وافق مجلس الوزراء بتاريخ 30/3/2022 على مشروع قانون معجّل يرمي إلى وضع ضوابط استثنائية ومؤقّتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية وعلى مشروع مرسوم بإحالة مشروع القانون المذكور إلى مجلس النواب.
برأي الحكومة، إن الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية الحادّة أدّت إلى وضع ضوابط على السحوبات والتحاويل بلا أي مسوّغ قانوني، وهي تقرّ بأنه كان يجب وضع قانون كهذا منذ الأيام الأولى للأزمة، بما يلغي استنسابية المصارف ويحمي المودعين من هروب رؤوس أموال إضافية إلى الخارج. الإقرار يشمل عدم وجود مسوّغ قانوني، واستنسابية وهروب أموال، ما يثير السؤال الآتي: هل المشروع المقترح سيسهم فعلاً في إعادة الاستقرار المالي، ويؤدي الى إدخال ضوابط بشكل شفّاف من أجل منع المزيد من تدهور سعر الصرف وحماية احتياط مصرف لبنان بالعملات الأجنبية واستعادة السيولة في القطاع المصرفي وحماية المودعين؟
في الواقع، المشروع المقترح، يشكّل خرقاً خطيراً للدستور، بل انقلاباً عليه. فهو ينقل جزءاً من صلاحيات سلطة دستورية إلى لجنة خاصة بصلاحيات استنسابية يُعيَّن معظم أعضائها وتُحدَّد آلية عملها بقرار. فالمادة الثالثة من المشروع المقترح، نصّت على إنشاء لجنة خاصة مؤلفة من وزير المالية وحاكم مصرف لبنان وخبيرين اقتصاديين وقاضٍ من الدرجة 18 وما فوق يختارهم رئيس مجلس الوزراء، أي أن رئيس الحكومة هو فعلياً اللجنة. له على الأقل ثلاثة من أصل خمسة، ويكون له الرأي المرجّح، فضلاً عن وجود حاكم مصرف لبنان المسؤول عن الضوابط غير الشرعية التي وضعتها المصارف على أموال المودعين. وهذه اللجنة تقترح النصوص التطبيقية ومجلس الوزراء يصدرها، وهي تتولى استناداً إلى هذه النصوص وضع القيود.
بمعنى أوضح، اللجنة تقترح وتطبّق وتضع القيود وتنشر القرارات وفق ما نصت عليه المادة 3 من مشروع القانون، ولديها صلاحيات خاصة واستنسابية واسعة مثل تحديد شروط نقل الأموال عبر الحدود، ومدفوعات كل ما يتعلق بالحساب الجاري مثل عمليات التصدير والاستيراد، والتحكّم بالتدفقات النقدية بالعملات الأجنبية، والتحاويل بأي عملة كانت ومن أي حساب، وتحديد التحاويل والعمليات والمدفوعات والاستثناءات، وعمليات القطع الأجنبي، واستعمال الليرة والشيكات وشروط الإيداع، ولا سيما المدفوعات لمصاريف الطبابة والتعليم في الخارج، وتحاويل الاستيراد. كما مُنحت اللجنة صلاحية استنسابية متعلقة بتحديد السحوبات النقدية (1000 دولار للفرد الواحد)…
ومن خلال هذه الصلاحيات أصبحت اللجنة ترسم السياسات الاقتصادية بالتزامن مع خضوعها المطلق، فعلياً وعملياً، لرئيس مجلس الوزراء. رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة يمثّلها ويتكلم باسمها ويُعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء، لكنّ المادة 65 أناطت بمجلس الوزراء السلطة الإجراءات وحدّدت صلاحيات المجلس بوضع السياسات العامة للدولة في جميع المجالات، ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية، واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها… لذا فإن مشروع قانون الـ«كابيتال كونترول» بما تضمّنه من قيود وضوابط وتدابير وإجراءات على الاستيراد والتصدير والتحاويل والسحوبات، فإنه يضع سياسة عامة جديدة اقتصادياً ومالياً ونقدياً، وهي صلاحية لا يمكن تفويضها إلى أي جهة أخرى، ولا سيما للجنة خاصة يؤلّفها رئيس مجلس الوزراء. هكذا يصبح مشروع القانون ليس فقط خرقاً للدستور، إنما انقلاباً عليه وعلى وثيقة الوفاق الوطني.
كذلك، يخالف المشروع الفقرة «ه» من مقدمة الدستور التي تشير إلى أن «النظام الاقتصادي يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة»، وللمادة 15 من الدستور التي تشير إلى أن «الملكية في حمى القانون فلا يجوز أن ينزع عن أحد ملكه إلا لأسباب المنفعة العامة في الأحوال المنصوص عليها في القانون وبعد تعويضه منه تعويضاً عادلاً». إذاً، الدستور يكفل ويحمي الملكية الخاصة مهما كان شكلها أو نوعها أو حجمها. بهذا المعنى، إن ملكية الأموال والنقود والودائع مكفولة ومحمية دستورياً وقانونياً وهي تصبح محلّ نزاع ومصادرة وتقييد وانتهاك بموجب أحكام مشروع الكابيتال كونترول.
وفق المادة 122 من قانون النقد والتسليف «تُعتبر أموالاً متلقاة من الجمهور، من قبل مصرف، الودائع وحاصلات القروض»، وتشير المادة 123 من القانون نفسه إلى أنه «تخضع الودائع لأحكام المادة 307 من قانون التجارة»، والمادة 307 تفرض على المصرف الذي يتلقّى على سبيل الوديعة مبلغاً من النقود، «أن يردّه بقيمة تعادله دفعة واحدة أو عدة دفعات». ومن المعروف في علم القانون بأن حقّ ملكية الأموال المودعة في المصارف هو حقّ شخصي وعيني، بين المودع والمصرف إذ يلتزم هذا الأخير بردّ الوديعة، وهو أيضاً رابطة مباشرة بين المودع – صاحب الحقّ، ووديعته – موضوع الحق، وبالتالي للمودع سلطة قانونية على المال المودَع من دون تدخّل. وبالتالي، أي قيد لحقّ الفرد بملكيته الخاصة من شأنه أن يُعتبر مخالفة لقاعدة دستورية. فضلاً عن أن القوانين اللبنانية تضمن حركة رؤوس الأموال من وإلى لبنان، واستطراداً فإن أي تقييد لحقّ المودع بتحريك حسابه عبر إجراء تحويلات مالية داخلية أو خارجية يشكل خرقاً للمبادئ القانونية ولا سيما لحقّ الملكية ولمبدأ حرية حركة رأس المال المنصوص عنها في مقدمة الدستور البناني.
يحاول المشروع المقترح، أن يكرّس مفهوماً جديداً للأموال ويكرس تمييزاً بينها؛ فقد خلق مصطلحاً جديداً اسمه «الأموال الجديدة»مقسّماً الأموال بين قديمة وجديدة. وفرض على الأموال بالعملة الأجنبية المودعة قبل 17 تشرين الثاني 2019، قيوداً، بينما أعفى تلك المودعة بعد هذا التاريخ من أي قيود. يخلق ذلك، مواقع امتياز لمواطن على آخر، خارقاً الفقرة (ج) من الدستور التي تشير إلى «المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل»، وخارقاً للمادة 7 من الدستور التي نصّت: «كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتّعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات دونما فرق بينهم».
ويتعدى المشروع على سلطة القضاء المنصوص عليها في المادة 20 من الدستور التي قضت بأن يحفظ للقضاة والمتقاضين الضمانات اللازمة بموجب قانون. ونصت على أن القضاة مستقلون في إجراء وظيفتهم. ولكنّ المشروع نصّ صراحة على أن هذا القانون يسري على جميع الإجراءات القضائية مهما كان نوعها كما والدعاوى المقدمة أو التي ستُقدم بوجه المصارف والمؤسسات المالية أو المنبثقة عنها مهما كانت طبيعة تلك الدعاوى… ومنَعَ المحاكم من بتّ الدعاوى التي ستُقدم مستقبلاً ضد المصارف والمؤسسات المالية، بما يعنيه ذلك لجهة إبراء ذمّة المصرف المركزي والمصارف التجارية من المخالفات.
باختصار نحن فقط بحاجة إلى قانون «كابيتال كونترول» يعيد الأموال بالعملة الأجنبية التي هُرِّبت إلى الخارج منذ بداية عام 2019 وحتى تاريخه ويمنع تهريبها مستقبلاً على شكل تحويلات خاصة بأصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي والمالي وحفظ حقوق المودعين كاملة من دون إنقاص والتي لا شبهة عليها.