الاحدثفلسطين

مونديال قطر 2022: منصة إستفتاء عالمية على عدالة القضية الفلسطينية | بقلم د. عوض سليمية

قدم مونديال قطر لهذا العام 2022، منصة شعبية فريدة من نوعها، ساهمت في كشف عمق الفجوة بين المواقف الرسمية لبعض الدول، وحقيقة المواقف الشعبية العالمية والعربية على وجه الخصوص، من القضية الفلسطينة، وكشف الكرنفال الكروي بوضوح عن إستمرار رفض القاعدة الشعبية العربية العريقة من المحيط الى الخليج، لمشروع تطبيع العلاقات مع إسرائيل، او قبولها كدولة احتلال خارجة عن القانون الدولي في الشرق الاوسط. وقد ترسخت هذه المواقف الحقيقية على الهواء مباشرةً دون إعادة إنتاج أو إخراج سينمائي، تمثلت في تشابه المواقف وردة الفعل الطبيعية للمواطن العربي الاصيل في رفض التعاطي مع الصحافة الاسرائيلية، وكانت نتيجة المحاولات المتكررة للصحفيين الاسرائيلين لاحراز أهداف في الشباك المنيعة للامة العربية من خلال إجراء مقابلات مع مشجعي المونديال تنتهي بعد اقل من ثانية بمجرد تعريف المراسل عن نفسه أنه إسرائيلي.

في هذا الاطار، وعلى الرغم من حقيقة غياب المنتخب الفلسطيني عن هذا الاحتفال الكروي العالمي، إلا ان القضية الفلسطينية كانت أكثر القضايا حضوراً وبقوة، ونقطة اشتعال سياسية متجددة، في اوساط المشجعين من كل دول العالم. إزاء مشاهد ارتفاع العلم الفلسطيني في المدرجات وخارجها، الهتاف غير المنقطع لفلسطين، توزيع الاوشحة وشارات الكوفية الفلسطينية، مشاهد إلتحاف العلم الفلسطيني من قبل المشجعين، يافطات كتب عليها لا للتطبيع مع اسرائيل، الى جانب الحدث الابرز المتمثل في مقاطعة مراسلي وكالات الانباء الاسرائيلية مع توجيه عبارات غاضبة للصحفيين الاسرائيليين، من قبيل: انتم قتلة لاخوتنا الفلسطينيين، طرد المراسلين الاسرائيليين وطواقم التصوير الاسرائيلية عن الشواطئ القطرية وتدخل الامن لاخراجهم، بالاضافة الى مشهد ايقاف سائق تكسي قطري لرحلته وإخراج من فيها بعد معرفته بانهم اسرائيليون، وفقاً لرواية الصحفي الاسرائيلي من وكالة كان الاسرائيلية، دور هوفمان. في الواقع، جاءت نقاط الاشتعال المكشوفة هذه وغيرها التي لم يكشف عنها بعد، في سياق دلالات واضحه محورها ان القضية الفلسطينية ما زالت حاضرة في عقول وقلوب ابناء الامة العربية وأحرار العالم، وتحتل مكانة متقدمة على اجندتهم حتى لو تم تغييبها بشكل متعمد او تحت الضغط الامريكي عن الاجندة الدولية.

على الرغم من الجهود المحمومة والمتواصلة التي بذلتها وما زالت القيادات الغربية وبعض الانظمة العربية الرسمية على كافة المسارات، السياسية، الاقتصادية والاعلامية. كنتاج لعقيدة خالصة في خدمة مصالح إسرائيل أو تحت سياسة الضغط القصوى التي تمارسها واشنطن، منذ بداية عهد ترامب وصفقته المشؤومة. بما فيها، مسارات عقد الاجتماعات، القمم، اللقاءات، المؤتمرات وترتيب الزيارات المتبادلة مع المسؤولين الاسرائيليين، الى جانب محاولات رفع وتيرة حجم التبادل التجاري بين الدول المطبعة وإسرائيل، بالتزامن مع سلسلة من الانشطة الاعلامية الموجهة، لاقناع الشعوب العربية بالخير الوفير الذي ستنعم به بفعل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. إلا أن الرد الشعبي العربي والعالمي من على منصة المونديال القطري، كان بقوة شمس صيف الخليج واحرقت هذه الجهود دفعة واحدة، مُعلنةً بصوت واحد أن اسرائيل بشكلها الاستعماري الحالي لا يمكن قبولها كدولة طبيعية في أوساطنا، ما لم يحصل الفلسطينيون على استقلالهم التام وحقهم في تقرير المصير.

في السياق، فإن اسرائيل الرسمية تعيش اجواء مُحبطة ومُؤلمة، وهي ترى بأُم عينها وعلى الهواء مباشرةً إنهيار مشروع الهرم التطبيعي الوهمي الذي شيدوه منذ سنوات، على بعض رمال الخليج المتحركة، وسارعت بمطالبة مواطنيها المتواجدين في الدوحة، بأن يكونوا “إسرائيليين بشكل اقل وضوحاً في الاماكن العامة حفاظاً على امنهم الشخصي”، بما فيها تجنب حمل علم إسرائيل وإظهار نجمة داوود السداسية، وضرورة التقيد بعادات وتقاليد البلد الاسلامي المُضيف، والذي يجرم المثلية الجنسية ويمنع تعاطي المخدرات وتناول الكحول والمُسكرات بانواعها، وتُحذرهم من الاحتكاك بالمشجعين الاخرين ورجال الامن القطريين… وفقاً لتعليمات وزارة الخارجية الاسرائيلية على بوابتها الالكترونية الخاصة بتوجيه الاسرائيليين، والتي افتتحت أيضاً مكتباً مؤقتاً للاستجابة السريعة لاي أحداث متوقعة تحاشياً لاندلاع أي أزمة دبلوماسية بين البلدين.

يستحق مونديال قطر 2022، وبجدارة ان يحصل على لقب “المؤتمر الشعبي العالمي لنصرة فلسطين”، لقد جسد استفتاءًا عربياً وعالمياً حقيقياً وسط جحافل المشجعين على عدالة القضية الفلسطينية. من ناحية، شكل المونديال مناسبة كبيرة لارسال رسائل شعبية واضحه في كل الاتجاهات، جوهرها، ان التطبيع مع الكيان الذي ما زال يحتل الارض العربية وفي مقدمتها القدس، امر مرفوض ومخالف لتوجهات الشعوب الرافضة للاستعمار بكل اشكاله، وأن المواقف الحقيقية للشعوب العربية والعالمية لا يمكن تجاوزها أو إخفائها مهما حاولت الجهات الرسمية فعل ذلك. من ناحية اخرى، منح المونديال لأبناء واحفاد الفلسطينيون الذين اقتلعتهم اسرائيل من ارضهم بعد تأسيسها عام 1948، الى جانب اخوتهم من فلسطين. فرصة للقاءات والتأكيد من جديد على ان فلسطين كانت وما زالت وستبقى قبلتهم الاولى، مُسقطين معاً نظرية واحلام رئيس الوزراء الاسرائيلي دافيد بن غوريون “الكبار يموتون والصغار ينسون”. ليبقى العلم الفلسطيني الذي يعلوا مدرجات الملاعب القطرية شاهداً على بقاء قضية وشعب لن يموت، ويتطلع الى تنظيم المونديال ذات يوم على ارضه المحررة.

د. عوض سـليميـة

حاصل على الدكتوراة في العلاقات الدولية في تاثير اللوبي الإسرائيلي على السياسة الخارجية تجاه القضية الفلسطينية من جامعة university utara Malaysia. زميل ابحاث ما بعد الدكتوراة في السياسة الخارجية الأمريكية. مدير برنامج السياسة الخارجية الامريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى