
المشهد بين ترامب وزيلينسكي لم يكن مجرد لقاء دبلوماسي، بل كان استعراضًا للقوة، حيث تحولت المحادثة إلى مناورة محسوبة تهدف إلى فرض الهيمنة وإضعاف الطرف الأضعف أمام أعين العالم. لم يترك ترامب ونائبه أي مساحة لزيلينسكي ليتحدث بحرية أو يعبر عن موقفه بوضوح، بل حاصراه بأسئلة وتلميحات تجبره على اتخاذ موقف دفاعي مستمر. بدا وكأن الهدف لم يكن الحوار بقدر ما كان دفعه إلى الارتباك أو الخطأ، تمامًا كما في أسلوب الاستفزاز المقصود الذي يبدأ بسؤال مشحون ثم يُتبَع برد ساخر أو اتهام جديد، بحيث يصبح أي محاولة للتوضيح فخًا جديدًا.
هذه الديناميكية لم تكن عبثية، بل كانت جزءًا من استراتيجية تقوم على استغلال تفوق أحد الطرفين دبلوماسيًا وإعلاميًا. ترامب لم يكن فقط يسعى إلى إحراج زيلينسكي، بل كان يرسل رسالة واضحة بأن أوكرانيا لا تملك استقلالية القرار، وأن مساعدتها مرهونة بإبداء الولاء وتنفيذ التوجيهات غير المعلنة. من خلال هذا الأسلوب، لم يكن ترامب بحاجة إلى طلب شيء بشكل مباشر، بل خلق بيئة يظهر فيها زيلينسكي وكأنه مُطالب بتقديم تنازلات دون أن يُقال ذلك صراحة.
في ظل هذا التوازن المختل، أصبح اللقاء أشبه بجلسة تأديب علنية، حيث بدا ترامب في دور “المعلم الصارم” الذي يوبخ تلميذًا ضالًا، بينما زيلينسكي في موقف من يحاول تبرير نفسه دون جدوى. كانت هذه الطريقة مثالية لفرض السيطرة دون اللجوء إلى تهديد مباشر، حيث تكفي لغة الجسد، نبرة الصوت، والتلميحات الساخرة لإرسال رسالة واضحة: السلطة هنا ليست بيدك، وأي خطوة مستقبلية يجب أن تمر عبر بوابة الإذعان السياسي.
لكن خلف هذا المشهد العلني، كان هناك ما هو أبعد من مجرد إحراج زيلينسكي أو الضغط عليه لوقف إطلاق النار. ما أراده ترامب لم يكن فقط إنهاء القتال، بل إعادة صياغة الدور الأوكراني بالكامل وفق المصالح الأمريكية، بما يشمل إعادة توجيه التحالفات، تعديل الأولويات الاستراتيجية، وحتى تغيير مواقف أوكرانيا تجاه ملفات حساسة. لم يكن المطلوب فقط تهدئة الحرب، بل إجبار زيلينسكي على الدخول في معادلة جديدة يكون فيها أكثر خضوعًا لمعادلات النفوذ الأمريكية، سواء فيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا، أو بملفات الفساد التي يمكن استخدامها ضده أو ضد خصوم ترامب السياسيين.
بمعنى آخر، كان ترامب يسعى إلى أن تكون أوكرانيا ورقة تفاوض في معادلات أوسع، سواء على مستوى العلاقات مع موسكو، أو في إطار سياساته الداخلية، خصوصًا فيما يتعلق بتشويه صورة خصومه مثل جو بايدن عبر إثارة ملفات فساد تتعلق بابنه هانتر. زيلينسكي لم يكن فقط في موقف رئيس يبحث عن دعم عسكري، بل في اختبار سياسي خطير، حيث لم يكن أمامه سوى خيارين: إما الرضوخ لمعادلة ترامب، أو المخاطرة بخسارة الدعم الأمريكي، وهو ما يعني تعريض بلاده لمزيد من الضغوط العسكرية والاقتصادية في مواجهة روسيا.