يعاني جزءٌ مُتزايدٌ من جيل الشباب في سويسرا اليوم من القيود المُعتمدة للحَدّ من انتشار فيروس كورونا المُستجد. وكما يقول الخبير السياسي كلود لونشان، ليست أعمال الشَغَب التي انَدَلَعَت في سانت غالن (يوم 2 أبريل 2021، الصورة) خلال الأيام الأخيرة سوى قِمّة الجبل الجليدي.
وَصَلَت احتجاجات الشوارع في الدول الأوروبية ضد إﺟراءات اﻟﺣَﺟر واﻹﻏﻼق غير المَسبوقة من قبل الحكومات إلى سويسرا أيضاً. وهذا يعني مُواجَهة الدولة التي تشقها جبال الألب بدورها لِتَحدٍّ إجتماعي جديد. ولا شك أن الوقت قد حان لأخذ مخاوف “جيل كورونا” على مَحْمَل الجد.
هناك حديث بالفعل عن “جيل كورونا”. وهؤلاء هم الشباب اليافعون الذين يشعرون أنهم حُرِموا من فُرَصِهِم في بناء حياةٍ خارج أسرهم الأصلية، ودخول سوق العَمَل، وتكوين أسرة وتحقيق أحلامهم.
من غير المُرَجَّح أن يَنحَسِر الضغط الذي يشعر به هؤلاء على المدى القصير أو المتوسط. كما أن سويسرا لن تَمنَح الأولوية في هذا العام لتطعيم الشباب الذين يتمتعون بصحة جيدة. علاوة على ذلك، يتراءى في الأفق خَطر التمييز ضد الأشخاص غير المُلَقحين في الحياة اليومية. وعمّا قريب، سيتعلق الأمر أيضاً بِسَداد ديون كورونا. وهنا، سوف يقضي شباب اليوم وقتاً أطول في دفع هذه الفاتورة.
هذه الآفاق ليست بالسّارة أو الإيجابية. لكن هل هي كافية لتأجيج أيّ صراع؟
عندما يُعرِّف عُلماءِ التربية والاجتماع وعلم النَفس صراع الأجيال، فإنهم لا يأخذون مشكلة انفصال الأبناء عن والديهم بنظر الاعتبار. بدلاً من ذلك، يتعلق الأمر لديهم بشكل أكبر إما بالتناقضات بين الشباب وكبار السن بحد ذاتها، أو بالتناقضات بين أجيال مُختلفة من الشباب أنفسهم.
فروق عمرية في الاستفتاءات الشعبية
من خلال استفتاءاتها الشعبية المُتعددة، تُوَفِر الديمقراطية السويسرية الكثير من الفُرَص لتحديد الصراعات المُحتَمَلة بين الأجيال بدِقة أكبر. وتُبرِز نتائج هذه الاستفتاءات اختلافات مُتكررة في السلوك الانتخابي مُرتبطة بالفئات العمرية في هذه المسائل تحديداً:
- تأمين معاشات التقاعد،
- التغيير في القيم
- سيطرة الدولة والمجتمع.
هذه الإختلافات تعود إلى ثلاثة أسباب؛ أولها اختلاف الاهتمامات باختلاف الفئات العمرية. من ثمَّ، انعكاس ذلك عندما يتم تسييس تجربة حياة ذلك الجيل. وأخيراً، مُعارَضَة الدولة التي تُمارس السلطة ولا سيما بين السكان الأصغر سناً.
العواقب الاجتماعية لنظام كورونا
إذن، هل تؤدي أزمة كورونا إلى إعادة استقطاب خطوط الصراع المُرتبِطة بالعمر في سويسرا؟
بسبب الوفيات المرتبطة بجائحة كوفيد-19، يجد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن سبعيمن عاماً أنفسهم في وضع غير مؤاتٍ بيولوجياً منذ ظهور فيروس كورونا. لذا، فإن حمايتهم من العدوى هي أولوية قصوى لأنظمة كورونا. بالإضافة إلى ذلك، فإنه من الضروري إبطاء انتشار الفيروس عن طريق تقييد الاتصالات الشخصية.
لا شك في أن كلا الإجراءين مُرتبطان بانخفاضٍ كبير في التفاعلات الاجتماعية بين الأصدقاء وفي أماكن العمل وقضاء وقت الفراغ. ويتضح ما يعنيه ذلك من خلال استطلاع جديد للرأي أجرته مجموعة “سوتومو” Sotomo البحثية بتكليف من هيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية (SRG-SSR)، حيث تقوم هذه المؤسسة بجسّ نَبْضَ السكان السويسريين بانتظام فيما يتعلق بالوباء والتدابير المُتَّخَذة بشأنه.
ظاهرة “التعب الوبائي“
وفقاً لهذا الاستطلاع، انخفض القَلَق من الإصابة بالمرض بشكل عام منذ ذروته الأولى في مارس 2020. مع ذلك، أصبح الأمر مُعتمداً على العُمر: فمن بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً، يرى 20 % فقط أنهم قد يتأثرون بالفيروس. لكن الوضع مختلف بالنسبة للمُتقاعدين الذين لا يزال نصفهم يَخشى التعرض للإصابة.
من ناحية أخرى، زاد الخوف من العُزلة الاجتماعية مع زيادة فترة الإغلاق أو الإقفال الإجمالية. وهنا أيضاً يمكن ملاحظة فجوة عمرية؛ حيث يخشى ثلثا الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً الشعور بالوحدة في هذه الأثناء – وهو اتجاه يرتفع باطراد. لكن هذا الشعور لا يزيد عن النصف لدى الأشخاص الذين تربو أعمارهم عن 65 عاماً، كما أن هذه النسبة آخذة في الانخفاض.
احتجاجات الشوارع بوصفها رأس الحربة
خلال عيد الفصح الماضي، تصاعدت الاحتجاجات ضد إجراءات كوفيد-19 في سويسرا أيضاً. وهذا يمثل رأس حربة استياء الشباب من الضوابط التي يفرضها نظام كورونا.
من بين هؤلاء المتظاهرين، لم تلجأ سوى أقلية صغيرة اختلطت بالمتظاهرين إلى استخدام العنف. وتُستَغَل هذه المظاهرات من قبل العنصريين وأصحاب نظرية المؤامرة.
مع ذلك، يسود نوع من الرغبة في الانعتاق بين مُعظم المتظاهرين. وفي ضوء المجتمع المُنغلق الذي تم تشكيله، في الرغبة في الخروج من الروتين أو التمرد أصلا عما هو مألوف تنمو بسرعة.
حَجب آفاق جيل بأكمله
مع ذلك، من المهم أن يُدرِك هؤلاء الشباب، ان سَبب بؤسهم ليس الإجراءات المُتَّخَذة من قبل السلطات المكروهة، ولكنه الفيروس. وهذا الفيروس سوف يحكُم المجتمع طالما لا يُمكن السيطرة عليه.
على الجانب الآخر، يَتَعَيَّن على المُجتمع أن ينظُر إلى نفسه في المرآة بشكل مُتزايد أيضاً. ففي ظل نظام كورونا، تحول الاهتمام بشكل كبير لغير صالح الشباب. وقد يؤدي هذا الواقع على المدى الطويل إلى حَجب (أو انسداد) آفاق جيل بأكمله.
التعامل مع الإشارات السياسية بجدّية
لذا، فإن الأمر الأكثر أهمية، هو استيعاب الإشارات السياسية لجيل كورونا. ويشمل هذا أحدَث برنامج فوري لخمسة أحزاب سياسية سويسرية شابة – من الوسط إلى أقصى اليسار – اجتَمَعَت مع بعضها حول هذا الموضوع. أما الشبان الليبراليون (التابعون للحزب الراديكالي الليبرالي)، وشباب حزب الشعب السويسري، فَيُفضلان الوقوف جانباً ولا يريدون دعم الدولة.
مَطالب الفروع الشبابية للأحزاب السويسريةتبدأ بالمُشاركة الفورية في إدارة الأزمة الناجمة عن انتشار فيروس كورونا. وهي تشمل عَدَم التَمييز ضد الشباب في إجراءات مُعينة مثل الفَحْص والتطعيم. كما تتضمن أيضاً تخفيف إجراءات احتواء انتشار فيروس كورونا، ولا سيما بالنسبة للمراهقين، حال سماح الحالة الوبائية بذلك. وهي تطالب أيضاً بِدَعم الشباب الذين يُعانون من مشاكل نفسية أو صعوبات في العثور على عمل.
التقاعس يُنذر بحدوث صراع بين الأجيال
إذن، هل ستكون هذه هي صراعات الأجيال المتوقعة الآن؟ أنا لا أعتقد ذلك، لأن الأمر سيتطلَّب استقطاباً أكثر حِدّة بين الفئات العمرية. ولكي يحدث ذلك، يجب أن يكون الشباب في وضعٍ أفضل، وكبار السِن في وضع أسوأ. وليس هذا هو الحال على الإطلاق، حيث لا يزال هناك شعور قوي بالتضامن بين الأجيال.
مع ذلك، فإن مُعظَم الشباب غير الراضين عن الوَضع يرفضون أن يتم التحكم فيهم بسبب الوباء – لا خلال الأزمة الصحية ولا بعدها.
ولَن تتلاشى هذه الرسالة التي يحملونها حتى تحقق السياسة وقطّاع الاقتصاد والمجتمع العدالة بين الأجيال في نَمَط الحياة، وتوزيع العمل والتأمين الاجتماعي. وبِخلاف ذلك، هناك خشية حقيقية من حدوث صراع بين الأجيال وفقاً لمصالح كبار السن والشباب وتحولات القِيَم لدى جيل الشباب الذي أضحى مُسيّسا اليوم.
رابط المقال: اضغط هنا
إقرأ أيضاً: