الضريبة هي مبلغ نقدي تتقاضاه الدولة من الأشخاص والمؤسسات بهدف تمويل نفقات الدولة ؛ أي تمويل نفقات كل القطاعات التي تصرف عليها الدولة كالجيش، والشرطة، والتعليم، أو تبعا للسياسات الاقتصادية، كدعم سلع وقطاعات معينة، أو الصرف على البنية التحتية، كبناء الطرقات والسدود، أو التأمين على البطالة. في الأنظمة الديمقراطية تحدد قيمة الضريبة والرسوم بقوانين يصادق عليها ممثلي الشعب.
الجزية ما يدفعه المواطن مقابل الحماية التي تقدمها الدولة ويقصد بها الحماية المادية لكل الأملاك الخاصة بالافراد، ولا يستفيد الافراد من أي خدمات أخرى سواء لناحية الصحة، التعليم، الشيخوخة، وغيرها من الخدمات التي تقدمها الدولة عادة لمواطنيها.
في لبنان المواطن لا يدفع ضرائب بمعنى الضرائب لأن للضرائب مفهوم مرتبط بالخدمات التي يقدمها أو تقدمها الدولة أو أي شخصية معنوية على سبيل المثال :
البلدية :
تتقاضى البلديات رسوم مقابل خدمات تقدمها للمواطنين المقيمين ضمن نطاقها وعدم تقديم هذه الخدمة يحولها الى جزية مفروضة على المقيمين كحال الكثير من الاحياء حاليا” في لبنان والتي لا تستفيد من خدمات البلديات لأن سكانها لا ينتمون وفقا” لسجل النفوس الى المكان أو المدينة التي يقطنون فيها.
الرسوم والضرائب إذًا مرتبطة بالخدمات ولا يمكن أن تتقاضى رسوم وضرائب دون تقديم خدمات.
بالنسبة لرواتب القطاع العام يتم ربطها بعدة أمور منها:
– حجم الناتج القومي
– حجم الموازنة
ان إقرار أي زيادة في الرواتب دون الأخذ بعين الأعتبار هذين البندين يعني دخولنا في نفق التضخم المفرط والمستمر، وبالتالي انخفاض مستمر في سعر صرف العملة الوطنية بسبب العجز الدائم في الموازنة وبالتالي ارتفاع الدين العام بشكل دائم وهذا ما حصل سابقًا وأوصلنا الى الانفجار الكبير، مع الإشارة الى ان العجز في الموازنات في السابق لم يكن سببه الرواتب فقط بل كان هناك عوامل متعددة ساهمت في الأنهيار منها :
– الفوائد المرتفعة على الدين العام.
– سوء أدارة المؤسسات العامة والمصالح المستقلة.
– الفساد الكبير في أدارات الدولة.
– الهدر الناتج عن عدم اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
لذلك فان المطالبة اليوم بتصحيح الأجور وتعديلها وفقًا لأرقام التضخم دون الاخذ بعين الاعتبار حجم الانكماش الذي حصل في الناتج القومي، ودون الاخذ بعين الاعتبار حجم الانكماش الحقيقي الذي حصل في الموازنة هو أمر غير واقعي وغير علمي ويمكن أن يؤدي الى تضخم مفرط مستمر وبالتالي انخفاض مستمر في سعر صرف الليرة اللبنانية ولا نريد تكرار إقرار سلسلة الرتب والرواتب مع أحقيتها للموظفين لكن تم إقرارها دون أي دراسة علمية وموضوعية فكانت عامل إضافي ساعد على الانهيار المبكر.
ان العناصر الاربعة المشاركة في العقد الاجتماعي والذي يكون حركة الاقتصاد الوطني والنظام السياسي اللبناني هم :
– عمال وموظفوا القطاع الخاص
– موظفو القطاع العام
– أرباب العمل
– الدولة بأحزابها ونوابها
ان فقدان معظم الخدمات يجعل من الصعوبة اليوم على المواطن اللبناني أي العنصر الاول والثاني قبول أية ضرائب ورسوم لا تكون مقترنة بتقديم خدمات حقيقية، لذلك قلنا سابقًا أن أي زيادة في الرواتب يجب ان يقابله زيادة في الواردات حتى يبقى التوازن قائمًا، كما يجب أن يقترن مع بدء تقديم الخدمات للمواطنين وألا فأن عملية أقناع المواطن لاحقًا على تحمل الزيادة في الرسوم والضرائب ستكون صعبة جدًا ولن يتقبلها، من هنا نقول المطلوب اليوم هو الشراكة في التضحية من قبل الجميع لكي نعيد الحياة الى كافة دوائر القطاع العام بداية من المواطن الذي يجب ان يتقبل رفع سعر صرف الدولار الرسمي وبشكل تدريجي، الى الموظف الذي يجب أن يتقبل العودة الى العمل مع زيادة تدريجية في حجم الاجور مع مراعاة الانكماش الكبير في حجم الناتج القومي وحجم الموازنة، وما كان قبل ثلاث سنوات لن يعود في المدى المنظور فالناتج القومي انخفض بنسبة تزيد عن 62 بالمئة ومصرف لبنان لم يعد يملك تحتياطي من العملات الصعبة تؤهله لدعم العملة الوطنية بغض النظر عن حجم العجز في الموازنة، وبغض النظر عن حجم الدين العام، اليوم أي تمادي في عجز الموازنة، وتمادي في الدين العام يعني أنعكاسها على سعر صرف العملة الوطنية، وبالتالي انخفاض في القدرة الشرائية.
أما أرباب عمل القطاع الخاص فهم يعانون أيضًا اليوم نتيجة لفقدان الخدمات الاساسية التي تقدمها أي دولة في العالم ونتيجة انكماش الناتج القومي لكن ما يجب الالتزام به من قبل هذا الطرف هو عدم التهرب الضريبي والجمركي لمصلحة كل الاطراف.
بالنسبة إلى موظفوا القطاع العام فيجب ان يعلموا أنه ما كان قبل ثلاث سنوات لن يعود قبل مضي فترة قد تطول فالناتج القومي انخفض بنسبة تزيد عن 62 بالمئة ومصرف لبنان لم يعد قادر على تثبيت سعر الصرف وأي زيادة في الرواتب غير مدروسة ستنعكس حتمًا على سعر صرف الليرة اللبنانية، الطموحات يجب ان تكون علمية وموضوعية وضمن الحدود الممكنة.
أما بالنسبة للأحزاب والكتل السياسية فيجب ان يعلموا ان الرسوم والضرائب هي واجبات يجب ان يقابلها حقوق وخدمات للمواطنين وليس فساد وهدر وسرقات، واذا استمر هذا الامر على نفس المنوال السابق سيؤدي الى انحلال الدولة عاجلاً أم أجلاً وكفر الناس وكل المواطنين بالدولة وزيادة معدلات الهجرة لمن استطاع اليها سبيلا. على الطبقة السياسية والاحزاب الاقتناع بأنه لا يمكن الاستمرار بهذا الواقع الى ما لا نهاية لأن النهاية ستكون محسومة.
من هنا يجب البدء اليوم وقبل الغد بإقرار بعض القوانين وإصدار بعض القرارات التي تعزز واردات الدولة وهذا الامر سهل ولا يحتاج الى وقت طويل أو انتظار إقرار الموازنة حتى نبدأ عملية وقف التدحرج، ومن هذه القرارات:
– إقرار دفع رسم المسافرين بالدولار الطازج.
– إقرار دفع رسوم الطائرات بالدولار الطازج.
– إقرار دفع رسوم الترانزيت والعبور بالدولار الطازج.
– إقرار دفع الارضيات، التخزين، ورسو السفن بالدولار الطازج.
– إقرار أيداع ثمن تذاكر السفر والشحن الذي تتقاضاه شركة الميديل إيست لدى مصرف لبنان على أن يقوم هو بتحويل ما تحتاجه الى العملة المحلية على سعر المنصة.
– إقرار دفع ايجارات الاملاك البحرية وعقود المناطق الحرة بالدولار الاميركي الطازج.
تن إقرار هذه البنود سيؤدي الى توفير ما لا يقل عن مليار دولار طازج للخزينة اللبنانية إضافة الى تعزيز احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة.
كما يمكن رفع سعر الصرف الرسمي كبداية الى 8000 ليرة للدولار الواحد من قبل مصرف لبنان وهو قادر ويملك الصلاحيات التي تمكنه من ذلك، عند ذلك تستطيع الحكومة رفع رواتب القطاع العام كمرحلة أولى بنسبة 250 بالمئة على أن يتم تقييم هذه العملية خلال فترة ستة أشهر لأخذ القرار المناسب لاحقًا لناحية سعر الصرف الرسمي مجددًا ورفع رواتب القطاع العام وفقًا لنتيجة التقييم وحجم الايرادات المحققة في التدابير السابقة ولما يمكن ان ينتج عن التدبير اللاحق.
ان هذا التدرج في الاجراءات يمنح السوق المالي الكثير من الاستقرار والتوازن كما يمنح الاقتصاد فرصة لاستعادة أنفاسه والتحول نحو النمو بعد فترة طويلة من الانكماش والتراجع في الأرقام الحقيقية.
من ناحية أخرى وخلال هذه الفترة يجري العمل على إقرار القوانين والخطط الاصلاحية المطلوبة ومنها :
– قانون الكابيتال كونترول
– خطة التعافي
– قانون السرية المصرفية المعدل
– اعادة هيكلة القطاع العام
– اعادة هيكلة القطاع المصرفي
– اعادة هيكلة مصرف لبنان
– اعادة هيكلة قطاع الكهرباء
– إنشاء الصندوق السيادي
يضاف الى إقرار هذه القوانين أن يكون لدى السلطة السياسية الجرأة في اتخاذ القرارات الاستثمارية التي تصب في مصلحة الاقتصاد اللبناني وبالتالي فتح السوق اللبناني أمام الاستثمارات الكبيرة ومنها:
– النفط والغاز.
– المصافي.
– المناطق الحرة.
– سكة الحديد والمترو والباص.
– المدن الصناعية.
– تعزيز دور المرافئ عبر ربطها بسكة حديد مع المرافئ الدولية.
– السدود والانفاق
– الكهرباء المتجددة
– المصارف الجديدة
– إدارة موجودات الدولة من قبل هيئة متخصصة مستقلة.
– الاصلاحات الضريبية والجمركية
ان الجرأة بذهاب الحكومة الى اتخاذ هذه القرارات المرتبطة بهذه المشاريع والاصلاحات يؤكد على جدية الدولة والنظام في البناء والاصلاح وبالتالي يمنح هذا الامر المزيد من الثقة للداخل والخارج وسيعيد الثقة بالعملة الوطنية وبالاقتصاد اللبناني.
يبقى موضوع الاصلاح السياسي هو نقطة البداية والنهاية في أي عملية أصلاح جدي لأن مشكلتنا الكبرى في لبنان هي التعطيل الذي تمارسه الاحزاب والكتل السياسية نتيجة الاختلاف على التحاصص وبالتالي لا بد من وضع اصلاحات سياسية تمنع التعطيل وتمنع وضع قوانين في الجوارير والتأخير في أصدار المراسيم التطبيقية لها.
الاصلاح السياسي في لبنان للأسف يحتاج الى توافق وشبه إجماع داخلي وخارجي والاسباب أصبحت واضحة فعدم التوافق سيدخل لبنان في مشاكل طائفية لا تنتهي وهذا ما يمنعه الدستور والذي يعطي حق الفيتو لكل طائفة عند طرح تعديلات إصلاحية جذرية كما يمنح هذا الدستور بشكل غبر مباشر حق الفيتو لكل الدول المتحالفة مع أطراف داخليين.
ان التوافق اليوم متعذر لأسباب كثيرة تبدأ بالمصالح التي يملكها زعماء الطوائف وحاشيتهم في النظام الاقتصادي ولا ينتهي يتأثير الكارتيلات في الحياة السياسية لمصلحتهم، للاسف نحن في لبنان عالقون في دوامة لا تنتهي لا نحن قادرون على الاصلاح السياسي، ولا قادرون على الاصلاح الاقتصادي والمالي بسبب التعطيل والفساد والهدر، ولا نحن قادرون على اتخاذ القرارات الجريئة التي يمكن ان تحرك إقتصاد البلد، نحن عالقون في جهنم.