلة الدعم الذى نتلقاه ، سيأتون ليقولوا لنا: إذا كان الأمر كذلك ، استقروا في مكان لا يسبب حروباً. ولنأخذ الأمريكيين على سبيل المثال ، فهم وكل العالم بما فيهم العرب يحتاجون ذلك ، ونحن أنفسنا لا نمثل قوة ، ونحن أنفسنا لا يمكننا الصمود.
أنا ليست لدى أوهام. وما سيكون لذلك من وقع على الشعب الإسرائيلي هو أمر آخر، أما ما يقلقني هو: كيف سيكون وقع ذلك على العالم؟ كلما لم يتجرأ العرب ، كان ذلك بمنزلة قوة بالنسبة لنا.
وزير الدفاع ديان: سيقولون أنتم نمر من ورق.
رئيسة الوزراء مائير: فكرت لو أننا بدأنا في ايقاع الاصابات بهم حينما كانوا يعبرون القناة ماذا قد حدث؟
وزير الدفاع ديان: توقف دور الدبابات. كانت هناك تغطية من المدفعية الثقيلة. دباباتنا دُمرت ، والطائرات لم تتمكن من الاقتراب بسبب الصواريخ. 1000 ماسورة مدفع مكنت الدبابات من العبور ، وحالوا دون اقترابنا. إنه الأسلوب الروسي ، وكذلك التخطيط الروسي. ثلاث سنوات من الاستعدادات يا جولدا.
إشارة جديدة لأشرف مروان!
رئيسة الوزراء مائير: طوال كل السنوات الماضية ، كانوا جميعاً يقولون لنا ، بما في ذلك صديق تسيفكا (إشارة لمروان) إن السادات يعلم أنه سينهزم لا محالة.
وزير الدفاع ديان: لقد كان شعوري هو أننا سنهزمهم بسهولة. كان تقيمنا يستند إلى الحرب الماضية ، ولم يكن ذلك تقيماً سليماً. لقد كان لنا وللأخرين تقييم خاطئ لما سوف يحدث وقت محاولة العبور.
إسرائيل تفكر في ضرب منشآت مدنية مصرية
الوزير يجال ألون: (حذفت خمس كلمات بمعرفة الرقابة العسكرية الإسرائيلية) ما المنشأة الموجودة في وادى النيل التي يمكن أن تحدث كارثة إذا أمكن الوصول إليها واستهدافها جواً؟ ، هل سد أسوان يحظى بحماية جيدة؟
وزير الدفاع ديان: حتى هذا ما كان ليحدث كارثة ، أنا لا أعرف هدفاً حيوياً يمكن أن يكون له تأثير. محطة كهربا القاهرة محمية للغاية.
قلق من الجولان!
الوزير يجال ألون: إنني قلق من الجولان أكثر من سيناء ، لأننا لا نمتلك عُمقاً في الجولان. فإذا لم يكن هناك تشكيل من القوات سوف ينطلقون إلى بحيرة الحولة وإلى الجليل ، ليس هناك أي شك في ذلك.
مائير خائفة لأن العرب ذاقوا الدماء ، و ديان خائف من احتلال إسرائيل والقضاء على اليهود!
رئيسة الوزراء مائير: ليس هناك سبب يمنعهم من الاستمرار ، ليس الآن فقط ، «إنهم ذاقوا طعم الدماء»
وزير الدفاع ديان: أن يحتلوا إسرائيل ، ويقضوا على اليهود.
بعد ذلك حديث من الجميع عن ضرورة إخبار الأمريكان بالصورة الحقيقة للموقف ، من أجل طلب معونات عسكرية ، والتشديد على التنسيق الكامل مع هنري كيسنجر(مستشار الأمن القومي الأمريكي وقتها).
كان ذلك فقط مشهداً افتتاحيا للمقال ، أما الغوص في العمق مع شهادة الجنرال زعيرا وما كشفه فيها من حقائق ومعلومات فذلك سيكون في الجزء القادم.
وما زالت الوثائق تكشف المسكوت عنه وتفضح المخفي منه.