حروب الجيل الأول | بقلم علي أمين
تعتبر من حيث التصنيف الذي وضعه المختصون في مراقبة ودراسة علوم الحروب تكملة لما عرفه الإنسان، واختزنه في ذاكرته وتناقلته وتعاقبت علية الأجيال البشرية السابقة واللاحقة لها والمتعاقبة في مسيرة الحروب والاشتباك من انواع القتال البدائي، وهو القتال الذي يعتمد في فلسفتها على الصدام والقوة والحشد الأكبر لمواجهة وإبادة العدو.
هي الحروب التقليدية والقديمة التي استخدمت كأحد الحلول بين مختلف الشعوب وهي اشبه بحالة نزال وتصادم والاشتباك بين شخصين، مهما كان التفاوت في الحجم والقوة بينهما او مايستخدمانه في حالة الالتحام والاقتتال بينهما لأن اعتمادها الرئيسي على اللقاء والمقابلة في ساحة القتال وجها لوجه، وضرورة اعلان الحرب فيما بينهما ويعتبر هذا كقانون ملزم على طرفي الصراع ولعل من أقدم القوانين والشرائع التي نظمت الحرب، تلك التي وضعها السامريون قبل ألفي عام قبل الميلاد وتعرف بمسمى قوانين ”شرائع حمورابي“ وأقروا فيه ضرورات إعلان الحرب, حيث تكون الحرب أشبه بحلبة مصارعة او ملعب رياضي وملعب كرة قدم يتم فيه تحديد وقت ومكان النزال والنصر للأقوى…
غلب على تلك الفترات مبادئ النبل والشهامة كمبدأ الفروسية : وهو ما يطلق عليه الشرف العسكري ويقصد بهذا المبدأ صفة النبل في المقاتل التي تمنعه من مهاجمة الأعزل، أو الجريح أو الأسير. وتعتبر المدخل لحقوق وقواعد واعراف قوانين الحروب الحديثة وتعرف به حاليا. كما وجد ما يسمى بالهجمات الكاسحة والتي كانت عبارة عن عمليات اجتياح تقوم بها الجيوش لكل ما تواجهه امامها من قوات وحدثت هذة من قبل الاسكندر المقدوني وجنكيز خان وتيمور لنك وهذه اجتاحت المدن تلو الأخرىون تحديد وقت ومكان للنزال او المعركة فدكت الحصون واسقطت المدن وسحقت في طريقها آلاف المقاتلين.
وهذا ما كانت علية الحال في الحروب القديمة التي حدثت في الحضارات الاغريقية والرومانية وكذلك المصرية والفارسية والهندية والصينية فإنها حالة من الاشتباك والالتحام الضروري بين الخصوم لمعرفة المنتصر وذو الغلبة والفارض قوته هذا اعتمادها على اسلحة الحروب القديمة كالسيوف والخناجر والسهام والنبال والرماح في تكتيكاتها لا تختلف عن الحروب القديمة في نوعية وشكل الصراع القتالي من حيث التصادم البشري الكثيف والالتحام فيما بين المقاتلين المعتمد في جوهرة على الحشود الكثيرة وعلى القوة البشرية الفردية التي يعتمد عليها المقاتلين بشكل عام لكن اختلفت هذة الحروب من الجيل الاول الحديثة تكتيكيا بدخول الاسلحة النارية كالمدافع وماكان يسمى بالغدارات كأسلحة جديدة يتم استخدامها.
اعتمد الامبراطور والقائد الفرنسي نابليون تكتيكات قتالية وخطط حربية مشابهة لما قام به سيف الله المسلول القائد المسلم خالد بن الوليد في معاركة في بلاد الشام من حيث انتشار و تقسيم و توزيع الجيش وقدرته على وضع تكتيكات الالتفاف التكتيكي وسرعة الانتشار والتوزيع الفذ للقوات وتشكيلاتها. وهذا ما اعتمدت عليه خطط نابليون في مجملها على كثافة وقوة الجيوش الجرارة وتقسيماته وكتائب الدعم الامبراطوري الذي يعتبر اقوى التشكيلات والذي كان اشبه بالحرس الامبراطوري والذي يمتاز بالقوة من حيث التدريب والتسليح الجيد والاستيعاب والذي كان يشرف عليه نابليون ويقوده بنفسه ولكن اعتمد ايضًا على دخول أسلحة جديدة في ساحات المعارك وهو ما عزز قوة الجيش وقدراته من حيث الكثافة النيرانية للمدافع المستخدمة كسلاح حربي جديد آنذاك.
الحروب النابليونية هي سلسلة من الحروب التي وقعت بين الدول الأوروبية خلال فترة حكم نابليون بونابرت لفرنسا، والتي لعبت الثورة الفرنسية (1789) دورًا كبيرًا بإثارة شرارتها.
لا يوجد إجماع بين المؤرخين على تحديد موعد معين لبدء تلك الحروب، فالبعض يقول إنها بدأت مع تولي الجنرال بونابرت لمقاليد الحكم في فرنسا في تشرين الثاني/نوفمبر 1799. والبعض الآخر يقول بأن حروب الثورة الفرنسية استمرت حتى عام 1802 حيث أعقبتها فترة قصيرة من السلام بفضل معاهدة أميان، ولكن في العام التالي (1803) جاء إعلان الحرب بين فرنسا والمملكة المتحدة كنقطة بداية للحروب أما نهايتها فكانت بتاريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1815 بعد هزيمة نابليون في معركة واترلو وتوقيع معاهدة باريس في نفس العام.
حرب الجيل الأول هو مصطلح أسسه الجيش الأميركي عام 1989، يشير للمراحل المتقوطة من حروب القوات المسلحة المنظمة، تحت ادارة الدولة، في العصر الحديث.
في سياق التصنيف والاستخدام قوات محتشدة، باستخدام التكتيكيات الخطية والعمودية في وجود جنود شبة نظاميين تابعين للدولة. واقرب مثال تاريخيا ما قام به المشاة الپروسيون في المعارك التي خاضوها في حروبهم حيث كانوا يتقدمون في تشكيلات تكتيكية في تشكيل خطي عمودي أثناء معركة هوهن فرايدبرگ عام 1745.
اتاح لهم لهم التفوق والانتصار في المعارك التي خاضوها في التحامهم المباشر مع قوات اعدائهم والفضل في المسافات الفاصلة بين الجنود انفسهم وجنود وقوات اعدائهم اثناء القتال والذي اتاح لهم سرعة المناورة الجزئية للكتائب والسرايا داخل ارض المعركة بالكثير من الاسلحة والعربات الحربية البدائية والابراج القتالية المستخدمة كدروع للجنود…ولصد هجمات العدو وتقليل الخسائر.
تم اطلاق مصطلح ومسمى حرب الجيل الاول من قبل الجيش الأميركي في عام 1989، وفي ذلك إشارة إلى المراحل الدورية لحروب القوات المسلحة المنظمة تحت إدارة الدولة في العصر الحديث، و في سياقها الأكثر شيوعًا تشير حروب الجيل الأول إلى المعارك التي دارت بين قوات حاشدة باستخدام تكتيكات خطية وعمودية في وجود جنود الدولة النظاميين.بين جيشيين في مواجهة مباشرة مع بعضهما كما يحدث حاليًا في بعض معارك الحروب الحديثة اشتباكات من نقطة صفرية ميتة سواء بالسلاح الأبيض او باستخدام السلاح الناري.
تاريخيًا ان حروب الحقبة من 1648 حتى 1860، وهي حروب التحرر الأوروبية وتعرف بحروب وستفاليا والتي شكلت الجمهوريات الأوروبية أي أنها أجيال الحروب التي بدأت في التطور منذ ما يقرب من 370 سنة فقط، حيث وان تلك الحروب
والتي كانت تُدار رحاها ين جيوش نظامية بتكتيكات مقاربة لما نشهدة حديثًا في الحروب الحديثة وتعتبر اللبنة الأولى في التصنيف للحروب الحديثة بتطبيق تكتيكات “الخطوط والصفوف”، على أرض قتال محددة بين جيشين يمثلا دولتين في مواجهة مباشرة، العسكريين فيها مميزين عن المدنيين في كل الأمور، سواء في الزى أو التحية أو التدرج الدقيق في الوظائف والرتب، وبما يعزز ثقافة “النظام”.
وتتسم القوات بميزات مميزة في حروب هذا الجيل حيث يغلب الطابع الصارم، وتوحيد الزي والبدء في نشر الدراسات واتباع التقاليد والسلوك العسكري الواضح، و”الطاعة” فيه مقدمة على “المبادأة”، وقد ظهر في الحرب الأهلية الأمريكية، وكذا الإنجليزية، والحرب الأنجلوميكسيكية، وخلال حملات نابليون العسكرية وحرب المكسيك.
إلا أنه ومع منتصف القرن التاسع عشر بدأت ساحة تلك المعارك في الانهيار، الجيوش الجماهيرية، فطبيعة القتال تغيرت مع تطور الأسلحة، حيث تأثرت المنظومة المنضبطة بساحة القتال، والتي تميز حروب الجيل الأول، فتطور وسائل النيران من البارود والديناميت وزيادة حجم تدميرها واختراع وصناعة اسلحة زادت كثافة نيرانها مما جعلت الجندي يستطيع قتل اكثر من شخص دون الالتحام والتواجة معه بشكل مباشر حول ساحة القتال لميدان من الفوضى يصعب فرض النظام في أنحائه، والذي جعل الاستمرار في القتال بالتشكيلات الخطية وتكتيكات الصفوف والخطوط أحد صور الانتحار.
فبدأ استخدام الخنادق والسواتر الترابية وبناء التحصينات القوية والاسمنتية و التي ححقومون بصد هجمات الجنود المهاجمين على ظهر المدرعات والدبابات ومن يقومون بالقصف المدفعي من خلف سواتر مماثلة.
ومع التطور الحاصل في الهندسة الميكانيكية والناقلات وارسال التعزيزات من جبهة الى اخرى، مما يساعد ويسهل من عمليات الهجوم والدفاع، كذلك التطور الكبيبر في علوم الطبوغرافيا والخرائط الذي ساعد في معرفة اماكن الهجوم المناسبة ومعرفة ثغرات الحدودية كذلك تغير اسلوب القتال من تحديد مكان المعركة كما كان يتصرف ويقوم به نبلاء العصور الوسطى من تصفيات حساباتهم الشخصية ومشاكلهم عبر اللقاء والمبارزة بالسيف او الغدارة وكذلك رعاة البقر الأميركي عند ظهور مسدسات ذي الساقية الدوارة كولت لكن في العصر الحديث وبداية القرن صارت المعارك مفتوحة والسرية ضرورية اكثر من ذي قبل حيث صارت كل الحدود مناسبة لأن تكون ساحة معارك.
بالإضافة الى دخول النفط ومشتقاته الى ساحات القتال والصراع على الثروات الطبيعية والتقدم العلمي في المجالات العسكرية وبحوثها والاسلحة المستخدمة والخطط والتكتيكات ووسائل جلب والحصول على المعلومات كل هذا ساهم في تطور انواع واشكال الحروب وتطورها كل يوم وجيل بعد جيل….