سلسلة الأزرق الملتهب (4): الولايات المتحدة وصراع حوض المتوسط
يتابع الملف الإستراتيجي نشر الجزء الرابع من سلسلة الأزرق الملتهب التي تدور حول الصراع على شرق المتوسط والمتغير التركي بشكل خاص. السؤال الرابع الذي يجيب عليه خمسة باحثين هو: ما هو موقف الولايات المتحدة من الطموحات التركية وهل تمانع الدولة العظمى في حرب أوروبية إسلامية؟
السيد علي الهماشي، كاتب سياسي عراقي
نعلم ان إستراتيجية الولايات المتحدة تمتد أفقيًا مع استراتيجية الدولة العبرية، وتتعلق بارتباط تركيا بحلف الناتو ، فتركيا رغم صوتها العالي في القضايا الاسلامية ،وحتى قضية القدس إلا أنها هادئة وناعمة مع اسرائيل ،فهي لم تخفض او تلغي أي اتفاقية مبرمة مع (اسرائيل ) وهذا ما لايزعج الولايات المتحدة التي ترى في تركيا دولة مشاغبة في حلف الناتو إلا أنها لم تخرج بعد من هذا الحلف ولاتهدد حليفاتها الأولى في الشرق الأوسط.
ولهذا تتصرف الولايات المتحدة مع تركيا في كل قضية بصورة منفصلة .
ولايمكن التغافل عن الخلاف الأساسي بين الطرفين بما تصفه تركيا برعاية الولايات المتحدة للإرهابين (حسب تصنيفها ) فيما يتعلق بقادة الإنقلاب الفاشل ضد أددوغان .
ولكنها تجد من جانب آخر موقفًا إيجابيًا حازمًا منها تجاه حزب العمال الكردستاني ،وتتغاضى عن الدخول التركي في شمال العراق وتريد شرعنته من خلال جعلها قوة من الناتو تساعد العراق في الحرب على الإرهاب .
الدكتور عبد اللطيف درويش، أستاذ الاقتصاد وإدارة الكوارث في جامعة كارديف في المملكة المتحدة
تتمتع الولايات المتحدة بعلاقات اقتصادية وسياسية قوية مع تركيا رغم الاختلافات التكتيكية في بعض القضايا ، واذا نجحت تركيا في توفير حالة تضع الإسلام السني في إطار محدد فان ذلك سيسهل على الغرب والولايات المتحدة الأمريكية التعامل مع الحركات الإسلامية ويحد من تطرفها حسب الرأي الغربي .
ورغم ان الأوروبيين والأمريكان بحاجة الى عدو وهمي يجمعهم ويبرر وجود حلف الناتو والذي قد يكون روسيا او الاسلام او الأورثوذكسية إلا أنهم لن يذهبوا إلى حرب على العالم الإسلامي لأن الفكرة كفكرة في حد ذاتها قد تدفع المسلمين إلى الوحدة ضدهم لذلك سيبقى العدو الوهمي في الإعلام ليغطي على أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية ويسهل ويبرر لهم الإجهاز على كل دولة على حده لتحقيق وضمان مصالحهم .
السيد أكرم ناظم بزي، كاتب سياسي وصحافي لبناني
بالرغم من كل الخلافات بين الأميركيين والأوروبيين من جهة والأتراك من جهة ثانية الا أن تركيا ضرورة إستراتيجية، وضرورة أمنية، وضرورة سياسية وضرورة إقتصادية للغرب، لذلك حين يذهب ترامب ويتعاطى مع تركيا بمعزل مَن يحكم تركيا هنا، وصحيفة الجمهورية المصرية حين وصفت سياساته بأنها حمقاء، نعم، هي سياسات حمقاء ومغامرة أوصلت تركيا الى هنا، فهي لم تجد بالنهاية إلا قطر لتعطيها 15 مليار دولار وما الى ذلك، لكن غير هذا الأمر تركيا كموقع إستراتيجي، جغرافي، أمني، سياسي، إقتصادي بالنسبة للغرب، لأن العلاقات الأساسية هناك، تركيا علاقاتها مع الغرب، لكن لا يهمّنا كثيراً أين تذهب مع إيران، مع روسيا، وبالتالي تركيا الكبيرة هذه لا يمكن أن نتعاطى معها وهي الإقتصادي رقم 17 في العالم، نتعاطى معها كما لو أنها دولة صغيرة نصفعها كف ويرضخ أردوغان وما الى ذلك. وإذا أضفنا روسيا والصين وإيران وكل هذه الدول التي تعارض المعكسر الأميركي، إضافة الى الدعم الداخلي كما ذكرت، ثمّ دخلت قطر الى الخط ب15 مليار دولار وقد يكون أكثر من ذلك، هذا يعني أن هناك دعم لتركيا من عدة دول متعددة. لكن قصة قطر أيضاً تُدخلنا الى أمر آخر، أن هذا التوتّر التركي الأميركي ليس مجرّد تركي أميركي، هو صراع على أدوار إقليمية متعددة. لكن إذا أردنا أن نأخذ قليلاً العلاقات بين الولايات المتّحدة الأميركية وتركيا، هذه العلاقات شهدت علاقات أكبر بكثير من التوتّر الحالي، في العام 1964 شهدت توتّر بما عُرف رسالة جونسون الى عصمت إينونو رئيس الحكومة التركي الذي قال له ممنوع أن تستخدم السلاح في قبرص إذا لم تأخذ موافقة الإدارة الأميركية، وهذا مشهور في التاريخ. طبعاً انزعج الأتراك وأعقب هذه الرسالة تقارب مع روسيا من الأتراك.
وفي العام 1974 تركيا غزت قبرص وفرضت أميركا منع بيع سلاح لتركيا وردّت تركيا بإغلاق كل المراكز العسكرية التركية التي تستخدمها القوات التركية من ضمنها قاعدة إنجرليك، وبقي هذا الأمر أربع سنوات الى 1978 حتى استوت العلاقات وأعادت أميركا بيعها السلاح لتركيا وبقيت قاعدة أنجرليك الى سنة 1980 بعد الإنقلاب العسكري حتى أُعيد السماح لأميركا باستخدام هذه القاعدة. ويوجد أزمات، استمرّت في السابق بين تركيا وأميركا عدّة سنوات الى أن تعود الى مجاريها الأولى.
تركيا لا يمكنها التخلي عن واشنطن صحيح وأيضاً واشنطن لا يمكنها التخلي عن تركيا، فهي ليس دولة صغيرة وليست لعبة بمعزل مَن هو حاكم تركيا، علماني، عسكري، إسلامي، قومي، أيّاً كان. وبالتالي العلاقات بين البلدين، هذه الأزمة محكومة بالنهاية بالتسوية… هناك شراكة كاملة بين الولايات المتّحدة وتركيا رغم ما نشهده الآن فيما بينهم، وطبعاً مع إسرائيل في تدمير سوريا، تدمير المجتمع، تدمير الأرض، تسليح الإرهابيين وما الى ذلك، فلا أحد يزايد على أحد لا التركي ولا الأميركي بالنسبة للموقف من سوريا.
المصادر: “واشنطن بوست”، دويتشه فيل، ناجي قمحة، “الميادين” والدكتور محمد نور الدين.
الدكتور محي الدين الشحيمي، أستاذ في كلية باريس للأعمال
لا مشكلة أبدًا مع الطموحات والأحلام والسبب بسيط في ان كلها وأغلبها يبقى كذلك ولم يتحقق بالرغم من ما تمثله تركيا لأميركا في كونها الشريك والحليف والشرطي في بعض الاحيان , حيث ان السياسة الحقيقية هي السياسة الواقعية وهي التي ترسم المعايير وتقوم بسبر المحددات الاساسية , لذلك نرى كيفية التعامل مع هذه القضايا والأمور من منطلق الواقعية وليس التوازن والسواسية أي وبشكل صريح في التعامل على القطعة , فالعالم كله حاليًا غير متحضر للحرب وليس له قدرة على القيام بها , تعترضه مشاكل كبيرة واساسية وبالاضافة الى انه ليس هنالك من اصطفافات عريضة وعامودية فهناك تقاطع في المصالح بين الجميع وضد الجميع , اضافة الى سقوط مفهوم الحرب بشكلها القديم والمتعارف عليه , فان اي حرب مع الطرف الاسلامي سوف تخلق مشاكل وتوترات شديدة في مختلف اصقاع العالم فالمسلمين متواجدين في مختلف دول العالم من أميركا لأوروبا للصين وأستراليا وهم أضحوا يشكلون نسيج هذه الدول المقيمين بها بل وحتى مؤسسين لذلك ان صفة الحرب الاوربية او العالمية الاسلامية سقط حيث سوف يكون مؤداها التشرذم العالمي انما هنالك الحرب على الإرهاب وهذا طبعا أمر آخر ومختلف وهي حاجة ومصلحة شاملة للجميع حيث الإرهاب لا دين له ولا مذهب ولا معتقد هو الفوضى بذلك ونرى بان الإسلام هو اول من دفع تلك الفاتورة وما زال يدفعها بحجج واهية وعمليات مخطط لا مسبقا , لذلك بالأمر ان نتحول وبشكل حثيث لجديين أكثر بالمواجهة والمكافحة لهذا الخطر الكبير والذي يهدد الانسانية , لذلك ان الدول الكبرى تعي مخاطر هذا الامر ولن تقبل به ابدا وخصوصا في هذه المرحلة , فالمواجهات هي محض سياسية واستراتيجية فقط.
الدكتور بيار الخوري، ناشر الموقع
ان خطط الانسحاب العسكري الاميركي من سوريا والعراق وافغانستان مع الابقاء على القواعد الجوية والتحكم بالممرات البحرية لضمان السيطرة الاستراتيجية، يطرح سؤالين هامين:
هل اسلست الولايات المتحدة القياد للدولة العبرية لاحلال دور اميركي بدور اسرائيلي بالتحكم المباشر بالنزاعات؟
هل ترغب الولايات المتحدة بتوسيع هامش الفراغ ودفع الاطراف ذات المصلحة نحو تحديات اوسع للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية.؟
لقد اجبت في الحلقة السابقة بالايجاب على السؤال الاول. اما بالنسبة للسؤال الثاني، فان خيالي التاريخي ياخذني دائما” الى مقدمات الحرب العالمية الثانية وهي التي تعرف على نطاق واسع بالحرب الاهلية الاوروبية في المركز والمستعمرات.
لقد تفرجت الولايات المتحدة على هذه الحرب من بعيد واختارت لحظة حاسمة للتدخل بعد ان انهك المتحاربون الاوروبيون جميعا” وبعد الانتصارات الخطرة لستالين زعيم الاتحاد السوفياتي والتي هددت بسيطرة الامبراطورية الستالينية على وسط العالم.
ربما نكون امام سيناريو شبيه مع اختلاف اللاعبين. في معركة السيطرة على العالم من موقع القيادة، وهو امر ثابت في الاستراتيجية الاميركية ولا يختلف باختلاف الرؤساء والاحزاب في الولايات المتحدة. ان الصراع على المتوسط رغم مخاطر زيادة حصص روسيا في الشرق فهو يخدم سياسة انهاك جميع اللاعبين.
لكن الخطر السوفياتي الذي حكم تحرك الولايات المتحدة نهاية الحرب الثانية يتحول اليوم الى خطر مزدوج روسي وصيني. ستلعب الولايات المتحدة لتعديل ميزان القوى دائما” بما يمنع تمدد هذين الخطرين.
مشروع مارشال الجديد سيكون في المتوسط، لكن زمانه لم يأتِ بعد.