ما يشهده لبنان من غضب وتحركات شعبية وحوادث عنف، لا سيما في عاصمة الشمال والجوع طرابلس التي تحتضن أكثر من قارون، ليفسح المجال أمام تطوّرات وتداعيات خطيرة منتظرة قد يشهدها لبنان في الفترة المقبلة نتيجة المطالب الشعبية المحقة من جهة، وتصارع الأطراف المتناقضة في ما بينها من جهة أخرى، وفشل الدولة التي يقودها مسؤولون بعيون وقحة، وانعدام ضمير، لا إحساس لهم، ولا نخوة وطنية، ولا الحدّ الأدنى من المسؤولية، صامتون كصمت القبور، غير مبالين بوطن وحياة شعب، يدفعونه الى اليأس، والفوضى والاقتتال.
دولة تترنح بكلّ الأشكال والمقاييس وشعب يجوع، يمرض، يئنّ، يبحث عن رغيف يسدّ جوعه، وأصحاب السلطة غارقون في سجال وجدل عقيم منذ أشهر، يتنافسون في ما بينهم على هذه الحقيبة أو تلك، يختلفون على الأسماء، وعلى الانتماءات السياسية والحزبية، يوحون لأبناء الشعب أنهم الغيارى على مصالح المواطنين ومصالح الوطن، متجاهلين كلياً أنّ الشعب يمقتهم، ويرى فيهم الفشل الذريع والمراوغة، والوعود المعسولة والنفاق والكذب الذي ليس له حدود، ويعتبر أنهم السبب الرئيس لانهيار الدولة.
لأرباب السلطة نقول وبصوت عالٍ: ما الذي تركتموه للوطن والشعب يا من تقودون أقبح وأفشل سلطة على الأرض؟ ما الذي فعلتموه للمواطن حتى فجرتم في داخله الغضب وأشعلتم في نفسه روح الثورة على كلّ شيء؟! فشلكم دفعكم الى تحميل المسؤولية للغير، وأنتم السبب. صراعاتكم وتنافسكم على السلطة وشهيتكم الكريهة للحكم والمال والجاه والنفوذ أعمت قلوبكم، وأفسدت أخلاقكم، وجعلت سيرتكم القذرة على كلّ لسان.
كفى، كفى الإذلال الذي ألحقتموه بالمواطن، وكفى ما فعلتم بلبنان بتشويه صورته أمام العالم كله، بسبب فجوركم، وأنانيّتكم، وإجرامكم بحقه.
كفى لبنان أن تكون ساحته السياسية أرضاً خصبة تحرّكها أصابع داخلية، مدعومة خارجياً، تريد تصفية الحسابات في ما بين الأقرباء، وحلفاء الأمس، والمغامرين المتطلعين الى السلطة.
لا يجوز مطلقاً أن تكون قوى الجيش والأمن، هدفاً لأيّ أعمال احتجاج أو عنف، فالتطاول والاعتداء على القوى الأمنية جريمة بحق الوطن وأمنه واستقراره. والاعتداء على المؤسسات العامة لا يبرّره جوع الشعب، فالضابط والجندي ورجل الأمن، يعانون من الحالة التي وصل إليها البلد، مثل ما يعانيه أيّ مواطن شريف. تصفية الحسابات لا تكون مع الجيش ورجل الأمن مطلقاً، إنما تكون مع أرباب الطبقة الفاسدة، وحيتان المال الذين نهبوا الشعب، وأوصلوا البلد الى الانهيار الذي نعيشه.
فلا تغرّنكم بعد اليوم وعود مسؤول سياسي، أو زعيم، أو متنطح للزعامة، أو مغامر يأتي من الخارج يحمل في جعبته وعوداً وفلوساً وطموحاً سياسياً، طارحاً نفسه على أنه المنقذ والمخلص للوطن والشعب.
خلاص لبنان لن يأتي من الزمرة الحاكمة التي تستنسخ نفسها لا من قريب أو بعيد، ولا من زعيم مغمور، أو مسؤول سارق، خلاص لبنان ياتي بعد أن يعي الشعب حقيقته، ويتحرّر بالكامل من هيمنة زعمائه الذين استغلوه، وباعوه، واشتروه منذ استقلال لبنان وحتى اليوم.
فلا تدعوا الفوضى وأعمال العنف تأخذ طريقها، فهذا يضرّ بالشعب ولن يضرّ بالزمرة الحاكمة، لأنها وفي أيّ وقت تستطيع استيعاب الأمور وترويضها، ومن ثم تجييرها لصالحها وخدمتها، لتستأنف مجدّداً قبضتها الفولاذية على البلاد والعباد.
إنّ الصراع ينحصر مع الطبقة السياسية المستغِلة، وليس مع الجيش او القوى الأمنية. هذا ما يجب على المواطن المنتفض على الجوع والظلم أن يعرفه ويدركه، هو أنّ حقوقه تنتزع انتزاعاً من الذين حكموه وسرقوه وأفلسوه وجوّعوه، وليس من خلال الاعتداء على المؤسسات والقوى الأمنية.
لأرباب السلطة نقول: لقد طال بغيكم وجبروتكم، الأرض تميد تحت أقدامكم، رمّموا عاجلاً البيت اللبناني المتداعي الآيل للسقوط قبل ان ينهار على رؤوسكم…
رابط المقال: اضغط هنا