دولي

الصين على أبواب إنجاز غير مسبوق بوجه الوباء

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

وأخيرا تراجعت نسب الإصابة بفيروس كورونا في الصين.. أحد الخبراء من منظمة الصحة العالمية يوضح أسباب الإنجاز العظيم
سرعة الاستجابة وكفاءة الأداء.. أهم الدروس المستفادة من التجربة الصينية في مكافحة فيروس كورونا المستجد
لا شك أن دولة الصين أصبحت المصدر الأساسي للمعرفة والخبرات اللازمة للتصدي لوباء الكورونا الذي نجح في غضون أشهر قليلة في اكتساح مناطق واسعة حول العالم. وفي الوقت الذي تتخذ فيه معظم بلدان العالم العديد من الإجرءات الوقائية والتدابير للسيطرة على التفشي المحتمل للفيروس القاتل وبخاصة تلك التي ارتفع فيها عدد الإصابات والوفيات مؤخرا مثل كوريا الجنوبية إيران وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، سجلت الصين خلال الأسابيع الأخيرة انخفاضا ملحوظا في عدد الإصابات مما يعد إنجازا غير مسبوق في مجال الصحة العامة، ويبرهن على تراجع مستويات العدوى بين المواطنين هناك.
ولقد بات من الضروري الآن نشر وتعميم التجربة الصينية في مواجهة وباء الكورونا بين جميع دول العالم، وقد كانت تلك هي المهمة لبعثة منظمة الصحة العالمية الأخيرة وعلى رأسها خبير الأمراض الوبائية بروس إيلوارد، حيث كانت النتيجة الرئيسية التي توصل إليها: “إن النهج الجريء الذي تتبعه الصين لاحتواء الانتشار السريع لهذا المرض التنفسي الجديد قد غير مسار الوباء السريع والمميت”.
وفي حوار أجرته معه موقع Voxأجاب إيلوارد عن عدد من التساؤلات المثيرة للجدل حول وباء الكوورنا والآليات المتبعة في الصين للسيطرة عليه.
هناك بعض الأصوات التي اتهمت الصين بانتهاك حقوق الإنسان وذلك بسبب ما اتخذته من قرارات صارمة بإخلاء الشوارع والمؤسسات العامة ومنع المواطنين من التجمع. وقد فسر إيلوارد الأمر بأنه إجراء احترازي قامت الدولة بفرضه على بعض المناطق التي انتشر فيها الوباء سريعا مثل مدينة ووهان الواقعة في مقاطعة هوبي والتي كانت البؤرة الأولية لظهور الوباء. ولقد كانت تلك التدابير غاية في الأهمية حفاظا على حياة باقي السكان في الصين ودول العالم الأخرى. والجدير بالذكر أن الصين تسعى جاهدة لمحاولة إنعاش اقتصادها مرة أخرى وبالطبع فإنه لن يحدث ذلك في ظل مكوث المواطنين في منازلهم مكتوفي الأيدي، وتوقف المواصلات العامة والمصانع. ولكن كانت الأولوية للسيطرة على تفشي المرض أولا ثم العمل على استعادة الحياة الطبيعية تدريجيا.
السرعة ثم السرعة .. المعيار الأكثر أهمية في مواجهة كورونا
وأوضح إيلوارد بأن سرعة الأداء كانت المعيار الأكثر أهمية في التجربة الصينية، فكلما كانت الدولة أكثر سرعة في الوصول إلى الحالات المصابة والعمل على عزلها كلما تمكنت من إحكام قبضتها على تفشي الوباء وبالتالي الحد من معدلات الإصابة والوفاة. كما أن إطلاع السكان على حقيقة الأمراض ونشر التوعية والتثقيف الصحي اللازم في تلك الحالة الطارئة يسهم في تحقيق سرعة الاستجابة والسيطرة على المرض.
وبالحديث عن أعراض الإصابة بالفيروس القاتل، قال إيلوارد أن الأعراض المألوفة هي ارتفاع الحرارة والسعال وسيلان الأنف، ولكن الفيصل في إمكانية تطبيق نظام صارم يسمح بمراقبة المواطنين من خلال هواتفهم النقالة وتتبع الأشخاص الذين يختلطون معهم والقدرة على التمييز بين المصابين فعلا وغيرهم من الناس، ومن ثم سرعة الوصول إلى الشخص المؤكد إصابته بالفيروس والقيام بعزله وإذا لزم الأمر عزل جميع المحيطين به أيضا. فقد نجحت الصين في إنشاء شبكة ضخمة من المستشفيات المخصصة لفحص حالات الاشتباه، ومزودة بفريق عمل قادر على الوصول إلى أي شخص يشعر بأعراض المرض ومن ثم القيام بأخذ مسحة منه للتأكد من وجود الإصابة من عدمها في مدة زمنية تتراوح ما بين أربع إلى سبع ساعات كحد أقصى، لكن المعيار الأساسي هو سرعة الوصول، فالسرعة هي كل شئ.
ومن الخطوات الهامة التي اتخذتها الصين في إطار خطتها الشاملة للسيطرة على تفشي وباء الكورونا هي التكفل بمصاريف الفحص والعلاج وبخاصة بالنسبة لأولئك الذين لا يملتكون غطاء تأمينيا كافيا، وذلك بعد أن أدركت الدولة أن تكلفة العلاج كانت من أهم العوائق أمام المواطنين للإبلاغ عن الحالات والإقبال على إجراء الفحوصات. كما أتيحت خدمة تقديم الاستشارات الطبية عبر الانترنت بحيث لا يبقى الجميع مضطرين إلى الحصول على موعد مع الطبيب، كما تم توفير خدمة توصيل العلاجات اللازمة إلى المنازل.
العائلات أشد خطرا من المدارس والجامعات
وأكد إيلوارد في تقريره أن الغالبية العظمى من المصابين انتقلت إليهم العدوى داخل عائلاتهم وذلك بعد أن اغلقت الدولة بشكل تام كافة الأماكن التي تضم تجمعات سكانية كالمسارح والمدارس والجامعات وغيرها، وهنا تكمن المعضلة فأفراد الأسرة هم الاكثر تعرضا وتعاملا مع الشخص المصاب وبالتالي ترتفع نسب الإصابة بالعدوى. وقد تمثلت المعضلة الكبرى أمام البعثة في تحديد نطاق التفشي في المدن والمقاطعات الصينية المختلفة، ففي مقاطعة قوانغدونغ على سبيل المثال ، تم إجراء 320،000 اختبار للأشخاص المتوافدين على عيادات الحمى ، العيادات الخارجية، كانت 0.47 في المائة من تلك الاختبارات إيجابية. ولكن بقي السؤال ماذا عن الآخرين ممن لم تظهر عليهم الأعراض بوضوح؟ وهنا تبقى صعوبة اكتشاف هذا الفيروس الضعيف وتحديد نطاق انتشاره، الأمر الذي يختلف كليا عن فيروس الأنفلونزا والذي يمكن اكتشافه وتشخيصه بسهولة من خلال عينات الدم.
وبالحديث عن معدل الوفيات في الصين، قال إيلوارد أن الأرقام كانت تشير إلى نسبة 3.8% وذلك نظرا للأزمة الكبرى التي وقعت في مدينة ووهان وارتفاع معدلات العدوى، ولكن بالنسبة لباقي المدى الصينية فإن النسبة لازالت أقل من 1% وذلك بفضل سرعة الكشف والوصول إلى الحالات المصابة وعزلها وتقديم الرعاية الصحية اللازمة. ومن الخطوات الطبية المتبعة أيضا، إجراء تنفس صناعي للعديد من الحالات المصابة، وفي حال فشل هذا الإجراء فإنه يمكن القول بأن هناك معدل للنجاة من هذا المرض في مقابل نسبة الوفيات المحتملة، وهذا الأمر يصعب التنظير به عند الحديث عن الدول الأخرى مثل إيران وإيطاليا والتي ترتفع فيها معدلات الوفيات يوميا. وهذا يعني أن الصين قد نجحت بالفعل في خفض معدلات الإصابة والوفيات لديها خلال الأسابيع القليلة الماضية.
كيف يتعين على البلدان الأخرى اكتشاف الفيروس؟
في بداية الأمر، كانت الآراء تذهب في اتجاه ضرورة الحصول على مسحة من ملايين السكان حول العالم، ولكن تجربة الصين أوحت إلى إيلوراد بفكرة مفاداها ضرورة التركيز الشديد على المرضى الذين يعانون من مشكلات رئوية في الأساس والذين هم أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا، وتطبيق الأنظمة العالمية لمراقبة تفشي الأنفلونزا وذلك من أجل اكتشاف المصابين بالوباء الجديد.
وقد لاحظ إيلوارد تراجع نسبة الإصابة في الصين عبر عدد من المؤشرات، فقد لاحظ انخفاض عدد الحالات المترددة على العيادات المخصصة لفحص المصابين بالحمى، حيث تراجع العدد من 46 ألف حالة يوميا إلى ألف فقط، كما أن الأطباء في جميع مستشفيات الصين داخل ووهان وخارجها أكدوا على وجود أسرة جاهزة دائما لاستقبال أي حالة جديدة وبالتالي فإن سرعة التدخل الطبي ساعدت على ارتفاع معدلات الشفاء ومن ثم تراجع معدلات الإصابة.
كبار السن هم الأكثر عرضة للوفاة والأطفال هم الأوفر حظا
أكد إيلوارد على أن كبار السن هم الأكثر عرضة للوفاة جراء الإصابة بـ كورونا وذلك نظرا لإصابتهم فعليا بأمراض مزمنة مع تقدم العمر وبالتالي فإن الوفاة قد تحدث نتيجة حدوث التهاب ما في الرئتين وليس لمجرد حدوث العدوى الفيروسية أو البكتيرية. وقد لاحظ الأطباء أن نسبة الوفيات ممن كانوا مصابين بالسرطان مثلا كانت أقل من الوفيات من المصابين بأمراض الضغط العالي والقلب، ويأتي مرض السكر في ذيل القائمة بالنسبة لأعداد الأشخاص المتوفيين.
وبالنسبة للأطفال، فهم الأقل عرضة للإصابة وذلك لأن معظم الأطفال يصابون بالأمراض ولكنها لا تسبب ضررا واضحا عليهم كما هو الحال بالنسبة لكبار السن، وربما ساعد إغلاق المدارس أيضا في مناطق كثيرة حول العالم في خفض نسب العدوى بين الأطفال. ومن ناحية أخرى فهناك رأي طبي يرجح أن مستقبلات كورونا في الرئتين لدى الأطفال غير ناضجة بالكامل، ولكن هذا الاحتمال لا يبدو مؤكدا بصورة قاطعة نظرا لأن تلك الظاهرة الطبية قد نراها لدى الآخرين من الكبار والمسنين.
وأخيرا أوصى إيلوارد بأن تحذو البلدان الأخرى حذو الصين في التعامل مع تلك التجربة المريرة، فقد أثبتت تلك الدولة مدى صلابتها في السيطرة على هذا الفيروس القاتل والنجاح في خفض معدلات الإصابة والوفاة، وكل ذلك في غضون أسابيع فقط مما يحمل معه الأمل بأن الغد سيكون أفضل.
رابط المقال بالإنكليزية اضغط هنا

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

إيناس الشوادفي كاتبة ومترجمة محترفة

كاتبة ومترجمة مصرية تخرجت في كلية الإعلام بجامعة القاهرة عام ٢٠٠٤. قطعت شوطا لا بأس به في مجال الصحافة والكتابة المستقلة لدى عديد من المواقع العربية. صدر لها بعض المؤلفات المعنية بالشأن الخليجي وهما " تحولات السياسات الإعلامية في دول مجلس التعاون الخليجي في أعقاب ثورات الربيع العربي"، و" زايد في عيون الصحافة العربية والغربية". كما نجحت في طرق أبواب مجالات أخرى كالتدريس والتدريب والتوظيف وغيرها.. تناضل من أجل إعلاء شعار " اجتهد في عملك.. لتستشعر قيمتك".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى