الخروج من عنق الدولار الجمركي | بقلم د. عماد عكوش
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
بين الدجاجة والبيضة ضاع نواب الأمة أيهما في البداية فهل رفع الدولار الجمركي هو البداية لتأمين رواتب القطاع العام والموازنات المطلوبة لتسيير الإدارات العامة، أم المطلوب أولًا زيادة رواتب القطاع العام قبل زيادة سعر الدولار الجمركي، والبعض ذهب الى أنه يمكن تأمين هذه الواردات دون اللجوء الى رفع سعر الدولار الجمركي وذلك عبر وقف الهدر في الأدارات العامة، وقف التهريب الجمركي والضريبي، تحصيل الواردات المختلفة مثل رسوم الأملاك البحرية، فما هي الحقيقة، وماذا يعني إقفال القطاع العام بشكل كامل، وما هي انعكاساته على الدولة اللبنانية، المواطن اللبناني، وموظفي القطاع العام، وهل لرفع سعر الدولار الجمركي بديل اليوم والذي يمكن ان يؤدي نفس مفعول الدولار الجمركي السريع ويحقق نفس الهدف؟
الدولار الجمركي هو قرار غير شعبي لأن بطبيعة الحال سيكون له أثر على أسعار مختلف السلع دون استثناء وأن كانت بنسب متفاوتة، هذه النسب ستتراوح بالحد الأدنى ما بين 10 بالمئة الى 30 بالمئة كحد أقصى وذلك لأختلاف نسب الرسوم الجمركية على البضائع والسلع والتي تتراوح من 3 بالمئة الى أكثر من خمسين بالمئة لسلع أخرى، ونظرًا لخضوع بعض هذه السلع لضريبة القيمة المضافة وعدم خضوع بضاعة أخرى، وهل سيتم تطبيق هذا الدولار على ضريبة القيمة المضافة أم سيقتصر تطبيقها فقط على الرسوم الجمركية .
أن اقفال القطاع العام بشكل كامل والذي تقوم به روابط الموظفين في القطاع العام له أثار خطيرة جدًا على ديمومة الدولة كدولة فهذا يعني توقف كل دوائر الادارات العامة عن العمل مع ما يعنيه ذلك من تراكم المشاكل والملفات ووقف عمليات الأستثمار والتوظيف ووقف صدور الأحكام وفتح الاعتمادات وتوقف الدولة عن النشاط، لهذا فان التوقف عن النشاط له انعكاسات مختلفة على كافة الصعد، منها:
– الدولة ككيان حيث يمكن ان يهدد هذا التوقف وجود الدولة كدولة وبالتالي عزلها عن المجتمع الدولي ككيان موجود على مستوى الأمم وعدم المشاركة بكل المؤتمرات والاجتماعات الدولية وبالتالي غياب الدولة عن المشاركة بأي قرارات أقليمية ودولية، ومخاطر التقسيم لاحقًا وظهور كانتونات على أساس طائفي أو حزبي أو جغرافي تحل محل الدولة الغائبة لأن المجتمعات لا تتحمل غياب سلطة وبالتالي لا بد من أن يحل محل هذه السلطة الغائبة سلطة أخرى .
– المواطن اللبناني حيث ان توقف القطاع العام سيزيد من أزمته لا سيما ناحية الخدمات التي يؤمنها القطاع العام ومنها القطاع الصحي والذي اليوم هو في حالة شلل شبه كاملة نتيجة لأنخفاض التغطية الصحية والتي كانت تقدمها وزارة الصحة، الصندوق الوطني للضمان الأجتماعي وصناديق التعاضد، وبالتالي سيزيد هذا التوقف من ازمة المواطنين الصحية وبالتالي مزيد من أنخفاض القدرة على التداوي والأعمال الأستشفائية، هذا من الناحية الصحية، أما لناحية الخدمات التعليمية فستكون كارثة على المجتمع وخاصة على الطبقة الوسطى والفقراء والتي تضاعفت نسبتها خلال الاعوام الماضية وتحولت معظم الطبقة الوسطى الى طبقة فقيرة كما تحولت الطبقة الفقيرة الى طبقة معدمة وتجاوزت نسبة الفقراء 60 بالمئة وفقًا لأخر أحصاءات دولية سواء الصادرة عن البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي .
– بالنسبة لموظفي القطاع العام سيؤدي التوقف الكامل لهذا القطاع الى شلل المحتسبيات والصناديق وبالتالي التوقف عن التحصيل ودفع الرسوم والضرائب ونفاد الحساب 38 لدى مصرف لبنان والذي كان يؤمن رواتب القطاع العام وهذا سيؤدي الى توقف دفع رواتب القطاع العام بشكل كامل سواء منها المدني أو العسكري .
