ألابرزالاحدثالاكثر قراءةالصورة الكبيرة

رياض سلامة وفقدان توازن العبقرية | بقلم البروفسور فضل ضاهر

مقدمة الناشر: رسالة البروفسور فضل ضاهر تأتي كخطوة اضافية في المسار الذي خطه منذ اكثر من عام، والذي خلص بموجبه الى مجموعة توصيات كفيلة بضمان استعادة الاموال المنهوبة والمهدورة والمهربة واعادة توكيد الحوكمة السليمة للسياسة النقدية في لبنان. من الواضح اليوم ان مجموعة رسائل العميد ضاهر الى الحاكم ووزراء العدل ودولة رئيس الحكومة قد لاقت الصدى اللازم محلياً ودولياً وبما يتوافق مع المبادرة الفرنسية والسعي الاوروبي لاطلاق مقاربة للبنان قائمة على احترام المال العام والخاص والسعي في سبيل حوكمة رشيدة للسياسات المالية والنقدية. وفي ظل الخجل الذي تتعامل فيه وسائل الاعلام الكبرى في لبنان مع موضوع الحاكم سلامة، هناك عامود يومي في الصحف الفرنسية الرئيسية عن موضوع سلامة. لم يكن لتلك الاقلام هذه الهمة لولا المبادرات الوطنية الشريفة التي اطلقت وكان للبروفسور ضاهر شرف المساهمة الاساسية في وضعها ضمن اطار قانوني مُحكم. د. بيار الخوري

“لقد وضعت فيك كل ما هو خير لك وجعلته في متناولك، فلصالحك ولأجل الحفاظ على توازنها لا توظف عبقريتك بما هو سيئ فيها”. (باروخ سبينوزا- Baruch Spinoza)

” اذا أردت ان تعرف طوية امرئٍ فأعطه مالاً أو جاهاً وسلطان ” ( علي بن ابي طالب )

بئس ما اوصل نفسه اليه السيد رياض سلامة من حال يرثى لها، وهو الذي كان بمقدوره إنقاذ الوطن والشعب، لو انه التزم بواجباته ونهض بمسؤولياته التي تفرض تقديمه الدلائل الوقائعية والموضوعية الى سلطات إنفاذ القانون حول جميع حالات التبييض والفساد والإثراء دون سبب، مكرسا صلاحياته الواسعة بالقانون ٤٤/٢٠١٥ للمساهمة في سوق حيتان المال ورعاتهم السياسيين والإعلاميين الفاسدين الى السجون، وفي المحافظة على حقوق المودعين وعلى المال العام بمنع الهدر والنهب والتهرب الضريبي من جهة، وباستعادة الاموال المنهوبة والمهربة وتجميد وضبط أو حجز العائدات الإجرامية في جميع انحاء المعمورة. وهو لو فعل ذلك لمصلحة وطنه، اقله بدرجةٍ معادلةٍ لاستجاباته الى مئات طلبات المساعدة الخارجية سواء منها التزود بالمعلومات ام رفع السرية المصرفية، لكان حجز لنفسه مقعدا في صالة انتظار المرشحين لرئاسة الجمهورية، وحفظ لوطنه مكانة تعزز مقولة انه جنة الله على الأرض!!

