دولي

من المسؤول عن عودة الحرب الباردة؟

عن مجلة Foreign Policy

ينزع هذا المقال، رغم نقده اللاذع للصين، الى اعتبار الطموحات التوسعية للولايات المتحدة مسئولة عن عودة الحرب الباردة، وهو صادر عن اهم مجلة جيوسياسية اميركية.

الحرب الباردة بين الصين وأمريكا.. نظرة مقارنة بين الماضي والحاضر
يبدو أن مصطلح الحرب الباردة والذي شاع استخدامه خلال النصف الثاني من القرن المنصرم للإشارة للعلاقات الروسية الأمريكية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح في حالة تأهب للظهور من جديد، لكن دولة الصين هي المنافس الجديد هذه المرة في مواجهة القوة العظمى الأولى في العالم.
ومن وجهة نظر الجانب الأمريكي، فإن المعضلة الكبرى تتمثل في كيفية التصدي للأنظمة السلطوية حول العالم والتي تمارس القمع ضد الشعوب من خلال حكومة مركزية لا تعترف بالحريات الفردية.
وهاهو ذات المشهد يتكرر من جديد، حيث أن شبح الحرب الباردة بين الصين وأمريكا بات يلوح في الأفق، وذلك منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية حقبة من الصراع مع الدب الروسي استمرت قرابة 40 عام، وتمثلت في محاولة بسط النفوذ على العالم وإرساء قواعد التحالفات العسكرية وسباق التسلح والتقدم التكنولوجي.
الأمر الذي جعل الكثير من الآراء تذهب في اتجاه احتمال اندلاع الحرب الباردة الثانية باعتبارها التوصيف الأمثل للوضع الحالي بعد تدهور العلاقات الصينية الأمريكية وسعي كل طرف منهما إلى إعادة هيكلة وتشكيل ملامح النظام العالمي وفقا لرؤيته الخاصة.
ويبقى السؤال الأكثر جدلا، فمن هو المسئول عن اندلاع الحرب الباردة الثانية؟ هل يمكن القول بأن طبيعة نظام الحكم الشيوعي في الصين هي التي تقف وراء التطلعات المارقة للرئيس الصيني من أجل خوض غمار المنافسة على السيادة العالمية؟ أم أن الأهداف والمخططات التوسعية الأمريكية من أجل إخضاع العالم للنموذج الغربي هي المسئولة عن التهديد ببداية حقبة جديدة من الحرب الباردة؟
وقد اختلف المحللون في الوقوف على أسباب اندلاع الحرب الباردة بين الصين وأمريكا، الأمر الذي حدث في السابق أيضا عقب نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الصراع الأمريكي السوفيتي، فقد ذهب البعض إلى اتهام الأيدولوجية والعقيدة السوفيتية، وهناك من رأى أن إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على قيادة العالم قد أشعل فتيل الحرب الباردة بهدف الحد من انتشار الدعايا السوفيتية.
وبما أن التمايز بين التحليلات يؤدي بلا شك إلى تعدد النتائج والتوقعات، الأمر الذي قد يسبب نوعا من التشتت والارتباك عند محاولة دراسة أصول النزاع القائم بين كل من الصين وأمريكا والذي يراه البعض مقدمة لحرب باردة من نوع جديد، مما يجعل تفنيد المعطيات القائمة وتحليل المواقف الدولية لكل طرف مع المقاربة والمقارنة بنموذج الحرب السوفيتية الأمريكية في الماضي ضرورة حتمية للإطلاع على حقيقة الأمر.
نظرة بانورامية على الحرب الباردة 1991-1945
كان انتصار قوى الحلفاء على دول المحور في الحرب العالمية الثانية بمثابة بداية عهد جديد من الصراع الخفي بين كل من روسيا وواشنطن، وقد اختلفت المراجعات التاريخية في تحديد من هو المسئول عن إشعال شرارة هذا الصراع والذي عرف بـ الحرب الباردة، وعليه فقد اجتهد الباحثون في تقديم أطروحات وتفسيرات منطقية لتلك الحقبة التنافسية الخطيرة بين القطبين الأقوى حول العالم آنذاك.
رأى فريق من المحللين السياسيين أن جهود الاتحاد السوفيتي لنشر العقيدة الماركسية ومبادئ كل من لينين وستالين المارقة ومحاولة الهيمنة على أجزاء كثيرة من آسيا وأوروبا هي الدافع الأساسي لبدء حقبة الحرب الباردة، وعليه فقد تحركت الولايات المتحدة لمحاولة وقف خطر المد الشيوعي والتصدي لوحشية النظام السوفيتي.
بينما ذهب فريق آخر إلى إلقاء مسئولية انطلاق شرارة الحرب الباردة على القوة التوسعية الأمريكية التي استهدفت السيطرة الاقتصادية على الأسواق العالمية من خلال محاولة فرض النظام الرأسمالي، واستشهد الفريق بحرب فيتنام للدلالة على تهديد الولايات المتحدة آنذاك للعالم، وبالتالي فإن استشعار الاتحاد السوفيتي للخطر الناجم عن بسط النفوذ الأمريكي عالميا قد دفعه إلى الدخول في حلبة الصراع البارد.
وبنظرة أكثر حيادية، ذهب فريق ثالث إلى اعتبار الحرب الباردة حتمية مأساوية اقتضتها الظروف بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، فالتنافس الواقع بين واشنطن والاتحاد السوفيتي آنذاك كان أمرا بديهيا، فالساحة العالمية كانت بمثابة مرتعا لكليهما فقط، مما حفز كل طرف منهما على استباق الخطى من أجل محاولة القضاء على الآخر وفرض سيادته على العالم.
الصين أم واشنطن؟ .. من المسئول عن استحضار روح الحرب الباردة مرة أخرى؟
يبدو أن السياسة التوسعية الأمريكية التي استهدفت التواجد العسكري في المحيط الهادي، إلى جانب التدخل الأمريكي في شئون الدول الأخرى تحت ستار الدفاع المزمع للغرب عن حقوق الإنسان في الشرق، قد تسبب في شعور بعض الدول مثل الصين بالتهديد وعدم الاستقرار.
هذا في الوقت الذي يعترف فيه العالم بفضل الولايات المتحدة على الصين وبخاصة على كلا الصعيدين الاقتصادي والدبلوماسي، فالأسواق الأمريكية هي الأولى عالميا من حيث استيعاب المنتجات الصينية، الأمر الذي ساعد الصين على التواجد بقوة في منظمة التجارة العالمية، إلى جانب تمهيد الطريق أمام الصين لتكون من المؤثرين على الرأي العام العالمي.
ومع التنامي المتصاعد لقوة بكين، ظهر الخطاب الأمريكي في صورة الحاجة إلى وجود نظام عالمي متعدد الأقطاب من أجل مواجهة المشكلات الدولية كالأزمات الاقتصادية العالمية وغيرها.
ويتفق الخبراء على اعتبار عهد الرئيس الحالي للصين هو الأكثر شراسة وسلطوية من حيث تعمد قمع المعارضين وتطبيق النموذج البوليسي الذي يكرس مبادئ الحكم الفردي ولكن بصورة أكثر تقدما تعتمد على تبني شتى أشكال التقنيات الحديثة.
ووفقا لتلك الرؤية فقد أقدمت الصين على استخدام قوتها الاقتصادية والعسكرية على الصعيد الاقليمي في الهيمنة وانتهاك سيادة بعض دول شرق آسيا كاليابان والهند وغيرها، إلى جانب تنفيذ بعض مشروعات الاستثمار في البنية التحتية والتي ترمي في الأساس إلى فرض السيادة الصينية على المنطقة والتي تمثلت في المبادرة التي أعلن عنها الرئيس الصيني مؤخرا بعنوان “صنع في الصين 2025”
وبالتالي فإنه يمكن إدراج التغير الجذري في السياسة الصينية منذ بداية عهد شي جين بينغ والتي كشفت عن نيتها العدائية والمنافسة لقوى الغرب على قائمة الأسباب التي أدت إلة نشوب الحرب الباردة الثانية.
ويرى البعض أن الاختلاف الجذري بين كل من الأيدولوجية الأمريكية والصينية هو السبب الأكثر منطقية لحدوث حالة من التوتر بين الدولتين، فمن البديهي أن تستعر الصين القلق من انتشار الفكر الليبرالي الغربي الذي يهدد نظام الحكم السلطوي الفردي الرافض لفكرة التعددية والمعارضة، في الوقت الذي يعتبر فيه المد الشيوعي خارج الصين هو الأمر الأكثر إزعاجا للكيان الأمريكي صاحب النظريات الرأسمالية والمتعهد بالدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم.
وختاما، وبنظرة أكثرمقاربة بين الماضي والحاضر، سنجد أن الطموحات التوسعية الأمريكية في شرق أوروبا خلال عقد الأربعينات من القرن المنصرم تتجدد مرة أخرى في صورة هيمنة عسكرية على المحيط الهادي، إلى جانب الخطاب الأمريكي المستند إلى للمبادئ الديمقراطية والدفاع عن الحقوق السياسية للأفراد، الأمر الذي يفسر مقاومة المعكسر الشرقي بقيادة ستالين في السابق و دولة الصين حاليا للكيان الأمريكي من خلال خوض حروب خفية باردة على شتى الأصعدة التقنية والعسكرية والاقتصادية بل والفكرية أيضا.
رابط المقال الأصلي: اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى