بحسب بايدن تمّ تصنيف قطر حليفةً رئيسيةً من خارج الناتو تقديرًا لمساعدتها التي لا مثيل لها والمستمرّة. وكانت أسباب هذا التصنيف الرئيسية هي العون الذي قدّمته خلال عمليات الإجلاء الأميركية في العام الماضي في أفغانستان، ومبادراتها ومساعيها في حرب غزّة، إذ عملت الدوحة بحسب البيت الأبيض حلقةَ وصلٍ ووسيطًا بين أميركا وطالبان وحماس.
لكنّ العلاقات بين الولايات المتحدة وقطر أعمق بكثير من التعاون الأخير بينهما، إذ يُعدّ التعاون الدفاعي أساس علاقتهما الثنائية القوية منذ أن قاتلت القوات القطرية مع القوات الأميركية في عام 1990 من أجل تحرير الكويت. فقطر هي شريك عسكري حاسم لأميركا في الشرق الأوسط، وكانتا قد جدّدتا في عام 2013 اتفاقية التعاون الدفاعي، ومدّتها عشر سنوات.
الدوحة هي أيضًا موطن لقاعدة “العديد” الجويّة الأميركية، وهي أكبر وأهمّ قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط ساهمت فيها بأكثر من 8 مليارات دولار في سبيل توسعتها، وتضمّ في جزء منها مقرّ القيادة المركزية الأميركية، بالإضافة إلى القيادة المركزية للقوات الجوية الأميركية، وقوة المهامّ المشتركة في سوريا، والجناح 379 المخصّص للرحلات الجوية الاستكشافية للقوات الجوية الأميركية. هذا ويتمركز أكثر من 13,000 عسكري أميركي في القاعدة، وتحوي أكثر من 100 طائرة، وهي تُعدّ بمنزلة منصّة انطلاق لعمليات ضدّ الإرهاب والتنظيمات الإرهابية.
إلى ذلك، فقد اختارت قطر بشكل متزايد الولايات المتحدة لتوفير التدريب لقواتها المسلّحة، واشترت معدّات دفاعية أميركية. ففي العام 2014 وقّعت قطر عقدًا بقيمة 11 مليار دولار لتزويد قطر بطائرات هليكوبتر هجومية من طراز أباتشي وأنظمة دفاع جوّي أخرى، وكانت قد وافقت أميركا في عام 2016 على بيعها 72 طائرة مقاتلة من طراز F-15QA لشريكها الخليجي في صفقة قيمتها 21.1 مليار دولار.
وكانت هناك مؤشّرات إلى أنّ قطر قد حصلت على هذه المكانة منذ العام 2020، من دون الإغفال أنّ الدوحة هي التي ساعدت الولايات المتحدة في بناء علاقات مع الأحزاب الإسلامية الجديدة الفائزة في الانتخابات في المنطقة، وكان لها دور استراتيجي مهمّ مع أميركا في مكافحة الإرهاب
الفوائد والآثار الأمنيّة لحالة الحليف الرئيسي من خارج الناتو
إنّ المقرّبين بشكل استثنائي من الولايات المتحدة هم الذين يحتفظون بعلاقات مهمّة وعميقة مع القوات الأميركية، ولا سيّما الذين ليسوا أعضاء في الناتو، على الرغم من أنّ تصنيفهم هذا لا يحتوي ضمانات الأمن والدفاع التي يتمتّع بها أعضاء حلف شمال الأطلسي (ما لم يتمّ تحديدها من خلال اتّفاق)، إلا أنّه دلالة قوية على التقارب بين أيّ دولة والولايات المتحدة.
فماذا يعني إدراج قطر في قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي؟
ستحصل قطر بموجبه على أفضليّة الوصول وبأولويّة الترجيح إلى تقنيات الفضاء العسكرية والتجارية التي ستخلق فرصًا تجارية بملايين الدولارات لشركات الدفاع القطرية لصيانة وإصلاح منصّات الأسلحة الأميركية.
في أفغانستان لا تزال قطر تعمل رسولًا بين الولايات المتّحدة وطالبان
تصف أميركا قطر بأنّها ركن مهمّ في الملفّ الأفغاني، فهي تضطلع بدور رئيسي من خلال رعايتها المصالح الأميركية فيها منذ الانسحاب الصادم للقوات الأميركية، ويمتدّ تقديمها المساعدات إلى واشنطن في أفغانستان على عهود ثلاث إدارات متتالية، وهي قد تمكّنت أيضًا من استئناف أوّل رحلة إجلاء من كابول، وواصلت في الوقت نفسه تقديم المساعدة للشعب الأفغاني من خلال إنشاء جسر جوّي يوفّر الإمدادات والمساعدات الإنسانية وموادّ الإغاثة. وتعكف قطر على تطوير بعض قطاعات الاقتصاد الأفغاني، وتزويد البلاد بالموادّ الخام، وتوفير المهنيين المهرة اللازمين. وكانت قد اتّفقت مع تركيا على تشغيل خمسة مطارات مشتركة في أفغانستان.
وأصبحت بصفتها رسولًا بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وطالبان، الممثّل الدبلوماسي للولايات المتحدة في أفغانستان.
الخليج الأخويّ والمنسجم
بعد مرور عام تقريبًا على قمّة العلا في المملكة العربية السعودية، يبدو لنا جليًّا تسارع حملة المصالحة الموعودة بين المملكة العربية السعودية وقطر، مع الاتفاق على مجموعة كبيرة من المشاريع المشتركة بين الطرفين، بما في ذلك مشاريع الطاقة الخضراء وصناديق الاستثمار والسكك الحديدية، ويبدو أنّ اقتصادهما وشراكتهما تتّجهان نحو اتّحاد وشراكة متبادلة المنفعة. وعلى المسرح الدولي وبشكل متوازٍ، وبعد تسوية الخلاف المثير للانقسام بشأن الحقوق في منظمة التجارة العالمية، يبدو أنّهما يقدّمان أخيرًا نوعًا من الجبهة المتّحدة التي تتوقّعها وتنتظرها الولايات المتحدة من اثنين من أهمّ شركائها الأمنيين والإقليميين الرئيسيين في المنطقة، ومع ذلك لا تزال هناك تساؤلات عديدة عن هذه التحوّلات بسبب الاضطراب في السياسة الخارجية لأميركا.
الفترة الأكثر استقرارًا بين قطر وتركيا
يُعتبر التحالف بين قطر وتركيا من بين أكثر التحالفات استقرارًا في الشرق الأوسط، ويعود تاريخه إلى أوائل القرن الحادي والعشرين. ولقد ساعدت الأيديولوجيا والبراغماتية والمصالح العسكرية والاقتصادية المشتركة على التقريب بين البلدين، حيث تعتمد الدوحة على القدرات الدفاعية لأنقرة (تمّ بناء قاعدة عسكرية تركية في قطر عام 2019)، وتعتمد أنقرة بالمقابل على الدوحة في الدعم الاقتصادي والمالي، إذ استثمرت قطر عشرات مليارات الدولارات في تركيا، ثمّ تمّ توسيع تعاونهما بتوقيع 15 اتفاقية في مجالات مثل الاستجابة للطوارئ والدفاع المدني، والدبلوماسية، والثقافة الدينية، والرعاية الصحية. وقد ساعدت هذه الالتزامات في تكريس المصالحة بين الجيران وإنهاء الحصار المفروض على قطر وتجديد علاقاتها مع المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر، التي من المرجّح أن تظلّ سليمة ومستقرّة وأن تزداد انسجامًا، على الرغم من التحوّلات الجيوسياسية الجارية في المنطقة.