زاسبيكين: ولا توجد من بين دول المنطقة أي دولة تعتبر معادية لروسيا. سلسلة الدب الناعم (3)
يعرض الملف الاستراتيجي للمحور الثالث من سلسلة " الدب الناعم" : روسيا والشرق الاوسط . حيث يناقش الباحثون الخمسة السؤال التالي : تبدو روسيا صديقة الجميع هنا، بما في ذلك اسرائيل. هل يقيد ذلك روسيا أم يطلق يدها اكثر؟ ربما يجدر بنا الإشارة إلى أنه بالرغم من أن العلاقات الإسرائيلية الروسية ليست حديثة، لكنها وصلت حداً كبيراً من الثقة والمصالح المتبادلة، فمنذ أيام الرئيس الأسبق "بوريس يلتسين" بدأت تنمو بشكل إيجابي، وتم تبادل السفراء، وافتتاح السفارات، وشهدت مرحلة وئام لم تعرفها مسبقا . ثمة محطات بارزة تمثل القطيعة التي حصلت بين البلدين، يجب التوقف عندها وبشكل موجز الأولى في 12 شباط فبراير 1953، عندما قطع الإتحاد السوفياتي العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، بعد انفجار قنبلة في مبنى بعثته الدبلوماسية في تل أبيب، مما أدى لتدمير المبنى، ثم عام 1956 عندما توترت العلاقات السياسية مجددا بين موسكو وتل أبيب عام 1956، ثم تكررت القطيعة لأمد طويل هذه المرة في يونيو/حزيران عام 1967، بسبب رفض إسرائيل وقف إطلاق النار في حربها مع الدول العربية. وفي العام 1987 إستؤنفت الإتصالات على مستوى القنصليات، وبعدها بثلاث سنوات أي في العام 1991 إستعاد البلدين العلاقات الدبلوماسية الرسمية. (بيار الخوري)
ألكسندر زاسبكين، السفير الروسي السابق في لبنان
روسيا ومنذ سنوات طويلة باشرت بتطوير علاقاتها مع دول المنطقة كافة قدر الإمكان، وتعمل جاهدة على إيجاد قواسم مشتركة وتعزيزها، ولا تركز على مواضيع خلافية، هذه الجهود سمحت لها بأن تلعب دوراً سياسياً فعالاً فعلى سبيل المثال دورها في إطار “مسار استانا”، ولا توجد من بين دول المنطقة أي دولة تعتبر معادية لروسيا، وهذا إنجاز يساعد مواقف روسيا على الصعيد العالمي، فضلاً عن ذلك تتميز العلاقات الروسية – الاسرائيلية بالطابع المستقر والجو السياسي الإيجابي.
فإسرائيل تقف بصورة واضحة الى جانب روسيا في مسالة تأريخ الحرب العالمية الثانية، وفي تأريخ الدور الأساسي للاتحاد السوفياتي في الإنتصار على الفاشية الهتلرية .وهناك نقطة حساسة ظهرت في سياق الاحداث في سورية، وهي طبيعة الربط ما بين المشاركة الروسية في الاحداث السورية جنباً الى جنب مع سورية وحلفائها، وعلاقة سوريا مع إسرائيل وهي عدو لمحور المقاومة، وفي هذا السياق نسمع إنتقادات موجهة الى روسيا، بسبب عدم تدخلها في المواجهة بين اسرائيل ومحور المقاومة، وخصوصاً على الأراضي السورية.
من الجانب الروسي، تم التوضيح مراراً بأن دخول روسيا الى سوريا كان بهدف مكافحة الارهاب وليس في وجه أي طرف آخر، وتم التوافق على عدم الإعتداء ما بين جميع الاطراف المعنية، بما في ذلك بين روسيا وإسرائيل منذ اليوم الأول للتدخل .
كما يجب التوضيح، بأن الترتيبات الامنية التي تم إتخاذها في إطار تحقيق فكرة مناطق خفض التوتر حصلت بتفاهم مع جيران سوريا بما في ذلك اسرائيل، في ما يخص منطقة قريبة من حدود السورية – الإسرائيلية.
ومن ناحية إستراتيجية، مما لا شك فيه أنه في حال العودة الى عملية السلام الحقيقية وفقاً لمقررات الامم المتحدة، فإن روسيا ستلعب دوراً هاما لتنظيم المفاوضات بين العرب وإسرائيل، ويكون هذا الدور مغاير للدور الأميركي، لأن الولايات المتحدة الامريكية تقف الى جانب إسرائيل، أما روسيا فتقف الى جانب الشرعية الدولية التي تطالب باسترجاع الاراضي العربية المحتلة، واقامة دولة فلسطين وتحقيق حق العودة.
قد تكون اليوم إعادة عملية السلام بعيدة، بسبب النزاعات المحلية والإنقسام في العالم العربي، ولكن من الضروري متابعة هذه العملية لكي لا تتقدم سيناريوهات بديلة مثل صفقة القرن.
اندريه أنتيكوف، المحلل السياسي الروسي
تقوم السياسة الروسية في المنطقة على مبدأ أساسي: محاولات إقامة الحوار أفضل من التجاهل. فلنتذكر الأزمة الأوكرانية والعلاقات السيئة جداً بين موسكو وكييف. ولكن الدولتان هما على تواصل الدائم. طبعاً كل ذلك لا يعني أن روسيا ستجري حواراً في يوم من الايام مع الارهابيين أو مع الأشخاص الذين يسعون للوصول إلى السلطة بطرق غير شرعية. ففي إسرائيل نرى كيف تحصل إنتخابات ويتم تشكيل الحكومات وفقاً لآليات معينة، ولا أرى أي سبب لقطع العلاقات بين موسكو وتل أبيب. وفي نفس الوقت هذا لا يعني أن روسيا تتفق مع كل ما تقوم بها السلطات الاسرائيلية.
ومن المعروف أن روسيا أدانت مراراً وتكراراً السياسة الإستيطانية وتطالب دائماً بإيجاد الحل العادل للقضية الفلسطينية المبني على قرارات مجلس الأمن والمبادرة العربية. وترفض موسكو رفضاً قاطعاً الضربات التي تقوم بها إسرائيل في الاراضي السورية، وتعتبر أنها تؤدي الى تعميق الأزمة السورية. وكل ما تنشره وتبثه بعض وسائل الاعلام من أن روسيا تسمح لإسرائيل أن تنفذ تلك الضربات بعيدة عن الصحة والواقع.
وفي الوقت نفسه، فإن وجود العلاقات الثنائية بين موسكو وتل ابيب يسمح لروسيا بإبلاغ بموقفها من الملفات المختلفة، وبتنسيق الخطوات في الكثير من المجالات. أضف إلى ذلك ليس سراً أن اسرائيل لديها علاقات مميزة مع الولايات المتحدة وخصوصاً في عهد دونالد ترامب. وبرأيي كانت تل أبيب تلعب دور الجسر الدبلوماسي- إن صح التعبير- بين موسكو وواشنطن في ضوء التأزم المستمر والمتزايد في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة.
وفي نهاية المطاف لا ننسى أن موارد الغاز التي كشفت في شرق المتوسط قد تسمح لإسرائيل بلعب دور هام في السوق الأوروبي، وستصبح من أكبر مصدري الغاز اليها. وطبعاً هذا يتطلب تنسيقاً أكبر بين موسكو وتل أبيب.
ومن هنا، فإن عدم وجود العلاقات بين دولتينا قد يُضر روسيا بينما هي تستفيد من الحوار والتواصل المستمر مع إسرائيل وتدافع عن مصالحها ومصالح شركائها وحلفائها، بما في ذلك فلسطين وسوريا. وكل ذلك برغم من الخلافات العديدة بين الدولتين.
يوسف مرتضى، إعلامي وكاتب، ناشط في المجال السياسي والاجتماعي. منسّق الإعلام في جمعية الصداقة اللبنانية الروسية
هذا يفيد روسيا بالظاهر ، ولكن قد يصبح خطيراً عليها مع إدارة بايدن الطامحة إلى قيادة العالم ، وبالتالي سيكون من أولى أهدافها تحجيم دور روسيا والصين من جهة وتقوية الحلف الأطلسي من جهة أخرى . وفي هذا المجال من غير المستبعد عودة الإدارة الديمقراطية لاستخدام الإسلام السياسي في سوريا ضد الوجود الروسي واستخدام تركيا عضو الحلف الأطلسي بصورة غير مباشرة في هذه المعركة، أضف إلى ذلك الجو المفتوح لروسيا في القوقاز عبر معركة كاراباخ واحتمال أن تتطور إلى تحريك الحركات الإنفصالية لمسلمي شمال القوقاز، ما يهدد وحدة الإتحاد الروسي ، هذا فضلاً عن الإستنزاف لروسيا في جبهة أوكرانيا وإمكانية فتح معركة شبه جزيرة القرم ذات الأصول الإسلامية ، وهناك جبهة جديدة تستهدف استنزاف روسيا ومحاصرتها في بيلاروسيا .
د. خليل حسين. أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
علاقتها الجيدة مع تل أبيب يعطيها ميزة التحرك براحة في المنطقة وقد وصلت علاقتها بإسرائيل الى مستويات استراتيجية وتمكنت عبر ذلك من نسج علاقات مقبولة في الكثير من المحطات مع واشنطن عبر كسب ود ودعم اسرائيل في مفاصل الادارة الاميركية . كما ينطبق ذلك على الجانب الاوروبي . ويبدو ان موسكو تخطت بشكل واضح عقبات كثيرة في المنطقة عبر توطيد علاقاتها بتل ابيب .
د. مازن مجوز ، مدير تحرير الموقع
مما لا شك فيه أن السياسة الخارجية الروسية الجديدة ذات الأبعاد والحدود الجيوبوليتيكية تختلف عما كانت عليها السياسة الخارجية الإيديولوجية للاتحاد السوفييتي سابقاً سواء من حيث الوسائل أو الأهداف أو الآفاق. من دون أن ننسى ان روسيا هي من أهم الدول المصدرة للسلاح في العالم. حتى يمكن القول ان السياسة الروسية الخارجية تقوم على ” البراغماتية ” بالدرجة الاولى مبنية على المصالح حيث يبدو واضحاً حرص الرئيس بوتين على التوفيق بين مصالحه مع إيران ومع اسرائيل ومع سوريا حتى مع كل دول المنطقة بالرغم من الاختلافات في نقاط معينة مع هذه الدول ومن بينها تركيا حيث التقارب الروسي -التركي بالرغم من وجود رؤية مختلفة حيال بعض الازمات من بينها الازمة السورية .
وإذا كانت فكرة اقامة تحالف متين مع نظرائها في الشرق الاوسط تبدو مستبعدة حالياً، فإن روسيا لم تقف مكتوفة الايدي حيال الكثير من الازمات التي شهدتها المنطقة ولا تزال، بدليل ما يمكن تسميته نوع من الاعتماد المتبادل مع الكثير من بلدان المنطقة سياسيا وإقتصاديا .
فالأهمية الجيوبوليتيكية لإيران بالنسبة لروسيا مثلا تعكس بروز محور موسكو – طهران، الذي يحقق لروسيا الأوراسية التمدد والوصول الى الخليج العربي سياسياً من خلال المنافذ البحرية التي تفتقرها للوصول الى المياه الدافئة، وهذا ما جعل من إيران اهم حلفاء روسيا في المنطقة .
اما في سوريا فيمكن وصف المشاركة الروسية في الحرب الروسية ب” الشريك” لنظام الرئيس الروسي فيما لاحظنا كيف أخل الغرب ومن بينه الولايات المتحدة في وعوده التي قطعها للمعارضة السورية حيث كان متردد دائما، فيما كان الدعم الروسي المشار اليه الى اقصى حد، وهذا ما يذكرنا باحدى سمات البيت الروسي وهي ” التشارك والتضامن “، ومن هنا نجحت روسيا في ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في الملف السوري بعد أن رفع الرئيس الاميركي ترامب شعار اميركا اولا، وتشكل مشاركتها في النزاع السوري، نموذجا عن زيادتها مكانتها كقوة نافذة في الشرق الأوسط بصورة خاصة. ومع ذلك يمكن القول إن روسيا لا تسعى لتحلّ محل الولايات المتحدة في المنطقة، إذ إنها لا تمتلك الإرادة السياسية، ولا الوسائل الاقتصادية لفعل ذلك.
وبالمثل، فإن دعم الكرملين لخليفة حفتر في الملف الليبي لم يكن نابعاً من الرغبة الروسية في استعادة حليف سابق وحسب، ولكن لامتلاك قدر من النفوذ يضمن لروسيا حماية مصالحها الاقتصادية مستقبلاً، بعد ان أدرك بوتين أن من يمتلك مفتاح البوابة الجنوبية لنزوح النازحين من افريقيا باتجاه اوروبا هو من يمتلك مفتاح ليبيا والتدخل الروسي هنا لم يكن بهدف النفط والغاز المتواجدين بوفرة في ليبيا، ولكنه كان يريد ان يجد نظاما صديقا له في ليبيا يمتلك فيه الباب ليضغط فيه مجدداً بطريقة أخرى على اوروبا ما يشكل نموذجاً آخر على أنه لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد في الاستراتيجية الروسية الخارجية .
وفي السياق عينه، واعتماداً على البراغماتية الروسية، رأينا كيف نجحت موسكو بالتعامل مع الرياض ومع دول الخليج وغيرها بدون تعقيدات، على أساس قاعدة المصالح والمنافع المتبادلة في سوقي النفط والسلاح. وخلال سنوات قليلة نسجت روسيا علاقات عمل قوية مع أطراف في المنطقة بغض النظر عن العداوات أو الخلافات بينها، ومن الامثلة على ذلك علاقاتها مع مصر وتركيا. فكذلك نجحت حنكة بوتين السياسية بجمع أفرقاء لم يكن الجمع بينهم بالامر السهل، مثلما هو الحال مع إيران وتركيا.