الاحدثالشرق الاوسط

الفعل السياسي: الاستراتيجية هي الأساس | بقلم بابوزيد محمد سعيد ؟

لعل تهافت الجماهير العربية والمغاربية اليوم وانشغالها بالسياسة والحديث عن السياسية و الخوض فيها، بالرغم من تفاوت المدارك المعرفية والمستويات وإختلاف السياقات والظروف، يبقى دائما النقاش السياسي يثير شهية الجماهير العربية بشكل عام والمغاربية بشكل خاص، ويشكل نافلة القول لديها. الى هذا الحد يبقى الأمر إيجابيا بصيغة معينة.

غير أن ميول الناس أكثر الى إعتماد الرأي الشخصي، وتكريس التنميط من خلال إعتماد نمط تفكير واحد ينهل من نفس المفاهيم والمفردات، و يعيد ذات الأفكار الجاهزة والمعلبة يتساوى فيه الأستاذ الجامعي والباحث والطالب والحلاق و بائع الورد والمواطن العادي ، هذا الواقع يعني بالنسبة للتحليل السياسي ان هناك أزمة حقيقة تعود لأسباب وتراكمات معينة ابرزها وبشكل اساسي يتجلى في : قتل “الحياة السياسية” و تحريفها في المنطقة العربية بشكل عام والمغاربية بشكل خاص، أوصل الوضع الى مرحلة الأزمة.

اليوم يمكن تصنيف المشهد السياسي والفعل السياسي بالمنطقة العربية والمغاربية الذي وصل الى مرحلة “التحنيط وظل مرتبط بمرحلة معينة و ماضية من التاريخ دون القدرة على التكييف مع شروط الحاضر” في خانة الأزمة. هذا الوضع الكارثي الذي وصلنا إليه والذي بطبيعة الحال نتحمل فيه المسؤولية التاريخية والأخلاقية الكاملة، مشاريع سياسية فاشلة قائمة مسلطة على رقاب الناس وان كانت تعيش حالة من التيه والإنكماش ، وتقف خارج سياق حركة التاريخ، هذه البنى سياسية الإستبدادية قائمة على القهر وقتل الحياة السياسية و تصفيتها تجني اليوم ثمار فشلها، جثث سياسية فاشلة بالية تجاوزها الزمن ولا تمتلك إمكانية التكييف مع تطور حركة التاريخ ومواكبة العصر، ولا تتوفر على شروط التطور.

ليس هذا هو الفشل الأول لها، فقد فشلت في السابق في تحقيق الوجود السياسي السليم، واليوم توصل المشهد السياسي الى مرحلة عنق الزجاجة.
السياسية بشكل عام ، والممارسة السياسية بشكل خاص لا تقبل التجريف والتحنيط ولا التنميط، هي في النهاية كباقي العلوم لا يمكن إلا ان تكون سيرورة إنسانية من التطور البشري، وقد يرى البعض ان هذه الخلاصات والإستنتاجات بهذا القدر من الأحكام لا تصح لتناول اشكالية متشعبة ومحكومة بعدة نظريات وتوجهات و رؤئ مختلفة خصوصا اذا تعلق الأمر بمقاربة الظاهرة السياسية وان هذه أحكام مبنية على تحليل عاطفي يطبعة التذمر والتشائم والإندفاع على مقاس بنية الخطاب التقليدي المطبع مع الواقع و الذي لا يتقن غير التبريرات و إنتاج المسكنات التي ساهمت في تعقيد الأزمة اكثر،ولكن على هذا الأساس سأنطلق في محاولة تبسيط هذه الأفكار:

دعونا ننطلق من جملة التعريفات الإصطلاحية المتداولة في علم السياسة في محاولة لمقاربة هذه الإشكالية موضوع المقال ولنقوم بالقياس على الواقع الراهن.

تعرف السياسية على أنها (فن توزيع القوة)، وهي كذلك (فن إستخدام القوة) يعني فن وليس القوة بمعنى القدرة والمؤهلات وشروط هذا الإستخدام ،و إنطلاقا من التدافع اي الإختلاف في الأفكار والاراء -صراع الافكار- بشكل أدق وأعمق، و التنوع في الإحتياجات وصراع عليها يتشكل اساس الظاهرة السياسية. بما يعني انه يمكن إعتبار جوهر السياسة هي القوة وتوزيعها بين الأطراف وآليات الاستحواذ عليها وآليات تعاطيها وصولا الى الحياة السياسية، هكذا فإن هذه الأخيرة هي محاولة التأثير على الأخرين بسبب الكاريزما التي يمتلكها طرف معين او شرعية او المال، اي في النهاية هي قدرة (أ) على فرض إرادته على (ب) هكذا يجري التعامل السياسي.

وبالتالي فالسياسة في الجوهر هي القدرة على التأثير وليس التأثير بالإكراه.

وإذا كانت الظاهرة السياسية تتمظهر اساسا في الفعل السياسي او العمل السياسي الذي تعد القوة أهم قواعده الاساسية كما أسلفنا سابقا ، فإن الخطاب السياسي كأداة للفعل السياسي يشكل أحد أهم أركانه، واذا كان هذا الخطاب يعتبر احد أكبر الأدوات السياسية كون الخطاب السياسي جزء من الفعل السياسي، فإن امتلاك اطر قادرة ومؤهلة للتعامل مع الظاهرة السياسية من خلال إعتماد مناهج منطقية للتفكير والحوار والقدرة على تكييف التطورات والتفاعل معها، يتفترض مؤهلات وشروط معينة من بينها ان يكون هناك إلتزام بالضوابط الموضوعية في إستحضار الحقائق، وتركيب الحجج، وعلاقة الحجج بالنتائج التي يفترض الوصول إليها. هذه الإمكانية تفترض الأهلية العلمية والذاتية. و التدبير العلمي للخطاب الداخلي والخارجي أو هما معا .

الإستراتيجية هي أساس أي مشروع سياسي إنطلاقا من القاعدة التي تقول “الأمم التي لا إستراتجية لها وليس لها تصور موضوعي للمستقبل تضيع في تعقيدات الواقع”، و الاستراتيجية تكون بالأساس مبنية على دراسة علمية لنمط التحركات والأحداث. و تأسيس القدرة على التموقع. فكل مشروع سياسي معين، تعتمد عمليا على مستوى الممارسة السياسية على محورين اساسيين :
(التكتيك والإستراتيجية) الذين تحكمهما علاقة جدلية تكاملية لا يمكن الفصل بينهما ، فمثلا لو تحقق النجاح التكتيكي و كان هناك إخفاق او فشل إستراتيحي ، سيؤدي لا محالة بالنهاية فشل المشروع السياسي ككل، الاستراتيجية هي البوصلة التي يضبط على اساسها التكتيك لتحقيق الأهداف السياسية.

هذه التعريفات على بساطتها تشكل جوهر الممارسة السياسية، على ضوئها كيف يمكن أن نحدد موقعنا اليوم ؟

في محاولة لمقاربة الفعل السياسي اليوم بسياقنا وواقعنا سيقودنا حتما الى الإستنتاجات والخلاصات التي شكلت مقدمة هذا المقال.

فعلى مستوى المفاهيم السياسية التي تم تداولها في هذا المقال المتواضع والتي حاولنا عبرها مقاربة إشكالية الممارسة السياسية كيف يمكن تحليل وضعنا اليوم ؟

على مستوى الإستراتيجية السياسية كجوهر كل مشروع سياسي، أتمنى ان لا يكون تحليلكم يقودكم الى القول اننا نضيع حقا في تعقيدات الواقع .

با بوزيد محمد سعيد ناشط حقوقي

مدافع عن حقوق الإنسان وفاعل في مجال التنشيط الثقافي. يتابع التخصص في الحقوق في جامعة الحسن الثاني المحمدية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى