لبنان في الكتاب المقدس: “طلعته كلبنان. فتى كالارز” نشيد ٥:٥١…… ازلي الاسم | بقلم أ. د. سمير مطر
لبنان الكبير الذي أعلن من قصر الصنوبر في بيروت من قبل الجنرال الفرنسي غورو في ١٩٢٠، عمره قرن و نيف
لبنان الاستقلال عمره ٧٩ سنة اليوم، اما لبنان الغد فهو بعهدة شباب الجيل الطالع لأن من سبقهم، بالرغم من بعض الانجازات التي حققت في بناء دولة المؤسسات في البداية فشل في تحقيق لبنان الوطن النهائي الحاضن لجميع أبنائه دون تمييز و دون فؤوية، بعبارة اخرى لبنان الحلم.
مع ان استقلال لبنان عمره 79 سنة لا يزال شكليا نتيجة الوصايات و الاحتلالات الخارجية التي تتابعت عليه الواحدة تلو الأخرى، و ها نحن في بلد منهك سياسيا و اجتماعيا ناهيك الفشل الاقتصادي الذريع… و الكلمة الفصل في كل هذا هي الفساد المستشري و المحاصصات على كل مستوى.
رجالات الاستقلال مثل بشارة الخوري و رياض الصلح و غيرهم، صنعوا لبنان الجمهورية الديمقراطية.
خيار الديمقراطية انما هو من أسلم الخيارات مقارنة بالثيوقراطية، أو النظام الرئاسي كما كان في بعض الدول العربية قبل الربيع العربي منذ ١٢ سنة تقريبا، و ايضا الملكية المطلقة. بينما نرى حاليا بعض الثيوقراطيات المتحجرة، الأنظمة الرئاسية قد اندحرت. الملكية المطلقة كما كانت في فرنسا مثلا، لقد فشلت و اضمحلت في القرن الثامن عشر بعد الثورة الفرنسية، و حلت مكانها الجمهورية République و معها شرعة حقوق الإنسان. الكلمة تنبع من اللاتينية وهي من جزأين res تعني الشيء و publica تعني العامة او الشعب.
الجمهورية تعني إذا ان الشعب هو مصدر السلطات و هو الحاكم الآمر، اي انه في مكانة اقامة السلطات كما اقالتها إن عجزت او فشلت و ذلك من خلال الانتخابات و الاستفتاءات….و ربما في أقصى الحالات بالثورة و الانقلاب. هذا ينطوي على نضوج و ثقافة اجتماعية- سياسية عالية المستوى، لا تأتي بين ليلة و ضحاها، لكن بالمراس و التمرس الاجتماعي على مدى سنين عديدة… قرنين و نيف في فرنسا على سبيل المثال. الجمهورية بقدر ما هي أفضل نظام سياسي، تبقى هشة و تطلب النضوج من الشعب لممارستها السليمة. ان اخذنا مثل فرنسا الحالية نرى ان بين الثورة و الجمهورية حلت وقتيا الامبراطورية مع نابليون ال ١، ٢، ٣… مرت الكثير من الكبوات لتصل اليها. الهشاشة نراها حاليا في مشهدية غير سليمة، اذ ان الرئيس ماكرون انتخب دون صعوبة كبيرة في ايار ٢٠٢٢ ليس من اجل إنجازاته بل تفاديا لمجيء لو بن رئيسة من أقصى اليمين. أما الانتخابات النيابية بعد ذلك اتت لتترجم المعضلة بوصول عدد كبير من النواب من أقصى اليمين و أقصى اليسار… الآن تحكم فرنسا بصعوبة للأسف.
عودة الى لبنان ما زال الشعب في طور النضوج و المراس الصعب للجمهورية، اي انه غير مقتدر على القرار الشخصي السليم، نجده في اكثر الأحيان ذا تبعية كاملة لزعيمه في خياراته، اما لأسباب مادية او لأسباب عقائدية.
من هنا يأتي دور شباب وشابات المستقبل الذين تطوروا في رؤيتهم للبنان. الدليل في مشهدية ثورة تشرين ٢٠١٩ (الرجاء مراجعة مقالي السابق عن الموضوع على هذا الموقع الكريم). كلمتي للشباب و الشابات: عليكم الان مباشرة بناء :
*لبنان الحرية، حيث المواطن تحرر من الانتماءات المحدودة لزعيمه و طاءفته ليكون فقط لجمهوريته.
*لبنان تكافئ الفرص، حيث الوظيفة و المركز لا تأتي من خلال الانتماءات السابق ذكرها بل من خلال الكفاءة و العمل الدؤوب.
*لبنان الاخوة، حيث الآخر انما هو اخي في المواطنة بغض النظر عن مذهبه و مولده أمير أو شيخ او بيك و ما أشبه ذلك…
* لبنان الرسالة، حيث التعايش المشترك بين اطيافه، يصبح مثلا يحتذى به، كما قال البابا يوحنا الثاني في زيارته الى لبنان منذ سنوات، إن كل هذه التوصيفات يمكن اختزالها بعبارة واحدة، ان نطمح كلنا و بكل قدراتنا الى “لبنان الإنسان” humanisme libanais، ان الإنسانية منحى اجتماعي ثقافي و حتى فلسفي يعطي القيم و الحق بالعيش الكريم، و الاحترام و الخيار الحر للفرد كإنسان محور للمجتمع و ما يتبلور حوله اي الوطن. في هكذا منحى الصورة الأقرب أجدها في عالم الحيويات حيث الجسم الحي لا وجود له دون الخلايا المجتمعة معا لتكوينه. الخلايا المريضة تنتج جسما مريضا و الخلايا السليمة ذات المناعة تنتج الجسم السليم، و ان مرضت الخلية، يمرض الجسم باكمله.
يجدر بالذكر ان المفكرة الشهيرة مي زيادة كتبت عن الانسانية العربية، مع التركيز على المرأة و دورها في العالم العربي، كيف لا و كلنا يعلم مدى التطور الفكري الضروري عند الرجل العربي لكي تنال المرآة العربية باستحقاق دورها الطبيعي في مجتمعاتنا المتأخرة الى حد بعيد….
من هنا يا ابني إلياس و يا شباب و شابات لبنان، الخيار لكم. و كما تنبؤكم المقولة : “يولى عليكم كما تكونون” على حكامكم ان يشبهوكم فاختاروا الحكام اللذين يمثلوكم على ان يكون ولاؤهم، على مثالكم، للبنان فقط.
عندها يتحقق الاستقلال الفعلي وليس الصوري. لا تخافوا ان تعبروا عن رايكم الوطني بانتخابت نزيهة لا دور للدولار فيه، لكي تصنعوا الجمهورية المستقلة، لبنان الحلم.
الطريق شاق و معور لكن أنتم امل لبنان المستقبل
و كل عيد استقلال و انتم و لبنان بخير