لا زال لبنان يعتمد سعر الصرف الرسمي والذي تم تحديده من قبل مصرف لبنان سابقًا وتم تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار على أساسه لغاية اليوم وهو سعر 1507.50 ليرة لبنانية مقابل الدولار الاميركي وهذا أدى الى دعم الليرة منذ أكثر من عشرين عام حيث ان القيمة الحقيقية لليرة اللبنانية ونتيجة لتراكم الدين العام، ونتيجة لتراكم عجز الميزان التجاري، ونتيجة لتراكم عجز ميزان المدفوعات، نتيجة لكل هذه العوامل كان لا بد من أعادة تصحيح سعر صرف الليرة ولكن لم يتم اتخاذ هذا القرار بل استمر مصرف لبنان على سياسة تثبيت سعر الصرف الرسمي لغاية اليوم وهذا أدى الى خسائر كبيرة في الاقتصاد وفي احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة، أضافة الى فقدان الفرصة في تصحيح الاقتصاد لذاته بعد تضخم حجم كلفة القطاع العام من إجمالي الناتج القومي ومن الموازنات، بخاصة بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب.
اليوم يكثر الحديث عن الدولار الجمركي وبخاصة عندما يتم مناقشة موازنة العام 2022 أو الحديث عنها، وقد ربط العديد من المسؤولين ما بين زيادة رواتب القطاع العام وإقرار الدولار الجمركي، لكن لغاية اليوم لم يتم الاتفاق على تحديد سعر محدد لهذا الدولار وكيف سيتم تطبيقه، وكيف سيصدر، هل عبر مرسوم خاص أو من ضمن الموازنة، او من خلال خطة التعافي والتي طال انتظارها .
الدولار الجمركي وفقًا لوصفه هو سعر الدولار الذي يتم على أساسه تقييم فواتير الاستيراد القادمة الى لبنان عبر البوابات المرفئية سواء عبر البر، البحر، أو الجو، وبالتالي يتم احتساب الرسوم الجمركية على أساس السعر بعد التقييم على أساس سعر هذا الدولار وليس على أساس سعر الصرف الرسمي، مما سيؤدي حتمًا الى زيادة الواردات وفقًا لحجم الزيادة في سعر صرف الدولار مع الاخذ بالحسبان طبعًا مفاعيل هذه الزيادة على حجم الاستهلاك لجهة انخفاض حجم الاستهلاك بعد رفع الاسعار.
بشأن سعر صرف الدولار الرسمي فقد نصّت المادة 18 من المرسوم الرقم 7308 تاريخ 28 كانون الثاني 2002 والمتعلق بأساس فرض الضريبة على القيمة المضافة على التالي: «في حال كان ثمن الخدمة أو المال محدداً بعملة أجنبية، ومن أجل احتساب أساس فرض الضريبة، على الخاضع للضريبة أن يحول هذا المبلغ إلى الليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف الرسمي المعتمد بتاريخ إتمام عملية تسليم المال أو تقديم الخدمة». وهكذا يُفهم من هذا النص وجود سعر صرف رسمي يتوجب اعتماده من أجل احتساب الضريبة واستيفائها بالعملة اللبنانية.
وفقًا لقانون النقد والتسليف الباب الأول – النقد المادة الثانية ” يحدد القانون قيمة الليرة اللبنانية بالذهب الخالص “، لكن لم يصدر قانون يحدد قيمة الليرة اللبنانية بوزن ثابت من الذهب، وقد أصبح الأمر في منتهى الصعوبة الآن بسبب تطور النظام النقدي العالمي وصدر لاحقًا عدة قرارات من مجلس الوزراء وفي عدة مناسبات لتحديد سعر الصرف الرسمي ولكن هذا الامر استمر فقط لغاية العام 1979 وبعد هذا العام لم يصدر أي قرار سواء عن مجلس الوزراء أو مجلس النواب أي سعر رسمي للدولار . حتّى عام 1982، بقي سعر الدولار أقل من 5 ليرات، ولكن اعتباراً من عام 1983 بدأت سلسلة من الموجات التضخّمية والمضاربات على سعر الليرة، فارتفع سعر الدولار من 5.50 ليرات إلى 2850 ليرة في آب/ أغسطس عام 1992، أي أنه ارتفع 518 مرّة في أقل من 10 سنوات .
مّ تثبيت سعر صرف الليرة الاسمي إزاء الدولار الأميركي اعتباراً من أواخر عام 1998، ومنذ ذلك الحين بقي السعر الرسمي الوسطي مُحدّداً بـ1507.50 ليرة من دون أي تغيير . لذلك اليوم من السهولة الطعن في أي سعر يعتمده مصرف لبنان على اعتبار ان كل الاسعار المعتمدة اليوم لم يصدر بها لا قانون ولا مرسوم أو حتى قرار من وزير المال.
لكن الملفت اليوم انه يتم الحديث عن سعر دولار جمركي وليس سعر صرف رسمي لليرة اللبنانية مقابل الدولار الاميركي، فهل إصدار قرار، قانون، أو مرسوم بتعديل الدولار الجمركي وفقًا لنفس الصفة سيتم تطبيقه على باقي المعاملات الرسمية ولا سيما الضريبة على القيمة المضافة، التخمينات العقارية، رسم الطابع المالي على العقود التي موضوعها او قيمتها بالعملات الصعبة، كل هذه التساؤلات اليوم هي تساؤلات مشروعة حتى لا نقع لاحقًا في أمكانية الطعن في هذه القرارات.
من جهة أخرى ماذا عن تعاميم مصرف لبنان وكيفية تسديد الودائع، لأن صدور قرار بتحديد سعر الصرف سواء الجمركي او الرسمي سيكون له مفاعيله على كل التعاميم والسحوبات من الحسابات بالعملات الصعبة حيث سيلزم هذا القرار دفع الودائع وفقًا لقانون الموجبات والعقود بالسعر الرسمي بالحد الادنى، وهذا سينعكس على حجم الكتلة النقدية في السوق وبشكل كبير .
نحن ننتظر القرار الذي سيصدر عن الحكومة بهذا الشأن، فهل سيتم تحديد سعر الدولار الجمركي ويكون بالوقت ذاته سعر الصرف الرسمي، أم سيتم الفصل ما بين سعر الدولار الجمركي والسعر الرسمي، علمًا ان من حدد سابقًا سعر الصرف الرسمي 1507.50 ليرة للدولار هو مصرف لبنان ولم يصدر أي قرار أو قانون يحدد هذا السعر وبالتالي هل سيترك لمصرف لبنان تحديد سعر الصرف الرسمي على أساس ان لبنان في الاساس يعتمد سعر الصرف العائم وان السوق الحر هو من يحدد هذا السعر، ولاحقًا مصرف لبنان خالف هذا التعويم بتثبيته والوصول بنا الى هذه الحالة من التضخم، هذا التضخم الكبير والهدر الكبير كان يمكن تفادي اكثر من تسعين بالمئة منه لو قام مصرف لبنان بتعويم سعر الصرف منذ البداية وبشكل تدريجي لأمتصاص حجم النفقات الضخمة في القطاع العام الناتج عن زيادة الرواتب وزيادة عدد العاملين من جهة، وتزايد الدين العام من جهة أخرى .