أوكرانيا في عقيدة بوتين: الإحياء الروسي
النص الكامل لتقدير الموقف الصادر عن مجموعة التفاكر في مركز دراسات الوحدة العربية
قبل الدخول في حساب الخسائر والارباح، وهل اسقطت العملية الروسية في اوكرانيا الاحادية القطبية ام لا،على فرض ان ذلك احد اهدافها المرجوة ،الا ان ما يطوف على السطح، هو السقوط المريع للهيبة الاميركية في شوارع “كييف “، والأداء المزري للادارة الاميركية، وانعدام خياراتها امام زحف روسي لا مناص منه الى قلب أوكرانيا. وبدا وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان ناعيا تلك الهيبة الممزقة، وهو يحذر الصين التي تتجه اليها الانظار “الا تؤخذ بما جرى في اكرانيا، وتفكر بغزو تايوان”.
وحتى لحظة اشعال محركات الدبابات الروسية،وانقضاضها على الشرق الاوكراني، ومنه الى كييف لاسقاط نظامها، كان الغرب والاميركيون يتجاهلون الدروس الكثيرة التي القيت على مسامعهم حول المخاطر التي سيتنكبها كل من قد يغامر بضم اوكرانيا الى خنادق الناتو، واحتمالات الحرب..
اوكرانيا بوابة روسيا الى اوروبا
فهذا “سرهي بلوخي” ابرز اساتذة التاريخ الاوكراني في جامعة هارفرد، يشرح ان أوكرانيا جيو-استراتيجيا بوابة روسيا الى اوروبا،والعمق الثقافي والديني وقلب الامبراطورية الروسية. ومع مشروع “الإحياء الروسي” الذي يقوده منذ عقدين فلاديمير بوتين، وعودة روسيا قوة عظمى مؤثرة في السياسة الدولية، احتلت اوكرانيا تلقائياً، صلب الاجندة الخارجية الروسية، ليس لإعادة ضمها الى روسيا،وانما لضمان عدم تحولها الى خاصرة رخوة لها، وملعبا للغرب ضدها .
وهكذا استشرف جورج كينان ما يجري على الجبهة الروسية الاوكرانية اليوم . ورغم كونه احد مهندسي الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي، وربما بسبب ذلك ،حذر كينان في ستينات القرن الماضي،من اي محاولة للتوسع شرقا مفضلا استراتيجية الاحتواء عن بعد كي لا تستفز موسكو وتجنح نحو خيارات عسكرية كالتي نشهدها اليوم. ويذهب جون ميرشايمر ،استاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، واحد اباء الواقعية السياسية ،نصيحة لم تلق صدى، بينما يصم الآذان في اوروبا قرع طبول الحرب،ان تتخلى الولايات المتحدة وحلفاؤها عن خطتهم “بتغريب” اوكرانيا مستحسنا تحويلها الى منطقة عازلة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا.
لكن كل تلك التحذيرات سقطت امام اغراء التقدم شرقا ومواصلة تطويق روسيا “بالناتو” ولا سيما اوكرانيا، والنفاذ منها الى روسيا، وتفكيك عرى التنوع العرقي والديني الروسي ،الى دويلات كما اصاب يوغوسلافيا .اذ لا تزال كل وثائق الامن الاميركي، الاستراتيجي، والنووي،الصادرة خلال العقد الماضي،تعد روسيا التهديد الاستراتيجي والعسكري الاول لهيمنة القوة الاميركية على النظام العالمي، وفي صلبها عقيدة فلاديمير بوتين، واوكرانيا ساحة المواجهة الاخيرة قبل الوصول الى الساحة الحمراء.
اوكرانيا في عقيدة بوتين
تقع اوكرانيا في صلب عقيدة الرئيس فلاديمير بوتين التي يرى فيها وحدة تاريخية بين روسيا واوكرانيا. ففي دراسة من خمسة الاف كلمة وجهها الى القوات المسلحة الروسية، راى آنه على روسيا ان تعمل لكي تكون قوة عظمى، كما كان عليه الحال زمن السوفيات، وان تشارك في جميع القرارات الدولية، وان تعيد تشكيل تحالفات عبر المحيط الاطلسي، اي ابعد بكثير من اوراسيا التي تعد قدس اقداس التفكير الاستراتيجي الروسي.
وليست المطالب الروسية التي بات يدور فيها النقاش على حافة الحرب مع الولايات المتحدة والغرب بجديدة، اذ تضمنت العقيدة البوتينية في وثيقته ضرورة الا تتحول اوكرانيا الى قاعدة لحلف شمال الاطلسي، وضرورة انسحاب قوات الحلف من شرق اوروبا في الطوق السوفياتي القديم، والتزام فنلندا والسويد بالحياد . وهي مطالب تمنح بوتين حق الفيتو في السياسات الخارجية لهذه الدول، حفاظا على مصالح روسيا، في مجالها الحيوي التاريخي .
على الجبهة الاوكرانية تحضر ايضا عقيدة الرئيس الاميركي جو بايدن التي تندرج كلها في سياق التفرغ للصين، دون اغفال عملية توسيع الناتو في اوروبا . وترك الانسحاب الاميركي من افغانستان، كرة مشتعلة بين ايدي جيرانها من خصومه، في الصين وروسيا وايران، رغم انقلابه الى هزيمة بعد المشهد المذل والفوضوي لهروب القوة الاميركية فوق مدارج مطار كابول.يندرج هذا الانسحاب كما اراده بايدن في اطار استراتيجية “اعادة التخندق”لمواجهة التحدي الصيني في شرق اسيا.
ومع اشتعال الازمة الاوكرانية باتت ادارة بايدن وعقيدتها تواجه تحديين:احتواء الصين في شرق آسيا،ومواصلة دفع روسيا بعيدا خلف اسوار الطوق السوفييتي القديم،بعد هدنة غير مقنعة معها بتجديد معاهدة نيو ستارت لتحييدها عن الصين ،وضم المزيد من بلدانه في حلف شمال الأطلسي، تطبيقا لنصيحة بريجنسكي “اذا اردنا التخلص من روسيا علينا ان نفصلها عن اوكرانيا”.
والارجح اليوم ان هذه النصيحة، غلبت على ما عداها من التحذيرات، رغم اعتراض فرنسا والمانيا وايطاليا عام ٢٠٠٨ على ضم اوكرانيا الى الناتو، وتحويلها كما بولندا وتشيكيا، الى خطوط الهجوم الاميركي الاولى ضد روسيا، ونشر منصات الصواريخ المضادة للصواريخ فيها، مع ضبط الانتشار ما دون تسليحها نوويا خوفا من اندلاع اي هجوم نووي يهددها بضربة ثانية في عقر دارها.
تغليب الخيار الجيواستراتيجي على المصالح الاقتصادية.
بين الروس بوضوح في مناورتهم في الدونباس ومنذ بداية الازمة تغليبهم في المواجهة الحالية الخيار الجيواستراتيجي على اي خيار اخر رغم كلفته العالية ،فاسقطوا العامل الاقتصادي الضاغط والعقوبات المحتملة من حسابات المواجهة الحالية، من اجل استغلال النافذة الاستراتيجية التي لا تزال مفتوحة امام العمل العسكري، قبل ان تنضم اوكرانيا مستقبلا الى الناتو، وتصبح تحت مظلته النووية، ويفوت وقت العمل .
اختبر الروس حدود الرد الغربي، عدة مرات في السنوات الماضية قبل ان يذهبوا الى الجبهة الاوكرانية، وهو رد لم يذهب بعيدا وافشلوا كل الخطط الاستباقية الاميركية لردع روسيا بالتهديد بالعقوبات الذي لم يثنهم عن ضم الدونباس، ومن ثم اجتياح اوكرانيا باسرها . وهكذالم تشهد العقوبات الاقتصادية قفزة نوعية بحجم التحرك الروسي، حتى الان .
ووجه الضم، والاجتياح بالاكتفاء بعقوبات اقتصادية منفصلة ستضاف فيما بعد الى لائحة “اعددناها مع حلفائنا وشركائنا تنتظر روسيا اذا ما غزت اوكرانيا” كما قالت ناطقة البيت الابيض جين بساكي .
وكان المصرف المركزي الروسي قد اعاد تكوين احتياطياته ما بعد فرض العقوبات عام ٢٠١٤، ورفعها الى ٦٧٠ مليار دولار تمنح فلاديمير بوتين الوقت الكافي والادوات اللازمة لحجب اثار العقوبات عن الجمهور الروسي ومواصلة خيار المواجهة داخليا.وارفق ذلك بالتعهدات الصينية بشراء الكميات الاضافية من الغاز الروسي،اذا ما ادت العقوبات الى تقليص حصة روسيا في الاسواق، وتقديم الصين تغطية سياسية واقتصادية كاملة للعملية كما يتضح في البيان المشترك الصيني الروسي، الذي يعد احد اركان العملية الحالية .
ولعبت ازمة العلاقات الاميركية السعودية دورا كبيرا في تحييد سلاح اغراق الاسواق العالمية بالنفط الذي شهرته الولايات المتحدة بالتفاهم مع الرياض بعد ازمة القرم، لحرمان روسيا من عائداته، وموافقتها على تمديد اتفاق “اوبيك بلوس”، بخفض الكميات المعروضة من النفط والحفاظ على سعر مرتفع في الاسواق لامس ال١٠٠ دولار.وتوجد مؤشرات كثيرة توحي ان الولايات المتحدة حاولت استباق العملية في اوكرانيا، وتحرير اوروبا من ادمانها على الغاز الروسي، لبث روح المواجهة فيها مع فلاديمير بوتين والاستغناء عن الغاز الروسي كليا او جزئيا. وهكذا لم يبادل القطريون ترفيعهم في البيت الابيض الى مصاف الحليف من خارج الناتو بأي وعود بتزويد اوروبا بالغاز المسال، نظرا لاعتمادهم على بيع انتاجهم بعقود على المدى الطويل، وصعوبة الغائها.فيما اخفقت محاولة الولايات المتحدة التفاوض مع شركات توتال وايني في الجزائر ودول اخرى لتكوين كارتل غاز قادر على تعويض اوروبا عن الغار الروسي،بسبب انخفاض الاحتياطي الجزائري .
وفي هذا الاطار ايضا يمكن وضع السعي الاميركي المستجد لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، والضغوط على لبنان للقبول بالخريطة الاميركية الاسرائيلية ،وتفعيل شبكة غاز منتدى شرق المتوسط، وربط اوروبا بها مستقبلا لتعويضها عن فقدان كميات من الغاز الروسي .
حدود العقوبات المفترضة
راكمت الادارة الاميركية الكثير من مؤشرات التراجع في مواجهة روسيا في اوكرانيا.ففي ساحات اخرى سبقتها كما في القرم، لما تؤدي العقوبات الاميركية الى زحزحة الروس عن موقفهم، رغم ان روسيا تتعرض الى عقوبات هي الثانية من حيث الشدة، فيما يلي ايران على لائحة الدول التي تتعرض لحرب العقوبات الاقتصادية الاميركية والاوروبية. ولم تتعرض الحرب السيبرانية التي تشنها روسيا على المواقع الاميركية او تدخلها بالانتخابات الاميركية الى رد متناسب . ولم يتحول المعارض “الكسي نافالني” الذي زرعته الولايات المتحدة عبر منظمات المجتمع المدني، والاعلام الغربي الى لغم متفجر في روسيا، وتم تحييده دون اي رد اوروبي او اميركي يعتد به.
اما العودة الى لعب دور القوة العظمى عبر دبلوماسية “الانابيب” فحقق تقدما كبيرا في تركيا عبر “السيل الجنوبي”، وفي البلطيق الى المانيا واوروبا عبر ” السيل الشمالي”. وهي كلها استراتيجية ادت الى المزيد من الادمان الغربي على الغاز الروسي الذي يشكل ٤٠ في المئة من وجبات الاقتصاد الاوروبي برمته،دون ان تلوح بارقة شفاء منه. والارجح ان اوروبا تعاني تجاه روسيا من عارض ستوكهولم . اذ تناضل ايطاليا نفسه من اجل منع اي عقوبات على روسيا،او إخراجها من نظام سويفت العالمي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، كما ان البنك المركزي الاوربي لن يكون في موقع سهل لادارة المبادلات باليورو مع روسيا، لذلك تعارض رئيسته “كريستين لاغارد” اي عقوبات مالية على روسيا ستطال الشركات الاوروبية الكبرى، وتؤدي الى تباطؤ الاقتصاد الاوربي، في مرحلة لا يزال يعاني فيها،من فوَضى خطوط الاستيراد وامدادات المواد الاولية في سياق ازمة “الكوفيد ١٩” ،والتضخم وارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية.
ورغم تراجع الروبل امام الدولار،الذي لا يزال سلاح الولايات المتحدة الأمضى، الا ان فعالية هذا السلاح قد تكون محدودة في الحالة الروسية، بسبب عزلة الروبل عن النظام النقدي العالمي، وعدم حمل المصرف المركزي الروسي لاي سندات خزينة اميركية،ووطنية النظام المصرفي الروسي بالكامل الذي لا يحمل استثمارات اجنبية، وهيمنة المجمع الصناعي العسكري على القطاعات الاستراتيجية في النفط والغاز، وحتى رغبة بعض النخب الروسية، بالعقوبات لاستكمال الانفصال مع الغرب .
فاجأ الكثيرين وصول فيكتور شويغو، وزير الدفاع الروسي، الى دمشق ،في ذروة الازمة الاوكرانية . لكن سوريا بفعل الانتشار الروسي،باتت مرشحة للتحول من” دار نصرة” للروسي الى “دار قتال”فيما لو تطورت الازمة الى صراع مسلح مفتوح. ادت العقوبات الاميركية بعد ضم القرم الى تاخير الخطط الروسية لاعادة بناء الاسطول الخامس “السوفياتي” العامل في المتوسط قبل نهاية ٢٠٢٠، مما زاد اعتماد الروس بشكل اكبر على سوريا، وقواعد حميميم وطرطوس التي تتمركز فيها بعض سفن اسطول البحر الاسود. لا يملك الروس قوة منافسة للاسطول السادس او قطع الناتو البحرية في المتوسط، ويعتمدون بشكل واسع على انتشارهم في السواحل السورية، للابقاء على مضيق قبرص مفتوحا امام سفنهم، وحماية تحركاتهم باتجاه مضائق الدردنيل البوسفور، والبحر الاسود، والضغط على الجناح الجنوبي لحلف الشمال الاطلسي في حال نشوب نزاع مسلح في اوكرانيا .
وخلال الاسابيع الماضية رفع الاميركيون تواجدهم البحري قبالة السواحل السورية الى حاملة طائرات واثنتي عشرة مدمرة وطرادا . وحشد الروس في المنطقة غواصتين نوويتين، وطرادي”فارياغ” ” والماريشال اوستينوف” وعشر سفن بحرية تحمل صواريخ عابرة للقارات، وقامت بتوسيع مدارج قاعدة حميميم لتستقبل التوبوليف ٢٢ وميغ ٣١ القادرة على حمل صواريخ كينجال الفرط صوتية،لاختبارها في ظروف مختلفة عن روسيا.
وفي ظلال الازمة الاوكرانية تحولت سوريا الى اكبر البؤر المسلحة الروسية خارج مسارح العمليات الروسية المعتادة .
وفي هذا السياق بدأ الروس للمرة الاولى منذ اندلاع الحرب في سوريا، دوريات جوية مشتركة مع سلاح الجو السوري فوق الجولان، وعلى خط وقف اطلاق النار مع العدو الصهيوني، الذي يرى في ذلك تغييرا كبيرا في التفاهمات مع روسيا في سوريا،، والتي سمحت حتى الهجوم على مرفأ اللاذقية، بشن هجمات على مواقع محور المقاومة بتفهم روسي . وخلال الاسابيع الماضية ،بدأ الاسرائيايون يشعرون ان روسيا اذا ما خرجت منتصرة من الازمة الاوكرانية، ستكون اقوى على المسرح السوري، وستحد من فاعلية عملياتهم فيها.
اي سيناريو للخروج من الازمة بعد اجتياح اوكرانيا
لم يفاجأ السقوط السريع للجيش الاوكراني ،امام الهجوم الروسي الخبراء العسكريين، فخلال ٤٨ ساعة استطاع الروس تدمير القواعد الجوية، وشبكات الدفاع الجوي ،وقاموا بإنزالين بحريين في ماريوبول اوديسا على البحر الاسود، لوصل شبه جزيرة القرم بارضهم، والسيطرة على سواحل البحر الاسود ومنع اساطيل الناتو من الاتصال بحريا باوكرانيا، فضلا عن استنفار قوات الردع الاستراتيجي الذي يعني التلويح بالنووي الروسي واسقاط احتمالات اي حرب شاملة او تدخل عسكري للناتو في اوكرانيا نفسها. ودخلوا كييف بحثا عن الرئيس وحكومته.وتم تدمير مستودعات الصواريخ الاستراتيجية في “خاركيف” في موجة الغارات الاولى.
واذا لم تتضح حتى الان ما اذا كان الرئيس فلاديمير بوتين، وحتى خصومه في الولايات في الغرب يملكون مفاتيح خطة الخروج من المواجهة في اوكرانيا،الا انه من الممكن التحدث، على ضوء رفض الولايات المتحدة والغرب تقديم الضمانات لروسيا بتحييد اوكرانيا، وعدم ضمها الى الناتو، يمكن ايراد عن فرضيتين على الاقل كي لاتتحول اوكرانيا الى مستنقع افغاني لروسيا لاستنزافها أقتصاديا وعسكريا، وعدم الانزلاق الى حرب طويلة لا يمكن التحكم بمالآتها في موسكو .
السيناريو الاول يفترض تحييد عناصر الميليشيات اليمينية والنازية التي نمت بقوة بعد اسقاط حكومة فيكتور يانوكوفيتش المقربة من الروس عام ٢٠١٤، وهي ميليشيات تلقت اسلحة غربية كثيرة، تحت ستار تسليح الجيش. وهي اسلحة كلها مخصصة لخوض حرب عصابات اكثر منها اسلحة تقليدية، كصواريخ جافلين الاميركية المضادة للدبابات، او صواريخ ستينغر المضادة للطائرات، وصواريخ بريطانية مضادة للدروع .
كما شهدت نداءات غربية كثيرة لا سيما في بريطانيا والدانمرك، لفتح الباب امام “الجهاد الاوكراني ” لمن يرغب من عناصر اليمين المتطرف والمجموعات النازية والفاشية الاوروبية للانضمام الى شقيقاتها الاوكرانية .
كما يفترض هذا السيناريو اقامة حكومة مؤيدة لروسيا في “كييف”، وهو سيناريو مكلف اقتصاديا لروسيا، يطيل امد حرب اهلية في اوكرانيا، ويترتب عليه توفير دعم مالي وعسكري كبير في ظل تطور العقوبات المحتملة على روس، يستنزفها دون نهاية .
اما السيناريو الثاني والاوفر عسكريا واستراتيجيا، فهو احتمال ان تنسحب القوات الروسية نحو المناطق التي تقطنها الاقليات الروسية في الشرق، وعلى سواحل البحر الاسود، وتقسيم اوكرانيا، بين مناطق مؤيدة للروس، واخرى للغرب، وتحويل اوكرانيا الى دولة منكوبة وفاشلة، وادامة الحرب فيها، والضغط على اوروبا بزعزعة استقرار دول الناتو في الشرق التي تحد اوكرانيا، وتشيكيا وبولندا، ورومانيا، التي بدأت تشهد نزوحا كثيفا للاوكرانيين، وسينتقل بموجبه، حسب التوقعات، نحو ٥ ملايين اوكرانيا الى قلب اوروبا.
الى اين يذهب النظام العالمي
اما مصير النظام العالمي الحالي والصدوع التي اصابت الهيمنة الاميركية فيه، والجروح الدامية التي اصابت هيبة الولايات المتحدة، فيرتبط ببلورة تعددية قطبية وانتقالها من طور الوجود بالفعل، الى وجود بالقوة، وانتصار الروس كليا في اوكرانيا، وافتتاح عصر الهزائم في قلب اوروبا للولايات المتحدة . وهي عملية مديدة لا تزال تحتاج الى مزيد من تشتيت قوى الغرب، وتوتير الشرق الاوروبي .وستزداد الكلفة الاقتصادية غربيا ،اذا ما لجأ الروس الى قلب الطاولة على الجميع، ووقف ضخ الغاز في شرايين الاقتصاد الاوروبي، فضلا عن تحول اوكرانيا الى عبء امني ومالي وسياسي، اذا ما طالت الازمة وطوابير الهاربين من الجحيم الأوكراني الى اوروبا. ومن المبكر القول على اي صورة سيرسو النظام العالمي، اذ لا تزال الولايات المتحدة قوية، وقادرة على توجيه ضربات اقتصادية قوية لروسيا.