نادي القلم

١٠٠ عام على لبنان الكبير: الدولة الوطنية المدنية والتخلص من الطائفية

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

“معظم الشعب استيقظ، إنه الظلم والفقر لا يخلقان لدى المصاب بهما أي حافز للتغيير، إذا لم يكن يمر بهما” – جان جاك رَوسو

بُعيد مرور مئة عام على قيام دولة لبنان الكبير لم يستطع القائمين على هذا الكيان صهر الجميع في بوتقة دولة مدنية حديثة تتمسك بالدستور وتجعل من القوانين التي تحافظ على المصلحة الوطنية العليا معيارا في التعامل بين الجميع.
إن أبرز الأزمات التي تعاني منها المجتمعات العربية تتمثل في ضعف االهوية الوطنية والعودة لنظام القبيلة والعشيرة والمذهب و الطائفة و الجماعات العرقية الاثنية حيث ان اللجوء الى تلك الانتماءات من قبل الجميع هو نتيجة التربية و الثقافة السائدة تؤدي بالمحصلة الى فقدان الشعور بالانتماء لهذه الدولة الوطنية القائمة أصلا على اساس الدستور والقانون المتبع والمؤسسات الموجودة ولكن دون معايير استثمارية أو إدارية (معظم المؤسسات العامة)، مقابل احتكار طبقة أو شريحة من السلطة القائمة لمراكز النفوذ والمال والعلاقات والتبعية الخارجية وبالتالي ابتلاعها لمفاصل الدولة والمجتمع على اساس المحاصصة والفساد والمحسوبية.
هذا الآمر ترك الباب مفتوحا للمتربصين سوءا أو للطامعين في السيطرة على موارد الشعوب وخيراتها بتقديم مصطلحات براقة كمن يقدم السم بالعسل مثل “الفوضى الخلاقة أو الربيع العربي” تدفع الى طمس الهوية الوطنية بشكل كامل وتزيد الفقير فقرا وتثقل البلاد بالاعباء. لا بد هنا من السيطرة على الحركات الاحتجاجية و الثورات الجماهيرية عبر قيام الساسة والقوى المؤمنة بلبنان ارضا وشعبا ومؤسسات بتنظيم عادل للدولة من خلال الغاء الطائفية السياسية وفصل الدين عن الدولة وتحويل الدولة الى إطار يظم الجميع على اساس الأخوة الوطنية والانسانية، بمعنى آخر بناء دولة المواطنة والمواطنية فليس هناك دولة حديثة في ظل النظام الطائفي الذي يصنف المواطن ويهمش القدرات ويشجع على هجرة الادمغة، فالدولة الطائفية ليست دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة بقدر ما هي فوضى سياسية دائمة، نتائجها حروب أو مناكفات اهلية قائمة او مؤجلة ومن ثم تسويات … .
إن المفهوم الفكري للمواطنة قائم على التعددية السياسية وقبول الآخر والفصل بين السلطة والتداول االسلمي للسلطة وهذا يتم من خلال اقامة انتخابات حرة ديمقراطية في إطار مشروع انتخابي نسبي يجعل لبنان دائرة واحدة وهو ما ينادى به الآن العديد من الافرقاء وحتى المحتجين أنفسهم، وهو يسهم بحل المعضلات الاجتماعية عبر آليات وأصول ديمقراطية سلمية تؤدي بالمحصلة الى احتضان الشرائح الفقيرة وإعطاء دور للمرأة وضمان الشيخوخة بقوة القانون والدستور بتحالف طبيعي وجيواستراتيجي بين الحريصين على المحرومين والمستضعفين والفقراء والذين قد يشكلون كما ذكرت شرارة مهيئة للعدو الصهيوني وحلفائه لإضعاف دور الدولة واقتصادها وجعلها مديونة، الأمر الذي يتطلب العمل ببرنامج واضح يؤكد على التمسك بالمقاومة وبالجيش الوطني باعتبارهما ضمانة لبنان بوجه التحديات وفي جعله دولة المواطنة والانسان وبناء الؤسسات والاستثمار واعتماد اقتصاد المعرفة كأولوية في النهوض، ما يؤدي الى اقامة توازن العدل الاجتماعي والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بوجود رئيس ضمن الصلاحيات المنصوص عليها، فيتحول لبنان من واقعه الحالي الى “سنغافورة البحر الابيض المتوسط” باقتصاده وأمنه وبيئته و… شعبه.
“معظم الشعب استيقظ”

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

الدكتور حسين النابلسي، كاتب في الاقتصاد السياسي واستاذ جامعي

د. حسين نابلسي، حائز على دكتوراه في الاقتصاد العام حول الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في المجال الاجتماعي. قيادي جامعي في الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم، امين الصندوق في صندوق التعاضد الصحي اللبناني وعضو الهيئة إلادارية في العديد من الجمعيات الانسانية. ناشر للعديد من المقالات والابحاث في عدة مجلات علمية محكمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى