الحصانات وآخر تطورات ملف تحقيق تفجير مرفأ بيروت
حلقة علمية بحثية إفتراضية لملتقى حوار وعطاء بلا حدود
عقد ملتقى حوار وعطاء بلا حدود حلقة علمية بحثية افتراضية عبر تطبيق زووم لمناقشة موضوع الحصانات استضاف فيها نخبة من الخبراء الباحثين الدستوريين والحقوقيين.
شارك في هذه الحلقة العديد من الفاعليات الحقوقية والقانونية والإعلامية والمهتمين بهذا الشأن من لبنان ومن مختلف بلاد الإغتراب أدارها البروفسور بيار الخوري وساعدته على الإدارة السيدة أميرة سكر أمينة سرّ الملتقى.
الدكتور طلال حمود
تحدث مُنسّق الملتقى الدكتور طلال حمود مرحّبًا بالمحاضرين والحضور ومشددًا في كلمته على أهمية متابعة مسألة رفع الحصانات وصولًا إلى كشف الحقيقة في انفجار المرفأ صونًا للعدالة واحقاقًا للحق مُشيرًا الى أن عقد هكذا حلقة يُعتبر إستكمالًا لنشاطات الملتقى السابقة والتي اهتمت بمكافحة الفساد والأزمات الإقتصادية والمالية والمعيشية التي يعيشها لبنان بخاصة في مجال السعي إلى وضع مقترحات من أجل إسترداد الأموال المنهوبة والمُهرّبة والمُحوّلة والوصول إلى الحقيقة في ملف تفجير مرفأ بيروت الذي أوقع عشرات القتلى والجرحى الأبرياء ودمّر أحياء كبيرة من العاصمة بيروت.
البروفسور فضل ضاهر
رأى الخبير القانوني البروفسور فضل ضاهر، أن مفهوم الحصانات عمومًا تأرجح بين منهجين متعارضين في نتائجهما وفي وسائل وأساليب تطبيقاتها المتغيرة زمانًا ومكانًا، وإن توافقا ظاهريًا في مفارقة غريبة ذات طبيعة نفعية او وظائفية، على نحو ما بينه ضاهر باستعراض المراحل التاريخية لتطور هذا المفهوم في الغرب تحديدا، من امتيازات لممثلي الملك ولخدمهم ولمتعلقاتهم ، مرورًا بانتفاضة ميرابو الشهيرة بوجه ممثل الملك وصرخته المدوية بتاريخ ٢٣/٦/١٧٨٩ في قصر فيرساي ” انني اعلن اننا هنا بارادة الشعب ولا نبرح هذا المكان الا بقوة الحراب”.
وفي مقاربة مقارنة وتجريبية بشأن إشكاليات عدم احترام الحدود الفاصلة والناظمة وإلى درجات ومعايير التوازن المتوجب بين الحصانة الممنوحة بالقانون من جهة، والمصلحة العامة أو مقتضيات حماية الإنتظام العام المكرسة بالدساتير وبالقوانين من جهة ثانية. سيما في ضوء مخاطر انعدام التلاؤم بين فكرة العدالة من حيث هي ” قيمة بذاتها مثل الحرية والكرامة والسلام والمواطنة ” كما وصفها أمارتيا سن ( نوبل الاقتصاد ٢٠٠٨) معتبرًا انها : “حق مطلق” مقيد للقانون اي الوسيلة التي عليها صيانة شروط تحقيق غاية العدالة استنادا الى مبادئ وقيم هذه العدالة، والتي من اهمها:
١_ موجب عدم تحويل الحصانة الى امتياز لتفضيل إنسان أو فئة على نظرائهما أيًا تكن أسباب هذا التمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي، المصاحَب غالبًا بعنف متطرف وباصطفافات فئوية قائمة على الكراهية والعدوان المهددين للسلم الأهلي، سيما ولأن الاستنسابية او الشخصانية الحاكمة لتطبيق النصوص الدستورية والقانونية في مجتمعنا، تؤكد الانتهاك الفاضح لمبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان، الجابّة لكل ما عداها، لاسيما لجهة مخالفة المواد ١ و ٢ و ٧ و ١٠ و ١١(فقرة اولى) و ٢٨ و ٢٩(فقرة ٢ و ٣) و ٣٠!!؟
٢_ موجب احترام مبادئ الانصاف والمساواة والنزاهة والشفافية المعتبرة سامية لكونها المداميك الثابتة لاحقاق الحق وازهاق الباطل من خلال اجراءات المحاكمة العادلة المرتكزة الى حق الدفاع المقدس، علانية المحاكمة، وحدة المعايير الموضوعية، حقوق الجاني بالمحاكمة السريعة وضمن المهل المعقولة بشكل خاص، التشدد في تعزيز سيادة حكم القانون والنزاهة لمنع افلات الجناة من العقاب ايا تكن الظروف العامة والخاصة.
٣_ تشدد السلطات الدستورية جميعها، في مكافحة جميع اساليب واشكال تنميط ثقافة الاعتداد بحصانات مقنعة ان في سلوكيات الافراد ام في ديناميات التفاعل الاجتماعي على نحو المناورات التي يصح توصيفها بالاحتيالية لتحصين حيتان المال وحماتهم والمروجين لهم بوجه ٩٨% من الشعب اللبناني المنكوب نتيجة جرائمهم الاصلية الخطيرة والناتجة عن سلوكيات منهجية متكررة هادفة، وعن سابق معرفة بالنتائج، الى حماية الفاسدين وان على حساب ديمومة الوطن من جهة، وتوفير الحد الأدنى من مستلزمات حفظ انسانه وسلامته من جهة ثانية.
في ضوء كل ذلك، وبناء على التنافس الملحوظ بين جميع الكتل النيابية اللبنانية لاقتراح قوانين إلغاء جميع الحصانات، فقد اعاد البروفسور ضاهر التذكير بما سبق له اقتراحه لجهة انضمام لبنان الى نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية والمسقط لجميع الحصانات بمقتضى الفقرتين الاولى والثانية من المادة ٢٧.
القاضي الرئيس نبيل صاري
أشار القاضي الرئيس نبيل صاري أن أول واخطر حصانة في لبنان هي الطائفية، إضافة إلى القوانين التي سمحت بوجود محاكم استثنائية يجب إلغاؤها جميعها لأن الناس سواسية طالما هناك جرم يستوجب المحاكمة وأعطى مثالا المحكمة العسكرية، المجلس العدلي ، المحكمة الخاصة التي تمس جميعها بمبدأ المساواة مثال ما هو حاصل في المحكمة العسكرية حيث تتفاوت بمعرض المحاكمات أمامها بمختلف درجاتها النظرة الى المتخاصمين لا سيما لجهة عدم السماح لأهل الضحية بالتواجد أثناء المحاكمة فضلا عن وجود قاضي مدني واحد لتصويب المقتضيات القانونية بالبداية ولعدم تمرس أعضاء هذه المحكمة بالدرجات العليا بالقضايا والعلوم القانونية والحقوقية خالصا الى التاكيد بان هذه المحاكم الاستثنائية تسبب المعاناة للمتقاضين ومن المؤسف انها معتبرة خطا أحمر من الخطوط المرسومة في لبنان التي لا يمكن انتقادها.
كذلك، انتقل صاري إلى قضية المرفأ التي اعتبر أن الجرم الأصلي المتوجب الملاحقة فيها هو التواطؤ الدولي وتطرق الى موضوع الوزراء المحامين الملاحقين بتهمة القصد الاحتمالي ليؤكد بان الوزير المحامي لا بد من تعليق قيده طيلة فترة توزيره وكذلك النائب فان حصانته فانها منحصرة بفترة انعقاد المجلس وأن كل ما هو حاصل خارج هذه الأطر القانونية إنما هو تمييع لاجراءات التحقيق.
وقد تمنى صاري قبل ختام مقاربته للموضوع اهتمام المحقق العدلي بمسار التحقيق حول مصدر النيترات والشبكة الدولية وراءها مقابل التركيز على القصد الاحتمالي مع تجاهل المعطيات شبه المؤكدة أن تفجير المرفأ هو جريمة دولية بالدرجة الأولى وانها ليست قضية أهالي الضحايا فقط وإنما هي قضية الشعب اللبناني بأسره وبالتالي فإنه لا حصانة لأحد عند المساس بمصالح الوطن والشعب، واستطرادا في الختام تمنى الرئيس صاري على الحراك المدني توحيد رؤيته تمهيدا للتغيير المأمول ومن المؤسف القول أن تشكيل الحكومة الحالية لم يأخذ بعين الاعتبار مثلما هو مؤسف اتخاذ وزير الداخلية، وهو القاضي المشهود له، قرارا صادما ومعرقلا لسير العدالة بالنسبة للتبليغات القضائية.
الخبير الدستوري الاستاذ ربيع الشاعر
تحدث الخبير الدستوري الاستاذ ربيع الشاعر عن تفسير الحصانات سائلاً عن تلك الحصانات التي كرسها الدستور بطريقة مبهمة تتعارض مع مبدأ المساواة ودولة الحق.
وقال إن إعطاء صلاحية النظر بالحصانات للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء قد عطّل مبدأ رفع الحصانة كونه يستند الى اتهامات مبهمة كالإخلال بموجبات الوظيفة وخرق الدستور والخيانة العظمى خاصة في موضوع رفع الحصانة عن رؤساء الجمهورية والحكومات والوزراء.
وأشار الشاعر إلى أن التعقيدات في تشكيل المجلس الأعلى وطريقة تعيينه تُعطّل مبدأ العدالة والوصول الى الحقيقة. وطرح سؤال حول الوظيفة الحقيقية للمجلس الاعلى واعتبر ان تعطيله هو عمل مقصود للإفلات من العقاب.
واعتبر ان النواب يتحججون بحصانات لم يعطهم الدستور حق التمتع بها بشكل مطلق، أضف الى ان المشكلة تزيد تعقيدا حين نجد ان غالبية الوزراء الملاحقين هم ايضا نوابا. علما ان الحصانة لا تحمي النائب الا ضمن فترات إنعقاد المجلس النيابي كي يتمكن من ممارسة واجباته بكل حرية ودون خوف! ولكن لا يمكن ان يتحجج النواب بالحصانة اذا تمت ملاحقتهم في الفترات التي لا ينعقد فيها المجلس النيابي ولاسباب لا تتعلق بحرية الرأي والتعبير. واقام الشاعر مقارنات بين الحصانات في لبنان وفي فرنسا التي ألغت حصانة الموظفين وسهلت ملاحقة الوزراء بسبب اخلالهم بموجباتهم الوظيفية.
وفي إطار موازٍ اعتبر الشاعر ان المجلس العدلي هو مخالف للدستور ولمبدأ المحاكمة العادلة بسبب التقاضي امامه على درجة واحدة مما يعرض حقوق المتقاضين للخطر. كما ان المجلس العدلي فقد شرعيته بسبب البطء في صدور احكامه او بسبب وجود قضايا معروضة امامه منذ اكثر من 40 عاما” ولم يتم صدور اي حكم فيها كقضية الامام المغيب موسى الصدر او قضية اغتيال السيد كمال جنبلاط. وتساءل عن احتمال اجراء اي تحقيق دولي في قضية المرفأ كمخرج اخير لاحقاق الحق رغم ان التجارب السابقة في هذا المجال غير مُشجعة.
أما في حال استمرت هذه الطبقة السياسية في مناوراتها لمحاولة حماية المتهمين، فقد حذّر الشاعر من خطورة انزلاق البلد نحو خيار العنف بسبب تعطيل التحقيق مع ما لذلك من تداعيات قاتلة على وحدة الوطن وامنه!
في النهاية دار حوار بين المحاضرين والفعاليات المشاركة في الحلقة تناولت أمور متنوعة بشأن هذا الملف الذي يسعى ملتقى حوار وعطاء بلا حدود لعقد جلسات حوارية اخرى من اجل متابعته إضافة الى ملفات ساسية، إقتصادية، مالية، حياتية وإجتماعية اخرى وشعها ضمن جدول إهتماماته.