رياض سلامة الى أين.؟ الحقائق المسندة، الاضاليل،وسبل العلاج | بقلم العميد البروفسور فضل ضاهر
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
لو افترضنا اننا في دولة الحق والقانون، خلافا لما هو واقع الحال، لكان حريا بنا استقراء مستقبل رياض سلامة انطلاقا من معاينة ظروف مباشرته لحلقات مسيرته الاستعراضية والاستثنائية كموظف عمومي( فئة أولى) وفقا لتعريفه القانوني المستند الى التعريف المعتمد في الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد. واخذا بالاعتبار لأهمية ما سبقنا اليه السادة الخبراء المحترمين الستة من مقاربات ذات طابع استدلالي معمّق مقرون بتحليل علمي يعكس خبرات اصحابها الواسعة. ولأنني آخر المتداخلين حول مستقبل، كي لا نقول مصير، السيد رياض سلامة وذلك وفقا لما علمته من الصديق البروفسور بيار خوري. وتحاشيا لأي تكرار فلسوف تتوزع مقاربتي لمآزم الظاهرة الإشكالية، الفريدة والملتبسة،على ثلاثة أجزاء مترابطة في تسلسلها المنطقي وذات اسلوب تقريري Normatif من خلال المحاور التالية:
١_ أكذوبة السرية المصرفية المعتمدة شمّاعة لكل التدابير والإجراءات الحمائية لمنظومة الفساد.
٢_ التضليل الممنهج والمنظم ،على جميع المستويات، لتبرير استنكاف هيئة التحقيق الخاصةعن تأدية مهامها وضلوعها المباشر في تنميط ثقافة واساليب الفساد التي أدت الى الانهيار الكارثي الراهن.
٣_ الآليات المتوفرة للخروج من النفق، والوسائل ،المبضعية و/او الودية،لمباشرة الإجراءات الانقاذية والاصلاحية التي يتحدد من خلالها مستقبل السيد سلامة عموما، وطبيعة الملاحقات ودرجة العقوبات التي قد تنتج عنها على سبيل التحديد.
اولا: في الحقائق المسندة والموثقة المتعمد تجاهلها خدمةً لمنظومة الفساد وامعانا بانتهاك حقوق الإنسان وموجبات منع الافلات من العقاب.
يقتضي الاقرار بداية ان السيد سلامة لا يتحمل منفردا مسؤولية فائض القوة الذي حظي به ،ولا يزال، منذ اليوم الاول لتعيينه حاكما للبنك المركزي الذي اتبع بادخاله التلقائي والتدريجي في شراكة مقنعة مع القطاعين المالي والمصرفي لاسيما مع العائلات المالكة و/او المتحكمة بالمصارف,والتي استتبعت بدورها شراكة مع طبقة سياسية حاكمة وفرت له دروع حماية فولاذية أطاحت بالقوانين وبالمبادئ الفقهية وبسائر المعايير الناظمة لديمقراطيتنا لاسيما منها مبدأ الفصل بين السلطات, بدليل ان ثمة اقرارا مكشوفا,ان لم نقل معلنا, بتوازي تعاميم الحاكم مع القوانين في جميع المراحل السابقة واللاحقة, وصولا إلى تجاوزها لهذه القوانين خلال فترة الانهيار الكارثي المعيوشة راهنا على النحو الذي لا يحتاج لأي دليل(لعل آخرها وليس أخيرها التعميم 158غير الدستوري والمجافي للمبادئ الفقهية والمنتهك لصلاحيات وحقوق السلطة القضائية)سيما لجهة التمادي في عرقلة عمل القضاء بالامتناع عن تزويده بالمعلومات المتوفرة,بما في ذلك رفع السرية المصرفية، المتوجب قانونا, حول الجرائم الخطيرة ال 21 الموصوفة في المادة الأولى من القانون 44/2015 لتعلقها باموال غير مشروعة وبممتلكات متأتية عنها وناجمة جميعها عن الجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية ،الهادفة الى تبييض الاموال وتمويل الارهاب والمشتملة ،قانوناً وحكميا ،على كل ما يتصل بالفساد وبالاثراء غير المشروع على نحو ما التزمت به جميع الدول الأطراف في الاتفاقيتين الدوليتين (باليرمو) (ومكافحة الفساد), اللتين انضم اليهما لبنان صوريا,وبكل اسف، مثلما يتأكد من خلال الوقائع والأمثلة التي ساعرضها, وهي غيض من فيض دلائل وقائعية وموضوعية مشابهة لا تتسع لها مساحة هذه العجالة!!،تندرج جميعها تحت عنوان واحد هو الاصرار الصريح على مخالفة لبنان للتوجه الدولي الى الغاء السرية المصرفية في الجرائم المنظمة الخطيرة. علما بأن هذا الامر قد أبلغ جهارا من المعنيين بمعرض الاعمال التحضيرية لمناقشة واقرار المادة 4 مكرر من مشروع اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ,( المتعلقة بتدابير تجريم ومكافحة غسل الأموال ), وكذلك المادة 14 من الاتفاقية نفسها( المتعلقة بالمساعدة القانونية المتبادلة بين الدول والمتضمنة في فقرتها الخامسة “عدم جواز امتناع الدول الاطراف عن تقديم المساعدة القانونية المتبادلة بموجب هذه المادة بدعوى السرية المصرفية”).
ولتوثيق هذه الحقائق المسندة اسرد الوقائع التالية:
1-بموجب كتاب رسمي من لبنان، مختوم وموقع ومؤرخ في19/6/1999،وبصفتي أمينا عاما مساعدا لمجلس وزراء الداخلية العرب ،تبلغت قبيل سفري الى فيينا للمشاركة في اجتماعات الدورة الخامسة للجنة صياغة الاتفاقية (من 4 الى 15 تشرين الأول عام 1999موقفا اعتراضيا جازما ينص على ما حرفيته” …ومن الواضح ان هذه النصوص تتعارض مع نظام السرية المصرفية المعمول بها في لبنان ولا مجال اذا للموافقة عليها”.
2- امام ممثلي 106 دول ،اضافة الى اكثر من مئة مراقب عن هيئات لها بعثات مراقبة دائمة لدى الأمم المتحدة ومؤسساتها ومعاهدها، كان لافتا تفرد رئيس الوفد اللبناني بتأكيد هذا الموقف وسط تنديد عدة دول وصمت غيرها من الدول المصنفة عالميا جنات و/او حدائق خلفية لغسل الاموال.
3- تبين ان مبررات تمسك لبنان بموقفه الرافض لرفع السرية المصرفية ترتكز الى كونها” العامود الفقري لاقتصادنا الذي يتوجب الحرص عليه بناء لراي حاكم المصرف المركزي وتوافق الجميع عليه” .ذلك كان ما أبلغني به شخصيا المرجع الرفيع الذي أشار بالملاحظات المدونة بالكتاب الرسمي المذكور أعلاه, على أثر مبادرتي الى الاتصال الفوري به من داخل قاعة مركز الأمم المتحدة، متوخيا استيضاحه حول امكانية التريث وابداء المرونة في ضوء ما كنا نتدارسه كمجموعة عربية ( كان لي شرف تكليفي بتنسيق اجتماعات وفودها)اضافة إلى مجموعة ال 77 زائد الصين ،من توجه الى تبني صيغة التزام الدول الاطراف بتوجب رفع السرية المصرفية في القضايا التي تستوجب ملاحقات جنائية بموجب قوانينها الوطنية.(وهي الأحكام الملزمة التي استقر عليها رأي المجموعة الدولية بنهاية المناقشات).
4- على الرغم من توقيع لبنان على الاتفاقية المذكورة أعلاه في باليرمو سنة 2000 ممثلا بوزير العدل المحامي الاستاذ سمير الجسر ،ومن غير تحفظ على أي من الاحكام المتعلقة بالسرية المصرفية على النحو المذكور في نهاية الفقرة الثالثة أعلاه(تحفظه الوحيد كان على المادة ٣٥ المتعلقة بتسوية النزاعات ) فقد استمر لبنان الرسمي بمواقفه المتصلبة تجاه اي بحث او حديث حول السرية المصرفية ما دفع الى ادراج اسمه على لائحة مجموعة العمل المالي الخاصة بالدول والأقاليم غير المتعاونة.
5- كان لابد للبنان من استصدار القانون 318/2001 لكي يشطب اسمه عن اللائحة المذكورة اعلاه, بيد انه تمادى في الالتفاف على الاجماع الدولي من خلال صيغة ملتبسة شرع لها في تشكيل هيئة التحقيق الخاصة التي يفترض انها القاعدة الصلبة لنظام مراقبة وتدقيق داخلي مالي شامل يتمتع بولاية استثنائية لردع وكشف جميع اشكال غسل الاموال ويلتزم،لهذه الغاية، بالتشدد على متطلبات تحديد هوية الزبون وحفظ السجلات والابلاغ عن المعاملات المشبوهة، وذلك من خلال مدققين لا يعتد تجاه اي منهم بالسرية المصرفية يعملون في إطار وحدة استخبارات مالية لها صلاحيات التقصي والتحقق والتدقيق لكي تتمكن من العمل كمركز وطني لجمع وتحليل وتعميم المعلومات عما يحتمل وقوعه من غسل للاموال، وذلك تلقائيا ولمجرد ابلاغها او معرفتها باية عمليات مشبوهة خارج إطار النصوص الناظمة لإجراءات الاخبار او الدعوى او الشكوى الملحوظة في القانون الوطني(المقصود هنا اصول المحاكمات المدنية والجزائية)، ولئن كنت ساعود لاحقا الى تبيان تفاصيل عدم مشروعية وعدم شرعية تشكيل هذه الهيئة مكتفيا بالاشارة،هنا،الى انها ،اولا،كانت تستوجب اقالة السيد سلامة من حاكمية المركزي بمقتضى المادتین 19و20من قانون النقد والتسليف ،اضافةالى فقدانها،ثانيا، لأبسط معايير وشروط ضمان استقلاليتها لكي تؤدي مهامها الجسيمة المحددة تفصيلا بالمادة السابعة من اتفاقية باليرمووبالفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون 318/2001 المعدل بالقانون 32/2008( اضافة جرائم الفساد والاثراء غير المشروع اثر انضمام لبنان لاتفاقية مكافحة الفساد الدولية بالقانون 33/2008) وكذلك بالقانون رقم 44/2015 (الذي وسع نطاق انطباق هذا القانون ليصبح” مكافحة جرائم تبييض الاموال وتمويل الارهاب ” ).
خلاصة هذا الجزء من مقاربتي الموضوعية لمسيرة موظف عمومي كان بامكانه ان يحجز مقعداً متقدما في الترشح لرئاسة البلاد, لولا انسياقه، خلف منظومة فساد لا دين ولا أخلاق ولا ضمير لها، بدليل تجاهلها لأوضاعنا الكارثية وتظاهرها المصطنع بابتداع الحلول المفبركة زوراً وتدليساً على حساب الشعب والوطن من خلال مناورات احتيالية متتالية ومتوالية ومتصاعدة تحجب الحقيقة الساطعة بأن أبسط وأسلم الحلول التي تحفظ كرامة الوطن والانسان فيه، تكمن في اعتراف كل الجناة، ونسبتهم 2%من الشعب، بأفعالهم المجرمّة قانونا دون أي لبس اوشكوك، لاسيما منهم معظم اصحاب المصارف وحماتهم وجوقات المروجين لهم الماجورين وكذلك رعاتهم الطاهرين والمستترين بمن فيهم رئيس هيئة التحقيق الخاصة ،وذلك كله في سبيل الانتهاء اما الى محاكمتهم العادلة والضامنة لحقوق الدفاع بالدرجة الاولى، واما الى دفعهم للجوء الى التسوية الودية في إطار المعايير الدولية للعدالة التصالحية التي تهدف الى جبر الضرر بإقامة الجسور بين الجناةمن جهة والمتضررين والمجتمع من جهةثانية.وبديهي ان ذلك كله لا بد من ان يفضي ،وبالاولوية،الى المساهمة في استرجاع جميع الأموال المهدورة والمنهوبة والمهربة ممرا الزاميا للتعافي بعيدا عن الاستعطاء والتسول،وسبيلا مشرفا لاستعادة الثقة، الداخلية والخارجية، ببلدنا الغني بتراثه الحضاري والإنساني وبمقوماته المادية التي يصر ناهبوها على اخفائها واستثمارها لمصالحهم الشخصية ولو على حساب فناء الشعب وزوال الوطن!!!
تلك هي مقدمة وعناوين ما أعد بمتابعته في الجزئين المكملين لهذا النص، لعل البحث العلمي والموضوعي يفضي الى احقاق الحق وازهاق الباطل مؤديا،على ما أزعم واتمنى، الى سؤال استشرافي ذي منحى تفاؤلي وايجابي مآله ” الشعب والوطن الى أين، فيما لو توفرت الارادة لمنع افلات الجناة ، جميع الجناة ،من العقاب!!؟؟ “.
لمن فاتته متابعة الأجزاء السابقة: