اجتماعالاحدث

القابلية على الطائفية | بقلم محمد محفوظ

في سياق الجهد الفكري و المعرفي الذي بذله المفكر الجزائري مالك بن نبي , على فحص وتحليل ظاهرة الاستعمار ولقد أبدع بن نبي  حينما صاغ مفردة و مفهوم  {القابلية على الاستعمار } و أن هذه القابلية هي التي تهيأ الأرضية و المناخ السياسي و الاجتماعي للقبول الفعلي بالحركة الاستعمارية . وانه لا يمكن مواجهة الاستعمار مواجهة فعلية و حقيقية بدون إنهاء  حالة القابلية للاستعمار في  نفوس وعقول الناس . ولقد اعتبر هذا المفهوم مثابة المفتاح السياسي لفهم الكثير من الظواهر والممارسات التي رافقت الاستعمار في  العديد من البلاد العربية و الإسلامية . وانطلاقا من مضمون هذا المفهوم الذي صاغه بن نبي  , نتمكن من فهم العديد من الظواهر التاريخية و الاجتماعية و السياسية في البلدان  العربية و الإسلامية . ولو تأملنا  في كل الظواهر السياسية التي سادت  في المنطقة العربية نتمكن من فهمها بشكل دقيق من خلال العدة النظرية والمفهومية  التي صاغها بن نبي  حين الحديث عن القابلية على الاستعمار. بحيث أضحت هذه العدة النظرية بمثابة  خريطة الطريقة لفهم العديد من الظواهر السياسية و الاجتماعية في الفضاءين العربي والإسلامي. وفي سياق ابتلاء المنطقة العربية و الإسلامية اليوم بظاهرة الطائفية و قدرة هذه الظاهرة الخطيرة على تمزيق  كل المجتمعات و الشعوب , لن تمكن من دحر  خطر هذه الظاهرة أو الحد من غلوائها من دون العمل على تفكيك حالة القابلية الموجودة في النفوس و العقول للانخراط في الفعل والممارسة  الطائفية . ولا يمكن   على المستوى الواقعي من مواجهة الطائفية بكل صورها و أشكالها  , إلا بإنهاء  و تفكيك ظاهرة القابلية إليها و الخضوع إلى مقتضياتها .  ولو تعمقنا  في ظاهرة  الممارسات الطائفية , لوجدنا  إن أكثر  المتورطين بهذه  الممارسات يحملون  القابلية النفسية و الثقافية للانخراط  في كل الممارسات الطائفية . وان هذه الممارسات لن يتمكن  احد من إنهاءها  إلا بتفكيك ظاهرة القابلية النفسية و الثقافية للانخراط في السلوك و الممارسات الطائفية. ولكي تتضح كل أبعاد  هذه القابلية , سنحاول أن  نوضح هذه الأبعاد  من خلال النقاط التالية : 

                                                                                                                                                  

  1. واهم  من يعتقد انه يدافع عن حقوقه و ذاته الاجتماعية حينما يخرط في الفعل و الممارسة الطائفية . لان الخضوع للفعل الطائفي  هو احد مصادر تضييع الحقوق . ومن ينخرط في الممارسة الطائفية بدعوى الدفاع عن  الذات و حقوقها , هو يوفر المناخ المؤاتي  لإنهاء أو تدمير كل خطوط الدفاع عن الذات و حقوقها و مصالحها . الطائفية مرض خطير في كل أحوالها وظروفها , ولا يمكن أن  تدافع عن مجتمع بإسقاطه في مرض الطائفية. فالأمراض  لا تدافع  عن الحقوق و المصالح .  لذلك نهبب  بكل الإفراد و المجتمعات  الذين يطمحون  إلى الدفاع عن حقوقهم و مصالحهم , لعدم الوقوع في رذيلة الطائفية . لان هذه الرذيلة  تدمر كل ممكنات الانعتاق  من كل هذه الأمراض التي تدمر كل المناخ الصحي الذي يحفظ الحقوق و المصالح للجميع . ومن يعتقد  انه حينما يخضع للمقولات  الطائفية هو يدافع عن حقوق جماعته و مصالح مجتمعه  , هو يزيف و عي الجميع . من يريد أن يدافع عن جماعته ومجتمعه  , عليه أن يطهر  نفسه  و عقله من كل جراثيم الطائفية . 
  2. من هنا تتأكد الحاجة النفسية و المعرفية للانعتاق  من كل الممارسات الطائفية سواء كانت هذه الممارسات تنتمي إلى حقل الطائفية الناعمة  أو تنتمي إلى حقل الطائفية الصلبة أو الخشنة . و المجتمع الذي يخضع لكل المقولات الطائفية هو يمارس  التدمير الذاتي و يساهم بشكل مباشر في تنمية كل عوامل الفرقة  و التشظي  في حياته الداخلية. الطائفية مرض خطير ووجود غلبة لهذا الطرف أو ذاك , أو وجود ممارسة طائفية من هذا الطرف أو ذاك , ينبغي أن لا يشجع  احد على الوقوع في مهاوي الطائفية .  فلنعمل بوعي وحكمة لتطهير نفوسنا و عقولنا من كل جراثيم الطائفية ومن خلال عملية التطهير نتمكن  من تحصين  واقعنا الاجتماعي و الثقافي من الوقوع في مهاوي الطائفية . ونقولها بصراحة تامة , لا تعالج المشاكل الطائفية بصنع مشكلات مماثلة  و مقابلة للطرف الذي يؤجج الأزمات الطائفية . الطائفية بكل رموزها و زخمها التمزيقي  , لا تدافع عن حق أو مجتمع . ومن يعتقد انه لا يمكن وقف صعود هذه القوة أو تلك بإشغالها بالأزمات   الطائفية ,هو يعمل بدون وعي على توسيع دائرة الحريق في الأمة و المجتمعات العربية و الإسلامية  . 
  3. بعيدا عن التلاوم المتبادل و توزيع تهم من بدأ ومارس الطائفية ومن ذهب إليها كردة  فعل . نقول  بعيدا عن هذا التلاوم الذي يؤكد المنطق الطائفي و لا يتحرر  منه . تعالوا معا نبرأ إلى الله سبحانه و تعالى من كل الممارسات الطائفية و نقف معا  على أرضية احترام التنوع الموجود في الأمة مع صيانة عزة  الأمة و وحدتها الداخلية . فالطائفية قيد  على الجميع  , ولا يمكن أن  نعتقد أن القيود تحقق انتصارات أو مكاسب . وجود ممارسات طائفية ينبغي أن لا يدفعنا  إلى الخضوع إلى المنطق الطائفي بل على العكس ينبغي أن  يدفعنا على التعالي على كل الجراحات المذهبية و الطائفية . بهكذا ممارسة نفكك كل عناصر القابلية النفسية و الثقافية للخضوع للمنطق  الطائفي . وان التساهل  مع الحرائق الطائفية سيدمر كل عوامل الوحدة  و التماسك في كل مجتمعاتنا العربية و الإسلامية . وعليه فان كل من يريد أن يحافظ على وحدة وطنه ومجتمعه  , عليه أن يعمل نفسيا و ثقافيا لتحرير مجتمعنا  من كل سمات القابلية على التطرف  و الطائفية . فهو  سبيلنا للتحرر  من كل موبقات الطائفية و متوالياتها المدمرة لكل أسباب الاستقرار السياسي و الاجتماعي .           

محمد محفوظ، مدير مركز آفاق للدراسات والبحوث

محمد محفوظ مواليد المملكة العربية السعودية – المنطقة الشرقية- 1966 كاتب أسبوعي في جريدة الرياض السعودية . مدير تحرير مجلة الكلمة ، وهي مجلة فكرية تعنى بشؤون الفكر الإسلامي وقضايا العصر والتجديد الحضاري . مدير مركز آفاق للدراسات والبحوث. له اكثر من ١٤ مؤلفاً صادراً عن عدة دور نشر مرموقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى