إقتصاداجتماعقراءات معمقة

الطبقات الاجتماعية-الاقتصادية في لبنان على وشك إعادة الهيكلة! مرحبا بكم في لبنان الجديد

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

في ظل القيود الالزامية المفروضة من قبل المصارف في لبنان ، أصبحت أنت كمواطن لبناني عاجزا عن الحصول على راتبك كاملا دفعة واحدة، فقط يسمح لك بالحصول على 200 دولار أسبوعياً كحد أقصى، ولأن المساواة في الظلم عدل، فالأمر ينطبق على الجميع سواسية حتى وإن كنت من أصحاب الملايين.
لقد أدى التحكم الوحشي في رأس المال الخاص بالمواطن اللبناني إلى تغيير جذري في العادات والسلوكيات الاجتماعية، فمع هذا التخفيض الحاد في السحوبات المصرفية، أصبح الجميع عاجزا عن تلبية مطالبه الأساسية، حتى وإن كان من الفئة الأكثر ثراء.
فهناك البعض مثلا ممن يمتلكون أرصدة بنكية بالملايين ولكنهم قد لا يستطيعون شراء تذكرة سفر إلى إحدى البلدان الأوروبية، ذلك لأن الرصيد المتاح لهم عبر بطاقة الصرف الآلي قد تم خفضه تماما لدرجة قد تبقي صاحبه مكتوف الأيدي، وهو بالعادة من كان ينفق ببذخ على الإقامة في الفنادق الفخمة وتناول العشاء في أرقى المطاعم ناهيك عن متعة التسوق داخل أروقة الماركات العالمية.
الآن تساوت الرؤوس، فلا فرق إذن بين المليونير وحارسه الشخصي، الجميع يمتلكون نحو 1000 دولار فقط في أرصدتهم. ولكن الشئ المؤسف بالنسبة لأولئك الأثرياء ليس مجرد تخفيض السيولة النقدية المتاحة، ولكن مجرد تصور فكرة اضطراره للانتظار بالساعات، مثله مثل كافة “البروليتاريين”، رهن إشارة موظف الكاونتر بأحد البنوك ريثما يؤذن له بالحصول على الفتات من الدولارات، أمر يصعب تقبله بالنسبة لمن اعتاد على أن يستقبله المصرفيون بحفاوة تامة بل ويحسنون ضيافته ويبدون استعدادهم التام للتعاون معه.
إلا أن الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد قد جعلت من صاحب الملايين والشأن العالي هذا- سابقا- مضطرا إلى استعطاف البعض ممن هم دونه في المستوى الاجتماعي والاقتصادي- من وجهة نظره- فقط من أجل بضعة دولارات أسبوعياً.
في الواقع، لقد انقلبت الأوضاع وتبدلت الأحوال تماماً. فذاك المليونير المسكين لطالما كانت تتهافت عليه المصارف في الماضي لجذبه نحو تحويل أرصدته الضخمة، فضلا عن تقديم أفضل العروض التي تشمل أعلى سعر فائدة ممكن، كان بمثابة محور للتنافس بين البنوك في سبيل فوز أحدهم بتلك الغنيمة والفرصة العظيمة.
اليوم، باتت صرخات صاحبنا المليونير في وجوه موظفي البنك قائلا:” أريد أموالي الآن” لا تجدي نفعًا على الإطلاق. كما أن تهديداته بسحب أمواله وإيداعها في بنك آخر لا تلقى أي استجابة من ذاك المصرف ذو التصنيف المنخفض عالميا والذي يعاني من أزمة في الاحتياطي النقدي في الأساس، وبالتالي فهو لا يبالي بأي تهديدات او صرخات على الإطلاق.
ولعل المأساة الكبرى في حياة هذا المليونير تحدث عندما يتم رفض إيداع شيك خاص به في أحد البنوك العالمية في دبي أو زيورخ مثلا دون سبب واضح. وحينما يتوجه نحو مصرفه الأصلي متسائلاً عن سبب رفض عملية التحويل، يتلقى الجواب ذاته في كل مرة:” لقد بذلنا قصارى جهدنا، لعل المشكلة في البنك الذي تتعامل معه في الخارج”. هنا يضطر صاحبنا الذي بات لا حول له ولا قوة إلى إيداع شيكه البائس في نفس البنك الذي يعاني من علاقته به اصلا.
وها هو بطل قصتنا يعاود الكرة من جديد، يتوجه إلى البنك في الصباح غاضبا صارخا مطالبا بصرف بعض الدولارات الإضافية بزعم حاجته إلى شراء الديزل لتشغيل التدفئة بمنزله الخاص، فيأتيه الجواب من أحدهم بالداخل متهكمًا:” إنك تسكن في أنطلياس الدافئة، أنت لست بحاجة إلى الديزل حالياً، سننظر في طلبك الشهر المقبل”.
ويبقى التساؤل الآن هل ما زالت تلك الفئة المليونيرية تشكل نسبة 1% من الشعب اللبناني كما كنا نراها دوما على تلك الشاكلة؟ من بات ينتمي الآن حقيقة إلى تلك الفئة المحدودة؟ هل هناك فائز في نهاية تلك اللعبة من الأساس؟
قد تشير الإجابة إلى تلك الفئة المحدودة من الأثرياء ذوي العلاقات الوطيدة برجال السلطة، الذين يمتلكون المال والوساطة معاً، مما يجعلهم قادرين على تحويل أموالهم إلى خارج البلاد كما يحلو لهم. لا شك أن البعض ممن تنبهوا للتحذيرات من الوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان التي ملأت الصحافة اليومية، قد رفضوا الاشتراك في مخطط بونزي الاحتيالي، وبالتالي رفضوا وضع ثقتهم مطلقا في القطاع المصرفي، والذي طالما بدا كمدينة سعيدة تتفاخر بعملائها وأصحاب الودائع لديها، إلا أنها ترقد الان على بركة من الانهيار التام.
لا يمكن أن ننسى بالطبع ان مثل تلك الظروف الحالكة تدفع نحو تنامي الدور الملحوظ لفئة مجتمعية أخرى، والتي تشمل الأفراد المسلحين والخارجين على القانون، مما يعيد إلى الذاكرة شبح الحرب الأهلية من جديد، فها هو الأقوى يحصل على أمواله قسرا”.
لقد أصبحت الضوابط والقيود الجديدة على امتلاك رأس المال في لبنان اكبر عملية قيود على الرأسمال منذ الثورة البلشفية عام 1914. وكحال الاتحاد السوفياتي السابق تماماً، فإن نسبة الـ 1% هناك لم تعد تلك التي تمتلك الاموال بل في الأساس اولئك المقربين من السلطة. وبالنسبة لنا في لبنان، فإنه كي يمكنك الانضمام إلى تلك الفئة المميزة فلا بد وأن تكون على علاقة وطيدة بمن يسمحون لك بتحويل أموالك إلى الخارج. فهنيئاً لك إذن إذا تمكنت من ذلك، ومرحباً بك في لبنان الجديد.
رابط المقال بالانكليزية (النهار)
اضغط هنا

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

دان قزي، باحث في جامعة هارفارد ومصرفي متقاعد

دان قزي كاتب وباحث زميل في مبادرة “القيادة المتقدمة” في جامعة هارفارد، وهو برنامج لكبار المديرين التنفيذيين للاستفادة من خبرتهم وتطبيقها على المشكلات ذات التأثير الاجتماعي. يركز قزي في أبحاثه بجامعة هارفارد على الإصلاح الاقتصادي والسياسي في بلد صغير افتراضي مليء بالفساد والإهمال، وهو رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي السابق لبنك ستاندرد تشارترد لبنان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى