دولي

بعد “قيصر” قد يُقبلون على قانون “إدوارد”… لكن ماذا عن “والاس”؟ كتب أكرم ناظم بزي

ممنوع على أي دولة في المنطقة العربية أو في دول العالم الثالث أن تكون “ذات سيادة” أو “مستقلة”، فالسيادة في المفهوم السلطوي الأميركي يجب أن تكون أولا للأميركيين وثانياً لحلفاء أميركا بالتقاسم فيما بينهم، وثالثاً “تمثيلاً” لموظفي أميركا في البلاد التي يعتبرونها تحت رعايتهم وفي فلكهم ممن يتقنون فن المراوغة على الطريقة المكيافيلية، لتحقيق الأهداف الأميركية. وإلا “فالسلبطة” و “البلطجة” صارت من ضمن القواعد الأميركية الأساسية في قاموس تعاملها مع الدول الأخرى، مثال: فنزويلا وإيران وعلى مستوى داخل الولايات الأميركية: ما يجري مع السود. ففي الفلسفة التجارية لـ “الليبرالية الجديدة” كل الاستثمارات العالمية تخضع بمكوناتها وأرباحها إلى مالكي الشركات الكبرى في العالم، والولايات المتحدة الأميركية تشكل أم هذه الشركات. ويستوي بهذا التوصيف كل من أميركا وحلفائها الأوروبيين وغيرهم من الدول التي تنتمي الى سياسة الولايات المتحدة فإما أن تكون تابعة او حليفة او في نفس المحور لا فرق.

ومن باب التشبيه بالمعايير “السلطوية” على الشعوب الفقيرة والضعيفة، يذكرني هذا بأسطورة الشاعر الأسكتلندي هاري الأعمى Blind Hary عن البطل “السير وليام والاس” والذي تحدى “الملك الإنكليزي ادوارد” وحاربه في اسكتنلدا وتحول بعدها الى اسطورة، وفي أيامه سنّ هذا الملك قانوناً يتيح للضباط الإنكليز في اسكتلندا بأن تكون الليلة الأولى (ليلة الدخلة) للعروس مع ضابط إنكليزي وليس مع زوجها، فقط لقهر الشعب واذلاله وهذا ما تم تصويره وروايته في فيلم ميل غيبسون Brave heart. ففي عام 1297 تجابه والاس مع “جون دي وارين إيرل سوري في ستيرلينغ” وفيها كان الجيش الإنكليزي يفوق نظيره عدديا لكن كان عليهم عبور جسر ضيق فأصبحوا هدفا سهلا لوالاس ورجاله فاحتل قلعة ستيرلينغ وأصبحت اسكتلندا حرة لبعض الوقت، ثم قام في أكتوبر بمهاجمة شمال إنكلترا وخرب المناطق بين نورث ثمبرلاند وكمبرلاند (ويكيبيديا). بعدها بقيت الحروب قائمة بين الأنكليز وبين والاس حتى تم القبض عليه وتعذيبه وتقطيعه ليكون عبرة لغيره. وبعدها تمت السيطرة الكاملة على المنطقة برمتها ونُكل بشعوبها كافة دون أي تمييز.

وأميركا اليوم ليست ببعيدة عن هذه الممارسات الإنكليزية الأصل، لفرض مشروع “صفقة القرن” على سوريا ولبنان ولو بالقوة او التجويع (قانون قيصر)، أي ذُل … والأنكى من ذلك من يرضى بهذا الذل ويرضى بسياسة الخنوع فقط للحفاظ على مصالحهم ومصالح عائلاتهم وثرواتهم. مثال ذلك ما يجري الآن في لبنان، فالرئيس الفرنسي وبإيعاز ممن اعتقد أنهم يساهمون بإيجاد الحلول لحل الأزمة اللبنانية المستعصية دائماً وأبداً، سمى السفير مصطفى أديب لرئاسة وتشكيل الحكومة اللبنانية، إلا أن ما جرى هو أن هذا الفريق الأميركي” يحاول ومنذ ما قبل مجيء ماكرون بمحاولة الانقلاب على الأكثرية البرلمانية، أي على ما اصطلح عليه “فريق 8 آذار”.

الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري ومعهما الرئيسان نجيب ميقاتي وتمام سلام، حاولوا بشتى الوسائل والحيل أن يقولبوا التشكيلة الوزارية بما يحلو لهم ولأسيادهم، جُلّ همهم كان تنفيذ الأمر الأميركي، لا حكومة في لبنان بمشاركة “حزب الله”، وتصرف هذا الفريق كأنه العائد للتو من الحرب منتصراً ويريد أن يفرض أجندة أميركية بالكامل، ومن يجرؤ منهم على مخالفة “الأميركي” سيدهم، ومن يعلم قد يرضون بـ “قانون إدوارد” إذا ما فرض عليهم.
حاول الرئيس سعد الحريري ومن خلفه السنيورة تغيير معايير اللعبة السياسية من خلال طرحه “التدوير”، والهدف من ذلك هو ترسيخ مفهوم جديد لتشكيل الوزارة في لبنان على أسس ومفاهيم جديدة آخذة بالحسبان المصلحة الأميركية وحلفائها في المنطقة والتي تؤدي بنتيجتها الى هزيمة الطرف الآخر والتمهيد لاخراجه من الحياة السياسية اللبنانية ونزع الغطاء الشرعي عنه وصولاً لكيل الاتهامات بالافقار والتجويع واشعال الحروب و… و…
والهدف من كل ذلك، فرض سياسة أمر واقع في لبنان تتيح في المستقبل تنفيذ السياسة الأميركية الصهيونية في لبنان بما يخدم مصالح الكيان الصهيوني، أقلها توطين الفلسطينيين، والإبقاء على جزء كبير من اللاجئين السوريين، والتطبيع، ولا استبعد أن من مجمل عوامل الضغط هذه ما اعتبره مراقبون إسرائيليون: “أن كارثة بيروت ستضطر “القوى الرافضة” لـ تليين مواقفها والتزامها مواقف أكثر اعتدالا وأنها تصب في مصلحة إسرائيل التي تخلصت الآن من اشتباك محتمل أو توتر دائم على الحدود”.

وفي المعلومات ان الضغوط التي مورست على فريق الرئيس أديب ومن خلفه وصلت لحد العزل الكلي إن شكلت الحكومة بما لا ترضى عنه الولايات المتحدة الاميركية، وبالتالي لم يكن بمقدور هذا الفريق ان يدفع بتشكيل الحكومة لما وجده من معارضة شديدة من الأطراف المعارضة لهذا التوجه وباءت جهودهم بالفشل. فاعتبرها البعض اسقاطاً لمبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي “وزع خيبة الأمل على كل الأطراف اللبنانية التي وعدته بالمضي في طرحه، واتهمها بالخيانة لوعودها معه”.

حسناً فعل السفير مصطفى أديب إذ اعتذر عن تأليف الحكومة، بصرف النظر عما إذا كان هو استقال او قيل له استقيل، الا أنه ربح نفسه من أن يكون شاهداّ على مؤامرة أُريد له فيها أن ينفذ أجندة أميركية بحتة ومن خلفه الرؤساء السابقون الذين أعدوا العدة للقيام بوظائفهم، والتي لم يكن أحد يعلم نتائجها ولا تعرف عقباها.

إلا أن كل هذه العوامل والاعتبارات لم تأخذ في الحسبان رد فعل “الأطراف الأخرى” على ما يقومون به من مخططات ومؤامرات تحت الطاولة وفوقها وبأساليب ملتوية ومختلفة، ماذا لو قامت “القوى الرافضة” بقلب الطاولة على الجميع بلحظة تشبه لحظات نتائج قرارات 5 أيار 2008، والتي كان من أول ردود أفعال الأميركيين عليها الهروب من لبنان بطائرات الهليكوبتر نحو قبرص وترك حلفائهم لمصيرهم في بيروت. لقد اعلن الطرف الاساسي للقوى الرافضة للطروحات الأميركية أكثر من مرة، بأن ما تقوم به “أميركا” في لبنان “سيؤذي ويحرق “جماعتها” قبل أن تصل النيران الى أطراف ثيابنا”.

السياسة الأميركية و”سياسة ترامب” خاصة ليست بعيدة عن سياسة “الملك ادوارد” في الفيلم المذكور أعلاه، نحن لسنا كومبارس وأبطال سينما، وأيضا لسنا فقرة إعلانية لمنتج أميركي او غربي بين مقاطع مسلسل هوليوودي، بل ما قدمه الشعب اللبناني في الحروب كان من لحم ودماء وأرواح وفلذات الأكباد آخرها كان بتفجير مرفأ بيروت، وبالتالي من غير المسموح أن يتلاعب بنا وبمصير البلد بعض “الممثلين” الأميركيين واللبنانيين ممن امتهنوا الإخراج السيء على المستوى السياسي. فإن هذا الطاقم المذكور أعلاه لا يصلح بأن ينظف الكؤوس في مطابخ مساعدي نواب وزراء الإدارة الأميركية، فلا يغرنكم ما يقولون في العلن بل تمعنوا فيما يجري خلف الكواليس وفي الغرف السوداء فالبلد “على كف عفريت فعلاً”.

الكاتب أكرم ناظم بزي

الكاتب والباحث اكرم ناظم بزي صحافي وباحث لبناني، يكتب في الادب والسياسة والعلاقات الدولية، لديه العديد من الأبحاث وعمل رئيساً لتحرير موقع إنارات.نت وفي الصحافة اللبنانية والعربية، لا سيما في دولة الكويت وهو عضو في جمعية الصحافيين الكويتية، ونقابة مخرجي الصحافة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى