إقتصاد

حلّ الأزمة المالية والمصرفية في لبنان بقلم الدكتور منير راشد

لقد قرأت مقالات عدة اقترحت حلولاً للأزمة، وبرز في معظمها الغموض بين الأهداف والوسائل، وخصوصاً خطة الحكومة التي اعتمدت أسلوباً مغايراً للنموذج الذي اتبع في الدول الصناعية خلال ازمة 2008، والفرق شاسع بينهما. فالأزمة العالمية آنذاك كان مصدرها القطاع الخاص وانقذتها الحكومات، بينما تبنت الحكومة اللبنانية خطة إنقاذ لأزمة خلقتها على حساب القطاع الخاص.

وتجاهلت خطة الحكومة التي أعدت بالتعاون مع “لازار” بأن مصدر الأزمة هو الحكومة التي اتبعت سياسات هدر للموارد على عقود والتي تجلت بتراكم وتفاقم الدين. كما ان سياسة الحكومة لتثبيث الليرة مقابل الدولار أفقدت الاقتصاد قدرته التنافسية وأغدقت في تقديم الدعم غير المنظور وفي الإفراط في الإنفاق وبخاصة على الأجور والرواتب. فاصبح معدل الأجر في القطاع العام يفوق بنسب مرتفعة مثيله في معظم الدول ذات الدخل الموازي للدخل في لبنان. اضف الى ذلك اتباع خطة استدانة بالدولار بدلاً من شراء الدولار من السوق المحلي للحفاظ على السعر المثبت فكان عاملاً إضافياً في تراكم الدين بالدولار.

على الرغم من ذلك لم تخطُ الدولة خطوة واحدة الى الأمام. وانغمست في إعداد خطة إصلاح استناداً الى افتراضات ومفهوم خاطئ للاهداف. فاستهدفت التمويل من صندوق النقد الدولي و”سيدر” بدلاً من البدء فورا بالإصلاح، كما اعتبرت انه من حق الدولة أن تنال من املاك المواطن بدلاً من صونها، معتبرة ان المواطن على استعداد لتحمل المخاطر الناتجة من سياسات الدولة لبقائه في بلده.

ما هو الحل البديل؟

أسباب الأزمة واضحة جداً إذ إن القطاع العام برمته هو المسؤول عما آلت اليه التطورات السلبية وعليه تحمل عبء الإصلاح، وستكون من خلال إعادة هيكلة مصرف لبنان والقطاع العام.

إنقاذ مصرف لبنان أولاً“Bailout operation”

الحل واضح ولا داعي لسيناريوات تضلل المواطن. فعلى مصرف لبنان التزامات مستحقة تجاه المصارف، وهذه الالتزامات هي بدورها استحقاقات تجاه المواطن. ولئن مصرف لبنان لا يستطيع الوفاء بالتزاماته للمصارف حيث ان الدولة الكريمة أنفقت وأهدرت هذه الأموال بسبب السياسات المالية المتعاقبة مما ادى في النهاية الى سقوط العملة والتخلي عن خدمة الدين. والبديل عن عدم قدرة مصرف لبنان الوفاء بالتزاماته للمصارف أن يتجه الحل نحو استبدال هذه الألتزامات كليا أو جزئيا بأصول (أسهم) في مصرف لبنان لصالح المصارف، أي أن المصارف تصبح شريكة في رأسمال مصرف لبنان وتصبح المالك الرئيسي له.

وهذا التغير في الملكية يتطلب التغيير في هيكلة إدارة مصرف لبنان. وقد يتكون مجلس الإدارة الجديد من الحاكمية (الحاكم مع نائب اول) وممثلين عن المصارف والمؤسسات المالية الأخرى. وتكون الأصوات موزعة نسبة الى الحصص مع منح الحاكم حق الفيتو.

ومن الممكن التداول بهذه الأسهم في سوق بورصة

بيروت، ويُحصر التدوال بها بين المصارف، المؤسسات المالية الأخرى، والحكومة فقط. ولا بد من وضع سقف لملكية اية مؤسسة من الإصدار الكلي (10% على سبيل المثال). هذا التغيير سوف يُخول السياسة النقدية بأن تصب في مصلحة الأقتصاد الوطني.

وهذا النموذج سيتيح الفرصة للمصارف باستعادة أموالها تدريجياً من خلال توزيع ارباح مصرف لبنان بعد تعديل قانون النقد والتسليف. وستتمكن الحكومة من استعادة دورها في السياسة النقدية من خلال شراء أسهم لمصرف لبنان في بورصة بيروت حين تحقق الملاءة في وضعها المالي، وبدوره يعيد الأموال المجمدة للمصارف. إن هذا الأسلوب للحل سيعيد الثقة التي فُقدت من خلال الترويج بأن الحل لن يكون فعَالاً سوى من خلال شطب ودائع المودعين في المصارف.

أما إعادة نص قانون النقد والتسليف فعليه أن يشمل الاستقلالية الكاملة للرقابة على المصارف وأن تكون مؤسسة مستقلة في الموقع والتمويل عن مصرف لبنان مع إعطائها جميع الصلاحيات الضرورية لتكون مؤسسة رادعة و تحافظ على ملاءة المصارف وتفادي تعرضها للمخاطر.

إصلاحات أخرى آنية

إن الإصلاح في الجهاز المصرفي يجب أن يُرفق بإصلاحات أخرى ومن أهمها:

1. تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية.

2. تحرير المعاملات في السلع والخدمات مع الخارج.

3. تحرير أسعار الفوائد، ويحدد مصرف لبنان فقط فوائد الخصم

لغرض إدارة السياسة النقدية.

4. خفض الاحتياطي الإلزامي من ضمن قانون النقد والتسليف لتوفير السيولة للمصارف.

5. تحقيق توازن مالي خلال ستة أشهر من خلال اصلاح سريع للكهرباء، تحويل سندات perpetual bonds الخزينة لدى مصرف لبنان الى سندات دائمة بدون فائدة وترشيد النفقات الجارية الأخرى وبخاصة الدعم وحصره في الأدوية الضرورية من خلال “كوبونات” ائتمان، وتتوقف الدولة كلياً عن الاستدانة.

6. إعادة هيكلة الديون المحلية (بالدولار والليرة)، وخدمة الدين المحلي بالدولار من خلال شراء الدولار من الأسواق المحلية.

7. شراء سندات الأورو بند الخارجية المخصومة ( باسستعمال جزء من الاحتياط بالذهب).

8. ازالة القيود على السحب من جميع الحسابات المصرفية الجارية (الدولار أو الليرة) بالليرة وبالسعر الحر.

9 . إبقاء القيود على التحويلات المالية الى الخارج (كابيتل كونترول) لحين إستعادة الثقة بالجهاز المصرفي.

10. البدء بالإصلاحات الهيكلية.

من المهم جداً أن تحقق الحكومة توازناً في المالية العامة في أسرع وقت ممكن لتخفيض الضغط على ميزان المدفوعات وتخفيف أعبائها على الجهاز المصرفي، وسعر صرف الليرة. وبما ان الإصلاح داخل الحكومة غير متوقع في القريب العاجل، فمن الضروري ان تتجه الخطوات الأولى الى وقف الهدر في جميع المرافق. اما حاجة التمويل الإضافية بسبب انفجار المرفأ فمن الممكن الاستناد في تمويلها الى المنح الثنائية وإشراك القطاع الخاص المحلي والأجنبي، وتكون هذه المشاركة على اساس المساهمة في الاستثمار و توزيع عائدات المرفأ توازياً مع مساهمة القطاع الخاص والعام.

رابط المقال اضغط هنا

الدكتور منير راشد رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية

الدكتور منير راشد هو رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية. استاذ محاضر في الجامعة الأمريكية في بيروت وخبير اقتصادي سابق في صندوق النقد الدولي في واشنطن العاصمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى