ألابرزالاحدثدولي

الشرق الاوسط بين ايران واميركا وحلفاءهما| سلسلة اليانكي وآيات الله (٢) بقلم د. جواد الهنداوي

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

لمن فاته متابعة الجزء الأول:

المنطقة بين ايران وحلفائها وامريكا وحلفائها : هذا هو واقع المنطقة، منطقة الشرق الأوسط،وخاصة جزئها العربي، لكل طرف، لكل قطب دوره وتأريخه واهدافه واستراتيجيته، ولا تصح المجادلة في أسبقية واهمية وعلوية الدور الامريكي في المنطقة بكافة ابعاده السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، ومّرد ذلك ليس فقط التفوق الامريكي فكريًا وعسكريا واقتصاديًا وثقافيًا وكذلك استعماريًا وانما أيضًا المكر والاستباقية في تكوين حلفائها واستخدام أدواتها في المنطقة والاعتماد عليهم وأهمهّم المملكة العربية السعودية واسرائيل والاردن .

بين امريكا وحلفائها التقليدين في المنطقة ثقة بُنيتْ على مصالح استراتيجية عميقة ومشتركة، وعلاقة إذعان وإملاءات تسودها النظرة الاستعلائية الاستعمارية المتأصلة في العقل والسلوك الامريكي. ولكي تكون عضوًا مقبولًا و موثوقًا في نادي الحلف الامريكي وَجَبَ عليك مراعاة مصلحة اسرائيل والامتناع عن الإتيان بعمل يشكل خطرًا على مصلحة ووجود اسرائيل، ولذلك أسباب عديدة أهمها وفِي مقدمتها أنَّ أمن اسرائيل هو جزء من الأمن القومي الامريكي، كما هو حال أمن اغلب الدول الخليجية، وأمن الاردن.

اي الطريق الى امريكا يمرُ عبر اسرائيل، وهذه المعادلة اصبحت فرضًا و واجبًا اليوم، وحلفاء امريكا من الاشقاء العرب يدركون جيدًا بأنهم اليوم اكثر حاجة الى اسرائيل اليوم، من أيّ وقت مضى، و خاصة بعد ان تعايشوا و بضيق مع سنوات حكم الرئيس الامريكي الاسبق أوباما، وربما تتكرر التجربة مع الرئيس بايدن .
وهذا ما يفسّر استعجال بعض اشقاءنا العرب من دول الخليج بالانفتاح على اسرائيل والتطبيع معها، ولو حصل مع الانفتاح والتطبيع حلحلة للقضية الفلسطينية لزاد الامر خيرًا و رُفِعَ الحرج عن الاشقاء، ولكن، اعتقادنا بأنَّ اسرايئل لاتقدم على أية تنازلات بل هي تنتظر من العرب التنازلات . وَلِمَ تتنازل وتستعجل اسرائيل في قَدَرِها وقد اثبتت لها التجارب بأن عجلة الزمن تدور لصالحها، تطمح في المستقبل القريب اعتراف أمريكي ودولي بشرعية ضم هضبة الجولان المحتلة لها وان تكون دولة يهودية وعاصمتها القدس.

نعيش اليوم عهدًا يتفنّن فيه بعض العرب بكيفية ارضاء اسرائيل و جعلها حليف، وما ظاهرة استعداء ايران وجعلها بعبع المنطقة ومخيفها إلاّ لتبرير التطبيع والتحالف معها .
مَنْ يعلم ! ربما اخطرَ الرئيس الامريكي السابق، ترامب، اشقاءنا في المملكة بأن أسرائيل وليس امريكا هي التي ستتكفل بأمنهم وحمايتهم، هي (واقصد اسرائيل ) الأقرب لهم جغرافيًا والادرى بهومومهم وحاجاتهم.
وعود و آمال الرئيس السابق، ترامب، وحليفه نتنياهو بتأسيس حلف ناتو عربي او شرق اوسطي يجمع اسرائيل و دول الخليج، ذهبت ادراج الرياح، وكان من المتوقع ان يقتصر الحلف على المملكة العربية السعودية، و الامارات والبحرين والاردن، لم تكْ قطر مستعدة، حينها للانضمام لايّ حلف او تجّمع يستهدف ايران.

واعلنت قطر، في ٢٠١٧/٥/٢٤، وعلى لسان اميرها، بأنَّ ايران قوة استقرار وأمن في المنطقة . طبعًا كان من المستبعد تمامًا،انضمام سلطنة عمان و الكويت لايّ تجّمع او حلف يستعدي ايران . ترامب اذًا سّوق و باع اكاذيب و اوهام للمملكة عند سعيه ونداءاته ب عزل ايران و بتأسيس حلف ضدها.

يعود اليوم الرئيس بايدن، ويسعى، على مايبدو، الى تطبيق ما قاله علنًا الرئيس الاسبق، اوباما قبل مغادرته البيت الابيض، للمملكة بضرورة فتح بفتح حوار مع ايران من اجل امن واستقرار المنطقة، وقال بأن أزمات المنطقة لا تُحل إلاّ بالحوار وبالتفاهم بين المملكة الشقيقة والجارة ايران ! مِنْ حقّنا أن نتساءل أيًا من الرأييّن ( رأي الانفتاح على ايران، والذي يطبّقه اليوم الرئيس بايدن ام رأي الرئيس السابق ترامب ) مُعبّرًا عن استراتيجية المؤسسة الامريكية العميقة ؟ أيًا منهما يداري في موقفه المصالح الإسرائيلية او الصهيونية ؟ لماذا لا يتساءل او لايتوقف بعض العرب امام هذا التفاوت،امام هذا، التناقض في الموقف الامريكي ؟ أَوليسَ هذا الامر دالًا على فشل وتخبط السياسة الامريكية في المنطقة و تجاه ايران ! تسود إذًا عناصر الشك والريبة والخلاف بين حلفاء امريكا في المنطقة لا اقول بين امريكا وحلفائها، وتغيب عنهم عوامل الانسجام والقوة والاقتدار .

نواة حلفاء امريكا في المنطقة من العرب هم الاشقاء الخليجيون والاردن وهم مختلفون في مواقفهم تجاه ملفات المنطقة كما ان مقومات دولهم لا تعينهم على الدخول في حروب دفاعية او هجومية او على تدخل غليظ في شؤون دول المنطقة، بعض اشقاءنا من دول الخليج ولشدة حرصهم على نجدة الثوار في سوريا ونشر الديمقراطية استعانوا واستغاثوا بمرتزقة ( ارهابيين ) من كل دول العالم، الآن وبعد، ما يقارب عشرة سنوات على من ماجرى في سوريا، حلفاء امريكا في المنطقة يستنجدون بها وبروسيا، لا في إتمام الديمقراطية في سوريا ونشر الحريات في المنطقة وانما من اجل حماية حدودهم، الاردن لايزال قلق على حدوده مع جنوب سوريا واستنجدَ عدة مرّات بامريكا لوضع خطوط حمراء تحول دون اقتراب مقاتلي حزب الله او غيرها، المناصرة لقوات الجيش السوري في درعا،كذلك اسرائيل في قاطع الجولان والقنيطرة .

لا نجد ذات الحالة ولانرى ذات الصورة عندما نتناول حلفاء أيران في المنطقة وهم سوريا و روسيا وحزب الله وفصائل تقاتل مع الجيش العربي السوري، والحشد الشعبي في العراق . لم ولن يتردد العراق من الاستعانة بهذا الحلف والاستفادة من قدراته في محاربة داعش والارهاب. للعراق حدود ومصالح مشتركة واستراتيجية مع المكونّات الميدانية لهذا الحلف (سوريا،ايران،حزب الله )، لا يُلام العراق في ذلك، وما يهّم العراق ليس تطيب خواطر او مراعاة شعور هذا وذاك وانما مصلحة شعبه وأمنه واستقراره .

مايمّيزُ حلف ايران روسيا سوريا حزب الله هو التنسيق والتفاهم والمواقف المشتركة،كذلك الحضور بل التمكين الميداني والاستراتيجية المشتركة والثقة . كمْ مِنْ مرّة حاولت بعض الدول الخليجية من اغراء روسيا بالمال والاستثمارات لتغيير موقفها من سوريا ولم تفلحْ ! راهنوا على الزمن وجسامة الخسائر لروسيا وايران بفك اواصر وعرى التحالف و خاب ظنهم ! قوة التحالف تكمن في شرعية الدفاع عن مصالحه :سوريا عن ارضها وسيادتها وايران وروسيا عن استهدافهما من قبل الجماعات الإرهابية التكفيرية ومن يوظفّها ويمولّها ويستخدمّها.

الموقف السعودي الايجابي الجديد تجاه ايران، والذي جاء على لسان الامير محمد بن سلمان، لم يكْ دون تنسيق سعودي امريكي، ويعبّرُ عن فشل سياسة الحصار والعقوبات تجاه ايران. وما يعزّز الموقف الايراني في المنطقة هو تحالفها الاستراتيجي مع الصين، تحالف ذات ابعاد سياسية ونقدية واقتصادية وعسكرية وامنيّة، كذلك تحالف ايران مع روسيا، لاسيما وإنَّ الرئيس بوتين، وهو المناضل البار الذي تخرّج بفكر ومراسة مدارس الاتحاد السوفيتي، لم ينسْ ألمْ تفكك الاتحاد السوفيتي من جرّاء التعاون والاستخدام الاستراتيجي لارهاب القاعدة في أفغانستان ومن قبل امريكا،اي بعبارة اخرى جرّاء التعاون السعودي الامريكي.

يدرك الروس جيدًا الامر وقالوها صراحة وعلى لسان وزير الخارجية عام ٢٠١٣ حين اجاب وفدا للمعارضة السورية عن سّر موقف روسيا في سوريا فأجابهم بأننا ندافع عن روسيا في سوريا ! هذا الحلف قوامه جيوش نظامية ومقاتلين متمرسين ومؤمنين بأسباب قتالهم وليسوا مرتزقة،حلف يقاتل وبصدق الارهاب ولا يستخدمه او يستعين به لمآرب سياسية.

واجهت ايران و حلفائها في المنطقة ( اليمن،سوريّة،حزب الله، و غزّة بفصائلها المقاومة ) حصارًا و عقوبات . ولكن هذا الحصار،على ما يبدو انتجَ انتصارًا . وما نعيشه اليوم، وما تشهده المنطقة من تطورات تُكرّسُ و تُجسّدُ حقيقة هي أنَّ ” الحصار صنعَ الانتصار”. حقيقة وُلِدتْ من الواقع المُعاش، وليس من الواقع الافتراضي المُمول بالدولار، و المُعدْ و المبرمجْ سلفًا من اعلام الصهيونية والامبريالية و الرجعية، والذي ( واقصد الواقع الافتراضي ) سوّق للربيع العربي فاذا به ربيعًا عبريًا، ولصفقة القرن والتي انتجتْ التطبيع ، ولتصفية القضية الفلسطينية والتي وُلدتْ من جديد وبثوب مقاوم ، ولانهيار سوريا ولاستسلام اليمن واللتان انتصرتا.

كان مع ارادة الصمود والمقاومة والصبر، التي جمعت غزة، اليمن،سوريا،ايران نصرًا. لم يكْ يتحقق هذا الصمود و النصر لولا ” نفوذ ايران “، وهذا ما يقوله علنًا وبافتخار اصحاب الشأن، اصحاب القضية في غزّة وفي اليمن و في سوريا، مع العلم بأنَّ صاحب النفوذ ( ايران )، وهو الداعم سياسيًا وعسكريًا و ماليًا يرضخ تحت حصار و عقوبات امريكية و اوربية ، ومن دول تلتزم بالعقوبات رغم عدم قناعتها.

لنتصورّ كيف سيكون نفوذ ايران و دعمها لحلفائها للفلسطينيين و للسوريين ولليمنيين وهي ( اي ايران ) متحررة من الحصار والعقوبات ؟ أو ليسَ في هذا الاستفهام استنتاجًا،يفرضه العقل و المنطق، بفشل السياسة الامريكية او الامبريالية في المنطقة ! أو ليس في هذا الاستفهام عِظةً لدول المنطقة بالتهّدي وبالتروّي في هرولتهم وتبعيتهم للأملاءات الامريكية و الاسرائيلية !

هو خيرٌ ما تفعله الآن المملكة العربية السعودية،و إنْ جاء الموقف متأخرًا، وعلى لسان الامير محمد بن سلمان وهو يصرّح بقولٍ دبلوماسي أيجابي تجاه ايران، ويبررّه بحرصٍ على أمن واستقرار المنطقة . هو خيرٌ كذلك التصريحات الرسميّة للمملكة وهي تُندّد بالعدوان الاسرائيلي على غزة، وتصفه بعدوان.

ماهو الانتصار الذي تحقق؟
اصبحت غزّة نّدًا لاسرائيل،ليس في حجم الدمار، وليس في ارتكاب الجرائم، و انما في قدرة و جرأة الّردْ، في المطالبة بالحق، وبقدرة الصمود .
لم يعُدْ احدًا له الجرأة للحديث في صفقة القرن، ولا عن ” بُدعة السلام الابراهيمي “، الحديث الآن عن الاجرام الصهيوني،عن المجازر الصهيونية . اصبح الحديث عن التطبيع ليس سلوكًا نحو السلام، وليس فخرًا حضاريًا، وانما عارًا و تواطئًا مع مجرمي حرب .

اصبح التنسيق الامني مع اسرائيل هو تنسيق لارتكاب جرائم بحق الفلسطينين، الانتصار هو مناسبة للسلطة الفلسطينية للتحرر من التزامات التنسيق الامني مع المحتلين، والذي ( واقصد التنسيق الامني ) يضع السلطة في مقام الحارس الامني لثغور العدو .
الانتصار اعادَ للقضية الفلسطينية مكانها و مقامها عند الشعوب الحرّة، اعادَ ولادة القضية من جديد،بعد أنْ ظنَّ البعض بأندثارها في قرارات ترامب وخضوع بعض العرب وصمت العالم والامم .

أصبحت غزّة موطنًا و مصدرًا لتصدير او لتعزيز الصمود والمقاومة ضّدْ الامبريالية والصهيونية والرجعية في المنطقة، و اصبحت كذلك مَرجعًا للقضية الفلسطينية، مَرجِعًا لفلسطيني الداخل ١٩٤٨، ولفلسطيني الضفة الغربية، ولفلسطيني المهجر . وعلى المعنيين في الامر، في الضفة وفي الداخل الفلسطيني وفي المهجر أنْ يدركوا بأنَّ الميدان المقاوم والصامد، وليس المفاوضات و التنازلات، هو مَنْ يقرر المصير لفلسطين ولحقوق الشعب الفلسطيني .

غزّة هي المحطة الاساسية و المفصلية في مسار الصمود و المقاومة، صمود بوجه الحصار ومقاومة مُحتلْ و ارهاب ؛ مسار و محطاته ؛ اليمن المحاصر والمُنتهكة سيادته، ولكنهُ انتصر ولمْ يستسلمْ للشرعية ! و سورّية المحاصرة والمنتهكة سيادتها بأحتلالات امريكية و تركية و ارهابية ولكنها انتصرت، ولمْ تستسلمْ للارادة السياسية لداعمي وموظفّي الارهاب .

الانتصار الذي تحققّ لشعوب المنطقة رغم الحصار سيعزّز،بلا شك، دور و نفوذ ايران في المنطقة، وسيعزز ايضًا الابعاد السياسية، وليس الطائفية لهذا الدور .

كما انَّ اصلاح ذات البين بين ايران والمملكة العربية السعودية عامل آخر ومهم في حماية شعوب المنطقة، و دول المنطقة من النزاعات الطائفية، والتي هي ادوات الارهاب و اسرائيل وامريكا.

د. جواد الهنداوي

د. جواد الهنداوي سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات / بروكسل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى