ازمة لبنانقراءات معمقة

اجتماعات سرية في واشنطن: ما الذى يُحضر للبنان؟! كتب مجدي منصور

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا


توضيح قبل الدخول لساحة “العتبات المقدسة”

هذا المقال والمعلومات الواردة فيه هو حصيلة حوار طويل (أكثر من خمس ساعات تخلله افطار وغداء بأحد الفنادق بحي مصر الجديدة بالقاهرة) تم منذ فترة بيني وبين صديق وبروفيسور يُدرس العلوم السياسية باحدى كبريات الجامعات الأمريكية ، وكذا فالرجل يكتب أبحاث استشرافية لعدد من مراكز الأبحاث الكبرى بأمريكا وأوروبا.

والمعلومات الواردة هنا قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة ونظراً لأهميتها فقد رأيت أنه من المناسب وضعها تحت نظر القارئ وتركه هو يقدر أهميتها ، إلا أنها بلا شك وبعيداً عن صحتها من عدمه فإنها تعكس رؤية وفكر الإسرائيلى للمنطقة وأحوالها.

(1)

حسب ما يتسرب من واشنطن ومن مراكز الابحاث أن هناك وفداً إسرائيليا  قاده الجنرال السابق (عاموس يدلن) ومعه (ايجورا ايلاند) مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق وآخرين ذهبوا منذ فترة لأمريكا (تقريباً في الصيف الماضي) في تكتم شديد.

وهذا الوفد هدفه الترويج في أروقة مؤسسات صناعة القرار الأمريكية كمراكز الابحاث Think tanks والبيروقراطية في وزارة الخارجية ، ومجلس العلاقات الخارجية للنظرية الآتية:

أنه من أجل دوام استقرار منطقة الشرق الأوسط يجب البدء فوراً في «حل المعضلة اللبنانية» وأول خطوات الحل:

إنه لا بد من «كسر» حزب الله وإنهاء دوره في لبنان عن طريق عودة تيار اليمين اللبناني من جديد وسيطرته على مقاليد السلطة في لبنان.

 ‏وطرحت مجموعة العمل الإسرائيلية رؤيتها ومنطقها بطريقة مرتبة نقطة بعد نقطة وهي تتحدث عن:

‏ (1) أن ذلك لو حدث سيُنهى دور حزب الله في لبنان ويعيد الهدوء للتركيبة السياسية اللبنانية الحاكمة التي يعرفها الغرب ومعهم إسرائيل جيداً ويستطيع التعامل معها وتطويعها كما شاء وكيفما يشاء.

(2) إن هذا لو حدث سيكون ضربة لثلاثة عصافير بحجر واحد

العصفور الأول  إعادة لبنان ليدور في الفلك الغربي من جديد بعيداً عن أي معوقات ايرانية أو سورية.

العصفور الثاني – إن ذلك سيكون ضربة قوية لنظام الملالي في طهران ستؤثر حتماً على مخططاته و تُقيد حركته وستضعف دوره في المنطقة.

العصفور الثالث – وكذلك ستكون تلك ضربة قوية لسوريا البعثية التي رغم كل الدماء التي نزفتها على مدار السنوات الماضية في حربها ، ورغم كل الضغوط الاقتصادية الواقعة عليها ، إلا أن النظام فيها لا يزال ثابت وواقف على قدميه وقادر على المشاغبة.

  (3) إن لبنان بعدها سيكون مُهيأ لعقد «سلام علني» مع إسرائيل  ويتم حل كافة المشاكل والقضايا(سياسية واقتصادية) بينهم دون ضجة أو ضجيج لأنه سيكون حينها حواراً بين الأصدقاء المتحابين وليس حرباً أو صراعاً بين الأعداء المتخاصمين !

(4) إن المنطقة كلها بعدها سيتم دمج دولها في مشروع شرق أوسطى كبير تقوده إسرائيل و يكون مركزه تل أبيب ، وينوب ذلك التحالف الجديد (عن الولايات المتحدة) في حماية أمن المنطقة والحفاظ على ثرواتها من الأطماع المزدوجة لكل من إيران الملالية وتركيا الأردوغانية ، علماً بأن النظامين في جوهرهما مشروعان اسلاميان متشددان ، على الرغم من أن المشروع الأردوغانى في تركيا يحاول أن يكسوا نفسه بطبقة من السكر تسمى (العلمانية) ليخفف من مرارته في حلوق الآخرين!

(5) إن ذلك المشروع الشرق أوسطي لو تم سيقف أمام أية أطماع لأية قوة اقليمية تحاول الخروج اليوم أو مستقبلاً عن الصف والسيطرة على المنطقة وثرواتها.

(6) والأهم ( وتلك دغدغة للمشاعر الأمريكية) أن ذلك التحالف سيغلق الباب في وجه المشروع الصيني القادم بقوة ليدق أبواب المنطقة ويسحب البساط من تحت أقدام الولايات المتحدة في لحظة تاريخية تجد أمريكا فيها أنها مصابة بوساوس تزورها كل ليلة لتسألها عن مدى مقدراتها على مواجهة التنين الصيني في مجالات العلوم والتكنولوجيا ؟!

(2)

وطرح عدد من الخبراء في مراكز الدراسات السياسية الأمريكية والبيروقراطية في وزارة الخارجية على الوفد الاسرائيلي عدة أسئلة ، وجاءت الأسئلة والأجوبة عليها كمباراة في لعبة كرة الطاولة  Ping Pong

ماذا سيكون رد فعل حزب الله على محاولة قتله وتصفية دوره؟

وكانت الاجابة أن غالب الظن أن الحزب سيدافع عن نفسه وسيدخل في مواجهة حادة دامية ضد الفريق الأخر ، وفى غالب الأمر سيتحول الصراع من تلاسُن سياسي إلى حرب أهلية دامية.

وتلاه سؤال منطقي آخر:

هل الفريق المنافس على الجانب الآخر من النهر جاهز لمواجهة حزب الله بسلاحه وكوادره المدربة تدريباً جيداً على حرب العصابات؟

وكانت الاجابة:

أن تجهيز ذلك الفريق بما يحتاج له من قدرات و أدوات لتنفيذ الخطة المرسومة له لن يكون مستحيلاً أو صعباً علينا.

ثم بعدها جاء سؤال بديهي آخر:

ماذا ستكون ردة الفعل الإيرانية على تلك المحاولة التي تعرف طهران علم اليقين أن هدفها الأساسي «التضييق» على رقبة طهران «بذبح» حليفها حزب الله في لبنان؟!

وجاءت الاجابة منطقية وعملية في الوقت نفسه:

 أن طهران رغم قُرب حزب الله منها على مستوى المكان والمكانة إذا وجدت «عزماً» دولياً و «تصميماً» إقليمياً على تصفية ذلك الفصيل الإرهابي وكيل طهران في لبنان  ستفكر مرات ومرات قبل أن تزج بنفسها وبشعبها في أتون (حرب كبرى) تعلم طهران علم اليقين أنها خاسرةً فيها رغم ما يمكن أن تُلحقه بخسائر في الطرف الآخر.

وذكر الإسرائيليين لموجهي الأسئلة الأمريكان بأن طهران لم ترُد على اغتيال قائد فيلق القدس السابق (قاسم سليماني) الا برشقة صواريخ على قاعدة أمريكية بالعراق ، وقد أخبر الإيرانيون الأمريكان قبلها حتى يقللوا الخسائر لديهم ولا يصعدوا الصدام معها عن الحد المطلوب.

أي أن ما بدأ «رعداً» بالتهديدات المنذرة و المتوعدة بالثبور وعظائم الأمور انتهى «شرراً» بالأفعال على أرض الواقع لأنه المحك الحقيقي لقياس القدرات!.

وأضاف المتحدث الإسرائيلى: أن «الشيخ حسن نصر الله» اللبناني ليس أغلى عند آيات الله في طهران من «الجنرال قاسم سليماني» الإيراني.

وختم الوفد رده بتذكير سائليه بمقولة شكسبير: «قد أحزن وأبكى عليك ، ولكن أموت من أجلك فهذا كثير»!

ثم عاد وسأل الأمريكي نظيره الإسرائيلي سؤالاً من شقين:

 

 الشق الأول – إن الصدام لو تم سيصل حتماً لإسرائيل ، فهل إسرائيل قادرة على تحمل الخسائر التي ستحدث من قبل حزب الله على الأقل في الجبهة الداخلية الإسرائيلية ، علماً أن الحزب لديه منظومة صواريخ قادرة على إحداث خسائر كبيرة في الداخل الاسرائيلي؟

والشق الثاني من السؤال – هل إسرائيل قادرةً على حسم المواجهة القادمة مع الحزب ، علماً بأنه في حرب 20006 لم تستطع إسرائيل تحقيق أهدافها التي أعلنتها في بداية الحرب ، وذلك عده البعض «فشلاً وهزيمة» للجيش الإسرائيلي؟

وجاءت الاجابة الإسرائيلية على الشق الأول من السؤال:

أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وكذا الحالة الحزبية في إسرائيل رغم الاختلاف و التطاحن بينهم إلا أن الجميع بات «مقتنعاً» بأن «تصفية» وجود حزب الله اللبناني يساوى من أجله أن تتحمل إسرائيل خسائر في حدود مقبولة ومعقولة في الجبهة الداخلية.

واما الاجابة على الشق الثاني من السؤال:

فأكد الإسرائيليون أن الجيش الإسرائيلي منذ انتهاء حرب عام 2006 وهو يدرس السلبيات ويتعرف على الأخطاء التي وقعت منه أثناء الحرب. وأضاف الإسرائيليون أنهم اليوم لديهم منظومة معلوماتية عن الحزب وسلاحه وتمركزاته وأفراده وقياداته أفضل بكثير مما ما كان لديهم في حرب 2006 .

ثم إنهم قاموا بعدها بتعديلات وتغييرات على بنية وهيكل الجيش الاسرائيلي لتناسب الحرب القادمة.

وأضاف المتحدث الإسرائيلي وتلك اضافة هامة وخطيرة:

«أن القيادة السياسية في إسرائيل وقتها قيدت الجيش الإسرائيلي عن استخدام أنواع معينة من الأسلحة والذخائر التي حتماً كانت ولا زالت قادرة على قلب المعادلة رأساً على عقب».

أما في المواجهة القادمة فإن كل الأسلحة والذخائر ستكون موضوعة في صُلب الخطة التي ستنفذ حينما تؤذن الحقائق والظروف.

 

ثم أفاض الوفد الإسرائيلي بعدها في الحديث عن الشأن اللبناني الداخلي وتأثير ذلك على المواجهة القادمة إن حدثت ، وكانت أهم النقاط التي تحدث فيها وعنها:

  • أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان اليوم أسوأ من السيئ وذلك عائد للضغوطات الخارجية ولفساد الأوليجاركية الحاكمة في لبنان داخلياً وذلك الأمر جعل المواطن اللبناني واقعاً تحت ضغط غير محتمل جعله غاضباً من الجميع و ضائقاً بالجميع وعلى رأس هؤلاء الجميع أمراء الطوائف لديهم.
  •  إن قطاع كبير من المجتمع اللبناني اليوم يُحمل حزب الله المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع اللبنانية ويتهمه بأنه في تصرفاته يراعى التعليمات الايرانية وليس المصلحة اللبنانية.
  • إن شريحة واسعة حتى من مناصري الحزب من غير الطائفة الشيعية أصبحوا ضائقين بتصرفات متعالية لبعض القيادات فيه عليهم (على الرغم من ذكر الإسرائيلي أمثلة لتلك التصرفات فإنني امتنعت عن نشرها لعدم تأكدي من صحتها).
  • إن بعض حلفاء حزب الله اليوم (تحديداً في الجانب المسيحي) وتحت ضغط من قواعدهم يراجعون موقفهم من تأييدهم للحزب على طول الخط.
  • إن حتى الطائفة الشيعية ذاتها وهى الحاضنة للحزب أصبح هناك قطاع غير قليل منها غير راضٍ عن سلوكيات بعض القيادات داخل الحزب. (ولا أزيد رغم أن الإسرائيلي تحدث عن تفاصيل ووقائع لا داعى لذكرها لعدم تأكدي من حدوثها).
  • كما أن هناك قطاع عريض من الحاضنة المباشرة للحزب تأثر في تلك الضائقة المالية للبنان وللحزب تحت تأثير الحالة الاقتصادية لإيران نتيجة العقوبات الأمريكية عليها ، فتبع ذلك نقص في تمويل الحزب وتقليل أنشطته.
  •  إنه نتيجة لتلك الأوضاع المتردية لبنانياً فإن الحزب لديه خطتين للتعامل مع الموقف إذا تأزمت الأمور وبات الانفجار في الشارع عنيفاً و جارفاً

 الخطة الأولى- وهى غلق المنطقة الشيعية (الجنوب) غلقاً تاماً وعدم السماح لأحد بالدخول إليها ولا الخروج منها.

الخطة الثانية – السيطرة الكاملة للحزب وقواته على كل لبنان من أجل اعادة الهدوء اليه ولو بالقوة ، إلا أن ذلك السيناريو يحتاج لموافقة ضمنية من الجيش حتى لا يحدث قتال بين قوات الجيش ومقاتلين الحزب.

  • إن الهالة «البطولية» التي أحاطت بأمين عام الحزب وزعيمه السيد حسن نصر الله تقلصت كثيراً جداً جداً داخل وخارج لبنان وتلك نقطة يجب الانتباه اليها ، فصورة نصر الله في الشارع العربي عامة وفي الشارع اللبناني خاصة لم تعد ناصعة البياض كما كانت وقت حرب 2006 وبعدها.

انتهى عرض مجمل المشاورات الإسرائيلية الأمريكية.

 

(3)

تعليق:

إنني في البداية أحب أن أنبه القارئ إلى قاعدة في العلوم السياسية تقول:

«إن الأهداف التي لا تستطيع تحويل نفسها إلى سياسات تظل مجرد أحلام يقظة أو نوم ، ثم إن السياسات التي لا تستطيع ترجمة أهدافها إلى خطط تظل مجرد نوايا طيبة أو سيئة ، ثم إن الخطط التي لا تتخذ لنفسها خطوات تنفيذية على أرض الواقع تظل مجرد حبر على ورق».

ثانياً – أنه يُمكن القول أن إسرائيل نسيت أنها شريكة في صنع الحالة اللبنانية بالأمس واليوم.

فبعد خروج مصر من معادلة القوة العربية بتوقيعها معاهدة كامب ديفيد قررت إسرائيل أن تمارس دور الدولة الإمبراطورية فقامت بغزو لبنان في 3 يونيو 1981.

وكانت مطالب إسرائيل في تلك العملية العسكرية كبيرة وظاهرة لا تحتمل التأويل:

1-  فهي في لبنان تستطيع أن تثبت أنها قوة عظمى إقليمية regional superpower.

2-  وهى تستطيع أن تؤكد ذلك بتحطيم القوة العسكرية لمنظمة التحرير وتفقدها بذلك استقلالها السياسي.

3-  وهى تقدر على إعادة ترتيب أوضاع لبنان وتحوله إلى تابع عربي لإسرائيل.

4-  وهى بذلك تستطيع أن تمارس ضغطاً أكبر على سوريا سواء عن طريق إثبات عجزها عن حماية لبنان ، أو عن طريق إرغام (دمشق) على أن تسير على طريق التسوية.

5-  إن بلوغ ذلك كله يقدر في نفس الوقت أن يساعد على تثبيت معاهدة السلام مع مصر التي ظهر عليها بعض التردد بعد اغتيال الرئيس المؤمن!.

والغريب أن دخول إسرائيل إلى لبنان كان السبب الأساسي والرئيسي في خلق الكيان الذى يؤرق منام إسرائيل اليوم ويجعلها تصحو على كوابيس مزعجة يومياً (حزب الله) وذلك للأسباب التالية:

  • لأن خروج الفلسطينيين من لبنان أعاد أهله طرفاً في مصائرهم.
  • إن قوى القاع اللبناني كانت كتلاً إنسانية ضخمة لها جذورها التاريخية والثقافية في تاريخ لبنان .
  • إن الحرب الأهلية انتهت وقد تغيرت موازين القوة على الأرض لصالح (الشيعة) الذين كانوا دوماً عنصر من عناصر التركيبة اللبنانية ولكنهم باتساع الحجم وباتساع الدور مع المقدرة على التضحية إلى درجة الاستشهاد أكدوا أنهم ليسوا عنصرا في التركيبة فقط وانما هم ركن من أهم أركانها وببروز الثورة الايرانية تعزز دورهم أكثر و أكثر.
  • ومع كل تضحيات حزب الله من التحرير حتى القتال الشرس في حرب عام 2006 أصبح الشيعة عنصراً وازناً من المستحيل تجاهله ليس فقط في لبنان وإنما امتد دوره على المستوى الإقليمي (من لبنان للعراق لليمن).
  • إن قوة الثورة الإسلامية في إيران كانت إضافة للطائفة الشيعية عكس نفسه على الواقع السياسي اللبناني والإقليمي كذلك.

واليوم تريد إسرائيل اجراء عملية جراحة جديدة (بالسلاح) لخلق حالة جديدة في لبنان تنعكس بدورها على المنطقة بأكملها.

فهل تنجح إسرائيل في رسم خريطة جديدة لشرق أوسط عبرى؟

أم أن المقادير ستخالف رغبات الآلهة في واشنطن وتل أبيب؟

و بكل أسف أن كل ذلك يحدث والعالم العربي في أسوأ حالاته ، فهو منقسم في الظاهر والباطن ويسعى لتصفية ثارات بين قبائله ملكية كانت أو جمهورية ،  كما أن البوصلة عنده أصبحت ضائعة أو معطلة ، وهو منشغل بألعاب تكتيكية مؤقتة على حساب الرؤى الاستراتيجية الدائمة ، وبكل أسف ومع كل الأسى أن ذلك التفكير العقيم هو الذى حول المنطقة من مسرح لصناعة التاريخ إلى مسرح لتحريك العرائس!

مجدي منصور, محامي مصري وكاتب سياسي

مجدي منصور كاتب سياسي مصري له العديد من المقالات والدراسات المنشورة بكبرى المواقع ك (ساسة بوست - نون بوست - هاف بوست- عربي بوست - روافد بوست).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى