
مع تسارع التطورات التكنولوجية، يطرح البعض تساؤلات حول مستقبل التعليم: هل سيأتي يوم يُستبدل فيه المعلم بالذكاء الاصطناعي؟ وهل يصبح عيد المعلم مجرد “ذكرى”؟ على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي أصبح قادرًا على تقديم الدروس، وتصحيح الامتحانات، وتوفير دعم تعليمي مخصص، إلا أن هناك جوانب إنسانية لا يمكن استبدالها بسهولة، مثل التفاعل العاطفي، والتكيف مع احتياجات الطلاب المختلفة، وتنمية المهارات الاجتماعية والقيم. المعلم ليس مجرد ناقل للمعلومات، بل هو مرشد وموجه، وهذه الأدوار لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تأديتها بفعالية تامة. ومع ذلك، فإن دور المعلم التقليدي في خطر إذا لم يواكب هذه التحولات، فالمؤسسات التعليمية تتجه نحو نماذج رقمية وتفاعلية جديدة قد لا يكون المعلمون التقليديون مستعدين لها، لا سيما في دول تعاني من أزمات اقتصادية، مثل لبنان.
في لبنان، يواجه القطاع التعليمي تحديات كبيرة، حيث يعتمد على جيش من المعلمين في القطاع الرسمي المدرسي والجامعي، لكن الموازنة الحكومية بالكاد تكفي لدفع أجورهم، مما يضطرهم للعمل في وظائف إضافية. وفي ظل هذه الأوضاع، فإن تأهيلهم لمواكبة التكنولوجيا يحتاج إلى ميزانيات ضخمة سنويًا، وهو أمر غير متوفر في ظل شح الأموال الحكومية وعدم استدامة الهبات الخارجية. الحل لا يكمن فقط في طلب التمويل، بل في التحول إلى استراتيجيات تدريب منخفضة التكلفة، مثل التعلم الإلكتروني، والاعتماد على المنصات الرقمية المجانية، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التدريب الشخصي للمعلمين. كما يمكن تحقيق تمويل مستدام عبر إصلاح النظام الضريبي، وإدخال شراكات مع المؤسسات الدولية والقطاع الخاص لدعم التعليم، إلى جانب إعادة هيكلة توزيع المعلمين وتحسين كفاءة النظام التعليمي عبر نماذج التعليم المختلط وتقليص النفقات غير الضرورية.
وسط هذه التحديات، لا تبدو وزارة التربية اللبنانية على دراية كافية بحجم الأزمة، كما يتضح من رسالة وزيرة التربية بمناسبة عيد المعلم، التي حملت طابعًا تفاؤليًا وتقديريًا للمعلمين، لكنها لم تتناول الحلول الفعلية للمشكلات التي يعاني منها القطاع. إذ لم تتطرق إلى كيفية تمويل تأهيل المعلمين، أو إعادة هيكلة التعليم، أو معالجة أزمة الأجور، بل اكتفت بالحديث عن الصمود والإرادة. هذه المقاربة، رغم أهميتها، لا تكفي لإحداث تغيير حقيقي في ظل التدهور المستمر في مستوى التعليم. إذا لم تتبنَّ الوزارة رؤية واضحة لحل المشكلات الأساسية، فإن الفجوة بين الواقع والتطلعات ستتسع أكثر، مما قد يؤدي إلى تراجع أكبر في جودة التعليم.
المعلمون في لبنان، كما في أماكن أخرى، يجدون أنفسهم أمام تحدٍّ مصيري، فإما أن يطوروا مهاراتهم ويستفيدوا من التكنولوجيا، أو يصبحوا خارج المنظومة التعليمية المستقبلية. لكن المشكلة ليست فقط في استعداد المعلمين، بل في غياب الدعم
المؤسسي والموارد المالية التي تتيح لهم هذا التطور.
في ظل هذه الظروف، يصبح السؤال أكثر إلحاحًا: هل سيتمكن لبنان من تطوير نظام تعليمي حديث يدعم المعلم ويواكب التكنولوجيا، أم أن عيد المعلم سيتحول يومًا ما إلى مجرد ذكرى؟