اجتماعدولي

نصف الجمهوريين يقتنون سلاحاً فردياً… و٢٢٪ فقط من الديمقراطيين

عن Geopolitical Futures

قالها رونالد ريجان: “ليس على المرء أن يبرر سبب حمله للسلاح”.. فهل صدق في قوله؟
تلك العبارة المثيرة للجدل قالها رونالد ريجان خلال فترة توليه منصب حاكم ولاية كاليفورنيا عام 1967 وقبل أن يصبح الرئيس الأربعين في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، فهل أثبتت السنوات والأحداث تباعا مدى صدق تلك المقولة!
في الحقيقة، فإنه نادرا ما يحدث إجماعا بين الناخبين الأمريكيين حول القضايا السياسية، أما بالنسبة لقضية حمل السلاح، فقد أظهرت نتائج كافة الاستطلاعات التي أجريت في هذا الشأن اتفاقا نسبيا، ففي عام 1991 استطلعت مؤسسة غالوب الشهيرة آراء الأمريكيين حول ما إذا كانت قوانين مكافحة انتشار السلاح يجب أن تكون أكثر صرامة، حيث وافق نحو 78% من عينة البحث على ذلك، وفي العام الماضي أكثر من 60% لازالوا متفقين على ضرورة تفعيل القوانين التي تحد من حمل السلاح، وهنا يكمن اللغز، ففي الوقت الذي يختلف فيه الأمريكيون فعليا حول قضايا عدة تتعلق بالسلاح وغيرها، أظهرت المسوح التي أجريت في هذا الشأن اتفاقا ملحوظا، مما جعل الأمر مثيرا للجدل.
وقد أفادت غالوب أيضا بأن 92% من الأمريكيين يميلون إلى إجراء التحقيقات حول مبيعات الأسلحة، بحيث تقوم الجهات المسئولة بالاستعلام والاستقصاء حول الشخص الراغب في شراء السلاح، بينما أوضحت مؤسسة بيو بأن 89% من الأمريكيين يؤيدون منع بيع الأسلحة للأشخاص المصابين بأمراض عقلية، هذا في الوقت الذي وافق فيه 67% من الأمريكيين على حظر بيع الأسلحة الهجومة بوجه عام.
ويبدو أن ذلك الإجماع الملحوظ بين الأمريكيين حول تلك القضية الشائكة يرتبط في جوهره بالعبارة الشهيرة للمؤرخ شيلبي فورت حيث قال:” إن العبقرية الحقيقة للشعب الأمريكي تتجلى في قدرتهم على التفاهم والوصول إلى حلول مرنة لمختلف القضايا، لكن جميع نتائج استطلاعات الرأي التي تؤكد على ضرورة الحد من انتشار السلاح لا يمكن اعتبارها بمثابة قضية خلافية تتطلب التوصل إلى تسوية ما، فإذا كانت قدرتنا على التفاهم هي منبع عبقريتنا الحقيقة، فلعل شعورنا بالرضا عن الذات إذن هو أعظم زلاتنا”.
وفي عصر يمكن تمييزه بخاصية رسم السياسيات وتشكيلها في ضوء هوية المواطنين، فإنه يمكن القول بأن ملكية السلاح هي الأقوى بين جميع الهويات الأخرى، فقد قدمت بعض المؤشرات دلالات قوية على أن قرار امتلاك السلاح قد يرتبط بعدد من العوامل الديمغرافية بل والانتماءات السياسية أيضا، ووفقا لمركز أبحاث الرأي بجامعة شيكاغو، ففي عام 1973 قال 55% من الجمهوريين و 45% من الديمقراطيين بأنهم يمتلكون أسلحة في منازلهم، وقد لوحظ انخفاض نسبة اقتناء السلاح على مدار الأربعين سنة التالية لذلك المسح.
ففي عام 2010 أظهرت نتائج المسح الذي أجرته منظمة نورك NORC حول العلاقة بين ملكية السلاح والانتماء الحزبي أو السياسي أن 50% من الجمهوريين أكدوا على امتلاكهم للسلاح في منازلهم في مقابل 22% فقط من الديمقراطيين، وقد يكون من الأحرى الاعتراف هنا بأن اندماج الهوية الجديدة المعروفة بـ”هوية السلاح” في المجتمع الأمريكي، ظاهرة قد يكون من الصعب تفسيرها.
ولا يعني ذلك أن الاتجاهات الحديثة في امتلاك السلاح داخل المجتمع الأمريكي ترتبط ارتباطا وثيقا بتاريخ الآباء والأجداد الذين أصروا على حمل السلاح في الماضي من أجل الحصول على الحرية، فقد قامت الثورة الأمريكية من أجل تحقيق المساواة بين عامة الشعب والنبلاء أي أنها كانت ثورة من أجل الحياة، فالمؤسسون الأوائل للولايات المتحدة الأمريكية لم يشجعوا الناس على حمل السلاح انطلاقا من رغبتهم في ممارسة رياضة الرماية مثلا ولم يجعلوا من البندقية رمزا لثورتهم، بل كانت رغبتهم في حيازة السلاح خطوة في رحلة نضالهم من أجل التحرر من سلطة الملك القابع في الجزء الآخر من العالم خلف المحيط.
ولا يمكن القول بأن قضية امتلاك السلاح هي قضية أمريكية أصيلة، فالمتأمل في وثيقة الحقوق التي أصدرها البرلمان البريطاني عام 1689 سيجد أن هناك ما ينص على حق المدافعين عن المذهب البروتستانتي في امتلاك السلاح دفاعا عن أنفسهم وفقا لما تقتضيه الظروف، هذا في الوقت الذي دافعت فيه جريدة بوبليوس Publius الفيدرالية الشهيرة عن الحق في حيازة السلاح في سياق حرص الحكومة الفيدرالية على تشكيل ميليشيا قوية وليس من باب تشجيع الملكية الفردية للسلاح.
ومن المفارقات الملحوظة هو أن النقاش الحالي الدائر حول قضية حمل السلاح قد يصطدم بالمرونة التي يتحلى بها الدستور الأمريكي، فقد عمدت الدولة إلى صياغة مجموعة من المبادئ الجديدة والتي يجب ألا تجبر الأجيال الحالية على الاستمرار في العيش على ذكرى التفسيرات التي تم طرحها في القرن 18 فقد تم إعادة تفسير النصوص الدستوية مرارا بحيث لا تتعارض مع روح القانون، كما لوحظ أن معظم المدافعين عن الملكية غير المشروطة للسلاح هم من الأصوليين الدستوريين والذين لا يقبلون الاعتراض على وجهات نظرهم، مما جعلهم بمثابة آلية لتشويه الأيدولوجية الأمريكية عبر التاريخ.
وفي ظل التزايد الملحوظ حاليا لمعدلات جرائم القتل الجماعية، فقد أكد الباحثون على صعوبة تحديد الدوافع الحقيقية لارتكاب هذ النوع من الجرائم والذي صنفته الحكومة الأمريكية على أنه (نوع من عمليات إطلاق النار التي قتل فيها ما لا يقل عن أربعة أشخاص) إلا أنه لابد من الربط بين ارتفاع معدلات الجريمة وانتشار الخطابات المعادية للمهاجرين، وفي خضم ذلك، يكاد يجمع الخبراء على أن القضاء على العنف في المجتمع الأمريكي لن يتحقق من خلال الحد من انتشار السلاح، حتى وإن انخفض إجمالي عدد القتلى.
والجدير بالذكر أن خطابات الكراهية ضد المهاجرين والتي بدأت تتخذ طابعا رسميا من قبل أعلى مستويات السياسة الأمريكية ، تعد المسئول الأول عن أحداث الاضطهاد العرقي المؤسفة، وحقيقة الأمر فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد فشل في تقديم نموذج للقيادة الواعية، حيث عمد هو وإدارته إلى تكرار العبارات المعادية للمهاجرين واصفين ظاهرة الهجرة بـ “الهجوم” تارة وبـ “التفشي” مرة أخرى، وقد تجلى ذلك واضحا عندما اقترح أحد الحضور بمسابقة للرالي في فلوريدا بأن خير وسيلة للتخلص من مشكلة المهاجرين غير الشرعيين هي إبادتهم فورا، وهنا ضحك ترامب طويلا وكأن عبارة الشخص كانت صائبة في نظره.
وبالنظر إلى تعليق ترامب على الأحداث الدموية الأخيرة التي وقعت في أمريكا، حيث وصف مرتكبي تلك الجرائم بأنهم ينتمون إلى أيدولوجيات شريرة، لافتا إلى أهمية تعديل قوانين الهجرة في البلاد، فإنه لابد من تسليط الضوء على التدوينة التي كتبها منفذ هجوم إلباسو على أحد المواقع التي تستضيف الأفكار المتطرفة، حيث قال بأنه يكره الغزو الإسباني لتكساس، ولعل في طيات تلك العبارة معان شديدة الخطورة ترتبط بشكل مباشر للخطاب الرسمي الصادر عن البيت الأبيض نفسه والذي يحث ضمنيا على كراهية الأجانب.
على أية حال فإنه لا يمكن التسليم بأن الرئيس الأمريكي وحده هو المسئول عن ارتفاع معدلات العنف والجريمة، ولا يمكن توجيه أصابع الاتهام نحو الأشخاص المتطرفين فكريا فحسب، حيث يتعين على كل إنسان التنقيب جيدا داخل ذاته والبحث عن حقيقة معتقداته والمبادئ التي يؤمن بها، فنحن مسئولون جميعا عن خياراتنا واتجاهاتنا بصفة شخصية، ولكن هذا لا يعفي الحكومة الأمريكية من المسئولية تماما.
رابط المقال
اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى