بين التسوية وانهيارها…انتفاضة، الجزء الاخير من سلسلة التسوية الملتبسة (4)
يعرض الملف الاستراتيجي للمحور الرابع من سلسلة " التسوية الملتبسة بين تيارين" حيث تناقش الشخصيات المشاركة السؤال التالي : ما هي حصة تلك التسوية في مستوى الانهيار الاقتصادي الذي بلغه لبنان خاصة ان تلك التسوية قد انهارت غداة انتفاضة 17 تشرين ؟ وهل أثبتت تلك التسوية نجاحها ونجاعتها حتى ذلك التاريخ ؟ واللافت ان الأزمة اللبنانية لا تزال عالقة عند ظروف انتفاضة 17 تشرين، وهي تشهد جولات من التأزم الاقتصادي والمعيشي والمالي في ظل تأكيد الرئيس الحريري ان لا عودة الى تسوية 2016 ، ليبقى دعاة تجنب الفراغ يسعون الى انتاج تسوية جديدة تبقي كل افرقاء المنظومة الحاكمة التي أثبتت عدم جدارتها في الحكم، فيما اللبنانيين الناجين من انفجار المرفأ غير المسبوق بدمويته وخسائره الفادحة دخلوا في مواجهة مفتوحة مع هذه المنظومة، في ظل مشهد سياسي قاتم لا يزال يراوح مكانه، وليبقى فيه المواطن الخاسر الاول الذي يدفع الثمن بشكل يومي، ثمنا باهظا مع اجتياح جائحة كورونا لبلاد الأرز وملامسة سعر صرف الدولار ال 10 آلاف ليرة ما جعل راتب الكثير من اللبنانيين يقبع في ادنى مستويات العالم الثالث. (د. مازن مجوز)
الاستاذ صلاح سلام رئيس تحرير جريدة اللواء اللبنانية
الواقع أن التسوية الرئاسية عجلت في وقوع الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، لأنه وبعد التسوية ساد منطق الحصص وثقافة الصفقات والسمسرات وحتى السرقات، حتى أصبحت الدولة منهوبة بماليتها ومشاريعها، وكانت التسوية هي للاتفاق على تقاسم المشاريع في الدولة وتقاسم الحصص السياسية والمالية والمصلحية كل الاطراف السياسية التي شاركت في التسوية تقريبا.
بالتالي كانت هذه التسوية وبالاً على الوضع في لبنان وسرعت كما قلنا سابقاً في خطوات الانهيار، لأن مستوى الفساد الذي وصل خلال السنوات الثلاث الاولى من العهد الحالي كان غير مسبوقاً في تاريخ العهود الاستقلالية في لبنان، وبشكل مفضوح جداً، وكان ثمة تنافس بين مختلف الاطراف السياسية من يستطيع أن ينهب أكثر من الدولة وفضيحة السدود المائية نموذجاً واضحاً كما ان فضائح الكهرباء والهدر الحاصل في الكهرباء والسمسرات والصفقات فيها تشهد على ذلك، في حين ان كل البرامج الموعودة للكهرباء ذهبت ادراج الرياح.
حتى البرنامج الذي بشر به النائب جبران باسيل عندما كان وزير للطاقة في حكومة نجيب ميقاتي ووعد بأن الكهرباء ستؤمن 24 / 24 عام 2015 أيضا ذهبت هباءً، ولا احد يعرف اين هي الاموال التي خصصت للبرنامج وكانت بقيمة مليار و200 مليون دولار، وهذا المستوى من الفساد كان أحد الاسباب التي أدت الى إندلاع إنتفاضة 17 تشرين في العام 2019 ، والتي ادت الى استقالة الحكومة وتشكيل الحكومة الحالية التي عجزت عن معالجة اي من الازمات والانهيارات المتواصلة، خاصة بعد انفجار مرفا بيروت، وبالتالي لم يكن هناك مجالاً لامكانية إصلاح الوضع في هذا العهد وفي عهد الحكومة دياب في إتخاذ الاجراءات المطلوبة .
لا شك أن انتفاضة 17 تشرين أثبتت نجاعتها ونجاحها في زعزعة أركان الحكم وتسببت في إستقالة الحكومة وفي إنهيار التسوية السياسية التي جاءت بالرئيس عون الى رئاسة الجمهورية، واحد أسباب الازمة الحقيقية هو أن التسوية إنهارت ولم يعد بإمكان هذه الطبقة السياسية أن تنتج حلولاً جديدة أو تسوية جديدة تستطيع أن تعبر بها من الازمات الحالية، ولكن للاسف أن انتفاضة 17 تشرين تعرضت للكثير من التآمر والاحباطات من أجهزة السلطة ومن المعارضين وخاصة حزب الله وحركة امل، وبالتالي تعرضت لاختراقات أمنية خطيرة شاهدنا بعض فصولها في الاشتباكات القاسية التي حصلت في وسط بيروت اكثر من مرة، والتي أدت الى زعزعة الثقة بقدرة الإنتفاضة على السيطرة على وضع الشارع بشكل او بآخر.
وأحد اهم أخطاء الانتفاضة أنها لم تستطع أن تشكل قيادة موحدة، ولم تستطع أن تضع برنامج سياسي موحد، الأمر الذي سهل على خصومها أن ينقضوا عليها ولا ننسى وباء الكورونا الذي ساهم في إخماد حماس هذه الانتفاضة.
الكاتب السياسي الاستاذ جوزيف ابو فاضل
إنهيار التسوية الرئاسية بين الرئيسين عون والحريري كانت كالقشة التي قسمت ظهر البعير، باعتبار أن الفريقين على مستوى القيادة متفقين لكنه إتفاق محاصصة أكثر مما اتفاق سياسي، لذلك عندما وقعت المشكلة ولم يعد هناك مكان للمحاصصة بين الفريقين إنهار الاتفاق، وهذه المشكلة هي إنتفاضة 17 تشرين إنتفاضة على الدولة وأصبح كل واحد يفتش عن مخرج له من هذه الثورة.
أهمية هذه التسوية أنها أوجدت إستقرار الى حين الانفجار، وعندما انفجر الوضع انعكس على اركان التسوية البارزين في السلطة التنفيذية خاصة، وبطبيعة الحال على شخصيات مرت وإستفادت في البلد.
السلطة التنفيذية كانت منقسمة الى 4 اقسام وبين قطبين رئيسيين هما الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، لذلك أن الإنهيار السياسي كان كبيراً على التسوية وإنعكس إنهياراً على الاقتصاد والمال، لأن عندما لا يكون هناك استقرار سياسي مطمئن وأمني ينعكس سلباً على الاقتصاد والمال والاعمال وكل شيء .
واستكملت هذه العملية بعملية إقفال المصارف وبعدها إرتفاع سعر الصرف ومن ثم الاهم من هذا بعض التحويلات لسياسيين يشكلون أركان هذا النظام . برأيي أرى ان الإنتفاضة نجحت في عدة أمور وفشلت في أمور كثيرة أبرزها أنها إستطاعت إسقاط السلطة التنفيذية وتقطيعها إرباً إرباً وحصصاً حصصاً لأنه اساساً التسوية الرئاسية كانت لمصلحة أشخاص وليس لمصلحة الشعب اللبناني.
الدكتور مصطفى علوش ، نائب رئيس تيار المستقبل
طبعا التسوية الرئاسية التي أدت الى وصول عون وباسيل الى سدة الرئاسة كان لها دور اساسي في هذا الانهيار، فلو تم التوافق مثلاً على اقرار الخطة الاقتصادية المرتبطة بسيدر وأيضاً الخطة المرتبطة بالكهرباء وعدم الاصرار على التفرد في كل هذه الامور، لربما كنا الآن تفادينا هذا الواقع، ولو تمكنت رئاسة الجمهورية من إيجاد وسائل لتصحيح العلاقة مع العالم ومع الدول العربية ولجم حزب الله لربما أيضاً كنا قد حصلنا على بعض المساعدات.
ولكن بكل موضوعية أريد أن أؤكد على أن المسار المتدهور في طبيعة النظام على مدى السنوات الماضية، وأيضا الميليشيات المسلحة المتمثلة بحزب الله والازمة السورية بالإضافة الى التداعيات التي حصلت على مدى ال 10 سنوات الماضية كلها تراكمت كي نصل الى ما وصلنا اليه، ومن ضمنها الشخصية النرجسية المتمثلة بالعماد ميشال عون وجبران باسيل في سدة الرئاسة.
الآن نحن في مازق قد لا نخرج منه من دون على الأقل دمار المنظومة القائمة، وربما كما يقول الكثير من فلاسفة الاقتصاد بان التدمير الابداعي هو مصير أي منظومة لا يمكن اصلاحها، المهم ان نذهب الى التغيير إذا كان ضرورياً من خلال المؤسسات القائمة، أي علينا أن نطرح أي تغيير من خلال مجلس النواب، حتى لو كان تغييرا جذريا في طبيعة النظام، حتى لا نصل مرحلة الانهيار الكامل، حيث البوادر بدأت تظهر الآن من خلال ما يحصل في طرابلس شغب متمادي وعنف من دون هدى، لا شك أن هذا الحكم وهذه التسوية ساهمت بسرعة في الوصول الى هذه النهاية، لكنها ليست المسؤولة الوحيدة عما يحصل .
الاستاذة رندلى جبور، قيادية ومنسقة اللجنة المركزية للاعلام في التيار الوطني الحر
بإعتقادي أن الرئيس الحريري هرب من المسؤولية وإستقال في عز أزمة كبيرة مع أنه كان من الممكن له الإستفادة من الفرصة وأن يطبق ورقة الإصلاحات التي كانت أقرتها الحكومة قبيل إستقالته، وهذه الإستقالة كانت غير مفهومة و17 تشرين محقة بأن هناك أزمة إقتصادية وإجتماعية، ولكن مشهدية الحراك لم تكن كلها تعبر عن هذا الوجع الاقتصادي والإجتماعي، إنما بجزء منها كانت سياسية وعندها أهداف أخرى غير تحقيق إصلاح الوضع وتحسين المعيشة أو ما شابه.
اليوم المقاربة يجب أن تكون حول عمق الأزمة وأن يلتقي الجميع على حوار وطني، والمشكلة أن الافرقاء لا يلبون دعوات رئيس الجمهورية الى الحوارات الوطنية، وهو حاول مرتين في العام الماضي عقد حوارات وطنية ولم يلب أي من الأفرقاء الدعوة، وبالتالي المقاربة اليوم أنه يجب على الجميع التخلي عن حساسياته الصغيرة ومصالحه الضيقة، ويقول نحن نعم سنلبي الدعوة الى حوار وطني كي نبحث في العمق في الازمات الحالية، ولكن المشكلة أن جزء من المنظومة التي كانت قائمة لا يزال موجود وبالتالي من الصعوبة بمكان إيجاد الحلول بسهولة.
اليوم الرئيس عون والتيار الوطني الحر خلقوا منظومة إصلاح مقابل منظومة الفساد والدمار التي كانت قائمة، واليوم الصراع الحقيقي هو بين منظومة أوصلت البلد الى هنا وبين فريق لديه النية بالاصلاح الحقيقي، ويريد مكافحة الفساد، وهذا هو المدخل من أجل ذلك التدقيق الجنائي السير به يفتح الطريق أمام الحل.
والمقصود حل الازمات الاقتصادية والاجتماعية والمالية، لأنه يسمح بمعرفة الحقيقة وباستعادة الاموال المنهوبة والموهوبة والمهربة ويعيد ودائع الناس ويحاسب من كان مسؤولاً، ونعود ونخرج تدريجياً من الازمة، فالتيار الوطني يصر على ان المدخل هو التدقيق الجنائي، ومن يرفض هذا التدقيق حتى لو كان يؤكد أنه معه لكنه في داخله عكس ذلك وهذا هو جوهر الصراع .
لمن فاتته الاجزاء الثلاثة الاولى
سلسلة “التسوية الملتبسة بين تيارين” (1): زيارة جديدة للتسوية الرئاسية
اتفاق التيارين وخلافهما: حل للازمة ام استمرارها بالوان جديدة؟ سلسلة التسوية الملتبسة (3)