لم يكن ذنب الحاكم تعيينه رئيسا لهيئة التحقيق الخاصة بالقانون ٣١٨/٢٠٠١وتعديلاته ،ولا كل ما وضع بتناوله على النحو الذي فصلناه في رسالتي النصح السابقتين اليه، الاولى بتاريخ ١٨/١/٢٠٢٠(كتاب مفتوح إلى الحاكم رياض سلامة ) والثانية بتاريخ ٥/٣/٢٠٢١(لعل في التذكير عبرة: رسالة البروفسور فضل ضاهر الى الحاكم سلامة مطلع العام الماضي). غير أن تماهيه مع دوافع التفاف لبنان على الإجماع الدولي لمنع الافلات من العقاب بالجرائم الخطيرة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، انطلاقا من تنكر سلطاتنا المضمر لمبدأ عدم جواز التذرع بالسرية المصرفية في تجريم ومنع هذه الجرائم بما فيها الفساد وغسل الأموال وتمويل الارهاب، جعل منه شريكا ومخبئا في كل الأفعال الجرمية المنتِجة لأموال وممتلكات غير مشروعة اصطلح على تسميتها بالعائدات الجرمية، ومساهما بالتالي في كل ما يهدد الوطن وفي كل ما يكابده أفراد الشعب من إذلال ومن انتهاكات لأبسط حقوقهم الانسانية.كذلك الامر فان جميع من تغاضوا عن إخلاله بواجباته او دعموا وما زالوا يدعمون مسيرته في توهين دعائم الوطن وفي زعزعة الثقة بالكيان وبمقوماته، هم أعداء للشعب دون اي جدال وعلى رؤوس الأشهاد. دليلنا الاول انقضاء سنة كاملة على سعينا الدؤوب للعثور على نائب واحدٍ يقدم اقتراح قانونٍ معجلٍ مكررٍ لتصحيح تشكيل هيئة التحقيق الخاصة بتعزيز وضمان استقلاليتها لكي تقوم بالمهام الجسيمة التي انشئت من اجلها بموجب التزامات لبنان الدولية لا سيما الاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكولاتها الثلاثة (باليرمو لعام ٢٠٠٠).

نقرأ في قواعد فن القيادة ومعايير الحوكمة والادارة الرشيدة ان ازالة اي خطأ تفاديا لتفاقمه، تتقدم على التخلص من المخطئ.ونستقرئ من مواثيق وعهود حقوق الإنسان مبادئ حكمية للعدالة الاجتماعية تفرض توفير شروط المحاكمة العادلة، لاسيما منها احترام حقوق الجاني بالدفاع وبالمحاكمة السريعة ضمن المهل المعقولة مع ضمان حقه بالتقاضي على درجات تحسبا واحتياطا.بناء عليه وفي ضوء ما هو متوفر من آليات المساءلة والملاحقة القضائية بموجب قوانيننا الوطنية،والى ان ينجز ما اقترحناه منذ عام ونيف حول إعادة تشكيل هيئة التحقيق الخاصة التي ثبت اخلالها بواجباتها بدليل ما يساق حالياً بحق رئيسها من شكاوى ومن ملاحقات قضائية ،فإن اقتراحنا العملي والاجرائي يتدرج من إتخاذ القرار الفوري بتولي نائب الحاكم الأول لرئاسة الهيئة وجوبا، ثم دعوتها الى اجتماعات مفتوحة لمتابعة اجراءات التقصي والتحقق والتدقيق التلقائیة بكل ما هو متداول وشائع من إخبارات وإبلاغات حول جميع الجرائم المرتكبة والمشمولة باحكام المادة الاولى من القانون ٤٤/٢٠١٥.على ان تقوم الهيئة كذلك وفي السياق نفسه، بالطلب الى أمينها العام السيد عبد الحفيظ منصور لتفعيل ومراقبة أعمال وحدات الهيئة لاسيما وحدة المدققين والمحققين الذين لا يعتد تجاههم قانوناً بالسرية المصرفية، مع توجب مبادرتهم الى التقصّي والتحقق وتدقيق كل ملفات ومستندات الهدر والفساد المتعلقة بالهبات وبالقروض وبالتلزيمات وبالاشغال(المنفذّة والوهمية غير المنفذّة على غرار ملف الصرف الصحي على سبيل المثال) وبلجان استلامها،وذلك من خلال التنسيق أصولا مع المعنيين لدى كل من رئاسة ديوان المحاسبة العمومية، ورئاسة هیئة التفتيش المركزي، والمديرية العامة للمناقصات العمومية ،وسائر القطاعات والوزارات والادارات ذات الصلة، اضافة الى حتمية المبادرة للاستماع الى جميع الهيئات والأشخاص الذين أعلنوا عن تقدمهم بشكاوى وبإخبارات وبإبلاغات حول افعالٍ او شبهة افعالٍ مشمولةٍ بالمادة الأولى المذكورة اعلاه، تمهیداً لإعداد وتكوين ملفات قضائية معززة بالمستندات وايداعها سلطات إنفاذ القانون صاحبة الصلاحية بواسطة رئاسة الهيئة.

