الاحدثالملف العربي الصينيملفات مرجعية

خمسون لبنان والصين “الجزء الأربعون” : نحو مرحلة جديدة من العلاقات اللبنانية الصينية | كتب أدهم السيد

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

 

 

منذ خمسون عامًا، تمكنت الصين وبدعم من كافة الدول الصديقة للشعب الصيني من استعادة مقعدها الشرعي في الامم المتحدة. فتح ذلك الباب واسعًا أمام “الصين الجديدة” كي تبدأ مسار بناء العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى، ومن بينها لبنان، وها نحن نحتفل باليوبيل الذهبي على اقامة هذه العلاقات.

تكتسب هذه المناسبة أهمية كبرى من اجل تعزيز العلاقات الأخوية القائمة على الربح المشترك والدعم الثابت لقضاية البلدين، وعلى رأسها الدعم الكامل لمبدأ “الصين الواحدة” ورفض كل الدعوات الانفصالية المدعومة من الإمبريالية، وكذلك التأكيد على دعم حق الشعب اللبناني بالدفاع عن نفسه في وجه الأطماع الإسرائيلية وحقه بالمقاومة وكذلك حقه في اختيار طريق التنمية الذي يناسبه وبناء علاقاته الدولية على أساس هذه المبادئ.

إذا، انها مناسبة للعمل على تعزيز وتطوير هذه العلاقات خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تواجه بلادنا والعالم.

فعلى المستوى الدولي، تسعى الولايات المتحدة لجر البشرية نحو حرب باردة جديدة هدفها قمع تطور الصين ومن خلفها كل الدول الساعية للتحرر والتقدم. وهذا النهج العدواني المعتاد من قبل الولايات المتحدة نراه في كل مفاصل العلاقات الدولية، بدءا من الاحلاف النووية الجديدة، مرورا بالعقوبات الاقتصادية الظالمة والحروب التجارية واستخدام مفهوم الامن القومي لقمع التطور التكنولوجي لباقي الدول وخاصة الصين، وصولا الى وصم الاخرين من اجل اخفاء الفشل في مواجهة وباء كورونا.

هذا بالإضافة إلى الأعيب قديمة تهدف الى قسمة العالم بين “عالم ديمقراطي” وآخر غير ديمقراطي، وهذا ما شهدناه في النسخة الاخيرة من “قمة الديمقراطية” التي دعا اليها الرئيس الامريكي بايدن.

كل ذلك يدعونا للتوحد بوجه هذا النهج العدواني، والعمل سوية لبناء عالم جديد يسود فيه الربح المشترك بدل النهب والعدوان السائد اليوم.

أما منطقتنا العربية فهي الساحة الاكثر تأثرا بهذا المشهد الدولي السلبي. من “مبادرة القرن” الساعية الى تصفية حقوقنا في فلسطين، الى حروب مدمرة في أكثر من بلد عربي هجرت وقتلت الملايين ودمرت مئات المدن. هذه الحروب التي أصبح واضحا للجميع انها تهدف الى تأبيد الهيمنة الامريكية على العالم،

والتي يقول عنها علي القادري أنها، أي الحروب، بحد ذاتها شكل من أشكال انتاج فائض القيمة لمصلحة الامبريالية الامريكية.

أما لبنان، فيمر بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، وعلى الرغم من ذلك، من الممكن تحويلها الى فرصة تاريخية من اجل بناء اقتصاد حقيقي متحرر من التبعية. وانا من الاشخاص الذين يرون أن هذه الامكانية قائمة ان توفرت الارادة من اجل اقامة علاقات إقتصادية متينة مع الصين قائمة على الربح المشترك. هذه القناعة تكونت وتعززت بعد ان تعرفت على الصين بالمباشر من خلال عيشي فيها لاكثر من 6 سنوات، وأيضا من خلال دراسة علاقات الصين الاقتصادية مع باقي الدول، فحيث وصلت الصين، حلت التنمية الاقتصادية والعلاقات القائمة على الاحترام المتبادل. وهذا ما نحتاج اليه في لبنان، علاقات تبنى على أساس مصلحة الشعب اللبناني وقضاياه المحقة.

إن الازمة المالية-الاقتصادية في لبنان أثبتت بما لا يترك أي مجال للشك بأن النموذج الاقتصادي القائم حاليا فشل، لا بل أكدت ان هذا نموذج اجرامي ويجب دفنه بأسرع وقت والتحول الى نموذج اقتصادي جديد قائم على الانتاج. الا انه من اجل القيام بذلك، لا بد من الحصول على استثمارات، هي الف باء النهوض لاي اقتصاد في عالم اليوم.

عمد لبنان خلال كل فترة ما بعد الحرب الى تمويل الدولة ومشاريعها من خلال الديون، وكانت نتيجة ذلك تخلف لا مثيل له على مستوى البنية التحتية (كهرباء، نقل، طرقات…)، وتركز كبير جدا للثروة في يد اؤلئك الذي استفادوا من هذا النموذج، او ما يمكن الاشارة لهم بطبقة ال 5% الاغنى.

اليوم، يطرح امام اللبنانيين خيار التوجه الى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من اجل الحصول على الاموال التي قد “تساعد في الخروج من الازمة”. ويصور هذا الخيار على انه الوحيد القادر على مساعدة البلد. الا انه من المعروف، وبالاستناد الى كل التجارب التي خاضها البنك الدولي وصندوق النقد انها لم تحل أي أزمة، بل زادت من حدة الفقر وعدم المساواة وارتهان الدولة لمصالح ال 1% الاغنى، وايضا رهن قرارات الدولة السياسية والاقتصادية بيد اؤلئك الذين يديرون هذه المؤسسات، أي الولايات المتحدة. حيث يعمل البنك الدولي وصندوق النقد على الزام الدول “بوصفات” جاهزة تعتمد اساسا على المديوينية والخصخصة والتقشف الحاد، ومن جهة اخرى لا تعطي هذه الوصفات أي أهمية لبناء اقتصاد منتج او تطوير الدولة للبنى التحتية. مثلا، لن يمول البنك الدولي مشروع بناء سكك حديد في لبنان، او ميترو في بيروت وجوارها، او مدن صناعية في الجنوب او البقاع او الشمال.

لن يدعم بناء محطات كهرباء متطورة وأخرى على الطاقة المتجددة، بل سيجبرنا على بيع هذا القطاع. بمعنى آخر، سيعمل البنك الدولي وصندوق النقد على اعادة احياء النموذج الاقتصادي الذي أوصل لبنان الى ما وصل سيعمل البنك الدولي وصندوق النقد على اعادة احياء النموذج الاقتصادي الذي أوصل لبنان الى ما وصل اليه، لانه بطبيعة الحال، كل ما كان يتم تطبيقه سابقا كان تحت مرأى ومسمع ودعم ومباركة هاتين المؤسستين.

إن ما نحتاجه اليوم في لبنان هو استثمارات دون أي قيود، سياسية كانت ام إقتصادية-اجتماعية. كي ينهض هذا البلد مجددا، يجب التوجه نجو دول مثل الصين التي تمتلك امكانات كبيرة. وبالمناسبة، الصين لديها استثمارات في معظم الاقتصادات في العالم، المتقدمة منها والنامية، الدول التي تصنف “غربية” او “شرقية”، في اوروبا والولايات المتحدة واميركا اللاتينية وافريقيا واستراليا وروسيا وآسيا. و العالم العربي ليس استثناء، فلدى الصين استثمارات هائلة في العديد من الدول (التابعة للولايات المتحدة او المعادية لها) مثل الجزائر ومصر والامارات والسعودية والعراق. الا في لبنان، حيث لا يمكن الاشارة الى مشروع صيني واحد في مجال البنى التحتية او أي مجال آخر. اللهم الا بناء مركز ثقافي على شكل هبة كاملة من الصين. لذا، فإن كل من يعارض الاستثمارات الصينية في لبنان بحجة اننا لا نريد ان نتوجة “شرقا”، ما هو الا عدو لمصلحة الشعب اللبناني، ويجب فضح أمثال هؤلاء الذين يعمدون من خلال اثارة انقسامات وهمية الى تأبيد سيطرتهم على الاقتصاد والدولة، وبالتالي استمرارهم بالنهب من خلال اعتماد نموذج اقتصادي قائم على الاستدانة والريع.

في الذكرى الخمسين لـ العلاقات اللبنانية الصينية، يجب على كل الحريصين على مصلحة الشعب اللبناني العمل على فتح صفحة جديدة مع الصين، قائمة على التعاون الاقتصادي القائم بدوره على الربح المسترك والمنفعة المتبادلة. ان مصلحة الشعب اللبناني اليوم تكمن في تطوير هذه العلاقات، ولا يمكن ان نسمح ان يعيق هذا المسار بعض المنتفعين من النمط الاجرامي القائم حاليا في لبنان. لبنان بحاجة الى الاستثمارات الصينية من اجل اعادة بناء المرفأ دون اي شروط سياسية، ومن اجل بناء قطاع الطاقة والمواصلات. لبنان بحاجة الى ان يكون طرف فاعل في مبادرة الحزام والطريق، ومن خلالها تفعيل دوره الاقتصادي، وضخ استثمارات تسهم في بناء مدن صناعية وتطوير زراعاته. يجب وضع مصلحة الشعب في المقام الاول، ومحاربة كل من يأخذ اللبنانيين رهينة لتحقيق ثروات طائلة ولتحقيق أهداف اعداء الشعب اللبناني الذين لم نرَ منهم الا الخراب والدمار والتخلف والفقر.


لمتابعة باقي أجزاء السلسلة : اضغط هنا

أدهم السيد، أستاذ مساعد وباحث في مركز أبحاث الحزام والطريق

استاذ مساعد وباحث في مركز أبحاث الحزام والطريق، جامعة زيجيانغ للعلوم الصناعية والتجارية، الصين. ذاع صيت أدهم السيد خلال جائحة كورونا حيث قام بتغطية مفاعيل الجائحة مباشرة من ووهان عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحضوره في تلك الفترة على الفضائيات العربية والدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى