الأردن كما نريد .. بحجم الإرادة والإدارة | بقلم د. عبدالسلام النابلسي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
جائحة نشرت الذعر في ارجاء المعمورة، غيرت الكثير من سلوك وعادات العالم، الحقت اضرارًا ما زال أثرها قائمًا، وما زالت تراود نفسها لأن تفتك بالبشرية من جديد.
وفي الوقت الذي نحاول فيه التعافي من آثار اغلاقات الجائحة اشتعلت الحرب في شرق القارة الأوروبية، معلنة عن أزمة غذاء قد تصل حد المجاعة في بعض الدول، وأزمة طاقة وتضخم في أسعار السلع أحدث ارباكًا عالميًا على كافة المستويات، فتعالت صيحات المستهلكين في مختلف أنحاء العالم معلنة عدم قدرتهم على الحفاظ على مستويات المعيشة المعتادة.
ومن الجلي والواضح أن أمد الحرب قد يطول والرد الروسي على العقوبات التي فرضت عليه سيزداد تصعيدًا، الأمر الذي ينذر بكارثة اقتصادية في القارة العجوز بسبب توقف أو تراجع الصناعات المختلفة نتيجة لتراجع امدادات الغاز الروسي لأوروبا، ما قد يخلق بطالة لم تكن بالحسبان في شركات ومؤسسات سلاسل التوريد، وركودا يمزق أوصال قطاعات عديدة في اوروبا وقد يمتد عبر الشركات متعددة الجنسيات الى دول أخرى بسبب طبيعة عملها وانتاجها المشترك.
ومن التداعيات التي تؤثر علينا بشكل مباشر: ارتفاع كلفة المعيشة وارتفاع أسعار السلع والخدمات وارتفاع أسعار المشتقات النفطية إلى أرقام قياسية وارتفاع كلفة الاقتراض بسبب ارتفاع أسعار الفائدة في محاولة من الحكومة لكبح جماح التضخم، وهذا بالإضافة الى تدني مخصصات الأردن من الدعم المالي للبرامج الانسانية والتنموية؛ نتيجة لتوجه العديد من الدول المانحة لسد ما خلقته أزمة اللجوء الأوكراني إلى دول الجوار الأوروبي من احتياجات طارئة، الأمر الذي يحتم إعادة جدولة البرامج والخطط بما لا يزيد الضغط على موازنة الدولة ولا يؤثر على الحقوق الاساسية لكل من المواطنين واللاجئين على حد سواء.
كما أن ارتفاع كلف الانتاج الصناعي والزراعي الأوروبي على وجه الخصوص ، سيثقل كاهل المستهلك المحلي نظرًا لحجم وتنوع مستوردات المملكة من دول الاتحاد الأوروبي.
كما أن ارتفاع كلف شحن البضائع إلى أرقام فلكية يدفع بالتضخم في أسعار السلع إلى مستويات قياسية.
وما زالت قناعتي بأن القادم أعظم….. وأن القيمة ستكون للغذاء وليس للمال….. وبأن الاحتياط واجب . وعلينا أن ندرس كل السيناريوهات لقادم الأيام، لنجد أن الفرصة مواتية اليوم لقبول هذه التحديات ، وتوجيه البوصلة نحو النهضة الحقيقية المرجوة.
ولا يخف على أحد أن هذه النهضة الحقيقية للاقتصاد الوطني لن ترى النور من دون بذل جهود مكثفة لتمهيد الطريق للمستثمرين المحليين والدوليين، من خلال خلق البيئة الاستثمارية الملائمة وتقديم الامتيازات والدعم للصناعات القائمة وكافة أوجه المشاريع القادمة في شتى المجالات خصوصًا ما يرتبط منها بالاقتصاد الزراعي والصناعات الغذائية علمًا اننا نمتلك بنية تحتية جيدة لضمان تدفق المشاريع الدولية.
ومن الأدوات الممكن اتباعها لتحقيق هذه الغايات برنامج إصلاحات هيكلية وتشريعية للبيئة الاستثمارية يتمركز على محوري تعظيم العائدات الصناعية، والزراعية، وعائدات قطاعي تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، بالإضافة إلى الاهتمام بكفاءة رأس المال البشري وتطويره وجذبه للعمل من خلال خلق بيئة آمنة، تضمن له مستوى عيش لائق.
علينا اليوم أن ننتقل من مرحلة التخطيط لمرحلة التنفيذ، فالخطط الموجودة، وآخرها رؤية التحديث الاقتصادي، كفيلة بتحقيق المأمول إن توفرت الإرادة الصادقة والإدارة الحصيفة الفاعلة.
فكما انتصرت إرادتنا في تجارب سابقة في النهوض بالأردن في أحلك الأوقات وأصعب الظروف، فإننا اليوم بأمس الحاجة لاستنهاض هذه الإرادة الصادقة الموجهة لوطن نحيا ونموت من أجله، والمدفوعة بطموح أن ينعم كل مقيم على أراضي المملكة بحياة كريمة عنوانها حقوق وحريات مصانة، ومتطلبات عيش كريم مؤمنة، وعدالة في الوصول إلى خدمات أفضل.
وأما الإدارة، فلا بد أن يكون نهجها قائمًا على التقييم الموضوعي والمعلومة الدقيقة والتوجيه والتنظيم والإصلاح والتطوير وبناء الثقة وتعظيم الشراكة مع القطاع الخاص وتطبيق السياسة العامة للدولة من أجل تحقيق الأهداف المحددة في ظل المحافظة على القانون وتطبيق العدل والنظام دون محاباة أو مواربة.