اشهار ورقة الردع النووي الروسي… خطوة تكتيكية أم ضربة استباقية | كتب د. عوض سليمية
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
في شهر يونيو من العام 2020، أقر الرئيس بوتين مرسوم وثيقة “أسس سياسة الدولة في مجال الردع النووي“، وجاء في جزء من هذه الوثيقة أن المخاطر العسكرية الرئيسية، التي يمكن أن تتطور إلى تهديدات بالعدوان على روسيا الاتحادية أو حلفائها، والتي تستوجب تحييدها بواسطة الردع النووي، تتمثل بإنشاء ونشر منظومات دفاع صاروخي فضائي وأنظمة ضاربة ووجود أسلحة نووية ووسائل إيصالها إلى أراضي دول غير نووية”، بحسب وكالة سبوتنيك الروسية.
ضمن النص الصريح لهذه الوثيقة، فإن التصريحات الصادرة عن قادة الغرب بتاريخ 27 فبراير 2022 وخاصة وزيرة الخارجية البريطانية البيزابيث تراس والتي تحدثت عن احتمالية تدخل قوات دول الناتو للدفاع عن اوكرانيا بشكل مباشر ضد الجيش الروسي، الى جانب تصريحات المستشار الالماني اولاف شولتز امام البرلمان الالماني (باندوستاغ) والتي قال فيها، ان العالم يتذكر دائماً مسؤولية المانيا عن اندلاع الحرب العالمية الثانية، لكننا الان امام مفترق طرق… وان العالم لم يعد ينظر الينا كما كان سابقاً، داعياً حلف الناتو الى مزيد من الدعم والتسليح للجيش الاوكراني، هذه التصريحات اعتبرها الروس تهديداً مباشراً تنطبق عليها بنود وثيقة الردع النووي.
من وجهة نظر الروس، فإن المستشار الالماني ومن خلال تصريحه فإنه يتحلل من المسؤولية القانونية والاخلاقية الملقاة على عاتق المانيا بانها السبب المباشر في اعلان الحرب العالمية الثانية، والتي اودت بحياة قرابة 27 مليون روسي منهم 9 مليون عسكري قتلتهم النازية في حروبها، وبذلك يحاول شولتز ان يمحو من ذاكرة الاجيال هذه الجرائم ويستبدلها بحرص المانيا على ما اسماه انفاذ القانون الدولي. وبالتالي فهو يحرض الاوروبيين على إتخاذ قرار بالمواجهة المباشرة للجيش الروسي، محاولاً استحضار الثأر القديم من الجيش والشعب الروسي الذي لقن النازية درساً في معركة ستالينجراد حيث قَتَل الروس قرابة 1.5 مليون جندي الماني وكانت سبباً في تغيير مجرى الحرب العالمية الثانية وبالتالي انتكاسة كبيرة لمشروع هتلر.
الرد الروسي على هذه التهديدات الصادرة عن قادة حلف الناتو التقطها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على محمل الجد، ودعا قادته العسكريين الى اجتماع طارئ لتقييم هذه التهديدات، مُصدراً لهم الامر العسكري “بوضع قوات الردع بما في ذلك الأسلحة النووية، في حالة تأهب قصوى”.
ويرى العديد من الخبراء والمتابعين للحرب الدائرة في اوكرانيا، ان الامر البوتيني يرفع من منسوب التوتر القائم اصلاً بين روسيا والغرب، والدفع بالصراع الى مدى اوسع لا يمكن التنبؤ به. من ناحية، يرى البعض ان هذا الامر ينسجم تماماً مع تصريحات كان قد اطلقها الرئيس بوتين في خطاب سابق “من أن أي دولة ستحول دون انفاذ عملياتنا في اوكرانيا ستواجه بـــ “عواقب لم ترها من قبل”. من ناحية اخرى، المح اخرون الى ان هذه الخطوة قد تدفع الولايات المتحدة الى اتخاذ خطوة مقابلة لها، تُدخل البلدين النووين الكبيرين في مواجهة تدميرية لبعضهما، ومنها ما ورد على لسان رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي الذي اقترح على امريكا نشر سلاح نووي على اراضي بلاده، على غرار ايطاليا والمانيا.
ماذا يعني وضع قوات الردع الاستراتيجي في حالة تأهب قصوى
بحسب بيان وزارة الدفاع الروسية، فإن “قوات الردع” عبارة عن مجموعة من الوحدات هدفها ردع أي هجوم على روسيا، بما في ذلك في حال اعتداء يتضمن استخدام أسلحة نووية. يقول الخبير العسكري الروسي فلاديمير بيبوف بان الدرع النووي الروسي دائماً ما يكون في حالة الجهوزية التامة للاطلاق، وان امر الرئيس بوتين لا يحمل تغييرات كبيرة في نظام عملنا، فهو يعني فقط زيادة الجاهزية وتكثيف المناوبات وهو الامر الذي نقوم به عادة خلال عملنا الروتيني، واشار الى ان هناك خطأ من قبل الغرب في فهم وتفسير هذا الامر، وبالتالي هذا يتطلب منا الحديث مباشرة مع الادارة الامريكية التي تمتلك الصواريخ النووية، وليس الى الغرب الذي يملك القليل منها مقارنة بالترسانه النووية الروسية، ويتابع بأن
الغرب سيتلقى الكثير من الضربات النووية التدميرية في حال قررنا تبادل الضربات، لكنه اضاف، لا اعتقد اننا سنصل الى هذا الحد.
في السياق، يرى المحللون ان هذا الامر مجرد ورقة تحذيرية موجهة لبروكسل وواشنطن بوجوب التوقف عن تسليح الجيش الاوكراني، حتى يتمكن بوتين من انهاء مهماته العسكرية داخل اوكرانيا باقصى سرعة وفقاً للاهداف التي اعلنها، وان هذا الامر غير موجه لتهديد سيادة الدول الاعضاء في حلف الناتو. ومع ذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي، وضع منظومته للردع النووي في حالة تأهب قصوى.
مخزون الرؤوس النووية حول العالم
تحدث الامين العام للامم المتحدة انطونيو جوتيريش بتاريخ 22 يناير 2022 عن وجود 13 ألفا رأس نووي في العالم، وأضاف أن المنظمة تلاحظ مع الأسف زيادة في عدد الرؤوس النووية.
ويوضح الشكل التالي خارطة انتشار الاسلحة النووية حول العالم وفقا لتقرير منظمة الحد من التسلح.
من ناحية اخرى، نشر موقع العربية نت على موقعه ان روسيا طورت 300 سلاح نووي حديث، من بينها 20 صاروخ باليستي عابر للقارات ويمكن نشرها على غواصات نووية، بالاضافة الى صواريخ فرط صوتية تفوق سرعتها سرعة الصوت بــ 20 مرة وليس لها نطاق محدود وقادرة على اختراق منظومات الصواريخ الدفاعية، الى جانب صاروخ بالستي عابر للقارات يدعى سارامات مداه يفوق الـــ 10 الاف كم ويحمل 24 قنبلة نووية، وقامت روسيا ببناء عدد كبير من الغواصات النووية بما فيها ذاتية القيادة تستطيع حمل رؤوس نووية.
انطلاقاً من هذه الاحصائيات، فإن التلويح باستخدام الاسلحة النووية كخطوة تكتيكية و/أو استباقية من جانب الرئيس بوتين، تضيف تعقيداً من نوع مصيري امام الغرب والولايات المتحدة، وتضعهم امام مزيد من حالة عدم اليقين في قدرتهم على تفسير قرارت بوتين الغامضة، ومدى جديته في استخدام هذا النوع من السلاح التدميري في حال اصرارهم على اطالة امد الصراع في اوكرانيا من خلال امداد الاخيرة بالسلاح، فهو/ الغرب راهن على عدم نية الرئيس بوتين اجتياح اوكرانيا وانه سيكتفي فقط بالتهديد للحصول على ورقة الضمانات الامنية من خلال ابتزاز الغرب بمصادر الطاقة، وليس القيام بعملية عسكرية داخل اوكرانيا، لكن بوتين اسقط رهاناتهم وبادر بالحصول على الضمانات بالقوة العسكرية دون ان ينتظر طويلاً.
والان يعود القيصر من جديد ليشهر ورقة الردع الاستراتيجي، ويطلق تهديداته بكل ثقة واصبعه على الزر النووي، فهل يكون بمثابة التحذير الاخير للغرب بعدم الاستمرار في استفزاز الدب الروسي، وتركه ينفذ مهمته في اوكرانيا، معلناً بذلك عودته كقطب ثاني على المسرح الدولي، أو ستصر أمريكا على انها ما زالت رئيس مجلس ادارة العالم ولا مقعد لاحد بجوارها، وبالتالي يفعلها بوتين كما فعلتها امريكا في اليابان.