ان الجدية والتشدد المقترحين من قبلنا في إطار تفعيل وحدات هيئة التحقيق الخاصة ،اضافة الى حتمية التشدد في مراقبة ومحاسبة جميع الفئات المتوجب عليها قانونا تزويد الهيئة بالتقارير الدورية والظرفية والطارئة، سوف تسمح جميعها باستعادة دور الهيئة الرئيسي في التدقيق المالي الشامل بنيوياً وقطاعياً وبصورة ناجزة ووافية تفضي، بلا أدنى شك، إلى تزويد سلطات إنفاذ القانون بالمعلومات وبالقرائن المعتبرة اصطلاحا دلائل وقائعية وموضوعية دامغة، استناداً وبما يتلاءم مع النصوص والاحكام الوطنية والدولية النافذة، لاسيما منها تلك التي تجيز للهيئة رفع السرية المصرفية معطوفة على تلك التي تلحظ مهلاً موجزةً ومحددةً بمقتضى المعايير التنفيذية لتوصيات مجموعة العمل المالي “فاتف”،ذات الحجّية القانونية كونها مذكورة في مقدمة الأسباب الموجبة لتشريعنا الوطني المنشئ لهيئة التحقيق الخاصة والتزاما بالاتفاقيات الدولية على النحو المذكور اعلاه.

ان توفر الارادة السياسية، بمنطلقاتها الانسانية والوطنية، شرط لا بد منه لانقاذ الوطن من محنته ولتخليص الشعب من معاناته، وذلك من خلال التطبيق الفوري للاجراءات التي اقترحناها والتي تمهد كما ذكرنا لتكوين ملفات قضائية موثقة ومكتملة تسمح بمقاضاة وبمحاكمة كل الجناة تكريسا لموجبات منع إفلاتهم من العقاب.مع التنبيه هنا بان” اجراءات الكشف عن العائدات الاجرامية والممتلكات والمعدات والأدوات الأخرى المستخدمة او كانت معدة للإستخدام في ارتكاب افعال مجرّمة بما في ذلك اقتفاء اثرها او تجميدها او حجزها لغرض مصادرتها في نهاية المطاف ” تستند جميعها الى احكام دولية ملزمة بموجب الفقرة الثانية من المادة ٣١ من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي انضم اليها لبنان.

اما لجهة الحصانات، وبناء على أحكام الفقرة الثانية من المادة ٣٠ من الاتفاقية الدولية المذكورة، التي نصّت على “وجوب ارساء او ابقاء توازن مناسب بين الحصانات والامتيازات القضائية وامكانية القيام عند الضرورة بعمليات تدقيق وملاحقة ومقاضاة فعالة في الافعال المجرّمة وفقا للاتفاقية”،وأخذا بالاعتبار لما اوصت به اجتماعات مؤتمرات الأطراف، التي شارك فيها لبنان، حول تفعيل آليات تنفيذ أحكام هذه المادة، فأنه يمكن استخلاص أن الحصانات الدستورية تسقط بالنسبة الى اجراءات التجميد والضبط او الحجز والمصادرة، على نحو ما ورد صراحة في الفقرة السابعة من المادة ٣١ المعطوفة على المادة ٥٥ من نفس الاتفاقية،التي أوجبت على كل دولة طرف ما حرفيته “تخول محاكمها او سلطاتها المختصة الأخرى ان تأمر بإتاحة السجلات المصرفية او المالية او التجارية او بحجزها.

ولا يجوز للدولة الطرف ان ترفض الامتثال لأحكام هذه الفقرة بحجّة السرية المصرفية”، مقابل تمكين صاحب الحصانة الدستورية من اللجوء الى قاعدة “عكس الإثبات” وفقا لأحكام القوانين الوضعية الوطنية لكل دولة طرف. في حين يستمر اسقاط الحصانات الإدارية وفقا للأصول الموجزة المعمول بها مع مراعاة مبدأ تجريم عرقلة سير العدالة بالمادة ٢٥ من اتفاقية مكافحة الفساد و٢٣من اتفاقية باليرمو.

رب سائل، في الختام، هل بكل ما اقترحناه من اجراءاتٍ متيسرةٍ تستعاد الاموال المهدورة والمنهوبة والمهربة؟، والجواب البديهي المستند الى نجاح تجارب فضلى للعديد من الدول، يتمثل باعتماد معايير التسوية الودية كما في الانظمة الانكلوساكسونية، او باللجوء الى تطبيق معايير العدالة التصالحية المقرة من الأمم المتحدة بتوصيةٍ من المجتمعين في مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين(فيينا سنة ٢٠٠٠)،والتي يؤسفنا التذكير بسبق اقتراحينا المهملين بشأن تطبيقها،ان في رسالتنا الأولى الى السيد وزير العدل بتاريخ٢٣/٣/٢٠١٧،أم برسالتنا الى السيدة وزيرة العدل بتاريخ ٩/٩/٢٠٢٠ (رسالة إلى وزيرة العدل..)

اقرأ أيضاً:

تحذير إلى من يريدون بيع الوطن

العميد البروفسور فضل ضاهر، الامين العام المساعد الاسبق لمجلس وزراء الداخلية العرب

البروفسور فضل ضاهر، مفوض الرصد والدراسات والتربية والتطوير في الهيئة الوطنية لحقوق الانسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب. الامين العام المساعد الأسبق لمجلس وزراء الداخلية العرب.عضو المجلس الأعلى لادارة جامعة نايف العربية للعلوم الامنية سابقا. الرئيس الأسبق للامانة الدائمه لمجلس الامن الداخلي المركزي. عميد سابق ومستشار وزير الداخلية اللبناني للشؤون العربية والدولية,استقال من ملاك قوى الامن واحيل للتقاعد بامتيازات رتبة لواء سئة 2008. المستشار الإقليمي للUNDP (برنامج تحديث النيابات العامة العربية POGAR). مستشار لشؤون الامن البشري وحكم القانون. خبير دولي لدى الاتحاد الأوروبي (برنامج SSP) ولدى المركز الدانمركي لحقوق الانسان (مراجعة قانون GDPR للبرلمان التونسي). حائز على دكتوراة دولة بالعلوم الجنائية والعقابية. محاضر زائر في عدة جامعات. استاذ الدراسات العليا والمشرف على دراسات الدكتوراه في الجامعة اللبنانية. انجز مؤلف باللغتين العربية والفرنسية بعنوان "الدفاع الاجتماعي ومكافحة الجريمة اعتمد كدراسة علمية متكاملة حول المخدرات في لبنان من قبل منظمة الإنتريول. خبير دولي شارك في صياغة العديد من الاتفاقيات الدولية والعربية,كما ساهم باعداد وتنظيم العديد من المؤتمرات العلمية الدولية والاقليمية. نشر العشرات من المساهمات العلمية. المتمحورة حول العدالة الاجتماعية وحكم القانون. الامين العام السابق لكل من المركز اللبناني لحكم القانون ,والمنظمة العربية للمسؤولية الاجتماعية.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. فعلا كل ما كتب وذكر من قبل الدكتور العميد فضل ضاهر في مكانه من جهة طلبه من دولة الريس حسان دياب او من الحاكم رياض سلامة .
    فعلا الاعتكاف هزيمة علينا أن نواجه الأمور كما هي.
    حاكم البنك المركزي ليس لوحده المسؤول إنما كل السياسين يعرفون ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى