من يراقب المواقف والسلوك الأردوغاني منذ ما سمي الربيع العربي يحار في توصيف هذا الرجل وتحديد المعايير التي يعتمدها في تحديد خياراته الإنتهازية بغالبيتها.
حاول اردوغان الإستثمار على “الربيع العربي” في كل من مصر وتونس وليبيا وسورية وأخيرًا اليمن، وركب حصان الأخوان المسلمين عله يوصله الى العواصم العربية، فيعيد احياء عثمانية جديدة يتطلع لإستنهاضها ويكرس نفسه السلطان سليم الجديد الذي يريد ان يصلي في الجامع الأموي في دمشق ويحتوي الأزهر في مصر ويمد افرعه في عديد من الدول في ليبيا وتونس واليمن.
استند اردوغان في توجهه هذا الى موقع تركيا باعتبارها جزء من الحلف الأطلسي الطامح لمد سيطرته على غالبية الشرق الاوسط استكمالا لمشروع السيطرة والتطويق. لكن تبين ان الحلف الأطلسي لا يعمل لصالح احد بعينه ولا سيما اردوغان الذي ترتاب منه اوروبا وربما اميركا ايضا، بل يعمل لصالح الإستراتيجية السياسية والعسكرية لمنشئه وهي الولايات المتحدة الاميركية.
لقد فشل اردوغان اولا في جر حلف شمال الأطلسي لمعاركه الخاصة. كما فشل في ان يحقق من خلال دعم الإرهاب ما عجز الاميركي والأطلسي عن تحقيقه بخاصة في سورية. رغم الدعم الهائل لادوات الإرهاب الفكري والسياسي والعسكري، استطاعت الدول العربية وفي الطليعة سورية من مواجهة مخططات الأخوان المسلمين والعناصر الأخرى واستطرادا فشل الرهان الأردوغاني.
لا شك ان اردوغان قد فعل الأفاعيل في شمال سورية، ونحج نسبيا في تغيير البنية الديموغرافية والثقافية والمالية والإقتصادية، لكنه عجز عن ترجمة هذه المعطيات الى معادلات سياسية تخدم الأهداف الأصلية التي انطلق منها.
الآن وبعد تفاقم مآزق اردوغان الداخلية على مستوى الإقتصاد، وعلى مستوى تنامي المعارضة التي يبدو انه عاجز عن قمعها واحتوائها، وتنامي الازمة المالية وانهيار الليرة على ابواب انتخابات يكتنفها الكثير من الشكوك في امكانية نجاحه فيها اضطر للإستدارة نحو البراغماتية في محاولة استعادة العلاقة مع سورية لدرجة ان الكثير من المراقبين السياسيين والعارفين بخطط اردوغان فوجئوا بكمية التنازلات التي ابداها والخضوع لغالبية الشروط السورية التي لم تفارقها الريبة حيال اردوغان وتحولاته غير المفهومة احيانا.
الآن يلتقي ثلاث وزراء دفاع في موسكو، هم وزير الدفاع السوري، ووزير الدفاع التركي، ووزير الدفاع الروسي الراعي لهذا اللقاء ليضعوا السيناريو شبه النهائي لإنسحاب الجيش التركي من شمال سورية وفق خطة عمل تتناول العلاقات السياسية والإقتصادية البينية، ولا سيما الخطة الامنية التي تعطي الطمأنينة للأتراك فيما يتعلق بالحضور الكردي، وتعطي سورية ورقة القدرة على التحرك الجيو سياسي حيال تركيا من جهة، وحيال بقية المصاعب من جهة اخرى، لا سيما ما يتعلق بالوجود الاميركي الذي سيكون من الصعب عليه الإستمرار فيما لو انسحبت تركيا، كذلك معالجة الملف الكردي. يبقى انه يجب الإعتراف بان سورية ستسجل نقاطا ايجابية كبيرة في حال نجاح حوار موسكو على مستوى السيادة والإستراتيجيا والإقتصاد واستعادة الثروات، والتأسيس للخروج من الازمة الإقتصادية الخانقة.
