الاحدثدولي

زيارة بايدن واللاءات الجديدة | بقلم د. عوض سليمية

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

رغم المحاولات المستميتة للادارات الامريكية لدمج دولة الاحتلال الاسرائيلي في المنطقة العربية، وإحياء تحالفات عسكرية موجهة نحو روسيا، الصين وايران، إلا ان نتائج زيارة بايدن للمنطقة وقممه التي عقدها كانت مخيبه لآماله وأهدافه، بإستثناء تجديد ولائه للصهيونية العالمية، لم ينجز بايدن من بنود أجندته أيٍ الاهداف التي كان يعتقد انه من السهل تحقيقها.

مع حالة تناقض تام مع ما يدعيه من ترويج للقيم ونشر الديموقراطية وحقوق الانسان، وقف بايدن متلعثماً وهو يرثي ويُمجد قتلى الهولوكوست وضحايا النازيين من الشعب اليهودي، في الوقت الذي يعلن فيه وبكل فخر إستمرار الدعم العسكري الامريكي ومليارات الدولارات المتدفقة، لتغذية أحفاد النازيين الجدد من كتائب الآزوف والايدار لمواصلة حرق الشعب الاوكراني، متخلياً كالمعتاد وبكل سهولة عن “مبادئه” كونها اصبحت تتعارض تماماً مع مصالح واشنطن في هذه البقعة الجغرافية التي تجري فيها الحرب ضد روسيا، وإمعاناً في حالة التناقض واللاوعي، ومخالفةً لتعهداته والتزاماته السابقة بالقيام بعكس جميع سياسات سلفه ترامب التي الحقت ضرر بالغ في مصالح واشنطن باعترافه، فقد اعلن توقيع ما اسماه “اعلان القدس للشراكة الاستراتيجية مع اسرائيل”، والذي يُقرأ بكل لغات العالم كملحق تكميلي لصفقة ترامب المشؤومة “صفقة القرن”. بموجب هذا الاعلان تكون اسرائيل قد حصلت على إمضاء وموافقة كلا الحزبين الامريكيين الكبيرين – الجمهوري والديموقراطي، على اعلان وفاة حل الدولتين. بالمقابل ضمن بايدن دعم لوبي اسرائيل في واشنطن لاسناده في انتخابات الكونجرس المزمع عقدها بتاريخ 3 نوفمبر من هذا العام أو هكذا يعتقد.

في بيت لحم مهد المسيح، حيث لقائه بالرئيس ابو مازن، تباعاً حاول بايدن تأويل مواقفه، والتي سرعان ما تنصل منها مباشرةً، فرغم تكرار التزامه برؤية حل الدولتين، إلا انه استدركها بعبارة “هدف قد يبدو بعيد المنال” دون طرح خارطة طريق لمسارات تفضي الى حلول، ومتحللاً من التزاماته السابقة، من بين امور اخرى، إعادة افتتاح القنصلية الامريكية في القدس الشرقية، رفع اسم منظمة التحرير الفلسطينية من قوائم المنظمات الارهابية وفقاً لقرارات الكونجرس، إعادة السفارة الامريكية من القدس الى تل ابيب، الضغط على اسرائيل لوقف بناء المستوطنات… وغيرها من الوعودات المتبخرة. لم تتأخر الحقيقة طويلاً ليسمعها بايدن مباشرةً من مضيفه الرئيس محمود عباس، الذي اكد له كما لاسلافه، لاءات جديدة هزت آذانه، لا تنازل عن الثوابت الفلسطينية، ولا دعماً ولا اقراراً لفيروس التطبيع، ولا اصطفافاً مضاداً لروسيا و/أو الصين أو غيرها. معيداً بذلك القضية الفلسطينية في مسارها السياسي وليس الاقتصادي كما يتمنى بايدن.

بايدن المتعطش للنفط، كما عصابة الكونجرس المتعطشين للدماء، حاول تسويق بضاعته الفاسدة، في محطة اخرى كانت هي جوهر زيارته بالاساس، فقوبل بلاءات جديدة من جدة اربكت حساباته، فلا حلف ناتو موجه نحو ايران، ولا حاجة لاندماج جيش الاحتلال الاسرائيلي في منظومة الدفاع العربي، ولا مزيداً من هدايا التطبيع المجانية دون انفاذ البنود التراتبية لمبادرة السلام العربية كاملةً، ولا زيادةً في ضخ النفط والغاز الا وفق اتفاقيات اوبك+ وحاجة السوق العالمية، ولا عداء لروسيا والصين، ولا تحاضروا فينا بالقيم والاخلاق، فسجن ابو غريب مثالاً حيا ًشاهداً على جرائمكم، وإعدام الصحفية شيرين ابو عاقلة لم يحرك ضمائركم، باختصار نحن لا نثق بكم.

مواقف القيادات العربية المجتمعة في قمة جدة بحضور بايدن كانت قاطعة وحاسمة، فهي التي قرأت المشهد السياسي العالمي جيداً، وانعكاس تطورات الحرب الجارية في اوكرانيا وما ترتب عليها من صعود اقطاب جديدة اظهرت قدرتها وبجدارة على مواجهة الهيمنة الامريكية، لقد اتسمت هذه المواقف بالندية في مواجهة مطالب بايدن، واعلنت بوضوح مصالحنا وتفضيلات شعوبنا وفي مقدمتها فلسطين اولاً، ثم ننظر في طلباتكم، حينها ادرك بايدن والوفد المرافق، انهم في المكان والزمان الخطأ، وأنهم قد تأخروا كثيراً في زيارتهم، وان لغة الاوامر لم تعد تجدي نفعاً، كما سياسة الابتزاز تحت ما يسمى حقوق الانسان التي اعتادت عليها واشنطن لا يمكن قبولها في بلادنا، وان على واشنطن ان تقتنع انه ومن الطبيعي ان تتعارض قيمنا العربية الاصيلة مع القيم الغربية القائمة على نهج التدمير المُبرر من اجل سلب موارد وثروات الشعوب العربية.

جـــــدة، أرسلت عدة رسائل وفي كل الاتجاهات، أُولاها لا فراغ لدينا حتى تملؤه واشنطن، وأن الامة العربية قادرة على إدارة علاقاتها كما أازماتها ولا ترحب في التدخل في شؤونها الداخلية، ولا تقبل املاءات خارجية من أحد، ودعماً لهذه المواقف المستقلة، اعلنت الامارات انها بصدد اعادة سفيرها الى طهران. فإذا ما كان هناك قراءة واضحة يمكن رصدها لزيارة بايدن، بإستثناء اعلان صهيونيته، فإننا نجدها في حديث عاموس يادلين، الذي شغل سابقا منصب قائد شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” في مقابلة أجرتها معه إذاعة “103FM”، يقول يادلين “أن ما تحقق على صعيد اندماج إسرائيل في المنطقة خلال الزيارة كان أقل بكثير مما راهنت عليه إسرائيل، وأن الزيارة لم تفض إلى تحسين قدرة تل أبيب على الانخراط في المنظومة الإقليمية، فضلا عن أن الرئيس الأميركي لم يقبل مطالب إسرائيل بشأن سبل التعاطي مع البرنامج النووي الإيراني.

د. عوض سـليميـة

حاصل على الدكتوراة في العلاقات الدولية في تاثير اللوبي الإسرائيلي على السياسة الخارجية تجاه القضية الفلسطينية من جامعة university utara Malaysia. زميل ابحاث ما بعد الدكتوراة في السياسة الخارجية الأمريكية. مدير برنامج السياسة الخارجية الامريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى