تحرير سعر الصرف
أولاً، لا بد أن تتوافر ركائز لا غنى عنها لتحقيق الإصلاح المالي والحقيقي في الاقتصاد اللبناني. تتمثّل أهمّ هذه الإصلاحات في تحرير سعر الصرف كي يُحدّد في سوق النقد الأجنبية على أساس العرض والطلب للدولار مقابل العملة اللبنانية من دون أي تدخلات «قمعية» صادرة عن الحكومة. إن تعدّد الأسعار للعملة أو أي أصول مالية أُخرى، يؤدّي إلى تشوّهات في الأسواق، ومن أهمها الدعم غير الموجّه الذي يُمارس حالياً. هذا بحدّ ذاته عبارة عن كلفة مرتفعة على الاقتصاد ويؤدي إلى استمرار تدهور سعر الصرف الحرّ. فمن المعروف أن تحرير سعر الصرف سيوفر المليارات من الدولارات، بينما يخسر مصرف لبنان الاحتياطات باستمرار بسبب السياسة الحالية التعدّدية.
في الواقع، إن أسلوب الدعم المتّبع حالياً من خلال سعر الصرف (وهو سبب مباشر في انخفاض سعر الليرة) أدّى إلى إفقار اللبنانيين من خلال خفض قدرتهم الشرائية التي فاقت الكسب من الدعم. فانخفاض العملة بسبعة أضعاف خلال عام ونيف قلّص الدخل الحقيقي بعدّة أضعاف أيضاً، بينما لم يُعوض الدعم سوى نسبة 10% إلى 15% منه. إضافة إلى أنّ البطالة وإغلاق العديد من المؤسسات أدّيا إلى المزيد من إفقار الغني والفقير.
سوق مالية متطوّرة
ثانياً، يتمثّل في وجود سوق مالية متطوّرة للأدوات المالية، كالأسهم والسندات الخاصة والعامة. لن تستطيع الحكومة التوصّل إلى حلّ فعّال في ظل غياب هاتين الوسيلتين. إن تطوير السوق المالية له فوائد عدّة من أهمّها إتاحة الفرصة لخصخصة القطاعات العامة، وكذلك إعادة جدولة الدين العام.
حرية تنقل رؤوس الأموال بدلاً من حجزها
ثالثاً، لا يجدي وضع قيود على تدفق روؤس الأموال إلى الخارج (كابيتال كونترول). إن خروج رؤوس الأموال مع الأزمة المالية قد حفظ هذه الأموال للمواطنين، بدلاً من أن تُهدر على الدعم كما يحدث حالياً. فقد أُنفق مما تبقّى منها كاحتياطات في مصرف لبنان 14 مليار دولار في العام الماضي فقط. كما أن للكابيتال كونترول أثراً مغايراً لدخول رؤوس الأموال. فالقيود على خروج رؤوس الأموال تُثني دخوله. لذا نحتاج إلى قانون مغاير ليؤكد الحرية المطلقة لخروج ودخول رؤوس الأموال.
الصناديق السيادية تُعيق الإصلاح
إن لبّ الأزمة المالية هو نتيجة هدر مدّخرات القطاع الخاص من قبل القطاع العام. تُقدّر قيمة مدخرات القطاع الخاص بنحو 60 مليار دولار، بمعظمها كشف لحساب الدولة ودعم الاستيراد، وهي ودائع العملاء لدى المصارف. فكيف يمكن تعويضها؟
لقد اقترحت حكومة تصريف الأعمال (بالإيعاز من شركة لازارد الاستشارية الفرنسية) حذف خسارات مصرف لبنان من النقد الأجنبي من ودائع الزبائن (هكذا كان توجّه صندوق النقد الدولي)، لكن لم يلقَ هذا العرض إقبالاً من جمعية المصارف والمودعين كونه من غير المحق أن يعاقب المجنيّ عليه بدلاً من معاقبة الجاني، أي الدولة بحدّ ذاتها. وبينما اقترحت جمعية المصارف إنشاء صندوق سيادي يحوي ممتلكات للدولة بهدف تعويض مصرف لبنان عن خساراته من جراء معاملات الدولة (سكّ العملة، حيازة السندات، كشف حساب الدولة بالدولار)، واقترحت جهات حزبية أن يكون الهدف من الصندوق السيادي هو تعويض المودعين مباشرة عن خساراتهم لحساباتهم في البنوك باستبدال أودائعهم بأسهم في هذا الصندوق. لكنّ الاقتراحين الأخيرين، (جمعية المصارف والأحزاب) سيواجهان صعوبات في التنفيذ، إذ يضعان جميع الأصول المختلفة للدولة في صندوق سيادي واحد بإدارة الدولة. فمنها ما قد يحقق أرباحاً، وأخرى ستواجه صعوبات في الإصلاح وفي التقييم، وسوف تستغرق أمداً بعيداً كي تحقّق مداخيل كافية لتعويض الودائع بالدولار، هذا إذا استطاعت الدولة إنجاح هذه المهمة. إن فكرة إنشاء صندوق سيادي تشير إلى الاستمرار في إعطاء الدور الرئيسي للقطاع العام والذي هو سبب الأزمة في الأساس.
الأسلوب الأفضل للخصخصة
إن الأسلوب الأفضل والأنجع هو أن يكون الاتجاه نحو الخصخصة الفردية لتعويض الودائع مباشرة بدءاً من خصخصة الإدارة أولاً من خلال مناقصات عالمية وشفّافة. فيتم تأهيل الإدارات الجديدة في مؤسسات القطاع العام بما فيها العقارات العامة ليصبح بالإمكان عرضها كمنشآت جديدة في بورصة بيروت. إن الشراء الطوعي لهذه المؤسسات من قبل المودعين سيقلّص الودائع في المصارف وتنخفض ودائعها في مصرف لبنان، في مقابل ارتفاع ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان بالعملة الصعبة مقابل بيع هذه المؤسسات.