سلسلة الأزرق الملتهب (2): فرنسا من عشق لون المتوسط إلى عشق رائحة غازه
يتابع الملف الاستراتيجي عرض الجزء الثاني من سلسلة الازرق الملتهب التي شارك فيها خمسة خبراء للإجابة على أربع أسئلة محورية. سؤال المحور الثاني هو عن وجهة الصراع على الحوض الشرقي للبحر الابيض المتوسط وهل تتحضر أوروبا للحرب في هذا الحوض وعليه؟ (ادارت الحوار نور الحلو)
الدكتور محي الدين الشحيمي – أستاذ في كلية باريس للأعمال
يعتبر الحوض الشرقي للبحر المتوسط او الحوض القديم من الاماكن المحورية والمركزية للعالم فهو صاحب المعبار الجيوبوليتيكي المؤثر والمعيار الاستراتيجي المتحول لذلك ان اي تحول في هذه المنطقة سوف تصيب بتغيرها مختلف مناطق الغبراء المسكونة، نلاحظ هذه الفترة ونلامس تغيرا محسوسا في النمط السياسي العالمي والذي سوف ينعكس على تبدل في الخريطة السياسية وفي مفهوم العلاقات الدولية والتي تعتمد بشكل دائم على شرطي القوة والمصلحة والمنافع، في خضم هذه العوامل نعتبر ان الحوض الشرقي للبحر المتوسط مقدم على مرحلة حساسة جدا وفريدة على مستوى الثوابت التقليدية وهذا التغيير يتسلح بكلمة سر واحدة تدور حول الثروات الطبيعية والنفطية والغار في هذه المنطقة ومن انه حان الوقت للاستفادة منها لذلك سوف تدخل المنطقة لعصر من الغليان والسخونة والتوترات لجهة ترسيم الحدود وتحديد المناطق الاقتصادية وحل المشاكل البينية والجانبية فيما بين الاطراف لان هذا الملف لا يمكن الاستفادة منه الا من خلال النجاح في احلال مناخ من الاستقرار والسلم والامن الدوليين والمتلازمين للاحترام للقوانين والاتفاقيات الدولية فالشركات الكبرى لا تستثمر في مناخات مضطربة، لذلك نستبعد الحصول اي حرب او مواجهة متشعبة في هذه المنطقة لاعتبارات عديدة ومنها انتفاء شرط المصلحة والثاني والاهم عدم قدرة اي طرف في الدخول في مواجهة عسكرية شاملة وكلاسيكية، حيث العالم وباغلبه مرهق اقتصاديا من تداعيات الازمة المالية الكبرى والثالث والاكثر اهمية مفاعيل واثار جائحة الكورونا والتي شكلت صدمة للنظام العالمي وباتت الحجر الاساس للتغيير الشامل، ناهيك عن ان العالم في اساسه بحرب هي اشرس من الحروب الكلاسيكية والتقليدية لذلك ليس هنالك حربا بالمعني التقليدي للحرب، حيث ان هنالك تحولا في مفهوم الحرب فلم تعد هي فقط حرب الجبهة والمواجهة المباشرة بل هي الحرب التجارية والثقافية وحروب الذكاء الاصطناعي والمواجهات الالكترونية الفضائية والتي تثبت يوما بعد يوما بقدرتها على الشل بشكل اقدر، الا ان الامر لا يخلو من تنفيسات خفيفة ومحدودة ومحلية (ارمينيا –اذربيجان ) من دون ان تكتسب المرونة لتتحول لحرب ومواجهة شاملة فسوف نرى بعد المواجهات الصغيرة والمحجمة والتي سوف تستخدم كرسائل فقط من اجل الوصول للحل الشامل والنهائي والذي ينادي بالاستفادة من الثروات الطبيعية والنفطية والتي حان وقتها.
السيد علي الهماشي – كاتب سياسي عراقي
طموح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لايتجه الى الجنوب فحسب ،وإنما يذهب باتجاه المتوسط لتكون لتركيا اطلالة على الموانئ وانتاج الطاقة ،وهذا ما جرى في ليبيا من تدخل مباشر من قبل تركيا .
وما يساعد تركيا اردوغان على الامتداد هو ضعف القرار الاوربي والارادة الاوربية للتدخل خارج الاراضي الاوربية ، فلا يمكن للدول الاوربية أن (تتورط) في صراع مباشر خارج اراضيها ، وكانت اوربا مستظلة بالخيمة الامريكية في التدخل،ويبدو أن أمريكا ترامب لاتريد أن تدفع باتجاه المتوسط وهو ما يجعل اوربا مترددة ايضا.
وهناك ميثاق الناتو الذي تتصرف فيه تركيا بذكاء أو (بانتهازية) كما يريد منتقديها تسميته.
ولهذا لن تكون هناك حربا منظورة مباشرة لعدم قدرة اوربا او بعض دولها منفصلة سيما وان المصالح الستراتيجة الكبرى مازالت في مأمن كما يظن الاتحاد الاوربي الذي يعيش حالة اهتزاز داخلي بعد خروج بريطانيا وأزمة كوفيد 19.
وهذا ما وجدناه في التردد المصري فيما يتعلق بوصول القوات التركية الى حدودها الغربية ان جاز التعبير ،بسبب عدم الحصول على تأييد واضح في هذا الامر.
السيد اكرم ناظم بزي – كاتب سياسي وصحافي لبناني
حول الصراع على ثروات البحر الأبيض المتوسط وتوزيع مناطق النفوذ العالمي والأوروبي خاصة، يبدو جلياً أنه كلما تقدمت الأيام يزداد الوضع خطورة وهناك من يعمل على تأجيج الخلافات السياسية وتزكية الصراعات العسكرية القائمة في المنطقة وحدودها للإبقاء على حالة الشلل من جانب، واحكام السيطرة لأوروبا من جانب آخر بالتقاسم مع الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني وحالات “التطبيع” التي نشهدها هي لاقامة تحالفات أحد أهدافها الأساسية مواجهة أي نفوذ إيراني وتركي مستقبلاً، فمنذ فترة والوضع يزداد تأزما وخطورة في بحر إيجه، حتى أن مصادر متطابقة تحدثت عن “تدخل للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل حال دون حصول نزاع مسلح بين اليونان وتركيا. والسبب هو عزم أنقرة القيام بأعمال التنقيب عن الغاز في منطقة بحرية تعلن اليونان سيطرتها عليها. وكتعليل للتحرك التركي أعلنت أنقرة أن هذه المنطقة، وحسب اتفاقية مبرمة مع حكومة الوفاق الليبية في طرابلس، باتت منطقة نفوذ تركية”.
يقول شتيفان رول (المعهد الألماني للسياسة الدولية في برلين)، في مقابلة مع “دويتشه فيل” وحول الوضع في شرق البحر المتوسط “الاتفاقية المبرمة الآن لها علاقة مباشرة مع اتفاقية المناطق الاقتصادية التي وقعتها تركيا وحكومة الوفاق الليبية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. فاليونان ومصر رأتا في تلك الاتفاقية تهديدا واضحا لمصالحهما. لا أعرف إلى أي مدى تم التفاوض بين أثينا والقاهرة حول الاتفاقية الجديدة، لكن الأمر يتعلق في نهاية المطاف بسد الأبواب أمام تركيا.
وبالنسبة إلى مصر يكون من المهم احتواؤها. فاستراتيجية الطاقة المصرية تهدف للقيام بصادرات غاز بحجم كبير. لكن في النهاية النزاع المصري مع تركيا أكبر من ذلك بكثير، إنه يعود إلى الانقلاب العسكري في 2013 في مصر الذي كان موجها ضد حكم الإخوان المسلمين حينها. فالقاهرة تتهم تركيا بدعم الإخوان المسلمين، وهو صحيح إلى حد كبير. فالكثير من كوادر الإخوان المسلمين يعيشون في المنفى في تركيا. والقيادة المصرية تشعر بالتهديد من طرف تركيا وتتهمها بالتخطيط للانقلاب المضاد.
الدكتور عبد اللطيف درويش – استاذ العلوم السياسية وادارة الكوارث في جامعة كارديف، المملكة المتحدة
ان ثروات الغاز في البحر المتوسط هائلة والصراع والتنافس بين الشركات والتي تضع الدول في الواجهة محتدم فالشركات ستحصل على نسبة لاتقل عن ٧٥٪ من الثروات بينما ستحصل الدول وفي أحسن الأحوال على ٢٥٪ فقط ، اما الاتحاد الاوروبي والذي لا يعدو كونه تجمع واتحاد اقتصادي اكثر منه سياسي ، وتتجاذبه المصالح والتبادلات التجارية والعسكرية مع تركيا كما هي حال المانيا والتي تتجاوز تبادلاتها التجارية مع تركيا الأربعون مليار هذا بالاضافة الى تاثير الجالية التركية في العملية الانتخابية في المانيا وكذلك حال التعاون التركي والإيطالي والاسباني وغيرها من الدول . ومن جانب اخر فرنسا التي وقعت عقود استخراج واستغلال الغاز مع اليونان كل ذلك سيقود الى عجز الاتحاد الاوروبي الى حل الازمة اليونانية التركية والذي سيمهد الى التدخل الامريكي لحل الازمة وإخراج فرنسا من لعبة الغاز من خلال تركيا وهو الهدف الامريكي، وإعادة تقسيم الحصص والى دور اكبر واساسي للشركات الامريكية واشراف مباشر على خط الغاز الذاهب الى اوروبا والذي يضمن بقاء امريكا في اوروبا وروسيا خارجها وألمانيا تحت السيطرة .
الدكتور بيار الخوري – ناشر الموقع
ان اطلاق خط انابيب “ايست ميد” الذي يربط الغاز في مياه فلسطين المحتلة بجزيرة قبرص اليونانية كمركز توزيع الى اوروبا، قد اطلق شياطين الدول المتشاطئة على المتوسط. لقد استبعد الخط البحري ادماج تركيا في مشروع الانابيب وهو ما اعتبرته تركيا مشروع تطويق استراتيجي لها وفتح بابها امام مخططات تفتيت المنطقة وهي التي تتشكل من اعراق وقوميات مختلفة وكسر امكانية تحضير تركيا نفسها بالموارد اللازمة لمواجهة زمن صراع الامم على الموارد المتناقصة للكرة لارضية.
يوحي السلوك الفرنسي بعنجهية استعمارية تحاول ان تقود مشروعا” متوسطيا” تستند بشكل استراتيجي الى ضعف المنطقة العربية وتفككها، وهي عبر عزل تركيا تكون قد قررت ان شريكها في المتوسط هو دولة اسرائيل وشريكها الدولي هي الولايات المتحدة الاميركية،فيما تدخل في شراكة مع روسيا على توزيع مغانم الغاز والنفط حيث يتوقع ان تستحوذ الشركات المنقبة على 75% من الثروة الهيدروكربونية وادخال الشاطئ السوري في ايست ميد بعد توقيع سوريا اتفاقية سلام مع اسرائيل وهو ما تضغط روسيا لتحقيقه اليوم.
روسيا تراقب وتستفيد كونها باتت شريك اضطراري في ثروات المتوسط بعد دخولها الى المياه الدافئة. روسيا من ناحية اخرى لا تريد لتركيا ان تتجه نحو اسيا الوسطى ( وهو الهم الاستراتيجي الاساسي لروسيا بما يتعلق بتركيا)، بالتالي فهي غير ذات مصلحة في استبعاد تركيا.
فرنسا تستمد قوتها اليوم باسرائيل وبضعف العرب في ظل غض نظر المراقب الاميركي ودقة الموقف الروسي. لكن الحكاية لا تنتهي هنا.
انقرة لا تمانع في توسيع الصراع على المتوسط وهي تستدرج فرنسا وتتحداها. يمكن لهذا التوتر ان يتحول الى اشكال مختلفة من الحروب وتجييش العالم الاسلامي التي يجيد خطابها الرئيس التركي. فرنسا ليست الولايات لمتحدة ولا حتى تركيا لانها لا تملك السيطرة على مواردها المالية كونها مرتهنة للبنك المركزبي الاوروبي ولا تستطيع تمويل توسعها بالتضخم. في الوقت الذي لا تجد الدولة الاوروبية الاكثر تاثيرا (المانيا) مصلحة لها في تصعيد الصراع الاوروبي – التركي، وفي الوقت الذي اصبحت المملكة المتحدة التي تتشارك الثقافة الاستعمارية مع فرنسا خارج الاتحاد الاوروبي كليا” بعد بركسيت.