إذًا فأن توقف القطاع العام عن العمل له مخاطر كبيرة وكثيرة والمؤسف ان بعض هذا القطاع ينظر أليه على أنه مجرد جلوس في المنزل وقبض الراتب أخر الشهر والذي هو ملاليم وهذا متفق عليه ولا بد من تعديله ليتناسب مع نسب التضخم الكبيرة التي تحققت خلال الثلاث سنوات الماضية ولم يتم تصحيح الأجور خلالها، لكن من المؤكد ان الإقفال العام والإضراب المفتوح والغير هادف سوى أن له هدف واحد هو زيادة الرواتب هو أخطر بكثير من فتح هذه الإدارات ولو بالحد الأدنى وقبض هذه الملاليم مع الاحتجاج عليها عبر التوقف الجزئي عن العمل والاعتصام في الساحات وأمام المراكز الرسمية .
ما هو الحل لوقف تدهور هذا القطاع ؟
تطرح الحكومة اللبنانية اليوم تعديل سعر الدولار الجمركي والذي يتم على أساسه تحويل قيمة الفواتير للبضائع المستوردة من الخارج، والي تحتسب اليوم على أساس سعر الصرف الرسمي وهو 1507.50 ليرة لبنانية، والمطروح اليوم بحسب آخر جلسة وزارية في السراي الحكومي هو سعر عشرين الف ليرة لبنانية أي زيادة السعر حوالي 13 ضعف عن السعر السابق، فإذا علمنا ان قيمة الرسوم المدولرة من حصة الإيرادات في الموازنة تبلغ حوالي خمسين بالمئة، ومع احتمال تراجع قيمة المستوردات نتيجة للتضخم الذي يمكن أن يحصل وبنسبة عشرين بالمئة، علمًا أن هناك جزءًا أساسيًا من هذه التحصيلات ستوزع كرواتب وخدمات للمواطنين وبالتالي سيعاد توظيفها في السوق، وإذا علمنا ان الواردات الضريبية المحققة في موازنة 2021 لغاية نهاية شهر تشرين أول تبلغ حوالي خمسة آلاف مليار ليرة لبنانية مما يعني أن هذه الواردات السنوية يمكن ان تبلغ حوالي ستة الاف مليار سنويًا، ومع تخفيضها بمعدل عشرين بالمئة يصبح الصافي يعادل حوالي 4800 مليار ليرة لبنانية، ومع زيادة هذه الواردات ثلاثة عشرة ضعف ستصبح قيمتها حوالي 62400 مليار ليرة لبنانية، هذا الرقم لن يكون نهائي لأن هناك رسوم ستتأثر بطبيعة الحال مع تعديل سعر الدولار الجمركي ومنها رسم الطابع المالي، رسوم التسجيل العقاري، رسوم تسجيل السيارات، يضاف اليها الرسوم التي سيتم استيفاءها بالدولار النقدي مثال رسم المغادرة للمسافرين، رسوم الطائرات، رسوم المنطقة الحرة، رسوم الأرضيات، رسوم السفن، رسم صالة الشرف وغيرها من الرسوم الواردة في القانون رقم 302 الصادر في 8 اب 2022 والمتعلق بتعديل المادة 35 من القانون رقم 6 من موازنة العام 2020 والذي صدر الأسبوع الماضي بالجريدة الرسمية.
البعض يقول بأن الحكومة يمكن أن تلجأ الى مصادر تمويل اخرى لتعويض النقص في الموازنة وبالتالي تغطية أي زيادة يمكن أن تعطى للقطاع العام مثل مكافحة التهريب الجمركي، والتهرب الضريبي، والاملاك البحرية ولكن بكل الأحوال هذه الضرائب والرسوم حتى ولو تم تحصيلها فسيتم تحصيلها على دولار رسمي 1507.50 ليرة لبنانية وهي التي كانت تقدر بحوالي ملياري دولار أميريكي أي ما يعادل اليوم 3000 مليار ليرة وهو رقم لا يمكن أن يعوض العجز الكبير في الموازنة، هذا مع العلم بأن معظم التجار اليوم لا يلجأون الى خفض قيمة الفواتير نظرًا لأنخفاض الرسم الجمركي والقيمة المضافة، وبالتالي لا غنى عن رفع سعر الدولار الجمركي، لكن برأينا فأن الرفع في السعر يجب أن يتم بشكل تدريجي حتى لا يحصل أي صدمة كبيرة للأقتصاد الوطني وللقطاعات الأنتاجية في هذا الاقتصاد فتفرمله وتوقف نموه، براينا أن سعر ثمانية ألاف ليرة هو سعر مقبول كبداية من ضمن عملية متكاملة تتزامن مع رفع رواتب القطاع العام ثلاثة أضعاف الرواتب الحالية، وتحويل الموازنة الى موازنة مرنة مرحلية حتى نهاية العام 2023 مع تعديل الدستور لهذه الناحية وبشكل مؤقت حتى يمكن تعديل الدولار الجمركي بشكل تدريجي بعد تقييم النتائج عند كل مرحلة وزيادة الرواتب على أساس هذا التقييم.
أن هذا الحل هو الحل الممكن اليوم وبغير هذا الحل لن نستطيع الخروج من هذه الأزمة والوصول الى الى توحيد سعر الصرف الرسمي في النهاية مع سعر الصرف الفعلي، على ان يترافق ذلك مع اقرار القوانين والخطط لإعادة الهيكلة والمضي في البرنامج الاصلاحي .