منذ العام 1991 بدأت مهزلة الكهرباء وبدأت معها سرقة العصر يوم ارتضت الدولة اللبنانية ومؤسسة كهرباء لبنان تحصيل فواتير الكهرباء وفقًا لشطور تبدأ من 35 ليرة لبنانية للشطر الأول، 55 ليرة لبنانية للشطر الثاني ومن ثم زيادة الشطور بشكل نسبي حتى الشطر الخامس، يوم كان كلفة الكيلواط الواحد وفقًا لأخر تقديرات من قبل وزارة الكهرباء وبشكل متوسط يبلغ حوالي 15 سنت أي ما يعادل على سعر الصرف الرسمي 210 ليرة لبنانية، مما يعني دعم بما قيمته 175 ليرة لبنانية لكل كيلواط وهو يعادل ما نسبته 500 بالمئة، أما اليوم وعلى سعر صرف السوق السوداء فتبلغ كلفة الكيلواط حوالي 4800 ليرة لبنانية أي أن الدعم لكل كيلواط يبلغ حوالي 4765 ليرة لبنانية، أي ما نسبته حوالي 13614 بالمئة وهذا يعني شيء واحد ان الكهرباء اليوم في لبنان يتم توزيعها بشكل شبه مجاني .
لا زالت الحكومة ورغم الازمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان مصرة على هذه السياسة وهي سياسة أقل ما يقال فيها أنها سياسة الانتحار المتعمد، سياسة تؤدي بالتأكيد وأدت الى إفلاس المؤسسة ولبنان معًا بعدما راكمت سلفات الخزينة التي أعطيت للمؤسسة والتي تجاوزت العشرين مليار دولار خلال الثلاثون السنة الماضية وإذا ما أضيف إليها الفوائد المتراكمة عليها فأنها تكون قد حطمت رقم الأربعين مليار دولار .
عام 1996 وبعد قدوم رفيق الحريري أصر على دعم الكهرباء رغم أن الظروف في وقتها كانت تسمح له برفع الأسعار على الشطور الثلاثة الأعلى لوقف العجز في المؤسسة لكن يبدو أن هناك من كان يخطط إلى إفلاس المؤسسة لوضع اليد عليها كمؤسسة مفلسة وبالتالي شراؤها بأبخس الأسعار، واستمر الدعم لغاية اليوم لهذه المؤسسة مع فشل كل من تعاقب على هذه المؤسسة من وزراء ومدراء عامون في تأمين التوازن فيها أو من رفع السعر لتأمين هذا التوازن تحت ضغط السلطة التي لم تكن تريد ذلك وقد استفاد من هذا الدعم وبشكل كبير وعبر الزمن الفئات التالية:
– المدن التي كانت تتزود بالكهرباء 24/24 .
– القرى التي صنفت سياحية والتي كان يتم تزويدها بالكهرباء 24/24 .
– معامل الأسمنت والتي من المعروف أنها تحتاج لكميات من الكهرباء كبيرة .
– المنتجعات، الفنادق، والمطاعم، المصارف، شركات التأمين، الشركات والمعامل المختلفة، والقصور والمنازل الفخمة .
– المخيمات الفلسطينية التي لا تدفع منذ أكثر من عشر سنوات .
– مخيمات النازحين .
بعد الأزمة الاقتصادية وتوقف لبنان عن دفع الدين لم تقم الحكومة بأي خطوة لوقف هذه السياسة بل لجأت الى استدراج القروض لأجل تمويل هذه المؤسسة المفلسة والمساهمة بمزيد من أفلاس الوطن والمؤسسة معًا، فلجأت الى العراق لتزويدها بالمحروقات لكي تعيد تشغيل المعامل الحرارية التي توقفت عن العمل نتيجة الأزمة وعدم قدرة الخزينة ومصرف لبنان على تمويل عمليات شراء الفيول والغاز-أويل، فوافق العراق على تزويد لبنان بحوالي مليون طن من مادة المحروقات والتي تم أستبدالها بمواد صالحة للمعامل في لبنان، وبالتالي استمر تشغيل هذه المعامل ولو جزئيًا بحيث كانت تنتج بالمتوسط حوالي 400 ميغاواط، كمية لم تكن توزع بشكل عادل ما بين المناطق والاحياء فبعض المناطق لم تكن تأتي فيها الكهرباء إلا دقائق معدودة يوميًا والبعض شهريًا والبعض لم ينَل منها شيء، فكان كالعادة المستفيد الاكبر من هذه التوزيعات المجانية كبار القوم، وأصحاب المصالح الكبرى، وأصحاب القصور والبيوت الفخمة إضافة الى مناطق كانت تضع يدها على بعض المعامل بقوة الامر الواقع .
هذه الكميات التي قدمها العراق لم تكن مجانية فهي مقابل قرض سيتم تسديده على شكل خدمات او تصدير بضائع ومنتوجات لبنانية، وبالتالي من سيسدد هو كامل الشعب اللبناني سواء استفاد من هذه الكميات أو لم يستفيد.
كما حاولت الدولة اللبنانية الحصول على الغاز المصري لانتاج الكهرباء، واستجرار الكهرباء الاردنية، مقابل قرض من البنك الدولي وكما العادة سيتم توزيع الكهرباء وفقًا لنفس الألية الحالية مما يعني سرقة جديدة ويتم تحميل الشعب اللبناني ثمن هذه الكهرباء والتي سيتم تسديد قرضها للبنك الدولي .
اليوم طرحت الجمهورية الأسلامية تقديم هبة محروقات لصالح معامل لبنان الكهربائية وبالتالي الإتيان بالكهرباء 24/24 وفقًا لما هو مطروح ولكن من يضمن أن لا يتم توزيع هذه الكهرباء بالشكل السابق وستسجل على كل الشعب اللبناني حتى ولو كانت مجانية، اللصوص أنفسهم سيسرقون هذه الكهرباء والفقراء لن يستفيدوا منها كالعادة، لذلك نقول للجمهورية الايرانية شكرًا على الهبة الغير مشروطة ونرفضها لا لعدم الحاجة لها ونحن بأمس الحاجة لها بل لعدم أهلية من سيستلمها ويوزعها، ونتمنى عليكم ان تكون مشروطة بتكليف لجنة تقوم بالتأكد من توزيعها بشكل عادل على كل الشعب اللبناني .
أن استمرار مجلس الوزراء وعلى رأس هذا المجلس رئيس الحكومة المسؤول الاول اتجاه الشعب اللبناني على اعتبار هو من يشكل الحكومة وهو من يفترض أنه يضع بيان وزاري لعملها وبرنامج عمل بالتوافق مع كل الوزراء، ان استمرار هذا النهج بالتعاطي مع موضوع الكهرباء بهذا الشكل، المقصود به هو افلاس المؤسسة ولبنان وهذا النهج بدأ منذ العام 1996 واستمر مع كل رؤساء الحكومات السابقين والى اليوم مع الرئيس الحالي الذي لا زال يرفض رفع التعرفة وقطع الكهرباء عن المناطق والاحياء التي لا تدفع مما يعني لا حل لموضوع الكهرباء في القريب بل استمرار للأزمة.
تغير واقع الكهرباء اليوم بعد الأزمة الحالية فالمواطن اللبناني لجأ الى البدائل لتأمين حاجته من الطاقة وبحسب أخر إحصاءات حول إنتاج الطاقة الشمسية واستيراد الألواح يتم التأكيد على أن حجم الإنتاج بلغ اليوم ما يزيد عن 400 ميغاواط ومن المقدر ان يصل حجم الانتاج الى حدود 800 ميغاواط في نهاية العام هذا العام، فأذا أضفناها الى حجم الإنتاج الحراري، وحجم الإنتاج الكهرمائي، نكون قد وصلنا الى حجم أنتاج حوالي 1600 ميغاواط، منها 800 ميغاواط من المعامل الحرارية والمائية .
أن حاجة لبنان من الطاقة الكهربائية اليوم وفقًا لآخر إحصاءات وعلى نفس السعر المنخفض، وبنفس كمية الهدر التقني والفني، والتعدي على الشبكات والسرقة، فأن حاجة لبنان تقدر بحوالي 3000 ميغاواط، هذه الحاجة يمكن أن تنخفض الى حوالي 2300 ميغاواط أذا ما تم تحقق الشروط التالية :
– رفع التعرفة بشكل مقبول والذي سيؤدي حتمًا الى خفض الاستهلاك .
– رفع التعديات والتي تقوم بالأفراط في الاستهلاك .
– وقف الهدر التقني والفني عبر ربط الشبكات بشكل صحيح ومجدي .
هذا يعني أن حجم العجز سيصل الى حوالي 700 ميغاواط، وهذا يعني ان حجم الانتاج من المعامل الحرارية ومن المعامل المائية يمكن ان يعطينا ما لا يقل عن 8 ساعات يوميًا وهو رقم يمكن ان يؤدي الوظيفة الأساسية المطلوبة من الكهرباء اليوم في ظل حالة الطوارئ وهي كافية في ظل ذهاب المواطن نحو الطاقة الشمسة .
إذًا المطلوب اليوم من القوى السياسية ولا سيما الاحزاب وقف هذه المهزلة والحل الوحيد لها اليوم ما دمنا في في وسط الانهيار الشامل لها هو إدارة هذه المؤسسة بشكل صحيح أو التفكير الجدي بخصخصة الادارة وتلزيم استثمارها بكل قطاعاتها للقطاع الخاص فهو الأجدر في إدارتها ووقف الهدر فيها وتحصيل ديونها وهذا يمكن من خلال وضع دفاتر شروط واضحة وتحقق الرقابة الفاعلة على هذه الشركات من الناحية الادارية، المالية، وحتى لناحية تحديد التعرفة، وألا فأننا الى مزيد من الانهيار .