الشرق الأوسط بنسخة 2022: التسوية الممكنة | كتب البروفسور بيار الخوري
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
بقدر ما يتّفق المعنيون بشؤون المنطقة والمُحلّلون الاستراتيجيون، على اختلاف مشاربهم، حول المخاطر العظيمة التي تشي بها توقّعات العام المقبل ومقدماته هذا العام في احتدام الصراع حول اقتسام الشرق الأوسط بين القوى العظمى والقوى الإقليمية ذات الشأن، فإن هذه المنطقة من العالم تبدو أنها تتجه بالقدر نفسه إلى حلٍّ ما.
هل يشهد العام 2022 حلًّا لأزمات الشرق الأوسط المُعقّدة والتي تتكثّف في ثناياها معظم الصراعات الدولية؟
أجزُمُ أن لا أحد يملك جوابًا شافيًا عن هذا السؤال، لكن الأكيد أن العام الجديد مُرشَّحٌ لأن يَضَعَ اللبنة أو الأُسس لحلٍّ مُستدام في الشرق الاوسط إذا ما استطاعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تفكيك المُتَبَقّي من الألغام التي وضعها سلفه، دونالد ترامب، في وجه الاتفاق الدولي مع إيران حين سعى الى اتفاق إيراني-أميركي مُنفرد من خلال حملة الضغط الأقصى التي مارسها علي دولة آيات الله.
مهما قيل عن العراقيل والعقبات التي تعترض الآن مسار مفاوضات “5 + 1” مع إيران في فيينا حول الاتفاق النووي، فإن هذا التفاوض يسير إلى الأمام، وبات حقيقة واقعة. التصريحات الإيرانية التي عادة ما تُركّز على نقاط الاختلاف واستعراض القوة، صارت تُركّز راهنًا على المسار واحتمالات الاتفاق.
الجانب العالق أساسًا في التفاوض طابعه إقليمي، مُتّصِلٌ بمحاذير كلٍّ من الدولة العبرية من ناحية والمملكة العربية السعودية من ناحية أخرى، على عدم انتاج اتفاق لا يُراعي مصالح وهواجس كلٍّ منهما.
إن المراقب لما يحصل الآن بين الجمهورية الإسلامية والمملكة العربية السعودية لا بدّ أن يستنتجَ أن الأجواءَ بين البلدين قد أصبحت اجواءَ تفاوض لا أجواء استعداء. وهذا أيضًا سياقٌ يفرضه تقدّم التفاوض الدولي على علاقه إيران بالمجتمع الدولي وشركائها الإقليميين.
من المنطقي القول أن المشكلة بين الرياض وطهران مهما عظمت، تبقى أدنى مستوى من التعقيدات والتناقضات التي تعتري العلاقات بين إيران والدولة العبرية. رُغم ذلك، هناك إشارات إلى أن تلك العلاقات قد بدأت تخرج من اطار خطاب “تسوية إسرائيل بالأرض” أو خطاب “القضاء على نظام الملالي في طهران”.
رئيس جمهورية إيران، إبراهيم رئيسي، يتحدّث اليوم بلهجة مختلفة عن تلك التي كان يتحدث بها محمود أحمدي نجاد، يوم كان رئيسًا، في خطاب تسوية إسرائيل بالأرض. يتحدّث رئيسي عن إسرائيل التي يجب ان تتحوّل إلى دولةٍ مُتعدّدة الديانات، وهذا ليس تفصيلًا في الموقف الإيراني، كما لا يجب ان يغيب عن بالنا أن رئيسي، هو الشخص المُقرّب جدًّا من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية والمُرشّح لخلافته، على عكس الرئيس السابق حسن روحاني.
في إسرائيل هناك اليوم أصواتٌ علنية تدعو الى التعايش مع إيران النووية، كما أن معظم الخطاب الإسرائيلي يدور حول ما يسمونه الأذرع (“حزب الله”، حركة الحوثي، الحشد الشعبي) وليس إيران بالتحديد.
فما الذي يعنيه ذلك؟ لا يمكن فهم العلاقات المُتغيّرة في المنطقة بمعزل عن المقاربة الديبلوماسية الإماراتية الجديدة، وهي الدولة التي وقعت على اتفاقية أبراهام مع إسرائيل في العام الماضي، ووقعت منذ اسابيع اتفاقية تعاون استراتيجي مع الجمهورية الإسلامية. والإمارات هي الشريك القوي للمملكة العربية السعودية في مجلس التعاون الخليجي، وهي الدولة التي تقود اليوم مبادرة الانفتاح العربي على سوريا. الإمارات أيضًا هي الدولة التي أعادت أخيرًا تنظيم علاقاتها مع القيادة الأردوغانية في أنقره.
ما يجري في المنطقة من خلال الدور الإماراتي يشي بأن الإمارات تلعب دورًا شبيهًا بالأمانة العامة للأمم المتحدة ولكن على مستوى الشرق الأوسط، وبدون مجلس أمن إقليمي، ولا جمعية عامة شرق أوسطية. إذ حتى لو لم تنتهِ العداوة بين الجمهورية الإسلامية والدولة العبرية، فالشرق الاوسط مضطر الآن للسير إلى الامام.
إن أهمية الشرق الأوسط بالنسبة إلى الاستثمارات العالمية، خصوصًا بعد الخسائر التي لحقت بالاقتصاد العالمي نتيجة جائحة كورونا، تدفع كل الأطراف الى التعاون في سبيل تسهيل تدفق الاستثمارات العالمية الى المنطقة. وفي النهاية حتى لو كنا أمام شراكة أعداء، فتلك الشراكة ممكنة على قاعدة المصالح في ظل الدول الست الكبرى التي تفاوض طهران.
كيف سيتم هذا الأمر؟ ومن خلال أيّ آليات بعد الانتهاء من انجاز الاتفاق النووي؟ هذا ما ستقوله سنة 2022. هل نتجه إلى مجلس أمن شرق أوسطي يُنظّم العلاقة بين الأعداء، وهم أعداءٌ ضمن آلية تضمن تقاسم المصالح والحصص؟ أم نبقى مع ذلك الوضع الضبابي الذي يديره وسيطٌ مُفوَّض ومقبول لدى الجميع كما تفعل دولة الإمارات؟ هذا حدٌّ أدنى، وذاك حدٌّ أقصى، وبينهما الكثير من السيناريوهات المُحتملة.
سيناريو واحد على العالم ان يتّحِد لمنعه هو سيناريو الحرب.
لكنهم قد يجدون في الحرب خلاصا لمشاكلهم ،هذا ما يراه صقور الحرب في الجانبين ،الذين يرتكزون في ذلك الى عقيدة دينية للخلاص وللاستقرار بعد ذلك ..
وربما تدفع مصالح اخرى الى سيناريو الحرب (لا سامح الله) من اجل انعاش الشركات الكبرى التي تتداخل فيها الصناعات ،وربما يكون الاعمار بعد التدمير المفترض
رؤية تفاؤلية مطلوبة د خوري
بوركتم