قول توماس كويني، المدير العام للاتحاد الدولي لرابطات صانعي المستحضرات الصيدلانية، إن إمكانية الوصول بلا قيود إلى العوامل الممرضة من شأنها أن تساعد العالم على التأهب للمتحورات الجديدة والجوائح المستقبلية.
قبل ظهور وباء كوفيد-19، كان الخبراء وحدهم يعرفون معنى “تسلسل المجين” (المجموع المُورّثي). وقد تغير هذا الوضع عندما سارع العلماء في الصين إلى مشاركة المعلومات الخاصة بمجين الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19 في أوائل عام 2020. وفي الآونة الأخيرة، اكتشف علماء من بوتسوانا وجنوب أفريقيا المتحور B.1.1.529، المعروف باسم أوميكرون.
وكلنا متفقون الآن على أهمية الإسراع في مشاركة المعلومات المجينية والأثر الذي يمكن أن يتركه ذلك في مساعدتنا على التصدي للجائحة الحالية وأي جائحة مستقبلية محتملة. وبينما تتفاوض الحكومات على التفاصيل المتعلقة بوضع صك عالمي جديد بغرض تحسين الطريقة التي ينبغي للعالم فيها أن يستعد للجوائح المستقبلية ويتصدى لها، من المهم التيقن من أن الحكومات تأخذ بالاعتبار الدور الذي يؤديه اتفاق آخر، قلما يُعرف أو يُفهم، هو بروتوكول ناغويا.
ويُقصد من هذا البروتوكول تقديم الإرشادات بشأن الحصول على الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها، بما في ذلك الموارد الجينية الخاصة بالنباتات والحيوانات والكائنات المجهرية. ويمكن استخدامه بغرض منع الوصول إلى العوامل الممرضة المميتة ذات الأهمية البالغة للبحوث، وقد استخدم لهذا الغرض بالفعل. وعلى الرغم من أننا نريد جميعاً حماية التنوع البيولوجي للأرض، لا أحد يريد “الحفاظ” على العوامل الممرضة والبكتيريا الخطيرة، لا بل بالأحرى نريد القضاء عليها.
وفي حالة فيروس كورونا، كنا محظوظين لغاية الآن بوجود مثل هذا التعاون الاستثنائي في تبادل المعلومات المتعلقة بالعوامل الممرضة، ولكن لا شيء يضمن أن يستمر هذا التعاون إلى الأبد. وقد تمتنع بعض البلدان عن مشاركة المعلومات الخاصة بالعوامل الممرضة وتسلسلها الجيني، حارمة بذلك العلماء العاملين في الشركات ومؤسسات البحث العامة من الحصول على البيانات الجينية والعينات المادية.
رفض مشاركة المعلومات الخاصة بالعوامل المُمرضة
تلك ليست نداءات استغاثة كاذبة على الإطلاق. فصحيح أن بروتوكول ناغويا يضم مادة بشأن إيلاء الاعتبار الواجب لحالات الطوارئ الصحية، إلا أن هذا ليس كافياً. إذ رفضت عدة حكومات مشاركة المعلومات الخاصة بالعوامل الممرضة في السنوات الأخيرة. وفي السنوات الثلاث الماضية وحدها، تأخر نشر بيانات عن أكثر من 30 سلالة مختلفة من سلالات الإنفلونزا.
وقبل حوالي عقد من الزمان، أكدت المملكة العربية السعودية على حقوقها بالاحتفاظ بالمعلومات المتعلقة بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، مما أدى إلى تأخير الجهود الرامية إلى تتبع المرض وتقييم المخاطر المرتبطة به. وقد حدثت تأخيرات مماثلة عند ظهور وباء الإيبولا (في غرب أفريقيا) والإنفلونزا (في فيتنام وإندونيسيا وغيرها من البلدان). وتؤكد بلدان شتى مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وماليزيا أن البروتوكول ينطبق على المعلومات المستمدة من الموارد الجينية، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالتسلسل الرقمي.
وعلى كل حال، ذلك انحراف محتمل وفعلي عن الأساس المنطقي الحسن النية الكامن وراء اتفاقية التنوع البيولوجي وبروتوكول ناغويا نفسه. ولن يتمكن العلماء من وضع تدابير طبية مضادة دون إتاحة الوصول المفتوح إلى معلومات العوامل الممرضة وتسلسلها. فالفيروس القاتل الذي لا يعرف أية حدود لا يمكن أن يصنف بوصفه مورداً وطنياً يتوجب الحفاظ على تنوعه البيولوجي. ولم يكن الغرض من البروتوكول تعريض حياة الناس للخطر من خلال شكل مضلل من أشكال النزعة الحمائية المفروضة على العوامل الممرضة.
وذكر بيتر بوغنر، مؤسس المبادرة العالمية لتبادل جميع بيانات الإنفلونزا، وهي المنصة العامة التي يستخدمها العلماء لإطلاع العالم على المعلومات عن المجينات المكتشفة بسرعة، قائلاً إن بروتوكول ناغويا “كان موجهاً نحو أهداف مختلفة كلياً عن هدف تبادل المعلومات الخاصة بالعوامل الممرضة في سبيل الحفاظ على الصحة العامة والاستجابة لحالات الطوارئ”.
والآن بعد أن أصبح وزراء الصحة على المحك وبات التأهب للجائحة يحظى بالاهتمام على أعلى المستويات، يمكننا أخيراً أن نأمل في معالجة سوء التنفيذ المحتمل لبروتوكول ناغويا الذي صيغ مع مراعاة تحقيق هدف بيئي.
مواجهة أوميكرون
لقد سارعت شركات الأدوية البيولوجية إلى العمل الحثيث بغية التصدي لمتحور أوميكرون، على غرار ما فعلت فيما يتعلق بمتحورات فيروس كورونا السابقة. فهي تعمل بسرعة واجتهاد لتحديد كيف يمكن لاحتياطنا الحالي من اللقاحات أن يتصدى للمتحور الأخير.
كما أن تلك الشركات تسعى إلى اكتشاف منصات تكنولوجية ولقاحات جديدة بغية مكافحة متحورات فيروس كورونا الجديدة المحتملة الظهور أو الفيروسات المجهولة. ونأمل أن تستمر لقاحات كوفيد-19 الحالية بتوفير حماية قوية من الاعتلال الشديد، بيد أننا على يقين أننا سنستمر باكتشاف متحورات أخرى تنطوي على مخاطر أكبر، مما يتطلب إنتاج لقاحات جديدة أو معدلة لمواجهة المتحورات.
لذا فمن المهم جداً أن تتناول المفاوضات الجارية بشأن الاتفاق الجديد الخاص بالتأهب لمواجهة الجوائح، بصورة مباشرة، مسألة تعديل بروتوكول ناغويا أو على الأقل توضيحه. إذ من مصلحتنا جميعاً أن نحظى بيقين قانوني بشأن مشاركة المعلومات المتعلقة بالعوامل الممرضة. ويجب أن يُسن البروتوكول على نحو يتسق مع نظم الترصد والاستجابة التي يحترمها العلماء. ويتعين على الأوساط السياسية أن تدرك أن بعض المسائل التقنية المعقدة، التي تتناولها وزارات البيئة، بمقدورها أن تهدد أمننا الصحي العالمي.
المصدر: اضغط هنا