ألابرزالاحدثالصورة الكبيرة

الطائف: بين التطوير والتقسيم |سلسلة تاجر الأمل وبياع الخواتم (٤)

يعرض الملف الاستراتيجي للمحور الرابع من سلسلة الطائف: تاجر الأمل وبياع الخواتم، حيث تناقش الشخصيات المشاركة السؤال التالي : هل يستوعب دستور الطائف التطوير السياسيّ للنظام، أم إنّنا دخلنا في سلسلة صدامات ارتداديّة ستؤدّي إمّا إلى تقسيم لبنان، وإمّا إلى اجتراح اتّفاق ودستور جديدَين يتوافقان مع المعطيات الجديدة التي سترسو عليها المنطقة؟ في الحالتَين، هل يكون قدر لبنان الخضوع لموازين القوى في المنطقة والعالم في ظلّ دساتير هجينة ؟ . مما لا شك فيه أن لبنان إعتاد ومنذ الإستقلال أن يكون خاضعا لموازين القوى الإقليمية والدولية أكثر من إلتزامه بمضامين دساتيره إن كان ميثاق 43 أو دستور الطائف ، الأدلة على هذه العادة المزمنة كثيرة ويكفي أن نشير إلى أن الكثير من البنود التي تضمنها الطائف لا تزال حبرا على ورق، هي بقيت كذلك بتضامن وتكافل معظم من توالى على السلطة في الرئاسات الثلاث ولسبب أو لآخر كانت دائما النتيجة واحدة لا تطبيق للبنود والتأجيل هو الحل الأفضل لمعظم مكونات المنظومة السياسية . لقد ظهر طرح المؤتمر التأسيسي، ومن ورائه "المثالثة" مع التحضير لمؤتمر سان كلو حيث نقلت فرنسا في العام 2007 إلى القيادات اللبنانية تبلغها من قوة اقليمية اقتراح إعادة توزيع السلطة على قاعدة المثالثة وليس المناصفة مقابل تسليم حزب الله لسلاحه. ويبدو اليوم أن الحل - وبعد الواقع الإقتصادي والمالي والمعيشي المرير الذي يعيشه لبنان - لا يتوقف على تغيير قواعد اللعبة السياسية فيه، وإنما تغيير النظام السياسي بأسره. فالبعض يرى أن هناك دفع متعمد باتجاه الكارثة التي باتت مطلوبة لدفع الأمور باتجاه الانهيار والتفكيك الشاملين، ما يسهل الطريق أمام تأسيس معالم عهد جديد بقواعد لعبة سياسية جديدة، أي وضع لبنان على طريق المؤتمر التأسيسي. البعض الآخر يستبعد الفكرة بحجة أن الظروف المطلوبة لها لم تنضج بعد وأن هذا لا يشكل أولوية تدفع بإتجاهها القوى الإقليمية والدولية . (د.مازن مجوز)

لمن فاته متابعة المحاور السابقة:
الأميرة حياة أرسلان رئيسة هيئة تفعيل دور المرأة، منسقة مجلس مجموعات من الثورة

الاميرة حياة ارسلان

تقسيم لبنان هو مشكلة جديدة، وتعقيد لحياتنا من جديد ، لبنان لا يحمل التقسيم وهو اساسا بحجمه الجغرافي الصغير ، وفي هويته يحمل الكثير من التنوع والتعايش بين مكوناته المتنوعة ، لا أتصور أن التقسيم يكون خطوة صائبة .

الدستور الجديد يعتريه خوف من أن يُستغل لإجراء مؤتمر تأسيسي ونصبح أمام المثالثة، ولو أن الدستور وإتفاق الطائف يتم تنفيذهما بحذافيرهما ويتم الالتزام لما كنا بحاجة كي نطرح طرح من هذا النوع، وإذا أردنا الحديث عن الاصلاحات التي طرحها دستور الطائف ولم يتم الالتزام بها فهي كثيرة تبدأ من أصغر الامور الى أكبرها أي من هيكلية لبنان، من رئاسة الجمهورية الى رئاسة مجلس النواب الى رئاسة مجلس الوزراء وصولاً الى العدالة الإجتماعية والاصلاح المالي والإقتصادي والاجتماعي وصولاً الى سيادة القانون الغائبة اليوم. ولو كان هنا إلتزام بالقانون وقرار الحرب والسلم محصور بيد الدولة اللبنانية والجيش اللبناني وإلتزمنا بتنفيذ الإتفاقات الدولية وكذلك معالجة أمور البلد كلها سياسياً وحسب مجريات القوانين المتبعة ولو كان هناك التزام بكل ما ورد في إتفاق الطائف لما عانينا من أي نوع من أنواع الاشكالات .

اما اللامركزية الادارية فتخدم عدة أهداف في وقت واحد، أبرزها تسهيل حياة المواطن ثانياً تنظيمياً وهيكلياً يصبح هناك مؤسسة شاملة قادرة على أن تكون سلطة مستقلة من ضمن سلطات الدولة كمجلس المحافظة كي يكون هناك ضبط لطريقة تعاطي البلديات كي لا يكون هناك من يمارس القوة ومغطى بالقوانين .

فاللامركزية الادارية كم كانت سهلت حياة المواطن وكم كانت وسعت الخطوات المطلوبة للإنماء ولتحسين وضع المواطن والذي ينعكس على وضع الوطن ثم الحديث عن قانون الإنتخاب الذي يقول بالإستناد الى المحافظة بعد أن يعاد النظر في التقسيم الاداري كي تكون أكثر عدالة وهذا أفضل قانون ممكن إعتماده، وصحيح أن هناك بعض الشواغر كالسقف المادي وتم العمل عليها في العام 2005 وأيضا كان ينقص الكوتا النسائية المفروض ان تقر بهذا القانون.

الكوتا النسائية هي عدالة إجتماعية وجندرية لا يجوز التخلي عنها، وفي العام 2005 إستدعينا وبحثنا قضية الانتخابات مع الشيخ فؤاد بطرس كان هناك قرار وإقتناع بأن تاتي الكوتا ترشيحا وليس مقاعداً وأدرج موضوع الكوتا في قانون الانتخابات الجديد . ولم يغفل أي بند من البنود الخلافية وحاول إتفاق الطائف أن يضع لها الحلول . ولكن ما معنى كل ما تضمن إذا لم يطبق؟

حتى أنه تكلم عن التربية والتعليم وإعادة النظر بالمناهج وتطويرها فهو لم يغفل النقاط الاساسية التي يجب أن تكون مدرجة وسيادة الدولة على كامل الاراضي اللبنانية وسلطة الدولة وهذا ما نعاني منه حالياً وعندما يتم الإعلان عن حل جميع الميليشيات اللبنانية بدل أن نحلها حللنا قسم وأبقينا على القسم الثاني وأعطيناه مقاعد نيابية، نزعوا بدلة القتال وإرتدوا بدلة السياسة ولا يزالوا، أوقفوا القتل بالخرطوشة والمدفع لكن لم يوقفوا ولا لحظة ذبح الوطن والمواطن بالتصرفات السياسية الحاصلة والنهب الاقتصادي المنظم وسرقة اموال الشعب وتحويل المدخرات الى الخارج نهبوا البلد، أوصلونا إلى دمار شامل وكامل ومع ذلك هم من المفترض أن يكونوا بالسجن وليس في حكم البلد .

الدكتور طلال عتريسي، اكاديمي وباحث سياسي كاتب في الشؤون الإقليمية والحركات الإسلامية والشؤون الاستراتيجية، عميد سابق للمعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة اللبنانية.

د. طلال عتريسي

هناك انقسام سياسي واضح بين الطوائف اللبنانية حول دستور الطائف وما جرى بعده في الثلاثين سنة الماضية. فهناك من يريد تغيير هذا الاتفاق كليا لأنه اخل بالمعادلة السابقة وغيّر من طبيعة الصلاحيات التي أرسيت في نظام 43 وكانت لصالح الموارنة من خلال رئاسة الجمهورية ، ثم باتت بعد الطائف في مصلحة رئاسة الوزراء. وهناك من يتمسك باتفاق الطائف ولا يريد أي تعديل فيه باعتبار أنه الدستور وأنه يكرس حقوق طائفة معينة (السّنة) لا تريد أن تتنازل عنها في صلاحيات مجلس الوزراء. وهناك من يقول إن اتفاق الطائف يمكن تعديله ويجب تطويره لإننا واجهنا ثغرات كبيرة فيه طوال العقود الماضية.

وتختلف الآراء بشأن ما جرى بعد الطائف فهناك من يعتبر أننا لم نطبق إتفاق الطائف بشكل جيد أو أننا لم نطبقه بكل التفاصيل التي وردت فيه مثل الغاء الطائفية السياسية ومثل تشكيل مجلس الشيوخ، وبالتالي إن تطبيق الطائف بكل ما جاء فيه يمكن أن ينقذ البلاد ويغير الاوضاع . في يرى آخرون أن الطائف لم يغادر الصيغة الطائفية والمحاصصة التي وصلت الى حائط مسدود يعيشه لبنان في أزمته الحالية.

لكن هذا الانقسام لا يعني أننا دخلنا الى نفق أو الى سلسلة صدمات ستؤدي الى التقسيم. لا شك أن هناك من يفكر بمثل هذا المصير أوهذا الخيار مثل مشاريع الفيدرالية او اللامركزية الادارية الموسعة، لكن هناك بالمقابل من يخاف من أن تؤدي مثل هذه الطروحات الى التقسيم في ظل حكم مركزي ضعيف.

يبدو أن مثل هذه الأطروحات المختلفة حول طبيعة دستور الطائف وحول مشكلات تطبيقه، وحول ما الذي يجب إعادة النظر فيه ، والمخاوف من التقسيم وسوى ذلك…يفترض أن يؤدي الى التفكير الجدي في نقاش وطني حول دستور جديد للبلاد خصوصاً أن الازمة وصلت الى حد لا يمكن معه الاستمرار في الصيغة القديمة أي صيغة المحاصصة الطائفية التي وصلت الى طريق مسدود لم يعد من الممكن الاستمرار فيها لاسباب كثيرة . لقد تغيرت التوازنات الداخلية وفشلت التوافقات التي قام عليها النظام اللبناني وارتكز اليها الطائف . وها هو لبنان يواجه أزمة تمتد الى أشهر عند كل منعطف لتشكيل حكومة “تفاهمات”… لقد وصلت صيغة التوافق الى طريق مسدود وليس الدستور هو الذي وصل الى هذه الطريق. ما يعني أن على اللبنانيين أن يذهبوا الى التفكير في تقليص هذه التفاهمات الميثاقية وأن يلجأوا أكثر فأكثر الى الدستور والقوانين المكتوبة وليس الى الأعراف التي لا حدود لها والتي تتوسع يوماً بعد آخر. ويكفي أن نشير الى أزمات تشكيل الحكومة، وأزمات توظيف الناجحين، وأزمات التعيين في ملاكات المؤسسات الأكاديمية والأمنية وسواها…

اذاً نحن بحاجة الى دستور جديد يلحظ البعد القانوني والدستوري أكثر مما يلحظ الاعراف هذا على المستوى الداخلي، طبعا لبنان كان دائما متأثر بالبعد الاقليمي نحن نحتاج الى بيئة إقليمية أيضا مستقرة تساعد في دعم مثل هذا النقاش الداخلي وتساهم في دعم الإستقرار الداخلي وتساهم في إيجاد صيغة تفاهمات على الدستور الجديد، بما يجعل للمواطنة والعدالة والمساواة القدر الاكبر في هذا الدستور فنتجنب أكبر قدر ممكن التأثيرات الخارجية ونتجنب في الوقت نفسه أكبر قدر ممكن من الأزمات الداخلية التي تتوالد كل بضع سنوات.

العميد مروان شربل، وزير الداخلية والبلديات الاسبق، عميد متقاعد

العميد مروان شربل

في ظل الازمات والانقسامات والهزات المتكررة نتيجة فقدان الحس بالمواطنية وعدم الايمان بنهائية لبنان كوطن لجميع أبنائه اضافة الى التطلعات المختلفة للمستقبل . لم يعرف اللبنانيون استقرارا دائما وطويلا بل كان في كل مرة يتأرجح يمينا ويسارا حتى تأتي الوصاية من الخارج فيرضخ الجميع مؤقتا

اقتنعوا ان الطائف هو نهاية للحرب وبداية للسلام فكتبوا وثيقة الوفاق ولزموا صفقة تطبيقها بالتراضي لطرف خارجي ولما غاب هذا الطرف تعرقل التطبيق فساد الضياع .

لقد تضمن الاتفاق جدولا زمنيا لتطبيق بنوده خلال 5 سنوات . لم يلتزم احد به حتى انقسم السياسيون فراح بعضهم يحمل الاخر فشل التطبيق فاتحا شهية البعض للاطاحة به او اضافة

بنود له مصلحة فيها . كلها تحقق عنوان المثالثة لضمان حقوق البعض او الفيدرالية لحماية الاخرين من المتغيرات الديمغرافية او الامتناع عن طرح اي تغيير في النظام قبل استكمال ا تبقى من بنود .

يجب الاعتراف انه لو استكمل ما تبقى من بنود الاتفاق فإن الخلل سيظل قائما وان من دمر وقتل وضرب وخطف سيكون رجل اصلاح وبناء .ومشكلة دستور الطائف انه لم يكن علاجا لمرض عضال في الجسم اللبناني بل كان مسكنا اثبت عدم جدواه وفعاليته

ان المشكلة اكبر من البلد . تحتاج الى تفاهم حقيقي تطيح بالتسويات الهشة التي فرضها الخارج وتعيد لنا الثقة بالنفس وان نبتعد عن تقاسم الحصص وان لا نعتبر ان عرقلة المسارات السياسية اكراما للتوازن المعنوي بين الطوائف وقادتها امر عادي. علينا ان نختار بين هوية مواطن او إقامة ساكن في لبنان .

الدكتور عارف العبد . صحافي، استاذ جامعي وباحث ومؤلف، خبير بالاعلام والتواصل، مستشار للرئيس فؤاد السنيورة

الطائف

كل دساتير العالم قابلة للتطوير طالما انها نصوص من صنع الانسان، والموضوع هنا لا يتعلق بالدستور بل بوثيقة الوفاق الوطني التي اقرت في الطائف والتي حملت امكانيات التطوير لحماية الدستور والدولة اللبنانية.

الموضوع الأساس هل هناك توجه لبناني للتطوير ام لا؟
ما جرى حتى الان دل ان الممارسة السياسية اثبتت في لبنان انها اسفرت عن تعقيد الأمور وليس الى تسهيل الحلول. أفضل الدساتير في العالم يمكن ان تصبح فاشلة إذا كانت نوايا التطبيق سلبية، وهذا ما يجري في لبنان وما يتعرض له الدستور اللبناني خلال هذه الظروف، اذ ان ابسط النصوص الواضحة تتعرض لتفسيرات ومحاولات تطبيق مشوهة تضرب النص بروحه وجوهره.

لذلك، فان السؤال هو من وكيف سيطيق الدستور ؟
الميثاق الوطني الذي اقر في الطائف حمل بنودا إصلاحية للنظام لم تطبق حتى الان منها اللامركزية الإدارية والانماء المتوازن وقانون استقلالية القضاء وإعادة النظر بتقسيم المحافظات واقرار قانون انتخابات على اساس وطني يحافظ على العيش المشترك ولا يعمل على تدميره عبر ازكاء الروح المذهبية والطائفية كما هو جار.

الرئيس الراحل فؤاد شهاب وهو أبو الإصلاح الفعلي في لبنان أدرك ان قانون انتخابات الستين ايل الى تدمير الاستقرار في لبنان وانه سيساهم في تخريب التركيبة اللبنانية. لذلك اعتبر في بيان العزوف الشهير، ان الشعب اللبناني والتركيبة السياسية رافضة للإصلاح وهو لهذه الأسباب رفض التمديد والتجديد بالرغم من انه كان يحظى بالأغلبية النيابية.

وثيقة الوفاق الوطني في الطائف رسمت طريق تطوير النظام عبر فتح المجال لإلغاء الطائفية السياسية وتشكيل مجلس شيوخ على أساس طائفي أي انه ترك المجال لارضاء الطوائف وفي الوقت عينه، انصاف المواطنين، وبالتالي فان السير في تطبيق الطائف بكافة بنوده الإصلاحية كفيل بتنشيط النظام وحمايته من الارتدادات السلبية.

الغريب اننا لم نطبق الطائف ونتحدث عن ثغراته أو ان التطبيق لبعض البنود كان مشوها.

حماية لبنان تكون باحترام ميثاق العيش المشترك و وثيقة الوفاق الوطني وما من طريق اخر للخلاص والتقدم في لبنان والا فان الطريق سيكون مفتوحا لنمو الظواهر الشعبوية والشوفينية بكل اشكالها.

الاستاذ قاسم قصير، صحافي لبناني وكاتب سياسي. متخصص بالحركات الاسلامية

ا. قاسم قصير

في دستور اتفاق الطائف نقاط ايجابية مهمة ولم تم الالتزام بها لكنا تجاوزنا الكثير من المشكلات الداخلية والخارجية، ومن هذه النقاط الايجابية تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية ووضع قانون انتخابات نيابية على اساس غير طائفي وتشكيل مجلس الشيوخ وتحقيق استقلالية القضاء وتطبيق اللامركزية الادارية والتنمية الشاملة ، ولا تزال هذه النقاط الاصلاحية مهمة ويجب استكمالها ، لكن برزت نقاط اخرى تحتاج لتطوير ، كما ان التطورات الداخلية والخارجية فرضت قضايا اخرى تحتاج للمعالجة، ولذا لاحظنا الدعوات الى الفيدرالية والكونفدرالية واللامركزية الموسعة والحياد والتقسيم والمؤتمر الدولي واتخاذ خيارات جديدة بالاتجاه نحو الشرق ، اضافة لبحث دور لبنان في المنطقة والاوضاع الاقتصادية والمالية، وعلى ضوء كل ذلك وفي ظل الازمات التي نواجهها اليوم نحتاج لرؤية جديدة انطلاقا من اتفاق الطائف واستكمال تطبيقه مع تطويره وفقا لتغير الظروف الداخلية والخارجية.

ولذلك فان الافضل اليوم عقد مؤتمر وطني يعيد تقييم تطبيق اتفاق الطائف وما برز من ثغرات خلال التطبيق ووضع الحلول لها ، وكذلك مناقشة كل القضايا الخلافية والاشكالية التي برزت في السنوات الاخيرة ووضع الحلول لها .

طبعا نحن الان في ازمة عميقة مالية واقتصادية وسياسية وامنية وهي تحتاج لعلاج سريع عبر تشكيل الحكومة ووضع خطة اصلاحية سريعة وبعد ذلك يمكن الذهاب الى عقد المؤتمر الوطني وبحث كل المواضيع الاشكالية.

ولا بد من الإشارة أخيرا إلى أن الأوضاع اليوم في لبنان لم تعد أزمة تقليدية عادية حول تشكيل الحكومة أو تعيين الوزراء أو المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والمالية .

نحن أمام أزمة كيان ونظام بكل ما تعنيه هذه الكلمات ولذلك هناك دعوات إلى الفيدرالية أو الحياد أو عقد مؤتمر دولي وبالمقابل هناك قوى مرتبطة بصراع المحاور في المنطقة والدعوة إلى كونفدرالية مشرقية أو تعاون مشرقي أو تكامل إقليمي وهناك من يدعو لتولي الجيش ادارة البلاد أو تشكيل حكومة برئاسة قائد الجيش اللبناني لذا لا بد من مناقشة كل هذه الأوضاع أما من خلال مؤتمر وطني أو حوارات حقيقية وكما لا بد من مواكبة التطورات والمتغيرات الحاصلة في المنطقة.

الدكتور مشير باسيل عون، كاتب ومفكر فلسفي لبناني، استاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية

د. مشير عون

يدرك جميعُ الدستوريّين أنّ اتّفاق الطائف تَعتوره ثغراتٌ قانونيّةٌ خطيرةٌ ينبغي التبصّرُ في استصلاحها. زد على ذلك أنّ القرائن التي اكتنفت أعماله وقراراته تبدّلت تبدّلًا جسيمًا في الواقع اللبنانيّ والعربيّ والإقليميّ. ليس المقام هنا مقامَ التبسّط في مثل هذه التناقضات التي يعرفها القاصي والداني. وكذلك لا يخفى على أحد أنّ التحوّلات الدَّموغرافيّة التي أصابت الاجتماع اللبنانيّ، وقد صاحبتها ضروبٌ شتّى من المنازعات السياسيّة المتفاقمة والتباينات الثقافيّة الحادّة، تَضطرّ جميع اللبنانيّين إلى التفكّر الرصين في إعادة بناء النظام السياسيّ اللبنانيّ بناءً يلائم حقائق الوجدانات الطائفيّة ووقائع المتغيّرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة. أمّا المسألة الثالثة التي ينبغي إلقاء البال إليها، فهي أنّ الأرض اللبنانيّة تحوّلت ساحةً مفتوحةً تُستنبت فيها صراعاتُ المنطقة العربيّة بأسرها وتجاذباتُ الشرق من أدناه إلى أقصاه.

ومن ثمّ، يخطئ مَن يظنّ أنّ اللبنانيّين قادرون على الاضطلاع الرزين بأوضاعهم الذاتيّة. لا ريب في أنّ عجز اللبنانيّين عن تحمّل مسؤوليّة وطنهم يقترن، في المقام الأوّل، بنزوعهم الفطريّ إلى استجلاب الاستعمار، أو قلْ الاستدمار العربيّ والإقليميّ والغربيّ. فاللبنانيّون، شئنا أم أبينا، جماعاتٌ متشنّجةٌ تستجدي العطف الخارحيّ، وتسترشد هداية الآخرين، وتستقطب أطماع الغرباء. فإذا بها تستتبع ذاتَها، طوعًا وطربًا، لمشيئات القوى العربيّة والإقليميّة والغربيّة التي تزيّن لها مباهج الاستعلاء والتسلّط والهيمنة على الجماعات اللبنانيّة الأخرى. من أصول النزاهة الفكريّة أن نعترف بأنّ اللبنانيّين جماعاتٌ تنتظر رأي الآخرين، ورضى السفراء، وحماية الخارج. ذلك بأنّ محفل السياسيّين اللبنانيّين الذين يتوارثون الحكم عنوةً واغتصابًا يعتنقون بالفطرة ذهنيّة السفارات كلّها، من مشرقها إلى مغربها، وذهنيّة القناصل كلّهم، من يسارهم إلى يمينهم. أعجبُ العجب في هؤلاء اللبنانيّين الذي يُصرّون على نزاهة تبعيّتهم للقوّة الخارجيّة هذه أو تلك، وفي مخيّلتهم أنّهم يخدمون لبنان خدمة جليلة. والحال أنّ القوى الخارجيّة

لا تشتدّ شوكتُها وتترسّخ منعتُها بمساندة وطنٍ ضعيف كالوطن اللبنانيّ، بل باستباحة مشيئته واستعباد مواطنيه من أجل صون مصالحها الإستراتيجيّة العليا. وحدها الأمم المتّحدة، وهي على ما هي فيه من وهنٍ وتحلّل، تحرص على مصالح الأمم المستضعفة. لذلك يجدر بجميع اللبنانيّين أن يلجأوا إلى شرعة حقوق الإنسان العالميّة التي ما فتئت تحمل لواءها بعضُ الدول المقتدرة التي ما برحت تحترم الإنسان داخل أسوارها وخارجها.

يكفينا أيضًا أن ننظر في تاريخ الجماعات اللبنانيّة حتّى ندرك مقدار التأزّم الذي أصابها. فالمسيحيّون والدروز حاولوا بناء معيّة لبنانيّة أصيلة مستقلّة، فأخفقوا وتقاتلوا. والمسيحيّون والسنّة اجتهدوا في ترميم المعيّة اللبنانيّة، فأخفقوا وتقاتلوا. والمسيحيّون والشيعة ظنّوا في العقدَين الأخيرَين أنّهم قادرون على بعث المعيّة اللبنانيّة، فأخفقوا وزجّوا لبنان في أتّون الصراع الإقليميّ. يعتقد بعضُ السنّة وبعضُ الشيعة اليوم أنّهم قادرون على الاستئثار بخيرات الأرض اللبنانيّة وعقد معيّة متواطئة تُقصي المسيحيّين، وذلك من بعد أن ضرب في هؤلاء اليأس والإحباط والقنوط، واجتاحتهم رغبة الكفر بلبنان وبمسؤوليه، المسيحيّين قبل المسلمين، واستولت على أذهانهم هواجسُ الاقتلاع البطيء والتهجير اللطيف.

على تعاقب العقود، ما انفكّت الجماعات اللبنانيّة تتصوّر خير لبنان ومصلحته العليا في مرآة وجدانها وحقائق واقعها ومعطيات ديمومتها. حتّى اليوم الراهن لا يني السنّة يعتقدون أنّ مصلحة لبنان مضمونةٌ في حضن الائتلاف العربيّ، وفي لاوعيهم أنّ الائتلاف تكفله المشيئة المصريّة أو السعوديّة. حتّى اليوم لا ينفكّ الشيعة يعتقدون أنّ مصحلة لبنان مكفولةٌ في محور الممانعة، وفي لاوعيهم أنّ الممانعة تكفلها المشيئة السوريّة أو الإيرانيّة. أمّا المسيحيّون، فإنّهم يطالبون بالحياد والرعاية الدوليّة المنزّهة، وفي لاوعيهم أنّ الأمم المتّحدة، على وهنها وترهّلها، ليس لديها إيدلوجيا دينيّة عقائديّة وليس عندها أطماعٌ استئثاريّة تسلّطيّة. هل يجرؤ اللبنانيّون على المصارحة والمكاشفة وتدبّر الاختلافات العميقة التي تَفتّ في عَضُدهم؟ كيف يستطيع اللبنانيّون، وحالهم على هذا التشتّت، أن يخرجوا بدستور جديد ينجّيهم من التعانف والاحتراب؟ من ثمار التحليل النفسيّ الجماعيّ أن تعترف الجماعات المسيحيّة والسنّيّة والشيعيّة أنّها تريد أن تحكم لبنان حكمًا منفردًا يُعزّز منعة كلّ جماعة على حدة. وهذا من باب الاستحالة. أمّا مسألة الشورى في النظام اللبنانيّ التعدّديّ، فأترك للقارئ حرّيّة الحكم عليها مستندًا إلى عبَر المئويّة اللبنانيّة الأولى.

يقيني الراسخ أنّ هؤلاء اللبنانيّين ما تجرّأوا على النظر في إخفاقات معيّتهم، وقد تنوّعت أسبابها الفكريّة والثقافيّة واللاهوتيّة والأنتروبولوجيّة والاجتماعيّة والسياسيّة. آن الأوان لكي يعترفوا بإخفاقهم، ويُفصحوا عن حقائق وجدانهم الطائفيّ، ويتشاوروا من غير احتراب في سبُل تدبّر التنوّع الأصليّ الذي انعقدت عليه معيّتُهم. أقترح نظام المتّحدات الفِدراليّة الثقافيّة الذي يضمن وحدة الأرض اللبنانيّة، ويصون تنوّع التصوّرات الوجدانيّة الثقافيّة الخاصّة، ويحرص على التكامليّة البنّاءة بين المتّحدات المستقلّة في إدارة شؤونها، المتآزرة في تعزيز كرامة الإنسان اللبنانيّ الفرد، الحرّ، المسؤول. ليس بالمستحيل العثور على صيغة فِدراليّة تنصف، على قدر الإمكان، المتّحدات اللبنانيّة الأربعة، المسيحيّة والسنّيّة والشيعيّة والدرزيّة. كلُّ تسوية ميثاقيّة أخرى لا تطمئن وجدان الجماعات اللبنانيّة إنّما تظلّ عرجاء، حمّالة أوجه، منطويّةً على أسباب المعانفة الطائفيّة والاقتتال المستمرّ. في جميع الأحوال، يمكن أن يتصوّر المرء دستورًا لبنانيًّا جديدًا يراعي نظام المتّحدات، فيستحدث مجلسًا رئاسيًّا يضمّ رؤساء المتّحدات الأربعة، يتناوب فيه الأعضاء على مقام تمثيل المجلس الرئاسيّ مرّة كلّ سنة، على غرار المجلس الكونفدراليّ السويسريّ.

لذلك أعتقد اعتقادًا راسخًا أنْ لا حلّ في لبنان ما دامت المسائل الثلاث الخطيرة هذه عالقةً في تشنّجاب الوعي اللبنانيّ، عنيتُ بها مسألة المعيّة اللبنانيّة والنظام السياسيّ الأمثل، ومسألة الصراع اللبنانيّ الإسرائيليّ والتجاذبات العربيّة-العربيّة والاستقطابات الإقليميّة، ومسألة الفساد اللبنانيّ الشامل العابر الطوائف. لا سبيل إلى معالجة هذه المسائل بعضها منعزلًا عن بعضها الآخر. فهي قضايا متضايفة متلاصقة متلاحمة تستوجب التناول العلاجيّ المشترك.

ندوات الملف الاستراتيجي

يحرص الملف الاستراتيجي على توثيق واسع لاراء الخبراء والباحثين حول المسائل الاكثر تاثيرا" بالمسار العام للاحداث وانعكاساتها على المنطقة العربية. يشمل ذلك ندوات مكتوبة او اجتماعات افتراضية. يعيد الموقع نشر المحاور في كتب الكترونية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى