الاحدثالشرق الاوسط

أسرار جديدة من حرب عاصفة الصحراء (1) | كتب مجدي منصور

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

الكاتب السياسي / مجدي منصور يفتح أسرار حرب عاصفة الصحراء

لعل ما يُميز الإنسان عن غيره من المخلوقات هو قدرته على العودة للحوادث والنظر لها بعين أخرى في ضوء ما يتوفر له من معلومات جديدة قد تقود لفهم أعمق وتكوين رؤية أشمل وأصوب لما تم في الماضي القريب وتلك المراجعة بالفحص والدرس لما جرى ، قد تقود لتصحيح الفكر من خلل وقصور الفعل.

ومنذ فترة قليلة أفرجت الولايات المتحدة الأمريكية عن عدد من الوثائق عن حرب الخليج أو ما سُمى حرب عاصفة الصحراء 1992. واستطعت الحصول عليها من مركز الدراسات المُشترك به. وأتممت قراءتها ، ورغم أن تلك الوثائق لا تكشف كثيراً زيادةً عما نعرفه إلا أنها تؤكد حقائق وقعت وتدعم توجهات ثبُتت وتثير أسئلة طُرحت.

وبعد أن انتهيت من قراءة الوثائق تذكرت نصيحة قالها زعيم الهند جواهر لال نهرو لابنته انديرا وهى «إن التاريخ يجيبنا عن الأسئلة القديمة بطرح أسئلة جديدة».

وقررت أن أكمل المعلومات التي نُشرت لاحقاً بالمعلومات التي نشرت سابقاً من مراجع معتمدة وموثوقة سأذكرها بثبت المراجع كما أفعلُ دائماً.

أنني قررت أن أتناول الموضوع بشكل بانورامي سريع ، وبرغم ذلك مُضطر لتقسيم الموضوع لأجزاء.

(1)في خضم أزمة عربية مُستفحلة!

في خضم الأزمة بين العراق والكويت واستفحال الخلاف تلك السنة ظهر وطفا على السطح كل المخزون التاريخي من الخلاف بين البلدين، فالخلاف العراقي الكويتي أبعاد كثيرة ففيه التاريخي وفيه السياسي وفيه الاقتصادي وفيه الأمني بل وفيه النفسي! والمشكلة أنه ما أن يبدأ الحديث عن بُعد من ذلك الخلاف إلا وتأتى بقية الأبعاد مباشرةً دون انتظار أو دعوة من أحد فمثلا:

بغداد تقول: (أنهم في الكويت نسوا أننا حاربنا ثماني سنوات دفاعا عن الخليج وتحملنا في سبيل ذلك ما تحملنا) .

وترد الكويت ب (أنهم في العراق نسوا أننا ساعدنا ، فبعد أسابيع قليلة من الحرب قدمنا للعراق 5 بلايين دولار قرضا يساعد على أغراض الحرب ثم لم تتوقف مساعدتنا فقد كنا نصدر لحسابهم 125 ألف برميل وفاء لالتزامات تعاقدوا عليها في الأسواق ثم توقفوا عن الوفاء بالتزاماتهم نتيجة ظروف الحرب).

وبغداد تقول: (أن المال أرخص تكاليف الحرب ، ولقد كان ما أعطوه لنا دينا مازلنا مطالبين بسداده ومع ذلك فإن تكاليف الحرب على العراق كانت بمئات البلايين ولم تدفع الكويت سوى قدر يسير من التكاليف الحقيقية ومع ذلك فإن المال أرخص شيء) .

وترد الكويت ب: (أن تكاليفنا لم تكن مالا فقط ، فقد طالتنا الصواريخ الإيرانية ودليل دمارها قائم على منشئاتنا البترولية كما أن استقرارنا الداخلي اهتز ، وسال الدم على أرض الكويت).

وبغداد تقول: (أنهم لم يساعدوا بشيء في مجهودنا الحربي ولقد طلبنا منهم تسهيلات في جزيرتي (بوبيان) و(وربة) ولو حصلنا على هذه التسهيلات لامكن تحرير (الفاو) قبل الموعد الذي تحررت فيه بكثير).

وترد الكويت بالإشارة وبما معناه: (لو أنهم اخذوا مثل هذه التسهيلات لما تركوا الجزيرتين بعد الحرب فنحن نعلم أن لديهم مشروعا لتعميق مجرى ملاحي حول الجزر يخدم ميناء شحن في خور عبد الله) .

وبغداد تقول: (إن هذه جزر عراقية وليس هناك شك في ملكيتنا لها) .

وترد الكويت (بأن العراق يكاد يفصح عن مطامعه !).

تعليق:

كان ذلك الحديث المختلط بين دهاليز التاريخ و سراديب السياسة قد ضايق الرئيس المصري الأسبق (حسنى مبارك) الذى حاول تهدئة الأوضاع بين الطرفين ، وبعد جولة بين العراق والكويت وسماعه تلك الحجج وأكثر من كِلا الجانبين ، وكان معروفاً عنه عدم حُب الشرح الكثير، قال لأحد مساعديه: «ولاد الكلب صدعوا دماغي»!

(2) تقديرات العراق

ووسط ذلك كله كان العراق يُحضِر لعمل عسكري إذا لم تستجب الكويت لطلباته ، و كان تقدير القيادة العراقية ، يأتي في صيغة أسئلة وأجوبة ، تنساب منها النتيجة النهائية نقطة بعد نقطة ، وهى كالتالي:

– إن هناك عنصر مخاطرة لا شك فيه بدخول الكويت واحتلالها كلها لكن المخاطرة قد تكون أكبر إذا اقتصرت على جزيرتي بوبيان و وربة ، ففي هذه الحالة سوف يكون في وسع أمير الكويت طلب نجدة من الولايات المتحدة ، وسوف ترسل الولايات المتحدة بقوات جوية كثيفة تنزل في مطار الكويت وتقوم بعمليات ضد العراق ، أو يكون مجرد تمركزها في قواعد كويتية تهديداً دائماً للعراق وذلك معناه أن يتفرغ العراق لهذا التهديد أو يأخذه هذا التهديد على غره بمفاجأة من الخارج أو الداخل.

– وبالتالي فإن احتلال الكويت كلها في ظرف ساعات وآسر الأمير وأعضاء أسرته سوف يحرمهم من فرصة طلب قوات أجنبية بمبرر الدفاع الشرعي عن النفس الذى يستند إلى المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة.

– إذا تمكنت القوات العراقية من احتلال الكويت في ظرف ساعات ، وواجهت العالم بأمر واقع في الصباح ، فما الذى تستطيع الولايات المتحدة عمله:

هل تتدخل عسكرياً؟ وأين هي القاعدة التي تستطيع فيها إنزال وحشد قوات التدخل؟ 

وإذا كانت الكويت قد احتلت بالكامل ، فأين تنزل هذه القوات؟ 

– وكان التقدير العراقي أنه لا توجد دولة بالخليج تسمح للقوات الأمريكية بالنزول في أراضيها واستعمالها لشن حرب على العراق ، خصوصاً بعد أن يكون احتلال الكويت قد أصبح حقيقة ماثلة أمام الجميع.

–  وعلى أي حال فإن السعودية هي مفتاح الموقف بالنسبة لكل دول الخليج. والسعودية تقليدياً لا تقبل نزول قوات عسكرية أجنبية على أراضيها لأسباب تاريخية وسياسية ، ثم إن العراق عقد اتفاقية عدم اعتداء مع السعودية قبل أسابيع قليلة وقعها الملك فهد والرئيس صدام بشخوصهما ، وذلك عنصر تطمين للسعودية بلا شك.

– والسؤال الذى يلي ذلك هو: هل الرأي العام الأمريكي مستعد بعد تجربة فيتنام لحرب برية واسعة في الشرق الأوسط ، فالعراق ليس «بنما» ، وليس «جرانادا» ، وإنما هو قوة يعترف الإعلام الأمريكي نفسه بها وبخطورتها ، وإذن هي حرب برية طويلة في الصحراء.

– وإذا كان الرئيس الأمريكي «رونالد ريجان» لم يستطيع استبقاء قوات مشاة الأسطول الأمريكي في بيروت بعد هجوم فدائي أدى إلى مصرع عدة مئات منهم ، فكيف يستطيع «بوش»  وهو الذى لا يملك تطرف «ريجان» وتطرفه أن يقبل ما هو أوسع نطاقاً وأخطر؟

– وإذا كان الرأي العام في الولايات المتحدة ضد أي حرب بعيدة فإن الكونجرس سوف يعبر عن نفس الاتجاه ويعارض ، وكذلك سوف تفعل بعض قطاعات الإعلام الأمريكي. ثم إن الرئيس الأمريكي سعيد بانتصاره الضخم على الشيوعية في أوروبا ، فهل يغامر بانتصاره أمام الاتحاد السوفييتي ، ويدخل في معركة عسكرية مع العراق؟   

– وصحيح أن الرئيس الأمريكي يتحتم عليه أن يُظهر عضلاته أمام الرأي العام الأمريكي ، وأمام الكونجرس لكنه بدون قاعدة صلبة يتدخل بواسطتها فليس أمامه إلا أن يلجأ إلى القوة الجوية يوجه بها ضربة للعراق مثلما فعل «ريجان» مع (ليبيا) ، ومثل هذه الضربة يستطيع العراق أن يستوعبها.

– ثم أن الاتحاد السوفيتي رغم تهالكه لابد وأن يكون له حساب. فالاتحاد السوفيتي لن يكون عنصراً مساعداً للعراق ، ولكنه يمكن أن يكون عنصر (تثبيت) لرد الفعل الأمريكي. وهذا دور لا يستطيع «جورباتشوف» أن يتهرب منه لأن القوات المسلحة السوفيتية لا تستطيع أن تقبل عملاً عسكرياً يستدعى وجود قوات عسكرية كبيرة في الشرق الأوسط على مقربة من الحدود السوفيتية والجمهوريات الإسلامية في الجنوب منها.

– وبالطبع فإن هناك احتمال أن يلجأ الرئيس الأمريكي إلى الاستعانة بإسرائيل ، ولكن ماذا تفعل إسرائيل مع العلم بأنها متحمسة للعمل ومرددة كل يوم أن العراق الآن هو أخطر أعدائها.

– لكن إسرائيل ليست لديها حدود مع العراق ، وإذن فهي على الأرجح ضربة جوية يمكن استيعابها.

– فإذا أقدمت إسرائيل على حرب برية واسعة ، فمعنى ذلك أن جيشها لابد أن يمر عبر الأردن ، وفى هذه الحالة فإن خطوطه سوف تكون طويلة ومكشوفة ، كما أن الانتفاضة الفلسطينية سوف تكون عبئاً على المؤخرة ، وسوريا شوكة في الجنب ، ويمكن أن تنتهز الفرصة وتأخذ الجولان وما هو أكثر!.

– ثم إن دخول إسرائيل إلى الأردن وصولاً إلى العراق سوف يُحدث جيشاناً في العالم العربي يحرك أوسع الجماهير حتى في مصر ويفرض على حكومتها أن تتحرك وساعتها سوف تسقط معاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية (كامب ديفيد).

– وبالطبع فلا ينبغى لأحد أن ينسى أن مصر عضو مع العراق والأردن في مجلس التعاون العربي.

وإذن فالعملية تحتوى على عنصر مخاطرة يمكن حسابها ، وقصارى ما يحتاجه العراق هو الصبر وقوة الأعصاب.

بالإضافة إلى وجود عدد من المؤثرات يجب أن تُأخذ في الحُسبان:

* إن الكويت نفسها في حالة انكشاف عميق بسبب المشاكل الداخلية (انفجار فضيحة المناخ ، وأزمة المواطنون البدون).

* ثم إن مقابلة الرئيس صدام للسفيرة الأمريكية ابريل جلاسبى والتي قالت لصدام فيها (أن الولايات المتحدة ليست من سياستها أن تتدخل في خلافات عربية عربية ، وأن التعليمات لها وللسفارات الأمريكية في العالم العربي بأن تبتعد عن مشاكل الحدود بين العراق والكويت).

تعليق:

إن ما قالته السفيرة الأمريكية «جلاسبى »  ، هي نفس المعاني التي سمعها مدير المخابرات العراقية د. «فاضل البراك» قبلها بسنوات من «وليام كايسى» رئيس المخابرات المركزية في عهد الرئيس «ريجان» حينما تقابلا في ضاحية (أرانخيز) بالقرب من مدريد وقد رفض «كايسى» طلب القيادة العراقية بضم مقاطعة خوزستان الايرانية للعراق بحجة أن ذلك يُخل بالتوازن الجغرافي الاستراتيجي للمنطقة ، كما لم يعارض كثيراً «كايسى» حينما أشار البراك لمطالب العراق التاريخية في الكويت وعقب قائلاً:

«إن ذلك موضوع أخر ليس مجاله الآن ، وإن كانت الولايات المتحدة ليست لديها التزامات أمنية حتى الآن تجاه مشيخات الخليج». 

انتهى التعليق وعودة لتقديرات العراق بالنسبة لغزو الكويت

* كما أن العالم العربي منقسم منذ خروج مصر بمعاهدة كامب ديفيد والكُل يشعر بحالة دوار.

وأخيراً – فإن كنز الكويت يساوى المخاطرة خصوصاً إذا كانت محسوبة.

فالكويت هي الدولة العربية الثالثة في حجم إنتاجها البترولي (بعد السعودية والعراق).

ثم إن فوائض أموالها في الخارج تقدر بما بين 150 و 200 بليون دولار.

ثم إنتاج الكويت مُضافاً إلى إنتاج العراق يعني الإمساك بثُلث الإنتاج في الخليج كُله ، وهذا موقع فريد في التأثير على الإنتاج وعلى الأسعار.

(3) خطأ التقديرات العراقية!

كان هناك ثلاث نقاط الخلل في الحسابات العراقية:

الأولى- لعل العُقدة الكُبرى في الحسابات العراقية أنها كانت في جانب منها محاولة لوضع أطراف عديدين – عرباً وغير عرب أمام أمر واقع سوف يصُعب عليهم أن يتحركوا إزاءه ، وبالتالي فليس أمامهم ، مهماً كان طعم المرارة في حلوقهم إلا أن يبلعوه.

وكانت النقطة الحرجة أن الأمر الواقع العراقي لم يكُن في رأي الأخرين –عرباً وغير عرب – مُجرد نوع من «المُر» وإنما كان نوعاً من «السُم» ، وعندما رفضوا أن يبلعوه كان ُمحتماً أن يجد الكُل أنفسهم أمام أمر واقع جديد مرارته أشد وسمومه مؤكداً.

فمثلاً الأطراف العربية المؤثرة مثل مصر والسعودية كان مُحتماً أن ترفض ذلك العمل لأسباب بعضها شخصي وبعضها عملي.

فعلى المستوى الشخصي – نجد أن شخصية كُلاً من الملك السعودي (فهد بن عبدالعزيز) والرئيس المصري (حسني مبارك) لم تكنَ متوافقتين مع شخصية الرئيس العراقي (صدام حسين) الميالة للعنف والصدام المعتنقة للأيديولوجية البعثية و الآخذة منحى قومي متشدد في رأى الإثنين (فهد ومبارك).

وأما على المستوى العملي – فإن غزو العراق والكويت سيضيف مكانة وقوة للعراق حتماً ستأتي على مكانة مصر والسعودية.

إن غزو العراق للكويت لو نجح سيُصعب تعامل مصر والسعودية مع القيادة العراقية الصعب التعامل معه من الأصل.

إن ذلك العمل لو تم كان سيجعل الرئيس صدام حسين سيداً على الخليج ، وهذا أمر لم يكن ليقبله أحد لا في الخليج ولا خارجها.

ولعل أكثر ما يُبرز الجانب الشخصي هو نص حديث تليفوني بين عاهل السعودية الملك (فهد) وحاكم قطر الشيخ (خليفة بن حمد آل ثان) التقطته المخابرات العراقية ، وفى هذا الحديث كان الملك (فهد) يشير إلى المشاكل التي يثيرها العراق ويقول :

«أنا لا أعرف ماذا يريد صدام حسين ؟  هو بهذا الشكل ذاهب في مواجهة مع الإسرائيليين ، نسى ما نُشر من أن إسرائيل عندها 200 قنبلة نووية، نسى أيضاً ما حصل لجمال عبد الناصر حينما استفز الغرب، يا ليته يأخذ الدرس مما يحدث في الاتحاد السوفيتي ، الاتحاد السوفيتي تحدى أمريكا سنوات، وهو الآن ينهار، وأنا أخشى أنه سوف يودى بنفسه في داهية».

وأما ما يُبرز الجانب العملي فهو جزء من تقدير الموقف الذى أعدته الأجهزة المصرية (مكتب الرئيس والمخابرات والخارجية) فور علمها بوقوع الغزو وعرضته على الرئيس مبارك وجاء فيه:

  1.   إن الغزو العراقي للكويت كان أمراً يجب توقعه بحكم الأوضاع الاقليمية والدولية ورغبة العراق في أن يؤكد نفسه كقوة اقليمية كبرى في المنطقة.
  2.   إن هذه النية لا بد وأن تكون قديمة لدى العراق ، وقد تكون أحد دوافعه إلى الاشتراك في مجلس التعاون العربي الذى يضم الأردن واليمن والعراق مع مصر ، فهذا المجلس كان له هدف عزل سوريا وتحييد مصر.
  3.  إن الغزو ضربة للمصالح المصرية على أكثر من مستوى ذلك أنه يفرض على مصر أن تختار بين مجلس التعاون العربي وبين دول الخليج الغنية والقادرة على مساعدة مصر. ثم إن هذا الغزو يظهر مصر بمظهر الدولة التي تلاعب بها الآخرون. 
  4.   إن التدخل الأجنبي محتمل ، بل هو أرجح الاحتمالات بسبب مصالح أمريكا البترولية والاستراتيجية ، وهى مصالح لا تسمح لأمريكا أن تترك العراق يسيطر على الكويت وغداً على الخليج وفيه ثلثا احتياطي العالم من البترول.
  5.    إن العراق سوف يحاول بكل الوسائل أن يحتوى ردة الفعل المصري ، وقد يحاول استعمال صلتها لتهدئة الولايات المتحدة وأيضاً لتهدئة إسرائيل.      

وأما الأطراف الخارجية وعلى رأسها وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية كان محتماً أن ترفض ذلك العمل ولعل أكثر تعبير تجسيماً عن أسباب رفض أمريكا للغزو العراقي جاء على لسان وزير الطاقة (جيمس واتكنز) في اجتماع مجلس الأمن القومي الأمريكي صبيحة اليوم التالي للغزو حينما قال في الاجتماع:

« إن ما حدث سوف يحدث فوضى في أسواق البترول إنتاجها وامدادها وأسعارها فضلاً عن أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تسمح بالزواج بين مليون جندي عراقي وثلثي إنتاج البترول في الشرق الأوسط».                       

ثانياً – أن ورقة التقديرات العراقية بالغت في حساب موقف الاتحاد السوفيتي في الأزمة ومدى قُدرته على الأقل في تثبيت الموقف الأمريكي ، ولعل العراقيون لو قرأوا نصوص اللقاء الذى جرى في نهاية عصر ريجان (وبعد أن تبين نجاح نائبه جورج بوش (الأب) بين جورباتشوف و الأمريكان في واشنطن لعرفوا أن أي تعويل على الموقف الروسي غير ذي جدوى ، وهو من باب السراب الذى يحسبه الظمآن ماءً!!

وفى اجتماع الغذاء كان يمثل أمريكا ستة رجال هم: الرئيس «ريجان» ، «بوش الأب» (نائب الرئيس والرئيس الجديد في نفس الوقت) ، و«جورج شولتز» وزير الخارجية ، كولين باول» مستشار الأمن القومي(وهو بعدها مع بوش الأب رئيس الأركان ومع بوش الابن وزيراً للخارجية)! ، و«فرانك كارلوتشى» وزير الدفاع ، و«كين دوبرشاتين» البيت الأبيض.

وبدأ «جورباتشوف» حديثه عن المشاكل التي يواجهها في برنامجه مع الراديكاليين عن إعادة الهيكلة الاقتصادية والانفتاح السياسي (البيريسترويكا والغلاسنوست)

وقال: «إن البيروقراطية السوفيتية تقاومه عند كل منحنى».

وأجاب ريجان: إن البيروقراطيات هي نفسها في العالم كله ، وأبدى تعاطفه مع شكوى جورباتشوف.

تعليق:

لعل كُلاً من كارل ماركس فلاديمير إليتش لينين وجوزيف ستالين لم يخطر على بال أحدهم حتى في أحلك كوابيسهم السوداء أنه سيأتي يوم يشتكى زعيم الاتحاد السوفيتي والدولة القائدة لتحالف البروليتاريا في العالم لزعيمة الدول الرأسمالية وفى معقلها «واشنطن» من «بيروقراطية الجيش الأحمر والحزب الشيوعي»! 

ولكن مع جورباتشوف أو «جوربي» كما كانت تدلله «مارجريت تاتشر» (رئيسة وزراء بريطانيا) أصبح المستحيل واقعاً والحلم الوردي انقلب لكابوس مُخيف ، ولم تصمد شعارات الثورة والحتمية التاريخية أمام قوانين السوق وسحر وبريق الإعلام.

عودة للقاء الغريمين الحبيبين!

ثم تكلم بوش أخيراً وقال: أي تأكيد يمكنك أن تُعطيه لي لأنقله إلى رجال الأعمال الأمريكيين الذين يريدون الاستثمار في الاتحاد السوفيتي على أن البيروسترويكا والجلاسنوست سينجحان؟

وتحجرت عينا جورباتشوف حين سمع الترجمة وأجاب: «إن يسوع المسيح نفسه لا يعرف الإجابة عن هذا السؤال»؟

ورأى باول أن سؤال بوش غريب ، وبطريقة ما ساذج ، فكأنه يطلب من جورباتشوف تأكيداً بأن الاتحاد السوفيتي مكان أمين للرأسمالية الأمريكية.(انتهى الاقتباس من كتاب القادة).

عودة من جديد لسياق الموضوع.

الثالثة – أن هروب الأمير والنافذين من أفراد أسرته سالمين من القفص العراقي قوض الأساس السياسي الذى قامت عليه الخطة ، فقد كان من المفروض أن يتم أسر الأمير وأفراد أسرته ، حتى لا يظل هناك من يملك حقاً في طلب النجدة!

تعليق:

إن نجاح عملية هروب الأمير والأسرة الحاكمة بأسرها يعود للمخابرات المركزية الأمريكية ، التي تنبهت مبكراً للنوايا العراقية وتصرفت على مسؤولياتها ، ونفذت خطة طوارئ قد أعدتها لحماية الأمير.

وأخيراً-

كان واضحاً أن تقديرات العراق فيما يتعلق بقبول الجميع لغزوهم للكويت ، وكذا والتعويل على دور سوفيتي يُثبت ردة الفعل الأمريكي تجاه الغزو خاطئة.

ودارت بعدها عجلة الأحداث لتُثبت أن المقدمات الخاطئة تؤدى إلى نتائج خاطئة ، ولكن في تلك الحالة لم تكن النتائج «خاطئة» فقط ، بل كانت «مُدمرة» ، ولكن في السياسة الشعوب هي التي تدفع أثمان اختيارات قادتها الخاطئة أو المُدمرة من حياتهم واستقرارهم وعرقهم ودمائهم وأرواحهم.

مجدي منصور, محامي مصري وكاتب سياسي

مجدي منصور كاتب سياسي مصري له العديد من المقالات والدراسات المنشورة بكبرى المواقع ك (ساسة بوست - نون بوست - هاف بوست- عربي بوست - روافد بوست).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى