اجتماعالاحدث

جيمس كلارك: الفرقُ شاسعٌ بين رجل الدولة ورجل السياسة | بقلم هنري زغيب

يعرفه معظم المثقفين في العالم بمقولته الشهيرة: “الفرقُ بين رجل الدولة ورجل السياسة، أَنَّ رجلَ السياسة يفكِّر دائمًا في الانتخابات المقْبلة، بينما رجلُ الدولة يفكِّر دومًا في الأَجيال المقبلة، وأَنَّ رجلَ السياسة يعمَل لصالح حزبه أَو تياره أَو طائفته، بينما رجلُ الدولة يعمل لصالح بلاده، وأَنَّ رجل الدولة يوجِّه شعبه، بينما رجل السياسة يُوهِمُ شعبه”.

واستطرادًا، رجلُ السياسة يقتني من الدولة، ورجلُ الدولة يقْتني للدولة. رجلُ السياسة يَستخدمُ الدولة خدمةً لمصالحه، ورجلُ الدولة يَخدم الدولة لمصلحة بلاده. رجلُ السياسة يستغلُّ منصبه ليُفيدَ محازبيه، ورجلُ الدولة يستقلُّ منصبَه ليُفيد مواطنيه.

من هو؟

جيمس فريمان كلارك (1810-1888) كاتب أَميركي ولاهوتي معمِّق. ولد في هانوفر (ولاية نيوهامشِر)، درس في مدرسة بوسطن اللاتينية وتخرج من جامعة هارفرد سنة 1829.

بدأَ نشاطه الاجتماعي بالعمل على تحرير العبيد من الاسترقاق. وهو لاقى صعوباتٍ في ذلك وهجومَ المستفيدين من الاسترقاق، حتى أنه كتب يومها لصديقته مارغريت فولر: “أَنا صقْر مكسور الجناحين، طموحي أَن أَطير صوب الشمس لكنني أَجدني لا أَزال لصيقًا بوُحُول الأَرض”.

في بوسطن، أَسس سنة 1839 مع زملاء له “كنيسة الرُسُل”، وعمل في التبشير لصالح الإِنسانية في محيطه بين 1841 و1850، ثم من 1854 حتى وفاته.

أَفكارُهُ اخترقت أَجيال عصره

حقوق الإِنسان وحق المرأَة في الاقتراع

وضع نحو 28 كتابًا ونحو 120 مقالًا في توجيه الناس إِلى الخير العام، وإِلى رفض الاستعباد، وإِلى احترام القانون، وله عشرات الخطب والمواعظ غير المنشورة بعد. وأَسس مجلة “الرسول الغربي” التي نشرت القصائد الأُولى لصديقه الشاعر الأَميركي الشاب يومها رالف والدو إِمرسون (1803-1882)، ومعه أَسس “نادي الارتقاء والتسامي” الذي بات بعدئذٍ تيارًا فكريًّا فلسفيًّا.

ناضل كلارك ضد العنف، ومن أَجل حقوق الإنسان، وكان سنة 1878 عضو “لجنة تعليم المرأَة” في “المدرسة اللاتينية للبنات”، وعضو “الجمعية الفلسفية الأَميركية”. وناضل لنيل المرأَة حقوقها الكاملة، وجاء في فقرة من نصه في هذا الموضوع: “أَهمُّ عمل في الإِصلاح حاليًّا هو إِعطاء المرأَة حقَّ الاقتراع، وهذا ليس أَمرًا سياسيًّا بل أَمرٌ اجتماعي وأَخلاقي وديني معًا”.

رسالته لتحرير العبيد في الولايات المتحدة

من مبادئه الفكرية والاجتماعية

أَفضل تعريف به، متابعة أَقواله، هنا بعضها:

-“جميع الصبيان يرغبون باكرًا في أَن يكونوا رجالًا. لكنهم في رغبتهم ينسخون أَحيانًا معايب الرجال لا فضائلهم. يرون

الرجال يحتسون الخمر، ويدخِّنون، ويحلفون بالباطل، فيقلِّدونهم ويكبرون على مبادئ سامة مغلوطة، ظنًا منهم أَنها تلك من خصائص الرجال. لذا يعتمدون القسوة على أَنها مظهر قوة، وعدم احترام الأَهل على أَنه نوع من التحرُّر والاستقلال، يقرأُون قصصًا ورواياتٍ فاسدةً مفسدة، ويعتبرون بطولةً أَن يخالفوا القوانين. وفي هذه البيئة من نشأَتهم، يتلقَّفهم مجرمون يستغلُّونهم، فيتحوَّل الولد مجرمًا، ويُفسد أَترابًا له في محيطه. علاجُ ذلك كله: إِرشادُهم إِلى الكتب الصالحة، وتلقينُهم عاداتٍ خيِّرةً بنماذج صالحة في محيطهم أَو في قراءاتهم أَو في أَشخاص مثاليين من التاريخ، فيعون أَنهم في خطل وضياع وأَن الحقيقة هي كليًّا في مكان آخر، وهي التي تجعلهم عناصر مفيدة في محيطهم الضيق وفي مجتمعهم الواسع”.

كتاب عن سيرته

فضل الكُتب

-“حين أُفكر كم من الكتب رفعَت من مستوى النشْء الجديد، وأَفادت العالَم، وحثَّت الناس على الأَمل، ووعَّت فيهم

الشجاعة والإِيمان بالله، وخفَّفَت من آلامهم وشجونهم، وأَخذتْهم إِلى المثُل العُليا، واحتمالِ الصعوبة في الساعات القاسية، والتعرُّف إِلى أَفضل السبُل لمعرفة الجمال في كل شيْء، والاقتراب من التعاليم السامية، عندئذٍ أَحمد الله في عمق قلبي، وأَشكُره على تلك الكتُب التي تغيِّر المصير إِلى مصير أَفضل”.

-“حياتُنا تمر بين التقدُّم والتراجع، لكنها ليست أَبدًا في مكانٍ جامدٍ بينهما”.

-“وعيُنا أَننا سنموت هو الذي يَهدينا كيف نعيش”.

عالَم الشر وعالَم الخير

-“في كل رجل وامرأَة وطفل، موهبةٌ وقوَّةٌ وإِتاحةُ الفعل الخيِّر والعمل المفيد. وكل يوم يمر يعطينا فرصةَ أَن نستغلَّ هذه

الموهبة. وحين نستعملها تزداد قيمةً حتى تصبح طبيعةً لنا ثانية، فإِذا أَهملْناها تنقلب علينا وتختفي تباعًا ولن تعود”.

-“في عالم الشر يقود شيطان إِلى شيطان آخر، وتقود خطيئة إِلى أُخرى. فالطريق إِلى الخطيئة والشر سلِسَة مغْرية، لأَن

كثيرين سلكُوها قبلنا، لذا يعجُّ مجتمعنا بالخاطئين والأَشرار، وهم بدأُوا بالخطوة الأُولى فهانت لهم الخطوات الشريرة التالية التي يعتبرونها منطقية وطبيعية”.

أَثرُه في عصره

أَهمية هذا الرجل أَنه لم يقتصر في خُطَبه وأَحاديثه على الناحية الدينية اللاهوتية، بل توسَّع في كتاباته وكتُبه إِلى الإِنسان عمومًا، وإِلى المرأَة خصوصًا، فساهم في تطوير مجتمعه وتوعية الجيل الجديد فيه حتى يكون للنشْء الطالع أَن يسير في خط مستقيم صوب الفضائل والقيم.

وهو ما جعله في القرن التاسع عشر علَمًا بارزًا ذا أَتباع ومريدين، تلقَّفوا كلامه بعمق وإِيمان.

نشر المقال أولاً في النهار العربي.

هنري زغيب، كاتب وشاعر لبناني

شاعر وكاتب لبنانـيّ، له عدد كبير من المؤَلفات شِعرًا ونثرًا وسِيَرًا أَدبية وثقافية، وعدد آخر من المترجَـمات عن الفرنسية والإِنكليزية، وناشط ضالع في الحياة الثقافية اللبنانية والعربية منذ 1972. مؤَسس "مركز التراث اللبناني" لدى الجامعة اللبنانية الأَميركية، ورئيس تحرير مـجلة "مرايا التراث" الصادرة فيها. درّس في عدة جامعات في الولايات المتحدة منها جامعة جورج واشنطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى