الاحدثفلسطين

أسطورة عماليق جذر الإرهاب الصهيوني | بقلم د. محمد حسب الرسول

في السابع من تشرين أول/ اكتوبر الماضي كان الخطاب الديني حاضراً عند متخذ قرار الحرب الاسرائيلي، وهو الخطاب الذي تأسست عليه “دولة إسرائيل” في عقل العالماني ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية قبل أن تتحول فكرة “الدولة” إلى واقع ملموس في يوم السبت 15 أيار/ مايو 1948.

وفي الخامس والعشرين من تشرين أول/أكتوبر الماضي، أطلّ بنيامين نتنياهو على العالم بخطاب متلفز أصّل فيه لحرب الابادة الجماعية والتطهير العرقي التي ترتكبها قواته في غزة، عندما استدعى الخطاب التوراتي واستعان بنبوءة إشعيا حين قال: “نحن أبناء النور فيما هم أبناء الظلام، وسوف ينتصر النور على الظلام وسوف نحقق نبوءة إشعياء، لن تسمعوا بعد الآن عن الخراب في أرضكم، وسنكون سبباً في تكريم شعبكم  وسنقاتل معا وسنحقق النصر”، وأضاف: “يجب أن تتذكروا ما فعله عماليق بكم، كما يقول لنا كتابنا المقدس، ونحن نتذكر ذلك بالفعل، ونحن نقاتل بجنودنا الشجعان الذين يقاتلون الآن في غزّة وحولها وفي جميع المناطق الأخرى في إسرائيل”.

ولم ينسَ بنيامين نتنياهو الاستشهاد بسفر صموئيل الأول، وقال: “اذهب وحارب عماليق، اقض عليهم قضاءً تاماً، هم وكل ما لهم، لا تشفق عليهم، اقتل جميع الرِجال والنساء والأطفال والرضع، واقتل ثيرانهم وغنمهم وجمالهم وحميرهم، وحاربهم حتى يَفنوا”.

وعماليق(  (Amalek أو Amaleq)) هم شعب، ذُكر في التراث اليهودي، ويقصد بهم البدو الرحّل في شبه جزيرة سيناء وجنوبي أرض كنعان/فلسطين، وقد اتخذهم بعض أتباع الكتب المقدس أعداءً لهم، وقد جاءت الإشارة إلىهم في كتب التراث اليهودي، وبشكل خاص في التوراة والتناخ والتلمود، ويظهر ذكر عماليق في نصوص كثيرة منها:-

  • “اذكر ما فعله بك عماليق في الطريق عند خروجك من مصر. كيف لاقاك في الطريق وقطع من مؤخَّرك كلّ المستضعفين وراءك، وأنت كليل ومتعب ولم يَخَف الله. فمتى أراحك الربُّ إلهُك من جميع أعدائك حولك في الأرض التي يعطيك الربّ إلهُك نصيبًا لكي تمتلكها، تمحو ذكر عماليق من تحت السماء، لا تنسَ” سفر التثنية (25: 17-19).
  • “فقال الربّ لموسى: اكتب هذا تَذكارًا في الكتاب وضَعْه في مسامع يشوع؛ فإني سوف أمحو ذكر عماليق من تحت السماء”. سفر الخروج ” (17: 14) .
  • “ثم رأى عماليق فنطق بمثله، وقال: عماليق أوّل الشعوب، وأما آخرته فإلى الهلاك” سفرالعدد (24: 20).
  • “فالآن اذهب واضرب عماليق وحرِّموا كلَّ ما له، ولا تَعْفُ عنهم؛ بل اقتل رجلًا وامرأة، طفلًا ورضيعًا، بقرًا وغنمًا، جملًا وحِمارًا” سفر صموئيل الأوّل (15: 3).
  • “وأرسلك الربّ في طريق وقال: اذهب وحرّم الخطاة عماليق وحاربهم حتى يَفنوا”. سفر صموئيل الأوّل (15:18).

تُحرم النصوص سالفة الذكر عماليق، وتدعو إلى محو ذكرهم، وتبيح إبادتهم وإفناءهم وقتلهم جميعاً رجالاً ونساءً وأطفالاً ورضّعاً، وإبادة حيواناتهم. وعماليق في “الوعي” الصهيوني حالة مستمرة تتجلى في كل من يناهض المشروع الصهيوني ويقاومه. وقد صارت كلمة عماليق تعبر عن مفهوم مرادف لمفهوم الأغيار في العقيدة والثقافة الصهيونية الذي يرمز إلى الشرّ، ويمثل العرب والمسلمين في آسيا وأفريقا عماليق العصر في المنظور الصهيوني، الذي يعمل من أجل استكمال بناء مشروع الشرق الأوسط الكبير/الجديد بجغرافيته التي تبلغها مفاعيل حروب التطهير العرقي والابادة الجماعية الاسرائيلية.

لمفهوم عماليق الذي يحمل معنى دينياً وتاريخياً في التراث الصهيوني، تجليات سياسية كالتي عبر عنها بنيامين وغيره من المسؤولين الاسرائليين الذين طالب بعضهم باستخدام السلاح النووي في غزة، ومارسه بشكل عملي مسؤولين آخرين حين قطعوا عن غزة المياه والكهرباء ومنعوها من الغذاء وحرموها من الدواء.

إن مفهوم عماليق حاضر بشدة عند الطبقات المكونة للبناء الاجتماعي في “إسرائيل”، وبشكل خاص عند الشباب والطلاب، وقد عكست نتيجة الدراسة الاستقصائية التي أجراها جورج تمارين أستاذ علم النفس بجامعة تل أبيب على عينة من طلاب وطالبات المدارس الثانوية في “إسرائيل” حول تأثرهم بالدعوة إلى الابادة المنسوبة إلى “يشوع”، عكست تأثراً  كبيراً بهذه الدعوة، وأكدت نتائج الدراسة أن نحو 80% من الشريحة الطلابية التي أجريت عليها الدراسة مؤمنون بمضمون الدعوة، وأن نحو 40 % منهم يأملون في تكرار ما لحق بمدينة أريحا من إبادة في المدن والقرى العربية التي لم تهود بعد.

لا تثير نتيجة تلك الدراسة الدهشة ولا الاستغراب، فقد تأسست “دولة إسرائيل” على الابادة الجماعية والتطهير العرقي، وقد أعملت جماعات الهاغانة والأرغون وغيرها من المنظمات الصهيونية الارهابية سلاحها في وجه أصحاب الأرض والتاريخ من الفلسطنيين وقتلتهم وأخرجتهم من ديارهم بغير حق، ولهذا، فإن كل عمليات الارهاب التي تقوم بها القوات الاسرائيلية في غزة أو في باقي أراضي فلسطين أو في لبنان تأسست على فكرة راسخة في الوجدان الصهيوني سُطرت بدماء الأبرياء وأصحاب الحقوق.

ولأن هاجس استمرار “الدولة” في أرض فلسطين هاجس مزعج ومرعب ودائم الحضور في الأوساط الاسرائيلية، عمدت “إسرائيل” على تغذية “المجتمع” الصهيوني بمفهوم عماليق، كما عملت على تعزز حضوره في ذلك “المجتمع”، واستخدمت في ذلك مناهج التعليم، والموسيقى والفنون والثقافة الشعبية والعامة، وأكدت على ربطه بالدين من أجل منحه المشروعية والقداسة، كما قدمته كشرط لازم لضمان استمرار “الدولة” ولضمان بقائها، وجعلته ركناً رئيساً يقوم عليه الأمن والأمان.

إن رسوخ ثقافة الارهاب الصهيوني في الأوساط الاسرائيلية الرسمية والشعبية يطرح سؤالاً حول أنجع السبل لمنهاضته، ويطرح أسئلة أخرى ملحة حول مهنية محكمة العدل الدولية، وقدرتها على الانصاف في أحكامها، والانتصاف لضحايا ذلك الارهاب، وحول طبيعة أحكامها المنتظرة بعد المرافعة القانونية الدقيقة والرصينة التي قدمتها جنوب أفريقيا أمام هذه المحكمة يوم أمس، خاصة وأن الأحكام التي ستصدرها المحكمة يمكن أن تؤسس لعهد جديد من العدالة الدولية التي ظلت غائبة، ويتطلب ذلك تسربل المحكمة بالمهنية وتمسكها بقيم العدالة، وبامكان المحكمة أن تعزز من فقدان الثقة فيها وفي العدالة الدولية وفي النظام العالمي القائم على الظلم والجبروت إن جاءت أحكامها على غير هدي القانون متبعة لهوى السياسة وتأثيراتها.

د. محمد حسب الرسول

د. محمد حسب الرسول ▪️حاصل على درجة الدكتوراة في الدراسات الاستراتيجية في العلاقات الدولية. ▪️ كاتب، وباحث في الشؤون الاقليمية ▪️له خبرات في العمل الدبلوماسي وفي مجال الدراسات الاستراتيجية والتخطيط الاستراتيجي عنوان البريد الالكتروني: [email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى