الطائف: من الكفاح المسلح الى المقاومة، سلسلة تاجر الامل وبياع الخواتم (3)
يعرض الملف الاستراتيجي للمحور الثالث من سلسلة الطائف: تاجر الامل وبياع الخواتم، حيث تناقش الشخصيات المشاركة السؤال التالي : لم ينتهِ دستور 1943 مع انتهاء الحرب، بل انتهى أواخر الستّينيّات مع بداية الشرح الواسع في لبنان والمنطقة، والاستقطاب حول القضيّة الفلسطينيّة وبذور الضعف السياسيّ التي أظهرتها المقاومة الفلسطينيّة والدولة ضمن الدولة. وهي البذور التي يمكن أن تكون مستمرّة اليوم في شكل مختلف ومعطيات مختلفة مع المقاومة الإسلاميّة وحزب الله. ما صحّة هذه المقاربة؟ تقوم تركيبة لبنان السياسية المعقدة على جملة من التناقضات والاختلافات بين ما تضمنه الدستور من نصوص وما حمله الميثاق الوطني المعروف بميثاق 1943 ، وتعود التوترات السياسية التي لا يزال يشهدها النظام السياسي اللبناني إلى هذه التركيبة المعقدة ، مضافا إليها ما درجت عليه الممارسة القائمة على جملة من التناقضات المنبعثة والمرافقة للتطور السياسي والإجتماعي للبنان، والذي خضع دائماً لتداخل وتشابك مجموعة من العوامل التي كانت من جهة أولى تمثل علاقات الحركة والتفاعل بين مختلف الطوائف اللبنانية، ومن جهة أخرى تأثير الضغوطات التي تمارسها الظروف والأوضاع الإقليمية والدولية. وفي مسيرة بدأت مع النكبة في فلسطين والاعتداءات المتكررة على المناطق الحدودية الى تصاعد الكفاح المسلح الفلسطيني الذي اخذ شكلا" شرعيا" مع اتفاقية القاهرة مرورا" بالمقاومة الوطنية اللبنانية الى قادتها احزاب الحركة الوطنية اللبنانية وصولا" الى المقاومة الاسلامية ومأسستها عبر دخول المقاومة في نصوص البيانات الوزارية المتلاخقة. وكانت هذه الممارسة تتم من خلال الطوائف كل منها لتعظيم مصلحته وغالبا ما كانت تأتي لمصلحة إحدتها على حساب الاخرين. لطالما دفع النظام السياسي الإجتماعي القائم الثمن وتعرض للمخاطر بفعل هذه الصيغة أو تلك المفروضة بقوة العوامل الإقليمية على طبيعة العلاقات بين الطوائف ما يجعل الظروف ناضجة للتشظي ومن ثم الإنفجار كل ذلك لا يعني أن الميثاق الوطني 1943 لم يشكل نقطة التقاء وتوافق حول الامور الخلافية بين اللبنانيين. علما أن المشترع أو المنتدب لم يراع في وضع الدستور أوضاع لبنان التي تختلف بشكل كلي عما كانت عليه الأحوال والظروف على كافة الصعد في فرنسا عهد الجمهورية الثالثة. (د.مازن مجوّز)
لمن فاته متابعة المحورين الاول والثاني:
الطائف: حدود المسؤولية بين النص والتطبيق| سلسلة تاجر الأمل وبياع الخواتم (1)
الطائف: من القدر الإقتصادي إلى القضاء والقدر |سلسلة تاجر الامل وبياع الخواتم (2)
الاميرة حياة ارسلان رئيسة هيئة تفعيل دور المراة ، منسقة مجلس مجموعات من الثورة
الاكيد هناك أحقية كبيرة في الموضوع وخصوصاً ان الذي جرنا الى الحرب وأعطى نوعا من الشرعية للوجود الفلسطسني وحقه في المقاومة من اراضينا هو اتفاق القاهرة الذي تم عام 1969 ، وهذا هو أحد العوامل التي ساهمت في تقويض اساسات الدولة اللبنانية ووجودها، وبالتالي لا أحد ينكر انه كان هناك طرح ومحبذ جداً لا بل كانت تعمل عليه اسرائيل بأن يكون هناك لبنان وطن بديل للفلسطينيين، والحمدلله أن المقاومة اللبنانية وصمود اللبنانيين هو الذي الغى هذا التوجه .
ويفترض هذا المحور أن الامور لا تزال مستمرة بشكل من الاشكال وهي وجود حزب الله على الساحة اللبنانية وسيطرته على كل الدولة اللبنانية . وانا اقول طالما ان اللبنانيين لم يجلسوا من اليوم الأول على طاولة الحوار بنية سليمة وتباحثوا بالهواجس التي تجعلهم لا يتوافقون وكل طائفة من الطوائف تبحث عن حليف في الخارج تستند اليه وتحتمي به ضد طائفة من المفترض أن تكون متعايشة معها، وان تكون هاتين الطائفتين من مكونات لبنان الاساسية. هذا السبب الاساسي الذي يجلعنا نستمر بهذه الحالة المأساوية، بفعل غياب حل لهذه الهواجس بالعدل وبالاستناد الى القانون والدستور كسقف كل التوازنات والوضع السياسي والوطني ككل واذا لم يعتمدوا الديمقراطية لحل أي تباينات قد تنشأ عندها ولا يمكن لبنان أن يصل الى السلام ولو لمرة واحدة في حياته
اليوم حتى الحياد المطروح الذي كلنا نتمناه اذا لم يحصل توافق على اسس هذا الحياد وتوافق الجميع عليه سيظل سبب لمشكلة جديدة بدل ان يكون الحل . اليوم هناك فائض قوة وامتلاك للسلاح وهناك تعجيز للوصول الى حوار على نفس المستوى .يجب ان يحصل حل وعندما تتحقق حصرية السلاح بيد الجيش اللبناني ويجلس اللبنانيون متساوين بالقوة التي يجب أن تكون كلها تحت سقف الدستور والمساواة امام القانون وان تكون العدالة هي الفيصل الذي يحكم العلاقات اللبنانية اللبنانية عبثا نحاول الوصول الى حل للمعضلة اللبنانية .
قدمنا الكثير من الحلول الجذرية لكن كله كان يؤجل ولم يكن يبنى على اسس سليمة ففي العام 1943 كان البعض يقول للاخر انت لا تنظر الى الغرب ونحن لا نتطلع الى الشرق لكن ماذا فعلنا حتى ثبتنا هذه المعادلة بقينا كل واحد ينجذب الى الناحية التي تشعره بانه الاقوى ثم وقعنا بثورة 1958 كانت ثورة طائفية ثم بدأنا بحروب اوائل الستينات ولم تنته الا أواخر الثمانينات وكانت من اقسى الحروب بالعالم وليس في لبنان تداخلت فيها العوامل الداخلية مع العوامل الاقليمية مع العوامل الدولية. ونحن محاطين بقوتين لا ترغبان بوجودنا لأن اسرائيل لا تريدنا متعددين ولا يكون لدينا عدة طوائف متعايشة بالشكل السلمي الذي نتعايشه وسوريا لا تتحمل ديمقراطيتنا اذا نحن محاطين بعدائتين الاولى عدائية النوعية والثانية عدائية النظام الديمقرطي .
اليوم لم يفت الاوان اذا ما توافقنا كلنا تحت سقف الدستور واصبحنا متساوين في الحقوق والواجبات وان لا نؤمن كلنا الا بسلاح الجيش اللبناني ونتوجه كلنا الى قبول ما يسمى الحياد اللبناني وهذا ما يحقق خلاص لبنان.
الدكتور طلال عتريسي ، اكاديمي وباحث سياسي كاتب في الشؤون الإقليمية والحركات الإسلامية والشؤون الاستراتيجية ، عميد سابق للمعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة اللبنانية.
تزامن نظام ال 43 والاستقلال الذي حصل عليه لبنان مع طبيعة الازمات التي رافقت ولادة الاستقلال وولادة الكيان اصلا. لم ينتبه الذين ساهموا في ولادة هذا الكيان محليا ودوليا ان ثنائية الحكم المارونية السنية أنها لن تبقى ثابتة عبر الزمن . ولم ينتبه هؤلاء الى ان المعادلات الاقليمية والدولية التي ساهمت في ولادة الاستقلال لن تبقى ايضا ثابتة. كما أن المشكلة ان لبنان منذ تأسيسه وحتى بعد الاستقلال الذي حصل عليه لم ينفصل عن التاثيرات الاقليمية والدولية وعن علاقة هذه التأثيرات بالتوازنات الداخلية . لهذا السبب كان هناك محطات بارزة من التوتر والاحتدام الاقليمي انعكست بشكل قوي على لبنان مثل حلف بغداد وانحياز لبنان الى احد اطراف هذا الحلف في عهد الرئيس شمعون وكذلك دخول المقاومة الفلسطينية الى لبنان كان نتاج قرار عربي اقليمي انسجم معه لبنان ووافق عليه في اطار هذه المعادلة من موازين القوى العربية والدولية. وقد ساهم هذا الوجود الفلسطيني لاحقا في تعميق الانقسام الداخلي حول المقاومة الفلسطينية وحول الدور الفلسطيني والسيادة اللبنانية . وبسبب طبيعة السلطة والغلبة المارونية فيها اعتبر المسلمون السنة في وقت لاحق ان الفلسطينيين هم جيش المسلمين فتحالفوا معهم لتغيير المعادلة الداخلية . هذا في البعد الداخلي،أما في البعد الخارجي فإن الحرب الأهلية كانت نتاج وضع اقليمي هو ذهاب مصر الى السلام مع اسرائيل وكان مطلوبا اشغال المقاومة الفلسطينية في لبنان.
هكذا حمل نظام 43 في داخله بذور ازمات كانت تتكشف في كل مرحلة من مراحل التحولات الداخلية والتأثيرات الخارجية .
لا يمكن ان نقيس هذا الامر على المقاومة الاسلامية وعلى حزب الله في لبنان لأن حزب الله هو قوة لبنانية وليس قوة خارجية أتت من الاردن او من مناطق اخرى الى لبنان لتشكيل مقاومة وفتح لاند وما شابه .
هذه القوة المسلحة هي قوة لبنانية تدافع عن قرى لبنانية تعيش فيها وقد تعرضت طوال سنوات لاعتداءات اسرائيلية، في الوقت الذي كانت فيه استراتيجية النظام اللبناني استراتيجية عدم المقاومة من خلال مقولة غريبة في المنظور الإستراتيجي هي “قوة لبنان في ضعفه” وبالتالي أصبحنا أمام منطق لبناني جديد يدعو الى المقاومة لرد الإعتداءات الإسرائيلية في مقابل منطق رسمي لبناني يتمسك بالضعف لتبرير عدم المقاومة والمواجهة لدولة بنيت على الإعتداء والتوسع. أي أننا أصبحنا أمام منطق لبناني في مقابل منطق لبناني مغاير وليس منطق فلسطيني مقابل منطق لبناني .
أدى غياب هذه الإستراتيجية الى ولادة مقاومة لبنانية بادرت الى حمل السلاح للدفاع عن قراها وبلداتها وحماية سكان الجنوب من الإعتداءات الاسرائيلية المتكررة. وفي خلال عقود من المقاومة تغير الكثير في أوضاع الطوائف اللبنانية ، ولم تعد صيغة الثنائي السني الماروني قابلة للحياة، فكان اتفاق الطائف الذي أنهى هذه الصيغة في غير مصلحة الرئيس المسيحي الذي تحولت معظم صلاحياته الى رئاسة مجلس الوزراء، كما بات الشيعة بدورهم قوة جديدة صاعدة لم يعد من الممكن تهميشها أو تجاهلها في إدارة التوازنات والتفاهمات الداخلية.
اذا الازمة مرتبطة بطبيعة هذا النظام السياسي اصلا الذي لم ينشأ على قاعدة العدالة والمواطنة بين جميع اللبنانيين، ما أدى الى توليد أزمات متلاحقة سواء على مستوى الدفاع عن السيادة ضد الإعتداءات الإسرائيلية، أو على مستوى إدارة الحياة السياسية والاجتماعية بشكل عادل بين المكونات الطائفية والمذهبية في لبنان. وهذا يفسر ما يتردد اليوم من حاجة وضرورة في ظل الأزمة الخانقة السياسية والإقتصادية التي نعيشها لإعادة النظر في طبيعة النظام نفسه، وفي مستقبل التوافقات الداخلية وفي حماية السيادة اللبنانية بعد 70 سنة من الاستقلال .
العميد مروان شربل، وزير الداخلية والبلديات الاسبق ، عميد متقاعد
صحيح ان نظام 43 انتهى في الستينات وتحديدا سنة 1968 ما بعد الحرب المصرية السورية والخسارة الكبرى التي حصلت . فإنحسر الحضور الفاعل للعروبة الناصرية والبعثية في لبنان . قابلها حلف ثلاثي لليمين اللبناني هدفه التخلص من الحكم الشهابي والوقوف في وجه العروبة المستحدث .
إزدادت شهوة التسلح من الطرفين خاصة بعد توقيع اتفاق القاهرة .
زادت التعقيدات والتوترات وتوالت الاحداث على لبنان أهمها الغارة الإسرائيلية على مطار بيروت فدمرت 13 طائرة مدنية فتذرعت بالعملية التي قام بها الفلسطينيون في مطار أثينا على طائرة إسرائيلية .
زاد الإنقسام اللبناني حول دور الفلسطينيين في لبنان فإنفجرت التظاهرات اللبنانية اليسارية المؤيدة للعمل الفدائي .إنقسم اللبنانيون فمنهم مؤيد للعمل الفلسطيني ومنهم معارض . حتى بات النظام السياسي يفقد هيبته وسلطته . منع إستخدام الجيش اللبناني بوجه الفلسطيني . فإندلعت حرب 1975.
لقد تعاظمت القوة العسكرية لمنظمة التحرير في لبنان فباتت دولة ضمن دولة تصدر الأوامر والتعليمات وتقيم الحواجز وتحاكم اللبنانيين في محاكمهم الخاصة . في النهاية لم تستطع إقناع من وقفوا معها بأن سياستها المتبعة هي تحرير لبنان من أعداء العروبة فإنقلب السحر على الساحر حتى راح الكثير منهم ينادون بتحرير لبنان من الغريب .
خسر اللبنانيون لبنانهم . دمرت منازلهم وإقتصادهم فلجأوا إلى الخارج لحماية أنفسهم ، لجأ السني إلى السعودية والشيعي إلى إيران والمسيحي إلى الغرب حتى بات لبنان مسكن وليس وطن . حولوا لبنان الى خمس دول تحكمها أحزابهم الطائفية . لا يوجد قاسم مشترك بينهم سوى تلك الهوية الطائفية .
هذه الأحزاب أوصلتنا الى أزمة سياسية حادة لم يستطع إتفاق الطائف تجاوزها . هم اليوم في خلاف عميق في ما بينهم خاصة في ما يتعلق بسلاح المقاومة . فإنقسم اللبنانيون بين مؤيد ومعارض كما إنقسموا مؤيدين ومعارضين للوجود الفلسطيني المسلح . لكن بالتأكيد لن يؤدي هذا الإنقسام الى النتيجة ذاتها .
فحزب الله أصبح قوة مؤثرة ولاعبا أساسيا في النظام اللبناني وأصبح له ثقل في إتخاذ القرارات داخل الحكومة. حزب الله بعكس منظمة التحرير حزب لبناني له ممثلين في الحياة البرلمانية ووزراء في الحكومة . يسعى كأي حزب آخر لتفعيل وجوده على كامل الأراضي اللبنانية .
الدكتور عارف العبد . صحافي، استاذ جامعي وباحث ومؤلف، خبير بالاعلام والتواصل، مستشار للرئيس فؤاد السنيورة
معضلة لبنان الكبرى كما ميزته التفاضلية هي موقعه الجيوسياسي كرأس جسر بين الشرق والغرب وكساحة لصراع القوى الكبرى، الداخل الى المنطقة يبحث عن موقع في لبنان والعكس صحيح.
هذا الموقع الجيوسياسي للبنان دفعه باستمرار الى ان يكون عرضة للخضات والأزمات، فهو في المحصلة على خط التماس الاقليمي في منطقة حبلى بالزلازل منذ سنوات طويلة.
فمع صعود المقاومة الفلسطينية نال نصيبه ومع افولها دفع الثمن الغالي، ثم كانت السيطرة السورية لحماية ظهر مشروع ال الأسد ودولة البعث في دمشق، وبعد الانسحاب السوري من لبنان تقدم النفوذ والمشروع الإيراني لتعبئة الفراغ الحاصل.
وهكذا فان لبنان متواجد دائما على خط التماس الإقليمي وهو على الدوام عرضة لصراع القوى في المنطقة ولهذه الأسباب ترتدي سياسته الخارجية أهمية متقدمة في التأثير على سياساته الداخلية وإستقراره.
الاستاذ قاسم قصير، صحافي لبناني وكاتب سياسي. متخصص بالحركات الاسلامية
منذ نشوء الكيان اللبناني عام 1920 ولاحقا بعد اعلان نظام 1943 كان هذا النظام يواجه عدة مشاكل سواء بسبب البنية الداخلية الطائفية او بسبب دور القوى الخارجية في لبنان وعلاقة الاطراف اللبنانية بهذه القوى ، مما ادى الى العديد من الازمات والمشاكل ، ووصلت احيانا الى الحروب الداخلية او الازمات السياسية.
فقد تعرض نظام العام 1943 الى ازمات عديدة منذ نشوئه ومنها ازمة التجديد للرئيس بشارة الخوري عام 1952 ومن ثم ازمة 1958 والصراع بين المحور الناصري والمحور الغربي ، ولاحقا بعد حرب 1976 والازمة الفلسطينية وانعكاس ذلك على لبنان والاعتداءات الاسرائيلية على لبنان ، وتطور الاوضاع في المنطقة والعالم ونمو القوى اليسارية والقومية والناصرية، ولاحقا بعد الحرب وعدوان عام 1978 وانتصار الثورة الاسلامية في ايران واختطاف الامام موسى الصدر وبروز الدور الشيعي ومن ثم عدوان عام 1982 والصراع الداخلي وبروز المقاومة الاسلامية وحزب الله ، كل هذه التطورات ادت الى بروز مشاكل عديدة في النظام السياسي، وبعض هذه الازمات يعود للستينات وبعضها مستجد ، لكن جرت محاولة اصلاحية من قبل الرئيس اللواء فؤاد شهاب اخرّت اندلاع الازمات ، لكننا اليوم عدنا لنواجه كل الازمات السياسية والدستورية والاجتماعية والاقتصادية، اضافة للازمات في المنطقة ، مما جعل النظام الحالي مكشوفا ويحتاج للتطوير داخليا وخارجيا.
خلال المائة سنة منذ نشوء الكيان اللبناني كان يتعرض لأزمات مختلفة وبعد الاستقلال عام ١٩٤٣ وحتى اليوم تعرض لعدة أزمات كبرى بعضها لأسباب خارجية محضة وبعضها لأسباب خارجية وداخلية فالصراع عام ١٩٥٨ كان لأسباب خارجية أكثر منها داخلية وخلال فترة الستينات من القرن الماضي كانت الأزمات بسبب الصراع مع العدو الصهيوني وانعكاساتها على لبنان وتصاعد الدور الفلسطيني ولكن في السبعينات كانت الأزمات لأسباب داخلية منها اقتصادية واجتماعية أو بسبب الصراع حول النظام وفي العام ١٩٧٥ تداخلات الأسباب الخارجية مع الداخلية فحصلت الحرب وبعد اتفاق الطائف تمت عملية إصلاح النظام نظريا ولكن لم تطبق وعادت الصراعات الخارجية والداخلية لتفجر الأزمات المختلفة حتى وصلنا الى اليوم حيث سقط النظام كله اقتصاديا وماليا وسياسيا ولم قادرا على مواجهة التحديات المختلفة ويضاف لذلك تأثير الأوضاع الخارجية
اليوم نحن أمام أزمة عميقة جدا والحل الأفضل إعادة البحث في كل النظام وتطويره ووضع رؤية جديدة لدور لبنان وموقعه.
الدكتور مشير باسيل عون، كاتب ومفكر فلسفي لبناني، استاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية
لا يختلف عاقلان على أحقّيّة القضيّة الفلسطينيّة ومأساة الشعب الفلسطينيّ المقتلع من أرضه. ولا يخفى على أحد أنّ الحكمة الروحيّة التي ألهمت البابويّة الكاثوليكيّة في حثّ الجميع على اقتسام الأرض اقتسامًا عادلًا بين الشعبَين الفلسطينيّ واليهوديّ، وتحويل القدس عاصمةً روحيّةً عالميّةً مفتوحةً تشرف عليها الأممُ المتّحدة ممثَّلةً بالمرجعيّات الدِّينيّة العالميّة الكبرى، هي عينُها الحكمة التي ينبغي أن نعتصم بها اليوم أيضًا لكي نُنصف الشعب الفلسطينيّ، ونحرّر المنطقة العربيّة من تشنّجات الاحتراب المتفاقمة.
بيد أنّ العقلاء يدركون أنّ التاريخ لا تسيّره حكمة الحكماء، بل خبثُ الخبثاء ومصالحُ المقتدرين وأطماعُ المستبدّين الانتهازيّين. من أصول الواقعيّة السياسيّة الإقرار بأنّ تسويغ المقاومة الفلسطينيّة على الأرض اللبنانيّة كان أشبه بالخطأ المميت الذي أفضى إلى تفكّك الدولة اللبنانيّة وانهيار الاجتماع اللبنانيّ المتنوّع الهشّ الأوصال. من مفارقات الدهر العربيّ أن يمنع الحكّامُ العرب الدولة اللبنانيّة من ضبط التفلّت الفلسطينيّ المسلّح على الأرض اللبنانيّة، ويغضّوا الطرف عن مصائر الظلم والتعسّف التي اختبرها الفلسطينيّون في سائر الأوطان العربيّة. أمّا الرياء الأعظم، فيقضي بأن يتحوّل لبنان كبش المحرقة يفتدي جميع الأنظمة العربيّة التي استحسنت أن تواجه الصلف الإسرائيليّ على أجساد اللبنانيّين العاجزين حتّى عن الاضطلاع بمسؤوليّة معيّتهم الحضاريّة العسيرة المنال.
لا ريب في أنّ الانحراف الأدبيّ الذي حرّض الأنظمة العربيّة على افتعال الكبائر في الهشاشة اللبنانيّة لا يوازيه خبثًا إلّا تواطؤ اللبنانيّين أنفسهم وانجرافهم في وهاد الاقتتال الإفنائيّ. فاللبنانيّون أظهروا للعالم كلّه أنّهم لا يستحقّون الاستقلال والتنعّم بجمالات الأرض اللبنانيّة وخيراتها. ذلك بأنّهم ما استطاعوا، لا بل ما أرادوا أن يقاوموا إغراءات الإيديولوجيات المتزاحمة على حدودهم. فأسلموا ذواتهم لأطماع الآخرين، وفي ظنّهم أنّهم ينتصرون لقضاياهم الطائفيّة الضيّقة، فيغالب بعضهم بعضًا على الاستئثار بفتات السلطان اللبنانيّ الذاتيّ المستباح. معظم اللبنانيّين لجأوا إلى الخارج استقواءً واستعلاءً على شركائهم في الوطن اللبنانيّ.
وعليه، فإنّ المرء لا يستطيع أن ينظر في شرعيّة أيّة مقاومة لا تراعي أصول المعيّة اللبنانيّة، ولا تصون خصوصيّة الاجتماع اللبنانيّ، ولا تحترم أحكام الانتظام في سياق الدولة اللبنانيّة الواحدة. لذلك تتكرّر اليوم انسداداتُ الأوضاع السياسيّة اللبنانيّة التي أفضت في منتصف السبعينيّات إلى انفجار الاجتماع اللبنانيّ. فلا يجوز، والحال هذه، أن يتعامى اللبنانيّون عن حقائق أنتروبولوجيّة واجتماعيّة وسياسيّة أساسيّة أوجزها في بضع مسائل: أوّلًا، ينبغي للّبنانيّين أن يعترفوا بإخفاق معيّتهم، وأن يسارعوا إلى ابتكار صيغة جديدة يرمّمون بها جوهر المشاركة الحقّ في الأرض اللبنانيّة؛ ثانيًا، لا يمكن ترسيخ المنعة اللبنانيّة بالاستناد إلى قوّة إيديولوجيّة طائفيّة مستقلّة عن مرجعيّة الشورى التي تحتكم إليها المعيّة اللبنانيّة؛ ثالثًا، ما من قضيّة حضاريّة تعلو على قضيّة صون الذات اللبنانيّة، أي قضيّة التنوّع اللبنانيّ، وهي القضيّة التي يجب على اللبنانيّين أن يصونوها قبل أن يلتزموا قضايا الآخرين، وينخرطوا في محاور إقليميّة، وينسلكوا في تحالفات خارجيّة؛ رابعًا، تقتضي الواقعيّة السياسيّة من اللبنانيّين أن يبحثوا بحثًا صادقًا رصينًا في تدبّر سبُلٍ جديدة من التنوّع في الوحدة تُفضي بهم إلى صون ذاتيّاتهم الجماعيّة في سياق نظام اتّحاديّ فِدراليّ حضاريّ يتيح للجميع أن يُفصحوا عن حقائق وجدانهم إفصاحًا سليمًا، ويمنح الجميع القدرة على المشاركة الفاعلة في القرارات المصيريّة الكبرى التي يُعنى بها الكيانُ اللبنانيّ الفِدراليّ. فاللبنانيّون جماعاتٌ، قبل أن يكونوا أفرادًا. تلك حقيقةٌ أنتروبولوجيّة لا معدل عنها قبل أن تأتي على أوطان العالم العربيّ قرونٌ من الإصلاح الفكريّ الدِّينيّ البنيويّ العميق. إذا أصرّ اللبنانيّون على تجاهل هذه الحقائق، فإنّهم سينحدرون انحدارًا مخيفًا في مجاهل التخلّف والتفاهة والابتذال والانحراف والعنف. ذلك بأنّ أشرف ضروب المقاومة اللبنانيّة الجهادُ الصادق الذي يحرص على استنقاذ التنوّع اللبنانيّ من الفناء.