الاحدثالشرق الاوسط

السوداني في الطريق إلى اصلاح ما خرّبه المفسدون … | بقلم علي الهماشي

بتكليفه يوم أمس الثالث عشر من تشرين الأول بتشكيل حكومة جديدة بعد مرور سنة كاملة على الانتخابات تكون أُولى عقد الانسداد السياسي قد تم فكها .

وعنوان المقال أعلاه ليس تأييدا مطلقا أو ضربًا في الخيال وإنما هو فهمي لقراءة بيان السيد محمد شياع السوداني بعد تكليفه رسميًا بتشكيل الحكومة العراقية .

المهمة لن تكون سهلة:
لن تكون مهمة السيد محمد شياع سهلة لا بالتشكيل الحكومي ،ولا بعدها. وربما ستضع العراقيل في محاولة لانهاء المدة القانونية التي يحتاجها أي مكلف .

وبالرغم من نجاح الإطار في الاتفاق مع المكونين الاخرين وفرض رؤيته واقناع الاكراد بتقديم مرشحيهما داخل مجلس النواب حيث كان اصرار السيد مسعود البرزاني أن يكون المرشح واحدًا ويعني مرشح حزبه ،لكن الاتصالات التي سبقت زيارة وفد الاطار ورئيس البرلمان الحلبوسي مهدت لقبول السيد مسعود بالاقتراح الذي يقضي بتقديم مرشحين لكل حزب مرشح من الحزبين الكرديين مع ضمان أن لا يتكرر سيناريو انتخاب رئيس الجمهورية في 2018.

ونجح الاتفاق وانتخب رئيس جمهورية جديد للفترة القادمة وبدوره سارع الى تكليف مرشح الكتلة الاكبر (الاطار) .

كل ذلك يبدو انه جرى بيوم واحد أنهى معاناة جماهيرية استمرت لمدة سنة كاملة بعد الانتخابات ،لكنه لاينهي المشكلة كلها.

وأعود لاُبين أنَّ مهمة التشكيل لن تكون سهلة لتباين أفكار ورؤى السيد محمد شياع مع الكثير من متبنيات مكونات الإطار ،وكذلك سيواجه مطالب الاحزاب الاخرى للمشاركة في الحكومة وستكون هناك مفاوضات صعبة لأن قبول بعض الشروط المعلنة ،وغير المعلنة فيها مجازفة لشكل الدولة العراقية على المستوى العام ،وبنية وترتيب الحكومة على المستوى الخاص ،وشخصية مثل السيد شياع قد لايرضى بهذه الفروض أو هذه التنازلات التي تسمى في عالم السياسية بالمرونة أو الواقعية للابقاء على الهيكل .

طريق الاصلاح:

ما ذكره في بيان التكليف فهو يدع ضمنًا التيار الصدري للمشاركة في الحكومة القادمة وهذا يعني (تجاوزا) على حصص بعض أطراف الاطار فيما لو وافق التيار على المشاركة في الحكومة ،والتيار لايملك غير خيارين لا ثالث لهما أما المشاركة أو عدمها وهي المرة الاولى التي لاتكون للتيار الصدري الكلمة الفصل في تشكيل الحكومة بالرغم من أنه كان المتصدر لنتائج الانتخابات ،وانسحاب نوابه من البرلمان بالاستقالة التي تم تقديمها إعتراضًا على تعطيل الجلسات بلعبة الثلث المعطل التي أجادها الاطار هي من أنهت دوره السياسي في التشكيل إضافة لما جرى بعدها أضعفت كثيرًا دوره كشريك يطمئن له من قبل حلفائه ،وكذلك المجتمع الدولي الذي يحب أن يشاهد التداول السلمي للسلطة ولا يستسيغ الانقلابات ومظاهر الدم في الشوارع .

لقد كان للتيار الكلمة الفصل وهو لايملك نصف المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات الاخيرة في الحكومات السابقة كلها بلا استثناء إلا انه لايستطيع هذه المرة ان يناور في هذا الأمر ،إلا باستخدام الشارع وهذا الامر فيه نقاش طويل وبما نتحدث فيه في موضوع لاحق بعد ما جرى في ليلة الاثنين الاسود التي أفزعت المدنيين في بغداد وولدت لديهم إحباطا وخوفا عميقا من القادم فيما لو نجح الانقلابيون .

المهمة الثانية الأصعب لحكومة شياع فيما لو كُتب لها النور فتتمثل في ازاحة التراكمات التي خلفتها الحكومة السابقة التي عمدت الى تمرير كم هائل من القرارات التي كانت بحاجة الى غطاء قانوني وبرلماني لتمريرها ،إلا أنها أصرت على هذا الأمر للايحاء للاطراف المحلية والاقليمية أنها باقية والمسألة مجرد وقت وتمضي المصادقة على الولاية الثانية ،أو تفرض حكومة طوارئ او يتم الاتفاق على تمديد بقاء هذه الحكومة لسنة اخرى تحضيرا للانتخابات وهي رغبة اعلنها مقتدى الصدر صراحة في إحدى بياناته والتي رفضها الإطار جملة وتفصيلا التي كانت تعني انتحارا سياسيًا فيما لو تمت الموافقة على مطلبه .

مهمة السيد شياع لن تكون سهلة وهو يعلن عن برنامج إصلاحي وأول الاصلاح هو ايقاف مفهوم (العلاقات العامة) التي تبناها رئيس الحكومة السابق لإرضاء أو اسكات رؤساء الكتل والشخصيات المؤثرة بل يتم ارضاء كل من يعارض في العلن مخالفات الحكومة ،ولهذا شهدت الفترة الماضية سكوتًا غريبا عن حجم الاخفاقات في الخدمات اليومية ،وكذلك نوع الاتفاقات التي أضرت بالبلد على المستوى الاستراتيجي ،فهذه أول التحديات التي لن تكون سهلة بالتأكيد فمعظم القوم يفكرون في مصالحهم الذاتية فقط .

وتعهد في كلمته أو بيانه بما نصه ” أتعهد أمامكم أنَّ حكومة الخدمة عازمة على غلق منافذ الفساد عبر القوانين والتشريعات الصارمة بالتعاون مع السلطتين التشريعية والقضائية” وهذا الامر يتطلب أعمالًا أولية تستبق كتابة مسودات القوانين لأن مفاصل الدولة والمناصب التنفيذية التي ستعمل على كتابة او تحضير مسودة القوانين بحاجة الى معالجة لا أقول بفسادها لأني لا أحب تعميم هذه المفردة على الكل بل أن تكون متوافقة ورؤية رئيس الحكومة لتصاغ المشاريع وفق رؤية واضحة لا تتخللها نقاط ضعف ينفذ منها الفاسدون أو المراوغون على أقل تقدير .

و يبدو ان السيد شياع يريد الاستفادة من تجربته كمحافظ سابق ليطلق يد الحكومات المحلية وهذه الرؤية محفوفة بالمخاطر فما زال للبلد قوانينه المركزية التي تصطدم مع حكومة المحافظات وهي تسير باللامركزية ،وهي خلطة غير متجانسة لم تفك عُقدها حتى الان وهذه بحاجة الى اتفاق سياسي قبل العمل الحكومي ويمكن للحكومي أن تشجع اللامركزية في الخدمات وفي تسهيل المشاريع المتوسطة على ان لا تصطدم بمصلحة البلد العليا وما تعهد به من امتلاكه رؤية لذلك قد يشجعنا على القول أنه في طريقه للاصلاح إن تم تنفيذ رؤيته التي نصت على” برنامجنا داعم للحكومات المحلية لتمكينها من تقديم أفضل الخدمات لمواطنينا وتنفيذ واجباتها وتلبية المطالب المشروعة لأبنائنا ” واما ما يتعلق بالعلاقة بين المركز والاقليم فكانت التفاتة ذكية حينما اشار الى الالتزام بالدستور “التزامنا بالعمل على وفق الدستور في تمتين العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان”.

ولم يشر السيد شياع الى انتخابات مبكرة ورغم ان كلمته تضمنت التعهد باجراء انتخابات نزيهة .

واول الاصلاح الذي تتبناه الحكومة هو ” ان الاوان لاسترداد هيبة الدولة ،وفرض احترام القانون” ويعني أن يكون هناك اصلاح في المؤسسة العسكرية والامنية وان “اعادة القيم ووقف نزيف التدهور “كما عبر عنها في بيانه تعتبر من طرق الاصلاح المهمة فلا إصلاح سياسي دون أن يكون هناك اصلاح اجتماعي وان تبنى الرئيس المكلف هذه الامر فسيكون اصلاحا حقيقيا في البني التحتية الاجتماعية التي بدورها ستكون عاملا لاصلاح الرؤوس السياسية او ازاحة الفاسد منها بطريقة تراتبية .

نأمل أن تتشكل حكومة السيد شياع بأسرع وقت وأن يجد الطريق لتنفيذ ما تعهد به في بيانه لاعادة الثقة للمواطن العراقي بالنظام السياسي ،وبه يعود المواطن جزءً منه بدلا من اتجاهه نحو العزلة والاغتراب الفكري والعملي التي تجهد قوى كثيرة على تنميتها في وعي المواطن العراقي سيما الجيل الالفيني الذي نشأ بعد 2003.

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي مواليد بغداد، له كتابات سياسية عديدة في الشان العراقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى