اتفاق التيارين وخلافهما: حل للازمة ام استمرارها بالوان جديدة؟ سلسلة التسوية الملتبسة (3)
يعرض الملف الاستراتيجي للمحور الثالث من سلسلة " التسوية الملتبسة بين تيارين" حيث تناقش الشخصيات المشاركة السؤال التالي : التوافق الوطني مفقود اليوم وهو الاهم بين العناصر الضرورية لتأليف الحكومة فهل سيكون هذه المرة قدرا لا مفر منه لإنفراج الازمة؟ ام ان اتفاقهما او خلافهما هما شكلين لإستمرار الازمة ؟ "بالتالي تكون الحلول على يد أفرقاء آخرين ؟ لكن معطيات المشهد الخاص بتشكيل الحكومة لا تشي بقرب التأليف في ظل تبادل اتهامات بالتعطيل بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبين الرئيس المكلف ، حتى أن البعض ذهب بتشاؤمه الى وصف التوافق المنتظر بالمستحيل. على الرغم مما يقال عن الخلاف حول عدد الوزراء الذي ستتألف منهم الحكومة وعن المحاصصة وصراع الوزارات فإن المشكلة تبدو في مكان آخر، وإلى حين الوصول إليه، لا أحد يعلم مدة الفترة التي تفصلنا عن رؤية التوافق الوطني مجددا الذي بدوره تنتظره محطات اختبارية كثيرة بعد التأليف." ( د. مازن مجوز)
الاستاذ صلاح سلام رئيس تحرير جريدة اللواء اللبنانية :يعيش لبنان حالة شاذة في أوضاعه السياسية وهي حالة مستغربة، فالإنحدار مستمر في مختلف الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية والنقدية والمعيشية وحتى الامنية، لا زال الافرقاء السياسيون في عنادهم في موضوع تأليف الحكومة . وهذا الوفاق المفقود بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف هو حالة غير مسبوقة في تاريخ السياسة اللبنانية . إذ كيف سيشكل رئيس حكومة وزارته إذا كان غير منسجم مع رئيس الجمهورية؟ وكيف ستكون جلسات مجلس الوزراء إذا لم يكن هناك تنسيق وتفاهم وتعاون بين الرئيسين؟.
لذلك أعتقد أن الازمة الحكومية مديدة وهي ليس لها حل في المدى المنظور، وقد يأتي الحل في هذه الحالة من الخارج بسبب عجز الافرقاء السياسيين عن إيجاد الحلول المناسبة للوضع الحكومي، الذي ينعكس سلباً على الوضع العام في البلد بالنسبة للانهيارات المتتالية وبالنسبة لاستمرار العزلة اللبنانية عن الاشقاء والاصدقاء الذين إعتادوا مساعدة لبنان في أزماته وفي ملماته.
عندما إتفق التيار الوطني الحر وتيار المستقبل في بداية العهد والذي أنتج إجراء الإنتخابات الرئاسية ووصول الرئيس العماد ميشال عون الى قصر بعبدا عانى البلد من حالة من الفساد غير مسبوقة ايضاً في تاريخه، بسبب الصفقات المشبوهة التي كانت تعقد في معظم القطاعات سواء في الكهرباء أو غيرها .
أما في مجال المقاولات الأخرى وحتى في ملف النفايات وحتى عندما إختلفا بعد ثورة 17 تشرين أيضاً عانى البلد من تداعيات هذا الاختلاف، وضرب شلل تام السلطة التنفيذية بسبب تعثر تشكيل الحكومة بالسرعة اللازمة، إثر اندلاع إنتفاضة 17 تشرين كما أن بعد تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب وإنفجار المرفأ، بقي عجز السلطة عن تشكيل حكومة هو السمة الواضحة لفشل هذه الطبقة السياسية في معالجة أزمات لبنان المستفحلة حالياً، ووضع لبنان على خطة الانقاذ والاصلاح وإعادة فتح أبواب المساعدات السريعة من الأشقاء والأصدقاء وفقاً لمقررات مؤتمر سيدر، لذلك لا أعتقد أن الحل الداخلي سيأتي عن طريق هذه المنظومة السياسية، والجميع ينتظر التسوية الاقليمية الدولية حتى يتقرر الوضع الللبناني على ضوء الخريطة السياسية الجديدة في المنطقة .
الكاتب السياسي الاستاذ جوزيف ابو فاضل: التوافق الوطني مفقود حاليا لكن هناك مطلب واحد لدى جميع اللبنانيين وهو أن يكون هناك وفاق على تاليف حكومة تكون وفاقية الى حد ما، طالما بعض الفرقاء لا يريدون المشاركة في هذه الحكومة العتيدة، وبالتالي هذا الامر ولو كان مفقوداً اليوم عندما تتألف الحكومة المقبلة سيكون هناك نوع من التآلف والتوافق على المواضيع، وعندما يحصل هذا التوافق يحصل توافق على أمور اخرى تقرب المجتمعات اللبنانية الى بعضها البعض، لذلك إذا كانت جولة الرئيس الحريري التي يقوم بها اليوم حول الدول العربية والى فرنسا، وغيرها من الدول ستصل الى مكان، ربما لأن بعض الفرقاء قد نسقوا معه سلفاً هذا الامر، اما الخلاف فهو مستحكم بين فريقين في البلاد فريق يمثله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والوزير السابق جبران باسيل وبعض الحلفاء، والفريق الاخر يمثله الرئيس الحريري وفرقاء آخرين، لذلك لا يوجد عدة فرقاء في الإختلاف السياسي الحاد بل فريقين إثنين بقضية تأليف الحكومة ونوعها وهدفها.
لذلك لا بد من تدخل خارجي لإنقاذ الوضع وتأليف الحكومة، وفي نفس الوقت لا بد من وعي وإستدراك داخلي لإلتقاط الفرصة المعينة، وإنتظار الظرف المناسب لالتقاطه وتشكيل الحكومة. عندما تتدخل القوى الخارجية لا اظن أن أحداً في الداخل يستطيع أن يقنع الآخر بأنه سيكون هناك حكومة وحدة وطنية ووفاق وطني من دون تسوية خارجية، أو من دون إتفاق خارجي أو من دون ضمانات خارجية، لذلك نحن ننتظر توافر هذه المعطيات في الجولات التي يقوم بها الحريري وخاصة بالنسبة لقطر والامارات وما خلفها من اميركا وايران ودول عظمى.
الدكتور مصطفى علوش ، نائب رئيس تيار المستقبل: الواقع أن ما نراه اليوم هو نتيجة لمرض مزمن في النظام اللبناني، وهو أن يكون هناك توافق سياسي على أي حكومة ممكن أن تتشكل، وهو أيضاً خلل في الدستور، لأنه لم يحدد لا المهل ولا كيفية الخروج من المأزق في الحالات مماثلة للحالات التي نمر بها، طبعا المشكلة في هذه اللحظة لا يمكن حلها بشكل جذري من دون الخوض في جدل دستوري سيطول ويتشعب حتماً. لكن إذا رأينا ان مجلس النواب هو المرجعية، فعلينا أن نرجع الى المرجعية.
فإذا كان رئيس الجمهورية قادر على تعطيل تشكيل الحكومة من خلال عدم التوقيع ورئيس الحكومة المكلف لن يعتذر ولا يقبل الا بحكومة كما يراها، فمن المنطق أن يكون هناك مؤسسة ثالثة هي بالأساس مصدر السلطات في لبنان، لأن مجلس النواب هو من ينتخب رئيس الجمهورية وهو أيضاً من يكلف الرئيس المكلف، فإن حصل الخلاف فالحل يجب أن يعود الى مجلس النواب، أي أن يوقع رئيس الجمهورية التشكيلة الوزارية ويحمل مسؤوليتها لرئيس الحكومة، فرئيس الجمهورية لا يسقط إن سقطت الحكومة. لكن بطبيعة الحال التعقيدات القائمة الآن ستؤدي كما نرى الى تدمير الهيكل على الموجودين، وإذا استمرت أزمة تأليف الحكومة قد لا تنتهي إلا بدمار شامل للمؤسسة وربما إنهيار شامل وتفكك الدولة اللبنانية، وهو ما أصبح ليس بعيداً حسبما نرى في ظل الأفق المسدود وغياب الحلول، وثانياً بسبب الوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي المتردي يضاف اليها أزمة الوباء الحالية.
هناك من يراهن وأصبح ذلك واضحاً بان هذه اللحظة المناسبة لطرح مؤتمر وطني لتغيير النظام القائم وهي خطوة قد تكون لا مفر منها في وقت من الاوقات، ولكن الاولوية الآن لتشكيل الحكومة قادرة على ضخ بعض الاوكسيجين المالي في لبنان، حتى لا يحصل الإنهيار الكامل، وعندها لا يمكن تقدير ما ستصل اليه الامور في هذه الحالة.
الاستاذة رندلى جبور ، قيادية ومنسقة اللجنة المركزية للإعلام في التيار الوطني الحر: نطالب بتشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن، فالتشكيل اولوية بالنسبة لنا، المشكلة هي تمسك طرف وهو الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل بسلوك خاطىء في التشكيل، سلوك يعتمد على الإستئثار والإحتكار لا يحترم الدستور يضرب مفهوم التوافق الوطني ويريد إقصاء أفرقاء أساسيين حتى من مجرد الحديث معهم والحوار معهم، وهو لا ياخذ بعين الاعتبار الثوابت الوطنية الاساسية والوطنية والضرورية، ليس هناك من معيار واحد للتشكيل، فهو يعطي حق للرئيس بري باعتراف الرئيس بري نفسه بأنه هو يسمي الوزراء الشيعة ، ويعطي الحق لوليد جنبلاط بأن يسمي الوزير الدرزي، وللمردة بأن يسمي وزيره، لكنه يحرم رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر من هذه المشاركة بالتسمية، وهذا خاطىء فإما تنطبق المعايير على الجميع، وأما هناك خلل يجب معالجته، فلبنان يتطلب تفاهم بين الجميع من أجل الحفاظ على إستقراره، ولكن التفاهم لا يعني أن أحد يكسر أحد أو يسجل نقاط على أحد، أو أن أحد يخرج رابحا وآخر يخرج خاسراً، أو أحد يعيدنا الى ما كنا عليه ما قبل العام 2005 .
هناك محاولات اليوم لإعادة لبنان الى مرحلة ما قبل الشراكة، والى مرحلة كان المسيحيين موجودين والآخرين يسموا عنهم وزرائهم، وكان المسيحي موجود بالشكل فقط، ولكن دوره لم يكن فاعل وقراره لم يكن بيده، وهذه هي المشكلة التي لن نسمح بحصولها، ولا يجوز أن نعود الى ما قبل العام 2005 ، ولا يجوز لأحد ان يتصرف وكأن البلد لا يزال تحت الوصاية وحتى اليوم لا يبدو في الافق حصول تفاهم . فلنرى الإشارات الاقليمية والدولية التي ينتظرها الرئيس الحريري، ولا ننسى مشكلة إرتباط الحريري بالخارج، وهذا ما يجعل قراره ليس بيده وهذا يصعب تشكيل الحكومة وربما هو لا يريد تشكيل الحكومة، لانه غير مستعد لحمل كل الملفات أو للسير بالتدقيق الجنائي المصر عليه الرئيس عون، حتى اليوم لا تزال المشكلات كبيرة والعوائق كبيرة، ولا أعلم اذا كانت إتصالات الرئيس الفرنسي بالاميركيين والسعوديين ممكن أن توصل إشارة ما تصل الى الحريري ويحصل التشكيل والتذليل للعقبات.
لمن فاتته متابعة الجزئين الاولين:
سلسلة “التسوية الملتبسة بين تيارين” (1): زيارة جديدة للتسوية الرئاسية
الجمعة المقبل الجزء الرابع والاخير
يجيب المتحاورون على السؤال التالي: ما هي حصة تلك التسوية في مستوى الانهيار الاقتصادي الذي بلغه لبنان خاصة أن تلك التسوية قد انهارت غداة انتفاضة ١٧ تشرين؟ هل كان من الممكن لتسوية من طبيعة اخرى تجنيب البلاد ما وصلت اليه اليوم؟