سلسلة “التسوية الملتبسة بين تيارين” (1): زيارة جديدة للتسوية الرئاسية
يعرض الملف الاستراتيجي للمحور الاول من سلسلة " التسوية الملتبسة بين تيارين" . حيث تناقش الشخصيات المشاركة السؤال التالي : اليوم وبعد مضي اربع سنوات على التسوية الرئاسية ، البعض يؤكد انها ماتت والآخر أنها كانت فاشلة من الأساس ، بعد أن تم تصويرها بأنها عمود الخلاص للبنان . لو عدنا الى الوراء 4 سنوات كيف كانت نظرتكم آنذاك ؟ خصوصا في ظل ما نشهده اليوم من تعطل مجلس الوزراء، والتحرك اليومي لثوار 17 تشرين في الشارع، وما نشهده من قطع للطرقات في الكثير من المناطق اللبنانية نتيجة الفقر والبطالة والجوع الذي باتت النسب التي وصلت إليها تنذر بكارثة وطنية وإنسانية يضع الإستقرار الداخلي بأكمله بخطر. وإذا كان الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة قد أعلن في 14 فبراير الماضي انتهاء التسوية الرئاسية التي أتت بالرئيس ميشال عون إلى سدة الرئاسة عام 2016، داعيا إلى انتخابات برلمانية مبكرة، فماذا سيقول عنها في الذكرى نفسها التي ستحل بعد 9 أيام ؟ د.مازن مجوز
الاستاذ صلاح سلام، رئيس تحرير جريدة اللواء اللبنانية
في الواقع كانت صفقة سياسية أكثر مما هي تسوية سياسية، صفقة أوصلت الرئيس العماد ميشال عون الى قصر بعبدا على حساب مجموعة مواقف ومبادىء كانت قوى 14 آذار قد أعلنت التزامها بها ثم تخلت عنها تباعاً من خلال عدة تطورات منها التفاهم بين التيار الوطني الحر والقوات ثم إتفاق معراب الذي تبنى ترشيح عون للرئاسة وأصبح الرئيس الحريري أمام واقع جديد هو وجود إجماع مسيحي تقريباً على ترشيح عون للرئاسة وبالتالي خطا خطوة التسوية الرئاسية مع التيار الوطني الحر ومع النائب جبران باسيل بالذات، على أمل أن يكون فيها فيها الخلاص للبنان بعد سنتين ونصف من الفراغ في رئاسة الجمهورية، وتحلحل الدولة، والإنقسام الذي ساد حكومة تمام سلام في أشهرها الأخيرة .
وللأسف لم تكن هذه التسوية بداية لإنقاذ لبنان من الأزمات التي يتخبط فيها، بل هي زادت الامور تعقيداً لأن سيطرة “شبق السلطة” والإستئثار بالقرار لدى التيار الوطني الحر ولدى فريق رئيس الجمهورية وفريق باسيل أنتج خلل في المعادلة الداخلية وخلل في السلطة أيضا، خللان أديا الى تقديم مجموعة تنازلات من فريق سعد الحريري بدون مقابل الأمر الذي أدى الى ردة فعل غاضبة لدى جمهور الرئيس الحريري ظهرت نتائجه في الانتخابات النيابية عام 2018 .
هنا لا بد من الإشارة أن جمهور الرئيس الحريري في تيار المستقبل وفي مختلف المناطق اللبنانية كان معارضاً للتسوية من الأساس وحذر العديد من المقربين من النخب التي كانت مقربة من بيت الوسط حذر من مغبة مثل هذه الخطوة التي وصفها الحريري نفسه بالمغامرة وان مستعد ان يدفع ثمن هذه المغامرة وبالفعل دفع ثمنها في إنتخابات 2018 بعدما وافق على قانون الانتخابات الاعرج الذي إعتمد النسبية والصوت التفضيلي، لذلك أنا أعتبر هذه التسوية من أساسها حلاً فاشلاً للازمة اللبنانية التي يتخبط فيها لبنان وهي الآن أصبحت من الماضي بدليل هذا التباعد والتشنج في العلاقة بين عون والحريري الذي يشكل عاملاً واضحاً على انهيار تلك التسوية التي لم تدم أكثر من 3 سنوات وسقطت مع إندلاع إنتفاضة 17 تشرين الاول 2016.
الكاتب السياسي الاستاذ جوزيف ابو فاضل
هذه التسوية تعرضت عند انطلاق ثورة 17 تشرين واستقالة الرئيس الحريري وعدم عودته الى رئاسة الحكومة إلا بشروطه وهي حكومة أخصائيين وغير حزبيين لنكسة وأصبح لها تداعيات سلبية على الواقع اللبناني باكمله كون الجنرال عون هو رئيس الجمهورية والحريري هو الرئيس المكلف . في السنة الخامسة نشهد تدهور وضع التسوية وهي لن تعود كما كانت، وإذا كان من تفكير بانعاشها فسيكون من قبل طرف خارجي لكن لا يوجد إشارات إيجابية على إحتمال عودتها إلى طبيعتها. من الواضح أن هذه التسوية قد تدهور حالها وحالتها وأصبحت في خبر كان، ولا نعرف كمية الحقد والكره والبغض الذي يحمله كل واحد منهم للآخر، وهذا أمر مستغرب،لأن هذه الامور تحصل بين اللبنانيين عادةً لكن ليس الى هذا الحد والحدية والتعقيدات.
التسوية فشلت وماتت ودفنت وإنتهت لأن التسوية حصلت من فوق وليس من القاعدة، القاعدة كانت بعيدة عن التسوية وكانت طوال السنوات الماضية تشتم بعضها البعض وما حصل هو تسوية على مستوى القيادة وليس القاعدة لذلك لن ادخل في مسألة من هو على حق ومن عليه الحق في القيام بما قام به . سنقول أن هذه التسوية لن تعود لأن القاعدة اساساً لم تتصالح في ما بينها، والامور إذا كانت اليوم مرهونة بالتسوية فلن تتشكل الحكومة ولهذا الامر لا يوجد حكومة لأنه لا يوجد تسوية، فالتسوية تبدأ بالنفوس وليس بالنصوص، النفوس محقونة هناك مشكلة كبيرة في النفوس لدى تيار المستقبل والتيار الوطني الحر هناك علاقة متدهورة ومستمرة بالتدهور ولا تصلح الامور الا بحكومة وإتفاق وهما أمرين مستبعدين الآن.
الدكتور مصطفى علوش، نائب رئيس تيار المستقبل
عندما حصلت التسوية كان لبنان يعاني من واقع شديد التعقيد، خصوصاً أن الامور آنذاك كانت مرتبطة بأحداث عرسال، وكان الأفق مسدود والبلد كان يسير نحو الانهيار الحتمي والعنيف .
عندما تبلورت التسوية كانت بالتأكيد مثيرة للقلق لدى معظم قيادات وكوادر تيار المستقبل، خصوصاً أن بذور فشلها كانت موجودة فيها، نظراً لطبيعة شخصية الرئيس عون وإنغماسه بشكل كامل مع صهره، وسعيه الواضح الدائم الى توريثه العهد، ولكن في النهاية لم يكن هناك أي خيار آخر خاصة بعد اللاءات التي وضعت في وجه كل المرشحين الرئاسيين، وكان يجب وبالحاح أن يكون هناك رئيس للبلد كي يتم وضع بعض الإقتراحات للإنقاذ .
سعد الحريري إختار هذا الخيار على الرغم من الاحتجاجات والمخاطر، وفي النهاية حاول من خلال هذه التسوية إيجاد مخارج وطرح رؤية لمشاريع اقتصادية قد تتمكن من إنقاذ البلد ومن ضمنها مشروع سيدر، الذي طرحه منذ البداية، لكن الاعاقات الدائمة والشبق الدائم لجبران باسيل للمزيد من السلطة والتسلط أديا في النهاية الى عدم القدرة لتحقيق أي شيء.
ما وصلت اليه البلاد من ظروف اقتصادية ومالية كان نتيجة طبيعية للتدهور العام الذي ليس هو فقط بسبب التسوية، لكن بالتأكيد هو مرتبط بعوامل أخرى ومن ضمنها وجود الميليشيات المسلحة والتغاضي عن ما يشكله حزب الله من تهديد مباشر ليس فقط للأمن لكن ايضاً للاقتصاد والعلاقات السياسية والاقتصادية بين لبنان ودول اخرى ذات أهمية كبرى للبنان.
في النهاية نعم نحن نرى بأن هذه التسوية فشلت ولو عدنا الى الوراء ربما كان الافضل عدم الدخول بها، لكن ما مضى قد مضى والآن نحن في الواقع وفي ما نحن به اليوم، وعملياً لا شك أن سعد الحريري إستفاد من التجربة وهو مصر أن لا يدخل في شراكة جديدة مع ما تمثله رئاسة الجمهورية وخاصة مع جبران باسيل.
الاستاذة رندلى جبور، قيادية ومنسقة اللجنة المركزية للاعلام في التيار الوطني الحر
في حال عدنا 4 سنوات الى الوراء، لكنا إتخذنا القرار نفسه بالشراكة مع الرئيس سعد الحريري، وكان من الطبيعي أن نعقد شراكة مع الأكثر تمثيلاً لدى الطائفة السنية، آنذاك كانت الواقعية السياسية ومصلحة الوطن تفرض تلك الشراكة لإعادة تثبيت أسس الشراكة والميثاقية في لبنان أما اليوم فالمصلحة الوطنية تفرض نظرة مختلفة لتكوين السلطة التنفيذية .
آنذاك كان ذلك الخيار تحقيقاً للشراكة الميثاقية ولم يكن لدينا خيار سوى إحترام رأي القاعدة السنية بقرارها لشخصية رئيس الحكومة، وفي الواقع لم تكن هذه التجربة على قدر التوقعات إذ حملت معها الكثير من الآمال لنا، فكنا نتوقع منها شيء وما جلبته لنا شيء آخر .
كنا نرغب بتحقيق مشاريع كثيرة مع الرئيس الحريري، ونطمح لتحقيق رزمة من الاصلاحات ومكافحة الفساد، وأن نشكل تكامل من أجل مصلحة لبنان لكن للأسف هذا ما لم يحصل .
نحن غير نادمين على التسوية، لكنها علتمنا الكثير ، لذلك نتحفظ اليوم على إسم سعد الحريري لرئاسة الحكومة، لأن الشراكة معه لم تحقق الأهداف المرجوة ولو أنها حافظت على الشراكة، ومن هنا مواقفنا المعلنة بأننا لا نأتمن الرئيس الحريري بمفرده بتشكيل الحكومة، فنحن لم نحقق الكثير عندما شاركناه السلطة فكيف اليوم إذا تركنا كل الكرة بين يديه؟ . ربما لا يريد التدقيق الجنائي كما هو واضح، في المرحلة السابقة كان هناك الكثير من الآمال معقودة واليوم إنتفت هذه الآمال، بالتالي نحن اليوم نتعاطى بنظرة مختلفة الى الامور.
في الاسبوع المقبل يجيب المشاركون على السؤال التالي:
يبدو المشترك الكبير بين الطرفين اليوم هو انفضاض الحلفاء. للمفارقة الطرفين يفتقدان لحلف سياسي وطني واسع. وللمفارقة ايضا”، في الوقت الذي يحافظ فيه تيار المستقبل على علاقة ممتازة مع الرئيس بري يحافظ الوطني الحر على نفس نوع العلاقة مع حزب الله. كيف تقرأ ذلك؟ هل بات الثنائي الشيعي هو نقطة الوصل الوحيدة في التناقضات الداخلية؟
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا